|
ذكريات الزمن القاسي 6
محمد علي الشبيبي
الحوار المتمدن-العدد: 1595 - 2006 / 6 / 28 - 11:07
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الحلقة السادسة انقلاب شباط الدامي
كان تراجع الحرس القومي عن نقلنا وتسفيرنا خارج كربلاء موقتا ففي فجر أليوم ألثاني في ألثانية صباحا نقلنا الى مركز شرطة ألحلة حيث كان باستقبالنا صفين من ألشرطة وألحرس ألقومي وما أن نمر من بينهم حتى ينهالوا بالعصي علينا بعشوائية، وبشتائم تنم عن حقد دفين. أخبرنا بعض ألموقوفون ألعاديون أن ألوجبة ألتي سبقتنا بالأمس من ألمعتقلين ألسياسيين أجبرهم ألحرس ألقومي على تنظيف ألمرافق ألصحية وتفريغها من قاذوراتها وحلق شعر رؤوسهم، وذلك لإهانتهم!!. بقينا في موقف مركز شرطة ألحلة حتى ألمساء حيث نقلنا الى سجن الحلة المركزي في قسم ألمعمل. كان الحرس القومي يتجنب نقل المعتقلين نهارا خوفا من ردود الفعل الشعبية، فكانوا يتسترون بظلام الليل في عمليات نقل المعتقلين. ألقسم الذي نقلنا اليه صمم ليكون معملا للنسيج لتشغيل ألسجناء ثم اهمل ألمشروع. وهو عبارة عن ممر طويل ربما يتجاوز طوله 80 م وعرض لايزيد عن 5 م، في أحد أطرافه توجد حنفية ماء وحوض صغير وبجانبها تواليت واحد. ويقع المعمل على ماأعتقد بين ألسجن ألقديم وألسجن الجديد ويشرف من الطرفين على ممر ألسجن ألذي يطوق كل أقسام سجن الحلة. عندما وصلنا الى السجن كان الوقت ليلا ومعظم المعتقلين نيام وكانت القاعة مزدحمه بالمعتقلين فلم نجد مكانا نجلس فيه، فنهض أحدهم وقدم نفسه لنا، انه صاحب ألحكيم (أبو بشرى) وهو كادر شيوعي من مدينة ألنجف، كان معتقلا قبل الانقلاب، وسبق وأن تعرفت عليه لاول مرة بعد ثورة تموز ألمجيدة عندما تم اطلاق سراح السجناء السياسيين، واطلق سراحه مع عمي محمد علي او جاء مرافقا له، وعانقته معتقدا أنه عمي. بعد ان قدم صاحب نفسه لنا دعى المستيقظين ألى التراصف لتوفير مكانا للقادمين الجدد، وقد أحدث وصولنا جلبة وضوضاء فاستيقظ معظم ألنزلاء، وتحلقوا حولنا يستفسرون عن اخر ألاخبار ولم نكن نعرف أكثر منهم لاننا من الذين اعتقلوا في ألايام ألاولى من ألانقلاب ألمشؤوم. وتم تدبير مكان لنا وسط المعمل ( ألقاووش). كان ألقاووش مزدحما بالنزلاء من مختلف مدن الفرات ألاوسط وحتى من بغداد، كان بيننا الطلبه، ألفلاحين، ألعمال، ألاساتذة، ألاطباء، ألمحامين ومن جميع ألمهن وكان ألنصيب ألأكثر للعسكريين من مختلف ألرتب. كنا نجلس طول أليوم في هذا ألقاووش ألمزدحم ولامجال للمشي وألحركة. ألتهوية كانت رديئة، فالشبابيك ألوحيدة كانت على ارتفاع أكثر من 2.5م ولايمكن فتحها، فكان ألهواء يدخل من ألابواب ألموجودة في طرفي ألقاووش والتي تطل على الممر الذي يطوق اقسام السجن. تجاوز عدد النزلاء ألسبعمائة معتقل، وسبب هذا ألعدد أزمة داخل القاووش، ففي أي وقت تحاول أن تغتسل أو أن تذهب للمرافق تجد أمامك عشرون أو أكثر ينتظرون قبلك في صف طويل. ولتوضيح الصورة المزرية التي عانيناها في ظل حكم البعث في شباط 1963 على القاريء ان يوزع 24 ساعة (ساعات اليوم) على المعتقلين (اكثر من 500) ليرى حصة الفرد للأستفادة من حنفية