|
الغريزة الجنسية بين الكبح والتهذيب..2
فاتن نور
الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اسقاط العقل،نحرالإرادة،إزهاق قيمة الدين بمنظومته الأخلاقية، الإصرار على ان الشهوات الجنسية لا تحكم ولا تهذب بل تكبح بكبح المرأة وعزلها،الإدعاء بأن هذا يقع في صالح المجموع..تلك رؤية مضلله تعتمد البصر وليس البصيرة،إلا ان اصحاب تلك الرؤية يرون ان البصيرة العلمية تدعم رؤيتهم وتقطع الشك باليقين... لنرى كيف..
الجائع يستثار فطريا برائحة الطعام فيسيل لعابه لا اراديا وبفعل حاسة الشم،اما الجائع غريزيا فيستثار فطريا برؤية جسد الأنثى فيسيل لعابه لا اراديا بفعل حاسة البصر!..هذا هو تفسيرهم العلمي!..... ولأنه تفسير علمي لهذا اما ان تقام اللعنة على حاسة البصر وتفقأ العيون واما ان تقام اللعنة على الجسد الأنثوي...وعلى ما يبدو ان تلك الرؤية رجحت الخيار الثاني..ولو اني ارجح الخيار الأول فعلة النقص تعود للمعلول بعلة اضافية!! كان قد اثبت العالم بافلوف بتجاربه المختبرية حول الكلاب بأن نزول اللعاب بفعل حاسة الشم كفطرة ممكن ان يوجه فيرتبط بحاسة اخرى كأن تكون حاسة السمع، المؤثر قد يكون رنين جرس او مقطوعة من احدى سيمفونيات بتهوفن، حتى خطابات صدام من خلف قضبانه ممكن ان تستثير الكلب فيسيل لعابه بتوقع استحضار الطعام فيما لو درب على هذا وبتكرار الفعل وتزامنه مع تقديم الوجبة للكلب،قد لا تقدم الوجبة للكلب إلا انه سيستثار برنين الجرس وسيسيل لعابه بمجرد التوقع..قد يوضع الطعام نصب عينيه ويشتم رائحته ولكن لا يسيل لعابه إلا عندما يصدر الإيعاز الذي درب عليه واعتاده كرنين الجرس، فرنين الجرس سيكون بالنسبة للكلب بمثابة الأذن او الترخيص لتفعيل الفطرة!.. بالتدريب والتهذيب انحرفت فطرة الكلب عن شرطيتها/طبيعتها المتوارثة،واصبح فعل المنعكس الشرطي كما اسماه بافلوف هو المثير والمحفز لسيلان اللعاب وهو فعل مكتسب خارج الفطرة... الغريزة الجنسية / الجوع الجنسي.. ضالته الجسد،الذكر يتعرف على انثاه بفطرته حيوانا كان ام انسانا فهذا لا يحتاج الى تعلم،الذكر يدرك بفطرته بأن الأنثى هي من يحمل ادوات الإشباع الغريزي، وهذا الإدراك الفطري لا يحجبه مظهر او طبيعة لباس..حجب الرؤية لا يعني حجب الفطرة، كما ان عدم حجبها لا يعني تفعيلا لها ،وهذا بحاجة الى اكتساب تربوي/اخلاقي يعمل كمثل فعل المنعكس الشرطي،والإكتساب بحاجة الى عقل مُفعِّل لقيمة الخلق المكتسب!.....
سأتجنب الشروحات المعقدة كي لا اثقل واكتفي ببعض الأمثلة التي ستلقي الضوء على دور العقل في ترشيد الفطرة،فهي ليست خارج حدود السيطرة كما يؤمن البعض...
جائع يتضور جوعا يقف امام مطعم تنبعث منه رائحة الشواء فيسيل لعابه وتتهيأ معدته للهضم،تلك فطرة لا يحكمها العقل..ولكن..ماذا لو كان هذا الجائع مسلما وادرك أن ما يشوى هو لحم خنزير..سيتوقف السيلان فورا وقد يتحول الى تقزز وأشمئزاز،قد يتقيأ فيما لو كان قد تناوله بلا دراية مسبقة..دخل العقل برصيده المعرفي فحكم الفطرة وصدها عن الإسترسال..ماذا لو كان هذا الجائع مسيحيا.. سيتدخل عقله هو الآخر ولكن بشكل مغاير قد يزيد من لعابه وتضوره فيما لو كان مفضلا للحوم الخنازير..
عاد المسلم ادراجه فمر ببائع جوال يبيع ما لذ وطاب من الحلويات والقطائف وبأسعار بخسة فسال لعابه للمرة الثانية، أشترى قطعة علها تسد رمقه..تدخل عقله بالوقت المناسب فقذف بالقطعة على الرصيف،غفل عقله امام الجوع إلا انه سرعان ما تنبه بأن داء السكري يقف يبنه وبين تناول الحلوى، معلومة صغيرة بالدماغ جعلت الجائع يرتد عن تناول الحلوى!، لم يطالب البائع بأنزال الستارعلى بضاعته كي لا يسال لعابه كما انه لم يقف مبحلقا بقطع الحلوى فهو على يقين بأن تناولها سيجلب له الضرر..!..
