محمد العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من عثر على " الشريعة الإسلامية " فاليأتني بها ..
تتعالى الأصوات أيامنا هذه " الإسلام هو الحل " وفي " تطبيق الشريعة الإسلامية " إنقاذا للبشرية جمعاء من الفوضى والظلم واللامساواة , وأضافوا : سيكون العالم أكثر أمناً واستقراراً , وسيعم العدل والرخاء والسلام .
ليس هناك أجمل من هذا الكلام ، ولكن لم نرى حتى الفتاة من هذا الكلام في العالم الإسلامي , ولم يأتوا لنا " بالشريعة " التي يريدون تطبيقها على البشرية . ويا ليتهم جاءوا بمثال واحد أو نموذج يحتذى به في تطبيق " الشريعة الإسلامية " خلال الف واربعمائة عام , أي الفترة الممتدة منذ مبايعة أبي بكر الصديق بالخلافة والى يومنا هذا . وما نوع هذه الشريعة التي يراد تطبيقها ، وعلى أي مذهب أو مدرسة تستند ؟
إن المطالبة بتطبيق " الشريعة الإسلامية " في بلدان تتميز بتعدد الأديان والمذاهب والطوائف كالعراق ومصر ولبنان وغيرها ، يعنى تأسيس " دولة الدين الواحد بدل دولة الوطن الواحد ".
وبما أن الدين الإسلامي قد إنشطر منذ أكثر من ألف عام الى عدة مذاهب ، وكل مذهب يحاول إزاحة الآخر وإلغائه بإعتباره هو وحده صاحب الحقيقة المطلقة , ومالك السموات والأرض والله والأنبياء , فلا بد وان تظهر لنا دوله المذهب الواحد . وهذا ما نراه في العالمين العربي والإسلامي , فلا يوجد قط دولة الإسلام ، بل يوجد دول المذاهب والطوائف , ولا نستثني دولة منهما .
ويا حبذا لو تفضل مشكوراً أحد الإسلاميين المتحمسين لتطبيق " الشريعة الإسلامية " ليأخذ بيدي ويدلني على مكان وجودها , في أية حوزة دينية أو مكتبة أو مدرسة أو برلمان أو حكومة أو دار إفتاء . أليس من حق كل مسلم الإطلاع على شريعة دينه ليساهم في تطبيقها ؟
كلٌ له شريعته
نعم كل له إسلامه ، وكلٌ له شريعته , الجهلة لهم شريعتهم ، وكذلك العقلاء , وحتى الإرهابيين والتكفيريين لهم شريعتهم. وكل (مذهب) بما لديهم فرحون." فتقطّعوا أمرهم بينهم زُبراً كل حزب بما لديهم فرحون " سورة المؤمنون الآية 53 .
الشيعة لهم شريعتهم الخاصة بهم , ويؤكدون بأن لا بديل عنها . ويصرون على تطبيقها , ويعتبرونها هي الأصلح والأسلم للإسلام والمسلمين ، وموروثهم يثبت أن لا شريعة سواها . فالشيعة لن ينحرفوا عن القرآن والسنة قيد شعره. وهم ليس أقل دهاءً من غيرهم ، فلقد جاءوا بالقرآن وفصلوه تفصيلاً بما يتلائم ومذهبهم ، وهم على قدر بما يفقهون , فعندهم حوزتهم العلمية المشهورة في النجف بالعراق التي تخرج منها كبار الفقهاء والمجتهدين وعلماء الدين.
وكذلك فعل فقهاء المذاهب السنية ، وجاءوا بشرائعهم التي تتلاءم ومقاسات مذاهبهم , وكل مذهب يتكئ على موروثه ليثبت سلامة شريعته , ويجاهد من أجلها . وبما أن القرآن كما وصفه الإمام علي بن أبي طالب " حمّال ذو وجوه " أصبح كل له قرآنه في التفسير والتأويل ، وكل له أحاديثه ورواياته ، ولو تعمقنا قليلاً لوجدنا أن لكل محمّده .
تعالوا لنرى ما يقوله الشيعة نقلاً عن لسان النبي محمد " ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " وأيضاً قال : " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض .. ". ولكن السنة لن ولم يعترفوا بمثل هكذا أحاديث ، فلوا أخذوا بها لتشيعوا وأصبحوا من الإمامية الإثني عشرية .
إذاً كيف يمكن لأحد ان يفكر بالتنازل للآخر, مادام الكل متسمك بموروثه ، والموروث مقدس عند الجميع , وهناك انقياد جنوني وراء هذا الموروث . ولهذا نرى ان الحوار بين السنة والشيعة هوحوار الموروثات عند المذهبين , فتتحول حججهم من "إسلامية الى مذهبية" , وعندها لا بد وان ينتهي الحوار الى اللاتفاهم ، لأن نقطة الحوار المركزية التي دائماً يبدأون بها هي لقضايا حدثت قبل أكثر من ألف عام حتى بات الخلاف الآن بين المذاهب الإسلامية وخاصة بين الشيعة والسنة ليس حد اللاتقارب فحسب , بل وصل الى حد التنافر بين قطبين عدوين متضادين متحاربين ( العراق اليوم نموذجاً ) ، ولم يبقى بينهما من الإسلام جامع سوى لفظ الشهادتين ( أشهد ان لا اله إلاّ الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ). وحتى لفظ الشهادتين ما عادت تجمعهما ، لأن الشيعة أضافوا ثالثة " أشهد أن علياً ولي الله " في الأذان .