واحدة وتواليت واحد وسيجد حصة كل معتقل يوميا من الوقت للإستفادة من التواليت وحنفية الماء لاتتجاوز 3 دقائق باليوم ليغتسل بها ويقضي حاجته!!!! هذه ألحالة ألمزرية التي كنا نعاني منها، من ازدحام السجناء وعدم توفر ألمرافق ألصحية، عددا ونوعية، هذه ألأوضاع المزرية أوحت للشاعر الشعبي ألرائع لطيف بربن، من أهالي ألحلة، بقصيدة شعبية رائعة صور فيها حياتنا داخل ألسجن وما نعانيه باسلوب ناقد وساخر، تحدث فيها عن ألازدحام وضيق ألمكان، عن التعداد وتصرف السجانة كعبدالله الشباب وأبو سبتي وغيرهم أثناء ألتعداد (ألمسطر) والمواجهات. مازلت اتذكر بعض ابيات تلك القصيدة، وربما سيتذركها من عاشوا تلك الفترة في سجن ألحلة فينشروها او يرسلوها لي مشكورين لأدونها كاملة، فان مثل هذه القصائد توثق ماقدمه الشيوعيون وأصدقاؤهم من تضحيات ومعاناة وتصور حياتهم في ألسجون كما تصور همجية وحقد البعثيين ومن شاركهم من مدعين قوميين، وهذه بعض ابياتها: مرحاض وحده وألعدد نص ألألف بطنك تحير بيهه تگوم تفتر وتلف .................. .................. لو أجه ألليل يصفطونه مثل تصفيط ألهدوم ولو تحرك شخص راح أمجانه (مكانه) ................ ................. ومن يصيح الخفر مسطر ياشباب نجَمَع ونضحك على عد عبد الله الشباب ................... كانت ألإعتقالات تجري بصورة عشوائية وبدون اية مقاييس سياسية. شملت الإعتقالات ألشيوخ المسنين، وكنت أرى أحد الشيوخ في عقده ألتاسع، وعندما نسأله عن سبب إعتقاله، يقول: يتهمونني بأن لي ميلا يساريا، بينما انا اسير معتدلا ولا اميل لايسارا ولايمينا! ثم ينهض ويمشي امامنا ليثبت لنا أنه لايميل لأية جهة! وكان هذا الشيخ الطاعن بالسن ورغم ظروف اعتقاله يهتم بحلاقة وتحديد لحيته مستعينا بشفرة حادة وجزء من قصبة البردي دون ان يجرح نفسه، ونقف نحن الشباب نراقبه مدهوشين من قدرته على الحلاقة بهذه الطريقة البدائية!. أما أموري ألطويل الذي اعتقل في اليوم الثاني من ألإنقلاب في كربلاء، كرهينة بدل اخيه الأصغر حمودي، وحمودي لم يبلغ بعد ستة عشر عاما، بقي معتقلا حتى بعد ان سلم حمودي نفسه بضغط من والديه، ونقل معنا الى سجن ألحلة. ولبساطته رفض ان يرتدي البجامة ألتي إستلمها من عائلته، لأنها من لباس ألسياسيين كما يعتقد وتثبت عليه التهمة وهو ليس بالسياسي، وكي يثبت عدم كونه سياسيا للحرس ألقومي الذين يزورون السجن ويقابلون ألسجناء من حين لآخر، حلق شعر رأسه وكشف عن آثار جروح في رأسه والتي تركتها ضربات ألسيوف في المناسبات الحسينية في عاشوراء، وكان يتقدم المعتقلين ليكشف عن هذه ألآثار في رأسه للحرس ألقومي ويؤكد لهم أنه حسيني ويرفض إرتداء البجامة التي يلبسها ألسياسيون ولا علاقة له بالسياسة!! لم يسلم من إعتقالات ألحرس ألقومي حتى ألأطفال ألذين اعتقلوا كرهائن بدل أبائهم او أشقائهم وتعرض الكثيرون منهم للتعذيب حتى ألموت كما حدث للشهيد فاضل الصفار وعمره لايتجاوز ستة عشرسنة واستشهد أثناء ألتعذيب البربري امام اعين امه المناضلة نرجس الصفار وهو يرفض أن يرشد ألحرس ألقومي لمكان إقامة أبيه (زوج امه) الشهيد ألخالد جمال الحيدري.
