|
الماركسية وفكرة المساواة
بحضاض محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6623 - 2020 / 7 / 19 - 00:23
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
منذ أن انطلقت البورجوازية في شرنقتها، ومنذ أن تحول نظام العصر الحديث إلى طبقة حديثة، صاحبتها البروليتاريا بالضرورة اللازمة المحتومة كظلها، بل إن مطالبة البروليتاريا بالمساواة أصبحت مطالبة البورجوازية عينها بالمساواة، وحين طالبت البورجوازية بمحو الامتيازات الطبقية، ظهرت مطالبة البروليتاريا بمحو الطبقات ذاتها، أولا على شكل ديني بالاستناد إلى المسيحية الأولى، ثم بالاستناد إلى النظريات البورجوازية نفسها، نظريات المساواة. وقد ألزم البروليتاريون البورجوازية بكلامها "تحقيق المساواة" ووجدوا أن المساواة ينبغي ألا تقوم في الظاهر وحسب، أي في مجال الدولة وحده، بل ينبغي أن تتحقق كذلك بالفعل في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. إن المساواة التي تنادي بها الماركسية، تختلف عن بعض ضروب المساواة التي تبشر بها الاشتراكية الخيالية أو الوهمية أو العاطفية، إذ نادى "برودون" مثلا بالملكية الصغيرة الموزعة، وقد عارضته الماركسية بتصور مجتمع يمتاز بأن وسائل الإنتاج فيه تخضع لملكية مشتركة لا لملكية موزعة. وغاية ما تهدف إليه الماركسية أن تقضي البروليتاريا بالنضال الطبقي على المجتمع البورجوازي وتدك صرحه، وتنسف دعائمه نسفا، وتستعيض عنه بمجتمع أمثل، لن يكون هو عينه مجتمع ترف وعطالة وتقاعس، إنه لن يكون مجتمعا سكونيا راكدا يستهلك فيه الإنسان ما يستهلك من غير أن يعمل أو يبذل جهدا، بل إن مجتمع الغذ سيتصف باستمرار النضال والكفاح، وستطرح فيه مسائل جديدة، وتقوم فيه نقائض ومفارقات، وإن أي تصور أي مجتمع على وجه يغاير هذا الوجه، إنما يتناول مجتمعا ميتا ويعني بعبارة أخرى ختام البشرية ونهايتها. وحينما ينتقل المجتمع من الرأسمالية إلى الاشتراكية يسمي ماركس هذه المرحلة بالمرحلة الأولى أو السفلى من المجتمع الشيوعي، ويصف ماركس هذا المجتمع بأن وسائل الإنتاج لا تبقى فيه ملكا خاصا للأفراد، بل تغدو ملك المجتمع كله، وكل عضو من أعضاء المجتمع يقوم بقسط معين من العمل، وينال من المجتمع أيضا بمقدار الكمية العمل الذي قام به، أي أن كل عامل ينال بمقدار ما بدله. ويبدو أن المساواة هنا تامة، لكن في الواقع لسنا هنا أمام مساواة تامة بل أمام "حق متساوي"، والحق المتساوي هو إخلال بالمساواة، ذلك لأن الناس ليسوا متساوين، أحدهم قوي والآخر ضعيف، أحدهم متزوج والآخر أعزب، لدى أحدهم عدد أكبر من الأطفال مقارنة بالآخر...، ويخلص ماركس إلى أنه عند تساوي العمل وبالتالي تساوي الحصة من مخصصات الاستهلاك الاجتماعي، ينال الواحد عمليا أكثر من الآخر، ويظهر بأنه أغنى من الآخر، ولتجنب هذه النتائج، توجب ألا يكون الحق متساويا، بل عليه أن يكون غير متساو. وبناء على ما سبق من معطيات، فإن المرحلة الأولى من الشيوعية، لا يمكنها أن تحقق المساواة، إذ تبقى هناك فروق في الثورة، إلا أن استغلال الإنسان للإنسان في هذه المرحلة يبقى مستحيلا، لأنه يصبح من غير الممكن أن يستولي الفرد على وسائل الإنتاج كملكية خاصة، على المعامل والآلات والأرض وغيرها، ويترتب على ذلك ضرورة وجود أحكام، وهو ما يعكس ضرورة وجود جهاز الدولة التي تصون الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وبذلك تصون تساوي العمل وتساوي توزيع الإنتاج. رأينا إذن أنه لا بد من وجود جهاز الدولة إبان المرحلة الأولى من المجتمع الشيوعي، كونها تكون أداة لصون تساوي العمل وتوزيع المنتجات على المنتجين بطريقة متساوية، وكذا أداة لردع البورجوازية ومطامحها الدائمة في الاستلاء على فائض الإنتاج وتملكه ملكية خاصة، إلا أن اضمحلال الدولة بصورة تامة لا يكون إلا عند تحقيق الشرعية التامة، أي عند تحقيق المرحلة الثانية أو العليا من المجتمع الشيوعي. وبعد أن تزول عبودية الانسان الناتجة عن خضوعه لتقسيم العمل، وعندما يزول بزوال ذلك، التضاد بين العمل الفكري وبين العمل الجسدي، وعندما يكف العمل عن كونه وسيلة للعيش فقط، ويصبح هو نفسه أول متطلبات الحياة، وعندما تنمو القوى الإنتاجية مع النمو الشامل للأفراد، وتتدفق بغزارة جميع مصادر الثورة بالتالي تتحقق العدالة الاجتماعية، عندئذ فقط يصبح في الإمكان تخطي أفق الحق البورجوازي الضيق في المساواة، لمساواة أوسع نطاقا تشمل جميع الميادين، يصبح حينها بإمكان المجتمع أن يحول شعاره من: من كل حسن طاقته، إلى كل حسب حاجته، وعندها فقط تتحقق المساواة الكاملة.
#بحضاض_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية المجتمع المدني في المغرب
-
قراءة في أزمة اليسار المغربي
-
التجربة الحزبية بالمغرب
-
الحركات الإسلامية بالمغرب: النشأة والمسار
-
قراءة في معوقات الإنتقال الديمقراطي بالمغرب
-
قراءة في ظاهرة الانشقاقات الحزبية بالمغرب
المزيد.....
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|