الخزين التربوي في العقل هو من يحدد سلوك المرء وتصرفاته،فمن لا يحتوي ولا يشير خزينه التربوي الى اي ضرر قد يتأتى من وراء الإنفلات الغرائزي،سيعاشر ويضاجع من يشتهي وسيترك الحبل على الغارب للإستثارة وبفطرته الطبيعية....ولكن من يحتوي خزينه التربوي على جملة محاذير وجملة اضرار سوف لا يفعل، وستهذب الفطرة بهذا الخزين لتقنين الإستثارة العشوائية، إلا ان درجة التهذيب والتفعيل تعتمد على مدى تغلغل هذا الخزين التربوي وعمق رسوخه في الدماغ، قد يكون الخزين هشا فضفاضا والقاء تلك الهشاشة فوق رأس الآخر لا يعضد الحزين بل يزيده هشاشة!.. اما اذا ارتبط هذا الخزين بقيمة لاهوتية تفرد بابا للجنة وبابا للنار فتأثيره سيكون اقوى لتهذيب الفطرة حيث ان هذا الخزين سيخرج من كونه مجرد خزين تربوي ويرتقي الى مرحلة الإيمان بقيمة عليا..عدم مقدرة العقل بمثل هذا الخزين على تهذيب الفطرة يعني نقص ايماني لا يبدو من الصواب تحميله فوق رأس الآخر..!
شاب شبق جنسيا مر بأخته الحسناء وهي نائمة وقد انحسر لباسها وكشف عن مفاتنها فأشاح بوجهه عنها ثم سحب الغطاء ليسترها وانصرف.. هل تعامل هذا الشاب بفطرته ام بعقله..هل المحرمات من النساء فطرة ام تهذيب!.. كيف تناسلت البشرية ابتداءا!.. المسلم قد تقوده فطرته لأن يستثار بأبنة عم له فهي مباحة وليست من المحرمات ،المسيحي ينظر لأبنة عم له كأخت.. الفارق هنا هو العقل وما غرست به من معارف تربوية.. في علم الأحياء يصنف الانسان كنوع، وكل نوع مفطورعلى فطرة،اختلاف فطرة النوع الإنساني يعني اختلاف طرق التهذيب المكتسبة،ولو كان النوع الإنساني بلا عقل لما اختلفت فطرته حيث لا تهذيب..
...الفطرة قابلة على التهذيب وليست بعصية، وبمستويات مختلفة تتلون بتلون معارف الأفراد والجماعات ومنظوماتهم الأخلاقية فالعقل البشري يستوعب الكثير من الخطوط الحمراء التي تروض الفطرة فتفصل بين ذكر وانثى بلا شهوات غرائزية تقع بينهما بسبب غطاء او لباس كعلاقة الرجل بالمحرمات من النساء ،وهو بالتالي مقتدر على استيعاب خطوط خضراء ترتقي به لتحد من بعثرة شهواته بين غير المحرمات كزميلة او جارة او طالبة او عابرة سبيل، وتهذبه لينتقي فليس كل ما وجود حوله مستباح للإستثارة به،ويكون الإنتقاء وفق الأخلاقيات المتاحة اجتماعيا والتي تختلف من مجتمع لآخر..تهذيب الفطرة وترشيدها بحاجة الى مناهج تربوية تهتم بالجوهرالعقلي لا بالمظهر الجسدي..مناهج رصينة تقرع الجذور وتترك القشور..مناهج إرتقائية لا تعري العقل وتغطي الجسد..
تلك الرؤية وامثالها التي تعج بها مجتمعاتنا تفعل العكس وهي خارج سلم الإرتقاء.. اول خطوة على هذا السلم وحسب رؤيتي هو الإختلاط المبكر بين الذكور والإناث أبتداءا من رياض الإطفال فصاعدا،فذلك سيخلق ويتيح قواسما مشتركة بين الجنسين تتخطى قاسم الفطرة الغريزية،وسيغلق الإختلاط الكثير من الثغرات في فهم الجنس الآخر فهما انسانيا لا يحصر بحدود الغريزة والأشباع....
الوقوف ضد تلك الرؤية أحسبه وقوفا مع العقل بذخيرته الدينية واحكامه الرادعة وكل ما يدخره العقل من مفاهيم اخلاقية...... العقل اولا واخيرا فهو من يحكم المرء،ومن لا يحكمه عقله لا يحكمه خمار او ستار.. أرجو ان لا يشطح عقل القاريء ويظنها دعوة للعري بحجة امكانية التهذيب العقلي والسيطرة على الشهوات،هي دعوة للإعتدال والتهذيب وتجاوز الإفراط في الكبح والفصل...
سؤال افتراضي... فيما لو كان بين دفتي الكتاب آية صريحة تحرم لحوم النساء والإستثارة بهن ما لم يكن زوجات،وكما حرم لحم الخنزير .. هل كان سيتقزز الرجل برؤية امرأة عارية!!
#فاتن_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغريزة الجنسية بين الكبح والتهذيب...
-
هيا بنا الى ميادين الفساد!!!
-
من طرائف مشاريع الإعمار في العراق..
-
براءة الأطفال في قارب السياسة والفلسفة والنقد!!!
-
زرقاوي الأمس ضاري.....
-
ابداعات اسلامية: الطبيعة المحافظة تدعونا للتحجب!
-
للمتعبين فقط..سؤال محيّر من العراق!
-
المرأة العراقية ابتسمت مؤخرا لتصرح...
-
عقلية المسلم بين أسر النص الديني وقضبان النقل الفكري..2-2..
-
عقلية المسلم بين أسر النص الديني وقضبان النقل الفكري .. 2-1.
...
-
أسلمة المعرفة : ذبح العلوم الغربية على الطريقة الأسلامية..
-
الرجعيون... الترويض والترويض الآخر...
-
يا بوية.... الطائفية ما تنجب ابطال
-
طقطقة..
-
عاطفية المرأة وعقلانية الرجل ..أرهاصات النظرية والتطبيق.....
-
هل كان رسول الله محمد سفاحا؟
-
حوار .. احداث النجف والسكتة الوطنية!
-
..لا تسرع ياعراق
-
إعدام بلا قضاء..كم يساوي التحضّر في العراق؟....
-
سيداتي سادتي اليكم نشرة الأخبار!...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|