عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6628 - 2020 / 7 / 26 - 09:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يمتلك العراق ثروة نفطية كبيرة تنتشر في مختلف مناطق العراق, وتتركز غزارة الانتاج النفطي في جنوب العراق وبشكل خاص في محافظة البصرة التي تضم الجزء الأكبر من الاحتياطي النفطي العراقي المكتشف حتى الان والذي يقدر بـ (65 ) مليار برميل وبنسبة تقترب من (60 ) في المائة من الاحتياطي النفطي العراقي ,وهي اكبر مما تمتلكه البحرين ومقارب لما تمتلكه دولة الامارات . الا ان اوضاع دول الخليج العربي افضل بكثير من اوضاع البصرة والعراق عموما , حيث تنتشر في العراق مظاهر الفقر والبطالة المرتفعة جدا الى جانب سوء الخدمات البلدية والصحية والتعليمية وغيرها. وعلى الرغم من ان العراق يعتمد كليا في وارداته على تصدير النفط الخام ( ولا يفكر في تصنيعه وتحويله الى منتجات نفطية مفضلا استيرادها ) , الا ان الصناعة النفطية فيه عانت من العديد من المشاكل بسبب الحروب والعقوبات الدولية وسوء الادارة والفساد المتفشي , اضافة الى اعتماد نظام المحاصصة المقيت .
يعتبر تهريب النفط الخام ومشتقاته احد اوجه الفساد الكبير في العراق حيث اصبح تهريب النفط العراقي ظاهرة ملفتة للنظر اشارت اليها تقارير دولية عديدة.
فمن يقوم بهذه السرقة ؟ ومن يحميهم ؟ واين تذهب العوائد المالية الناجمة من هذه السرقة ؟ وما هي اشكال تهريب النفط العراقي ؟و ما هي طرق تهريب النفط ؟ وما هو موقف الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم تجاه هذه المشكلة الخطيرة ؟
عموما ينهب النفط العراقي من المناطق الجنوبية والوسطى والشمالية على حد سواء , وتشير التقارير الى ان النفط في البصرة ينهب من قبل ميليشيات مسلحة متداخلة من حيث النفوذ مع المفاصل الرسمية للمحافظة على مستوى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ترتبط مع احزاب السلطة بشكل مباشر او غير مباشر وقيامهم بالتنسيق مع مسؤولي المحافظة الذين يمثلون تلك الاحزاب المتنفذة وفقا لنظام المحاصصة سيء الصيت الذي يتحكم بالمشهد السياسي العراقي , حيث ينتمي المسؤولون في المحافظة الى احزاب مختلفة وهو ما يوسع نزاعا خفيا للسيطرة والنفوذ. وكثيرا ما تشهد مدينة البصرة التي تعد الشريان الاقتصادي للعراق وتضم الموانئ البحرية الوحيدة للبلاد تصعيدا خطيرا في المواجهات بين العصابات المسلحة نتيجة خلافات على تجارة المخدرات وتجارة النفط المستخرج من آبار البصرة . واشتد النزاع المسلح بين هذه العصابات ليصل الى درجة الاغتيالات لبعض القيادات في ظل وقوف الأجهزة الأمنية في المحافظة موقف المتفرج دون اتخاذ أي اجراء يحد من تطورها الذي وصل حافة الانفلات الأمني .
كشفت صحيفة خليجية عن تورط جهات واحزاب عراقية بعمليات تهريب النفط من العراق الى الامارات, وقالت صحيفة ( العربي الجديد) في تقرير لها ان نحو (40) جهة عراقية ونحو (10 ) احزاب سياسية تتغذى ماديا على النفط المهرب من جنوب العراق , كما ان هناك احزابا كردية تمول نفسها ايضا من النفط العراقي المنهوب في الشمال . وان النفط العراقي المهرب يذهب معظمه الى الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة لتشغيل محطات كهرباء او لخلطة مع النفط الايراني الخام الذي يتميز بارتفاع نسبة الكبريت فيه المضر بالبيئة بهدف تخفيف هذه النسب . اما الاموال التي تحصل عليها شبكات تهريب النفط العراقي فيتم ايداعها في بنوك اماراتية .