في احد الأيام زج بمجموعة (4-6 لا اذكر) من شباب الديوانية، وكانت اعمارهم بين 16 و 19 عاما، وكانت اثار التعذيب والضرب على وجوههم. ولما تجمعنا حولهم مستفسرين، اخبرنا احدهم وهو شاب دون 18 عاما واسمه صبحي، انهم تأثروا كثيرا للتصفيات والاعدامات لقيادات الحزب الشيوعي وقد اغاضهم اكثر تبجح الانقلابيين بإدعائهم بالقضاء على الحزب الشيوعي وقيادته. فقررت المجموعة من القيام بنشاط يثبت للقتلة ان الحزب مازال ينشط ولم يتمكنوا من القضاء عليه. أسسوا تنظيما حزبيا خاص بهم واختاروا قيادة بينهم، وتخليدا لقادة الحزب الذين استشهدوا وتحديا لسلطات شباط الدموية، اختاروا لأنفسهم نفس الاسماء الحزبية لقادة الحزب الشهداء مثل فهد وسلام عادل. نشطت المجموعة بين شباب الديوانية وجمعوا التبرعات من المتعاطفين مع الحزب، واستولوا على طابعة يدوية من احدى المدارس، واستفادوا من اذاعة بكي ايران التي يملكها حزب تودة الايراني وخصصت قسم من بثها للشيوعيين العراقيين (وسميت فيما بعد بصوت الشعب العراقي)، وسجلوا بعض البيانات والاخبار وطبعوها، ورموها في مقر الحرس القومي تحديا!!! يقول صبحي كنا نبحث عن صلة بالحزب لنسلمه المطبعة والتبرعات ولم نفلح، لأن جميع الشيوعيين اما معتقلين او مختفين. وانكشف سر الطابعة وبدأت اجهزة الامن والحرس القومي بالبحث عنها وقد اخفيت الطابعة في عربة بيع باقلاء تعود لوالد احدهم. ولكن نشاطهم لم يستمر طويلا سوى اسابيع، عدم التجربة عرضتهم للكشف والاعتقال. لقد شهد العراق في تلك الفترة المظلمة والدموية مبادرات فردية قام بها الكثير من الشيوعيين الذين تمكنوا من الإفلات من اعتقالات الحرس القومي، والكثير منهم بادر لتأسيس تنظيم شيوعي، واحيانا يكون في المدينة الواحدة اكثر من تنظيم ويتم توحيدها بعد التعارف والتلاقي والتأكد من عدم وجود مندسين بين هذه التنظيمات. وهناك امثلة لشيوعيين كانوا قد تركوا العمل الحزبي وابتعدوا عن الحزب قبل انقلاب شباط الدموي، لكن الحب الصادق والمتجذر بقلوبهم للحزب وإيمانهم بمباديء الحزب، حركهم واستعادوا نشاطهم الحزبي تحديا لسلطات انقلاب شباط، وهذا ماكان يغيض القتلة ويرهبهم. واتذكر في تلك الفترة كتب الخائن مالك سيف مقالا نشره في الصحافة الرسمية يحذر قادة الانقلاب من عودة الشيوعيين لنشاطهم وقدرتهم على اعادة تنظيماتم. كان قادة البعث في كربلاء عندما يتحدثون معنا ونحن معتقلون يتسائلون بإستغراب عن سر حب الناس للحزب واستعدادهم للتضحية وتحديهم للسلطة، خاصة بعد ان لاحظوا عدم استعداد الفلاحين لأستقبالهم والأستماع الى توجيهاتهم ولا حتى التعاون معهم بالرغم من الإغراءات والتهديدات. وتحضرني حادثة سمعتها عام 1973 في بولونية من احد طلبة الدراسات العليا وهو اكرم فهمي وهو منتمي لحزب البعث منذ عهد عبد الكريم قاسم ومازال حينها حزبيا، وكان في كل جلساته يتذكرها ويضحك حيث يصف لنا تحرك منظمة البعث في الناصرية بعد ان تسلموا السلطة عام 1963 وكيف كانوا يعانون من كره وعدم ثقة الجماهير بهم وخاصة الفلاحين، ويقول: في احد نشاطاتنا الجماهيرية كان علينا ان نجمع الفلاحين في مدينة الناصرية ونواحيها لحضور تجمع جماهيري في المدينة. وهكذا اخذنا اللوريات (سيارات الحمل المكشوفة) وتوجهنا للقرى والنواحي وحشدنا المئات منهم، واعطينا كل واحد منهم ربع دينار ووجبة طعام من خبز وبيض، وطلبنا منهم ان يهتفوا بحياة حزب البعث والثورة خلال سير السيارات على طول الطريق. وكانت سيارات الحرس القومي تتقدمهم، الى ان وصلوا مكان التجمع لاحظوا عدم وصول جميع السيارات، وقرروا العودة لمعرفة سبب التأخير، فوجدوا ان نقطة السيطرة في اول المدينة قد احتجزت مجموعة من السيارات بركابها من الفلاحين، ولما استفسرنا عن السبب اخبرتنا نقطة السيطرة ان الفلاحين كانوا (يهوسون) بإهزوجة ضد البعث وهي (خمسة بالشهر ماتو البعثية)، ولما استفسرنا منهم لماذا غيرتم الاهزوجة التي طلبنا منكم ترديدها؟ اجابو: والله ياستاذ ملينا من هذه الاهزوجة وعجبنا نرجع لهوسات ايام زمان! طبعا كان هذا الزميل البعثي يقص علينا هذه القصة وهو معجب بقدرة الحزب الشيوعي على اقناع الفلاحين ببرامجه وافكاره. كنا في السجن نسمع باعتقلات قيادات ألحزب وحملات ألتعذيب ألبربرية وأغتصاب ألنساء حتى مدينة كربلاء والنجف ألمقدستين لم تسلم فيها ألنساء من ألاعتقال والتعذيب، ففي كربلاء اعتقل ألحرس ألقومي المناضلات نبيهة ألزبيدي، بدرية يحيى ألنجار وفائقة وفليحة ألطيار وام عادل واخريات وتعرضن للتعذيب. ومما شجع مسؤولي حكومة شباط ألفاشية بالتمادي في اعتقال ألنساء وممارسة أبشع أنواع ألتعذيب معهن وأحيانا الاغتصاب هو مواقف ألمراجع ألدينية ألمتفرج وألمتشمت بكل أسف، لأن الحملة البربرية موجهة بالأساس ضد الشيوعيين وكانت بعض المراجع الدينية في النجف قد أصدرت فتاوي حاقدة ضد الشيوعيين وانجازات ثورة 14 تموز، مما اعطى انطباعا للأنقلابيين بان المراجع موافقة على جميع انتهاكات الحرس القومي بما فيها القتل تحت التعذيب، وإلا كيف يفسر الصمت المطبق للمراجع، شعية كانت ام سنية، لجرائم التعذيب حتى الموت واعتقال وتعذيب النساء واغتصابها وقتل الاطفال لأنتزاع اعترافات عن ابائهم. وقد ذكر عبد الغني الراوي احد المشاركين بالانقلاب الدموي انه استحصل على فتاوي من ثلاث مراجع تحلل قتل الشيوعيين لأنهم مرتدين، وذلك ليبرر عمليات الاعدام التي كان يخطط لها قادة انقلاب شباط من بعثيين وقوميين بحق الضباط الشيوعيين والديمقراطيين، ولم يكذب اي مرجع ادعاءات الراوي، وهذا يعني ان ادعائه صحيح. وعلى القاريء ان يتصور كم كان البعثيون والقوميون متعطشين لقتل وتصفية الشيوعيين بحيث ان عبد الغني الراوي كان متحمسا لتكليفه للسفر الى نقرة السلمان بعد حركة الشهيد حسن سريع لأصدار وتنفيذ حكم الاعدام بالضباط الشيوعيين بعد محاكمة صورية. ورفض السفر الى سجن نقرة السلمان لأن العدد الذي حدد له لتنفيذ حكم الإعدام بهم ثلاثين مناضلا، وكان عبد الغني الراوي يرى ان هذا العدد قليل لا يستحق السفر!! وكان يأمل بأن ينفذ حكم الأعدام بالعشرات منهم!! وبالتالي تخليه عن متابعة فكرة اللحاق بالسجناء بعد وصولهم سجن نقرة السلمان لتنفيذ مجزرة الموت !! (1). وفي ألنجف اعتقلن ناشطات شيوعيات (مليحة الحكيم وشقيقتها) تربطهن صلة قرابة مع احد المراجع الشيعية البارزة ، وترجت عائلتهن من ألمرجع مستثمرة صلة ألقرابة به للتوسط للافراج عنهن من قبل الحرس القومي، فرفض ألمرجع ألتوسط لكونهن كما يزعم شيوعيات ملحدات ومرتدات يستحقن القتل!! ودشن إنقلابيوا شباط الدامي من بعثيين وقوميين عهدا جديدا في تأريخ العراق من ألقتل والإنتهاكات لحقوق ألإنسان. واستمرت المجازر وخاصة في عهد البعث ايام حكم احمد حسن البكر ثم صدام بحق شعبنا العراقي وقواه الوطنية وحتى شمل القتل والتصفيات تحت التعذيب البربري العديد من المراجع الدينية بحجة العمالة لأيران. بعد اعتقالنا