فهل بقيت مساحة في الأفق أن نتكلم بها عن وجود " الشريعة الإسلامية " ؟ وشريعة من يمكن الإعتراف بها والأخذ بها للتطبيق ؟ ومن هي الجهة التي لها صلاحيات الإشراف على التطبيق , حاكم الدولة أم السلطة أم المرجعيات الدينية ؟
ولكن ما ذا يعنى التطبيق ؟
عندما يسمع المسلم وغير المسلم عن تطبيق " الشريعة الإسلامية " يقشعر بدنه ، ويرتجف جسده , وتسود الدنيا بعيونه , ويتخيل بأن السيف قد وضع على رقبته ، والسوط على ظهره ، وأكوام من الحجارة أمامه . هذا هو ا لمفهوم السائد لدى العامة في شأن تطبيق الشريعة ولا غير ذلك . فتطبيق الشريعة يعنى إنزال العقاب الشديد على الناس في حال مخالفتهم وتقاعسهم تنفيذ الواجبات أو ( الحدود ) في المفهوم الفقهي .
ولا أظن أن من يطالب بتطبيق الشريعة قد فكر بحقوق الناس إن كانوا مسلمين وغير مسلمين قبل فرض الحدود عليهم . فأين الهداية والتسامح ، و"عاملهم بالتي هي أحسن" ، و " يريد الله بكم اليسر ولا نريد بكم العسر" (سورة البقرة آية 185) وما شابه ذلك من المفردات الجميلة التي قالوا جاء بها الإسلام ؟ وهل هناك ثمة حقوق يمكن أن يطالب بها المسلم وغير المسلم قبل تطبيق القصاص عليه؟ اليس من حق الأنسان أن يتمرد وينتفض ويهمل الواجبات إن لم ينل حقوقه .
يكلف الجهلة بتطبيق " الحدود "
تتعمد السلطات بالتنسيق مع المؤسسات الدينية بتكليف الجهلة وتناط بهم شؤون الإشراف على التطبيق . والحكمة من ذلك تركيع وإسعباد المجتمع . فلو زار أحدكم المملكة السعودية لأطلع عن قرب على الأسلوب الهمجمي واللاإنساني الذي يستخدمه أصحاب " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في شوارع مدن السعودية , وجلّ هؤلاء أميين ، أنيطت بهم مهمة إذلال وأهانة الناس بإسم تطبيق الشريعة . وما رأيت أحداً من هؤلاء يأمر بالمعروف ويأخذ بيد المخطئ الى النصح والحسنة , فمهمتهم ليس النهي عن " المنكر" بل مراقبة الناس وتصيد " المنكر" لإنزال العقوبات المذلة والمشينة عليهم .
وينطبق ذلك تماماً على العراق الآن , لنرى الجهلة والهمج يجولون شوارع وسط وجنوب العراق مدعومة من ميلشيات الأحزاب الإسلامية الحاكمة , مهمتهم الرئيسة تركيع وإذلال المجتمع العراقي عن طريق إهانة الناس في الشوارع وخاصة النساء . فذبح الإنسان وقتله حسب متطلبات الشريعة وتوصياتها أصبح من الواجبات الشرعية اليومية. واذا كان جهلة السعودية مهمتهم إهانة السعوديين ، فإن جهلة الأحزاب الإسلامية في العراق مهمتهم الخطف والقتل وقطع الرقاب وتدمير الإنسان بالكامل تطبيقاً للشريعة الإسلامية . وما القصص والروايات المؤلمة والمخجلة التي نشاهدها ونسمع بها عن حالات وأسباب الذبح والتعذيب وخنق أنفاس الناس على أيدي جهلة الأحزاب الإسلامية في العراق , ما هو إلاّ أنعكاس طبيعي لذهنية هؤلاء في مفهوم تطبيق الشريعة , وليس تشويهً لها أو انحرافاً عنها.
فمن السذاجة القول بأن ما يجري في العراق والسعودية وافغانستان وأيران وغيرها ، من خروقات لحقوق الإنسان هو إبتعاد وانحراف عن الشريعة الإسلامية . ولكن , دعني أقول بأن الذي يجري هو من صميم الشريعة ، ولم أرى أي تجاوز عليها , لآن المشرفين على تطبيقها هم علماء دين مجتهدين وفقهاء يستندون دائماً على آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأقوال أئمة آل بيت محمد .
ألا يعتبر سكوت المرجعيات الدينية السنية منها والشيعية دليل على ذلك !!
إذاً من هو المفتي , ومن هو المشرف على الإفتاء , ومن له صلاحية الإفتاء ؟
#محمد_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