|
الإطار المفهومي للعلمنة
مهدي النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1 - 11:01
المحور:
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
تواجه المفاهيم الحديثة صعوبات جمة لكي تتبيأ في حقول الثقافة العربية الإسلامية،تصطدم أحيانا هذه المفاهيم بردود أفعال طاردة، عنيفة، لأنها تعني في نظر الكثيرين تهديداً خطراً للنظام المعرفي الذي استورثوه وألفوه وكذلك تخوفاً مفرطاً من إلغاء الخطاب السائد ومفاهيمه التراثية والركون إلى خطابات أجنبية ومستوردة أو "دخيلة" كما في لغة الأسلاف، حتى بات البعض يعتقد أن ما يقترح عليه من مفاهيم حديثة صار تداولها والتعامل بها في المجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية حقيقة كونية وضرورة مثل ضرورة تعاملنا بمفاهيم التقنيات والحضارة والعلوم الطبيعية والتجريبية، يعتقدون إن هذه المفاهيم تزعزع القيم الاجتماعية وتنال من الثوابت الدينية وكل أنواع التراثات وتساهم في تصفية الهوية الثقافية وتخترق العادات والتقاليد والأعراف والأخلاق التي تعَوّد الناس عليها، أي "إيمان العوام" حسب تعبير الغزالي، على الأرجح إن مثل هذه الاعتقادات تميل إلى سكونية مستمرة وانغلاق صارم ونبذ مُسبق لمفاهيم الآخر دون فحصها أو نقدها. إن العلمانية اكتشاف حديث العهد، وهي شانها شأن كثير من المفاهيم ليست لها جذرية مفهومية أو فكرية أو لغوية في الثقافة العربية الإسلامية لذا من الصعب من خلال الجهاز المفاهيمي لهذه الثقافة أن ندرك ماذا تعني، حيث بدأت ُتروج باستخدامات مفرطة في خطابات الثقافة العربية الإسلامية كإشارة إلى : دولة علمانية/ مجتمع علماني/أحزاب علمانية/صحف علمانية/أشخاص علمانيين...الخ. وقد يفزع البعض ويقشعر حين سماعها باعتبارها ضد الدين و/أو يساويها في الإلحاد وأحيانا يصنفها مع النزعات المتطرفة اللادينية، نعتقد إن هذه التصورات غير صحيحة، فإيجازا: العلمانية تعني محايداً تجاه الدين (areligieu الفرنسية)بالإحالة إلى العالم/الكون/العالم المحسوس، وقد نشا هذا المفهوم ضمن مفاهيم القرن الثامن عشر أبان دعوة مارتن لوثر وحركة الإصلاح الديني التي تمثلت بانجازها الأهم في القضاء على سطوة الكنيسة في الحياة وتحرير العقل منها ومن ورجالها، لذا فهي تتضمن وفق هذه السياقات التي تأقلمت فيها والتي كان الدين ماثلا في الكنيسة، تتضمن الفصل الصارم بين ما هو سياسي وما هو ديني، إلا أن مؤرخا مثل برنار لويس يعتبر من وجهة نظره إن بذرة العلمانية " إنما وجدت في خصوصية الكنيسة نفسها، وبالتحديد في التمييز بين ما للإله وما لقيصر، غير إن هذه البذرة كان عليها أن تنتظر أكثر من خمسة عشر قرناً وبعض الحروب الدينية كي تبرز" ويُرجع محمد أركون (قضايا في نقد العقل الديني) تاريخها إلى القرون الوسطى، بل إلى تاريخ الفلسفة اليونانية الكلاسيكية في عهد أرسطو طاليس وفي عهد أفلاطون باعتبار العلمانية موقفاً معرفياً مبنياً على الوظيفة الأساسية التي يقوم عليها العقل البشري، هي وظيفة التساؤل، وظيفة فهم الإشكالات فيما يتعلق بجميع مستويات الحياة البشرية. إننا لا نميل إلى مثل هذه الأرخنة المفتوحة التي يأخذ بها محمد أركون، وإلا ما المانع من تأويل ابن رشد واعتباره رائداً من رواد العلمنه وذلك بتأكيده الحازم على الفصل بين الشريعة والحكمة، بين العقل والنقل، إنما نُرجح مع القائلين بانبثاق العلمانية من عهد تحرير الكنيسة من وظائفها السياسية أو بشكل أوسع من وظائفها الزمانية. وتجدر الإشارة على إن العلمانية لا تعني القضاء على الدين كما توهم البعض وإنما تعني احترام الدين وعدم زجه في كل واردة وشاردة حسبما يفعل الأصوليون المتشددون.إن الأمر الجوهري في المفهوم العلماني وفي تطبيقاته العلمية الحديثة عموماً؛ليس إقصاء ما هو ديني بل تغيير نمط حضوره ونشاطه، فبدل أن يعتبر نسق تعليمات جامدة تتعمق في تفاصيل ميكانيزم النظام الاجتماعي والسياسي، ينبغي أن يعتبر منبعاً للضوابط الأخلاقية والتوجهات الروحية، لكن بسبب عدم امتلاك المجتمعات العربية الإسلامية الحد الأدنى من التوازن الاجتماعي والرفاه الاقتصادي والتطور المعرفي والثقافي فهي تقع في التباسات وسوء تفاهمات فكرية لا يُمكنها أن تسمح بتطبيق هكذا مفاهيم معرفية تقف مواقف نقدية وتفحصيه على تراثها الثقافي وأنظمتها السياسية. ويتصور جوزيف مغيزل (لبنان من الطائفية إلى العلمنة) بان العلمنة، بفصلها الدين كإيمان وأخلاق عن الدولة، عن السياسة وأسباب التباعد والانقسام تنقذه، تعيده إلى أصالته، إلى دوره الأخلاقي، إلى صفاءه الرباني: "إن المؤمنين الكاملين يجب أن يكونوا هم دعاة العلمنة الأوائل". إن حيادية السلطة إزاء الدين تتمثل في المنظور العلماني بعدم تدخل الدولة في شؤون الدين، فعلى الدولة أن ترضى بان تنظم الأديان أمورها ومؤسساتها كما تشاء بشرط ألا يؤدي ذلك إلى الإخلال بحريات الغير وحقوقهم وبالنظام العام والآداب العامة والسلام الوطني، ويقر النظام العلماني بان يمارس المؤمن شعائر دينه بحرية وعلناً دون أن يمس بذلك الراحة العامة والأمن العام وان يعبر الناس عن معتقداتهم بحرية دون مضايقة كتابة وكلاماً في حدود احترام كل منهما الآخر.
#مهدي_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نفهم الإسلام اليوم ؟ - مقابلة مع محمد اركون
-
جدلية الحداثة المادية والحداثة الثقافية
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
ما بعد الإيمان
/ المنصور جعفر
-
العلمانية والدولة والدين والمجتمع
/ محمد النعماني
المزيد.....
|