أيام الحرس القومي بقيت عائلتنا ألمتكونة من والدتي وسبعة شقيقات دون رعاية رجل، في ظرف ساد فيه ألأرهاب والتصفيات ألسياسية واعتقال ألنساء وتعرضهن للتعذيب والإغتصاب، وفقدت الوالدة المصدر المالي لإعالة ألعائلة، حيث كان مصدرنا ألمالي ألوحيد راتب والدي فقط، وكان راتب متواضع دون ألستين دينارا بالرغم من خدمة ألوالد ألطويله في سلك ألتعليم، فتأثرت واوقفت ترفيعاته بسبب ألاعتقالات والفصل وسحب اليد خلال العهد الملكي ثم العهد ألجمهوري. أما أخي همام فقد كان معلما في بغداد وفي نفس ألوقت كان طالبا في كلية ألتربية، وكان احد قادة العمل الطلابي والحزبي في الكلية وقد ساهم بنشاط مع رفاقه وزملائه لكسر الاضراب الطلابي الذي قاده الاتحاد الوطني تهيئة لأنقلابهم الدموي، وكنا قلقين عليه بسبب غموض ألوضع في بغداد وأنقطاع أخباره. وهكذا كانت والدتي هي المسؤولة عن شؤون ألبيت ورعاية بناتها ألسبعة وكانت أكبر شقيقاتي طالبه في الثانوية أما ألصغرتان فلم تدخلا ألمدرسة بعد. وقد عانت ألوالدة بسبب انقطاع مورد ألعائلة ألوحيد وهو راتب والدي الشهري، وكان عليها أن تتدبر ايجار ألبيت ألبالغ 14دينار شهريا ومصروف ألبيت ومصاريف شقيقاتي ومعظمهن طالبات إضافة لمصاريفنا ونحن في ألمعتقل.
بعد انتقالي انا واخي كفاح الى سجن الحلة وبقاء والدي معتقلا في كربلاء، تعقدت وصعبت مهمة والدتي، فكان عليها رعاية بناتها وتوفير مستلزمات حياتهن أليومية وما تتطلبه مدارسهن وتوفير ايجار ألبيت اضافة لمصاريف ألزيارات من كربلاء للحلة وتوفير المأكل الضروري لنا. كانت الوالدة تزورنا كل اسبوع مصطحبة معها قسم من شقيقاتي بالرغم من صعوبة وضعها ألمادي، وتجلب لنا ألأغذية من كباب وكبة وبطاطة مسلوقة وطماطة وخبز مايكفي لإسبوع كامل، وتنتظر ساعات تحت أشعة ألشمس ألمحرقة مع شقيقاتي في باب سجن الحلة ولم تتذمر أوتشكُ وكانت بمعنويات عالية، كان كل مايهمها ان توفر لنا ألإطمئنان لكي نكون مستعدين لمواجهة تحقيقات ألحرس القومي. كانت رحمها الله انسانة شجاعة ومكافحة وصبورة، وتنقل لنا اخبار مدينة كربلاء وما يحصل فيها من اعتقالات وأشاعات، كما كانت تخفي همومها ومعاناتها عنا وتحاول ان تدبر معيشة العائلة وتسديد ايجار البيت دون ان تتذمر او تشكُ. حتى أخي ألأكبر كفاح المتزوج والمستقل في بيته مع زوجته، كانت والدتي هي ألمسؤولة الوحيدة عن وضعه في سجن الحلة وحتى في كربلاء وتزوده بما يحتاج من طعام وملابس وغيرها خلال فترة اعتقاله التي تجاوزت الأربعة اشهر، وحتى بعد الافراج عنه من المحكمة كانت والدتي واخي الراحل همام هما من دبرا له جواز السفر وبطاقة الطائرة لمغادرة العراق الى المملكة العربية السعودية للعمل. يـــتـــبـــع
(1) د. علي كريم سعيد، العراق البرية المسلحة، حركة حسن سريع وقطار الموت 1963 ص243 – 246 .
محمد علي الشبيبي السويد [email protected]
#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكريات الزمن القاسي- الحلقة الخامسة
-
ذكريات الزمن القاسي 4
-
ذكريات الزمن القاسي/3 ثورة 14 تموز والانتكاسة - الحلقة ألثال
...
-
ذكريات الزمن القاسي 2
-
ذكريات الزمن القاسي
-
حكايات اخر زمان 5، هموم المواطن وهموم الكتل السياسية
-
ألشهيد سعد مزهر رمضان
-
ألشهيد حسين محمد ألشبيبي أديب وثائر
-
علي محمد ألشبيبي أديبا ومربيا ومناضلا
-
حكايات اخر زمان 3
-
لمن نصوت
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|