في البصرة تسيطر الاحزاب المتنفذة على موانئ تصدير النفط , فالبعض منها يسيطر على ميناء ابو فلوس الذي يعتبر المركز الرئيس لتصدير النفط الخام , والبعض الآخر من الاحزاب يسيطر على ميناء ابو الخصيب العميق الذي ترسو فيه السفن الكبيرة. كما امتدت سرقات وتهريب النفط الى نفط الشمال ايضا ففي كركوك مثلا تقوم العشائر من القرى المجاورة بعمليات تخريب لأنابيب النفط بإحداث ثقوب فيها ويتم سرقة الاف الاطنان يوميا منها . وتشير التقارير الى انه في اواخر عام 2007 كان هناك ما يقرب من ( 25 ) ثقب في خط انابيب الشمال الى تركيا وتشير ايضا الى ان بعض قوات الأمن المكلفة بحماية هذه الخطوط متواطئة في هذه الأنشطة او كانوا هم انفسهم الجناة.
أشكال تهريب النفط العراقي :
تأخذ سرقة النفط العراقي اليوم أشكالا مختلفة مثل:
- خلط النفط المسروق مع النفط الغير مسروق وتصدير شحنة النفط الخام العادية مع النفط الاضافي الذي يتم تحصيل ثمنه بشكل منفصل .
- التهريب عن طريق ملء قوارب او شاحنات بنفط مسروق يتم تسليمه بعد ذلك الى صهاريج في الخليج العربي . وفي عام 2006 كشفت وزارة النفط عن وجود ( 166) قاربا بدائيا في انهار البصرة تنتظر الابحار للقاء قوارب اكبر في الخليج العربي .
-اما الشكل الآخر للتهريب فيتمثل بملء الشاحنات الناقلة بالنفط المسروق وقيادتها الى الدول المجاورة مثل ايران وسوريا وتركيا .
- ومن الأشكال الشائعة لتهريب النفط العراقي هو القيام بثقب خط الأنابيب ثم يتم سحب النفط الخام منه الى شاحنات او سفن . ووجد تحقيق اجرته وزارة النفط عام 2009 ان بعض وحدات الجيش تشارك في سرقة النفط من خط انابيب النفط.
كما اصبحت سرقة المنتجات النفطية ايضا من الأعمال التجارية الكبيرة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق اضافة الى سرقة الغاز وبيعه في البلدان المجاورة حيث يكون السعر اعلى بكثير مما في العراق . وحسب افادة المفتش العام لوزارة النفط فانه من ايلول 2004 الى شباط 2005 تم تسجيل ( 1551 ) شاحنة تحمل ( 56) مليون لتر من المنتجات النفطية المستوردة وبسعر (28 ) مليون دولار لم تصل ابدا الى العراق وتم تغريم شركات النقل مبلغ ( 4 ) ملايين دولار نتيجة لذلك في حين انها قد استفادت من ( 24 ) مليون دولار في هذه العملية ولذلك واصلت انشطتها غير القانونية .
وكان يتعين على العراق ايضا شراء منتجات مكررة من ايران وتركيا والكويت لأنه لا يستطيع تلبية الطلب المحلي وكان الفساد يطال هذه العملية ايضا .
