|
العدالة المجنونة
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 6622 - 2020 / 7 / 18 - 00:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعلى كثرة ضحايا نظام صدام لم تسجل حالات لجوء الى القضاء من قبل الضحايا او من قبل ذويهم بتوجيه اتهامات مباشرة الى مسؤولين أمنيين وحزبيين واداريين بعينهم بالمسؤولية عما لحق بهم من اضطهاد واحتجاز وتعذيب ووشاية وتهجير بإستثناء المجموعة القيادية للحزب والدولة في المحاكمات القليلة المشهورة. لقد تم إلتزام صمت مطبق من قبل عشرات آلاف الضحايا الذين تسجلوا في المؤسسات المسؤولة عن تنفيذ العدالة الانتقالية التي تم حصرها تحديدا في فكرة التعويض المادي بينما تم تجاهل تحقيق العدالة الشخصية بالاقتصاص من الجاني او العفو عنه بعد تشخيصه وفضح الاساليب التي اعتمدتها الاجهزة القمعية وافرادها في الاضطهاد والتعذيب سواء بأوامر رسمية او باجتهادات شخصية وهكذا تم تجاهل أيضا الدعاوى والاتهامات والوشايات الكيدية التي أرعبت المجتمع لـ35 سنة وتم تقديم قيادات قليلة من نظام صدام كشياطين بالمعنى الحرفي أي انهم يوقعون الأذى والالم ويرتكبون الجرائم بلا وسائط ولا ادوات. إذا كان لبعض الأفراد مخاوفهم من الدخول في مشاكل ومواجهات شخصية في ظل ضعف سلطة القانون وخلال موجة الارهاب بعد 9 نيسان 2003 فإن العذر ليس متاحا للجميع فهناك من يعيشون في الخارج او في ظروف امنية جيدة والأهم ان الاحزاب التي تتبنى الدفاع عن ضحايا صدام وبالأخص الاحزاب التاريخية المعروفة لم تسلك في اتجاه فضح المجرمين كأفراد أي خطوة وبقيت تتحدث لسنوات عن انتهاكات مارستها كتلة صماء وتطالب في مقابلها بتعويضات من الاموال والمناصب واستخدمت ما تعرض له مواطنون عراقيون من آلام ومآس في عملية ابتزاز ضد مواطنين عراقيين آخرين، ولم تهتم يوما بفضح جلاد واحد إلا إذا صادفت مشكلة مع شخص في منصب او قرار فهي تهرول لنبش ماضيه عسى ان تجد ما يكفي لإزاحته عن طريقها. يتحدث ساسة ونشطاء كثر عما حل بهم على ايدي النظام السابق بإستمرار لكنهم يرفضون الافصاح عن اسماء منفذي الانتهاكات ضدهم، العذر العام والفردي هو تجنب الفتنة لكن الحقيقة السياسية والحزبية تحديدا هي عكس ذلك، فبعد سقوط صدام حدثت تصفيات بلا محاكمة طبعا لبعض الحزبيين والامنيين، لكنها بالمجمل لا تشكل الا ظاهرة عابرة في مثل تلك الظروف بينما لم يعرف العراق محاكم مثل التي اعقبت سقوط كثير من الانظمة بما فيها أنظمة عراقية سابقة، وعموما لا يمكن الثقة بالترفع الذي تبديه القوى السياسية تجاه مرتكبي الجرائم بحق آلاف الضحايا في حين ان هذه الاحزاب استغلت بشكل بشع كل شيء للحصول على تعويضات للضحايا. ذريعة الحفاظ على السلم المجتمعي التي تلجأ إليها القوى السياسية في تجاهل تحقيق العدالة الفردية، هي ذريعة وهمية فهذه القوى السياسية حفرت خندقا كبيرا فصلت فيه المجتمع الى فئتين كبيرتين، الجلادون والضحايا، واستخدمت الخندق في الفتنة المجتمعية والتحريض والتنكيل والابتزاز والاقصاء والتمييز وما ترتب على ذلك من جرائم ومشاكل وانقسامات هي اقل مما تكلفه العدالة الفردية، حتى تمكنت الاحزاب في النهاية من تأسيس مجتمعها الخاص، مجتمع الضحايا الذي لم يعد معرضا للتهديد من قبل صدام واجهزته القمعية وانما هو اليوم مهدد من قبل الفئة الاكبر من المجتمع بحسب خطاب الكراهية الجديد الذي تتبناه قوى السلطة، وهذا التهديد يتمثل برفض المجتمع للامتيازات والاستثناءات التي يرى جزء من المجتمع انها غير عادلة بينما كانت القوى السياسية قد وضعتها للتهرب من العدالة الحقيقية لأن هذه الاخيرة تعني انتقال مسؤولية الجرائم الى أفراد بعينهم عملوا مع النظام وان بقية المجتمع ليس مسؤولا بالضرورة عن تعويض كل الضحايا ما دام المجرم موجودا بعينه في قفص الاتهام، وهذا في كل الاحوال لا ينسف مسؤولية الدولة عن توفير الحياة اللائقة لكل مواطنيها وبالاخص الضحايا. لقد رفض زعماء الاحزاب، الكرد كانوا سباقين في ذلك بعد 1991، فكرة القصاص الشخصي او العدالة الفردية فهذا المسار يهدد تماسك المكونات، العدالة الفردية ستنسف أو تضعف فكرة اضطهاد قومية لقومية أخرى أو طائفة لطائفة أخرى وبالتالي تنسف صخرة المكونات التي قام عليها النظام بعد 2003 والاخطر انها ستفضح العلاقات العائلية والمصالح المتداخلة بين نظام صدام وقيادات المعارضة وتفضح شبكات التجسس والوشاية وتنقلات الاشخاص من صفوف السلطة الى المعارضة وبالعكس، في الحقيقة كنا سنقف وجها لوجه أمام بشاعاتنا الاجتماعية والاخلاقية لتخرج شيطان كثيرة تقف الى جوار صدام، شياطين من مواقع واماكن يفترض المجتمع انها تنتج ملائكة. تأسيس مجتمع للضحايا يواجه المجتمع الآخر يكلف اموالا بالطبع، أموال من خزينة الدولة، وطبيعة النظام الحالي لا تسمح بخروج أي اموال الا بعد تقسيمها بين قوى المكونات، هكذا حصل الجميع على تعويض، الجلاد والضحية الحقيقي والضحية المزيف والحكام الفاشلون، أي عدالة مجنونة هذه؟!!.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار حزيران
-
عشرون شتاءً.. زمن الذاكرة العادية
-
حكومة خير الأمور
-
الركود وحياة المطار
-
خلافات التحالف الوطني
-
معركة الأحزاب
-
فشل تشريعي
-
2532
-
تسعيرة الداعية والمدرب
-
نظام بطعم الفوضى
-
غرور طائفي
-
مذبحة مساء الاثنين
-
رسالة واحدة مهمة
-
هواتف بايدن والصمت الامريكي
-
إنقسام المتظاهرين
-
حرب الحكومة والبرلمان
-
فتنة الأمن
-
فعالية الخارج وعجز الداخل
-
ضحايا نسياننا
-
وعكة عراقية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|