تشير التقارير الى أن قيمة تهريب النفط العراقي الخام ومشتقاته خلال السنوات الخمس الماضية قد بلغت ( 90 ) مليار دولار وهي تعادل ميزانية بعض الدول , وان هناك فسادا في وزارة النفط التي لم تضع مقاييس لاستخراج النفط من الآبار بشكل مباشر وانما المقاييس موجودة فقط عند تحميل النفط لذلك هناك ضرر كبير يحدث نتيجة السرقة والتهريب من الابار النفطية مباشرة . كذلك يجري تهريب النفط في بغداد ما بين الدورة والرصافة , والحكومة العراقية غير قادرة على فرض سيطرتها على الفساد في الوزارات المختلفة ويعود السبب في ذلك الى نظام المحاصصة حيث توزع الوزارات بين الاحزاب السياسية المتنفذة , وكل احزب سياسي يعتبر نفسه صاحب هذه الوزارة وملكا له وانه صاحب كل الصفقات التي تبرم داخل هذه الوزارة . كذلك لم تتمكن الحكومة الاتحادية من السيطرة على الفساد في اقليم كردستان حيث انها في بغداد فقدت سيطرتها على الفساد فكيف الحال في اقليم كردستان والبصرة والمحافظات الاخرى ؟ واكتفت الحكومة بإطلاق الوعود لمحاربة الفساد ولكنها عاجزة عن التنفيذ وتقديم كبار الفاسدين الى المحاكمة وهذا ما الهب الجماهير الشعبية وادى الى انتفاضتها مطالبة بمكافحة الفساد الكبير ولكن الحكومة العاجزة لم تكن عاجزة تجاه الجماهير الشعبية المنتفضة حيث واجهتها بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والهراوات والاعتقالات والتعذيب وتكميم الأفواه والاغتيالات.
- كما يتم تهريب النفط العراقي عبر الصهاريج المحورة, وقد منع قانون مكافحة تهريب النفط ومشتقاته رقم (41) لسنة 2008 المادة (1) أولا , تحوير خزانات الوقود في جميع المركبات لأغراض التهريب ما يجعلها تستوعب اكثر من طاقتها التصميمية وتتم مصادرة ناقلات النفط المضبوطة وتغريم اصحابها خمسة اضعاف المنتج المهرب اضافة الى العقوبات المنصوص عليها في القانون .
ان تهريب النفط العراقي يتم عبر :-
- الموانئ الجنوبية في البصرة باتجاه الكويت وايران والخليج العربي .
- المنافذ الشمالية الى تركيا .
- المنافذ الغربية الى الأردن وسوريا .
ذكر تقرير صادر عن مكتب المحاسبة الأمريكي التابع للكونجرس الأمريكي ان التهريب والسرقة للنفط العراقي يحرم البلاد من نحو ( 15) مليون دولار يوميا من عائدات النفط وان ما يصل الى ثلاثمائة ألف برميل نفط تختفي يوميا من العراق . كما اشار خبراء عراقيون الى ان النفط العراقي المهرب اكبر من المعلن عنه اذ تتراوح بين ثلاثمائة ألف برميل ونصف مليون برميل يوميا . وبهذا الصدد فقد اكد المفتش الخاص بعمليات اعادة الاعمار في العراق ( ستيوارت بوين ) في نهاية عام 2006 أن عمليات تهريب النفط متورط فيها مسؤولون عراقيون وانها تجارة توفر دعما للميلشيات المسلحة بنحو مائة مليون دولار سنويا .
التهريب يعتبر من الجرائم الاقتصادية التي تتسبب في تخريب أمن واقتصاد البلاد ولابد من منع عمليات التهريب ونهب النفط ومشتقاته ومجابهة هذه الجريمة بفرض العقوبات الصارمة وحماية ثروة الشعب النفطية ووضع حد للأزمات المستمرة في شح الوقود. ومن الضروري في هذا المجال الاسراع في اصدار قوانين للنفط والغاز ولشركة النفط الوطنية ولتوزيع الموارد المالية بعدالة ومحاربة تهريب النفط والمنتجات النفطية وتأمين جميع المستلزمات الضرورية لذلك, والخلاص من نظام المحاصصة , وهذا يتطلب وجود حكومة وطنية قوية ذات ارادة سياسية جادة , حكومة ليست قائمة على المحاصصة وانما على اساس المواطنة والكفاءة والنزاهة والتكنوقراط تتبنى برنامجا اقتصاديا اجتماعيا لإدارة شؤون البلاد ومحاربة الفساد بكافة اشكاله . حكومة توعد وتنفذ.
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