|
شعب بين المطمرقة والسندان 5/4
ياسين المصري
الحوار المتمدن-العدد: 6618 - 2020 / 7 / 14 - 10:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
4- د. محمد مرسي الرئيس ”المأساة“ لقد كان السقوط المدوِّي لنظام مبارك لحظة مفعمة بالأمل ومبشّرة بالخير لدي الكثير من المصريين، إذ شجّعتهم على المطالبة بإجراء تغييرات جذرية لمواجة طغيان واستبداد الفاشية العسكرية والدينية على حد سواء. والقضاء على البيروقراطية والفساد المالي والإداري والثقافي، وتعيد البلاد إلى الوضع الطبيعي بين الدول المتقدمة، ولكن الفاشية الأولى كانت للجميع بالمرصاد، ولا بد أن تكون لهم بالمرصاد لحماية مصالحها الاقتصادية وسطوتها السياسية والاجتماعية، فهي لم تعد مغرمة برونق الحكم وما حققه لها من سطوة ونفوذ وثراء مالي فحسب، بل أصبحت مغرمة أيضًا بالانتقام من الشعب بأسره، حتى لا يتطاول مرة أخرى في وقت ما على أسياده من العسكر.
وعندما أعلن المجلس العسكرى عن استيلائه على السلطة لم نعرف حقا وعلى وجه اليقين هل تنحى مبارك أم تخلى عن منصبه، ولم نرى خطابًا يدل على إستقالته، ولم يسمعه أحد يعلن ذلك شخصيا، كما أعلن البكباشي عبد الناصر عن تنحيه في أعقاب هزيمته المدمِّرة في عام 1967. وفي الوقت نفسه لم يفكر أحد في مدى شرعية إستيلاء هذا المجلس على الحكم فى مصر؟ فبحسب دستور 1971، إنه فى حالة إستقالة رئيس الجمهورية أو تنحيه، يقوم رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا بتولى السلطة لحين انتخاب رئيس آخر، لا أن يقوم مجلس عسكري بهذه المهمة. كذلك لا أحد يدري ماذا حدث وراء الكواليس في ذلك الوقت، وما إذا كان قد حدث إنقلاب عسكرى على مبارك أم لا؟ وهل هناك تفويض من شباب الانتفاضة للمجلس العسكري باستلام السلطة؟ وهل يكفى تعظيم سلام من المتحدث العسكرى لشهداء الانتفاضة أثناء إلقائه أحد البيانات لإعطائهم تلك الشرعية؟ وهل يكفى أنهم قاموا بحل مجلسى الشعب والشورى؟ وهل يكفى وضع بعض أفراد النظام السابق رهن الإعتقال أو المنع من السفر؟ لقد كان أعضاء المجلس العسكرى الذين مازالوا يحكمون حتى اليوم من أعمدة نظام مبارك وهم المستفيدون من هذا النظام ومن فساده، وهم الذين يرفضون منذ عام 1952 رفضًا قاطعًا إعطاء أية تفاصيل عن ميزانية الجيش وكيفية صرفها. كما أنهم بدأوا منذ زمن بعيد بعسكرة الحياة المدنية، ومازالوا مستمرين فيها على قدم وساق، فمعظم المحافظون ورؤساء المدن فى مصر هم ضباط سابقون، رؤساء بعض الشركات الحكومية ضباط سابقون، أجهزة الرقابة على الحكومة يتولاها ضباط مخابرات سابقون، والمميزات الممنوحة لضباط الجيش أكثر من أن تحصى سواء أثناء تواجدهم بالخدمة أو بعد خروجهم على المعاش. فكيف لهم أن يتخلوا عن كل هذه المميزات وغيرها بسهولة.
الفاشية الدينية من ناحيتها وجدت فرصة سانحة للركوب على أكتاف الانتفاضة الشعبية في الأيام التي تلت 25 يناير 2011 بقيادة جماعة الإخوان المتأسلمين الذين تصدروا المشهد الميداني، عندما تأكدوا من أن النظام على وشك السقوط، وأن عليهم التواجد وتحريك قوتهم المتدربة والمنظمة، محددين أهدافهم من البداية فيما يريدون ويسعون إليه من حكم مصر بعد مبارك. ولكنهم إعتقدوا بسذاجتهم السياسية أن الأمور تسير لمصلحتهم، فوظفوا قدراتهم على بنائهم الداخلي وانتشارهم الكبير بين صفوف الشعب، وأعلن محمد بديع المرشد العام للجماعة آنذاك، إنه لن يدخل في أي مواجهة مع النظام، متبعًا نهجًا سلميًا بتجنب وضع جماعته في مواجهة مباشرة مع الحكومة من خلال اتخاذ خطوات مثل مقاطعة الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في الشوارع، وتخفيف حدة التوتر والإحراج الداخلي الذي تسببه الإخوان للنظام في خروجها مع المتظاهرين. وقال: « إن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن يومًا عدوًا للنظام»، وهو يقصد بالتأكيد النظام العسكري برمته وليس نظام مبارك فحسب. وفى المقابل ابتعد الخطاب الرسمي للدولة في إعلامها عن تشويه الجماعة والسماح لها بالعمل وفقا لما هو مخطط وتحت عيون الأمن. وتم الإفراج عن بعض المعتقلين، كما تم تحويل القضايا المتهم فيها أعضاء الجماعة من المحاكم العسكرية إلى المحاكم العادية، بهدف تهدئة الصراع بين العسكر والإخوان، لحين الانتهاء من إخماد الانتفاضة. كذلك أسرع المجلس إلى عمل تعديلات محدودة فى الدستور كإجراء تجميلي وتم الاستفتاء عليها فورًا، في خطوة الغرض منها سرقة الانتفاضة وإخمادها. فسمح عند تشكيل لجنة لتعديل الدستور، بأن يكون ثلاثة (من سبعة) من أعضائها بما فيهم رئيس اللجنة إما ذوى ميول إخوانية أو أعضاء فى جماعة الإخوان. وما معنى أن يتم الإفراج عن خيرت الشاطر أحد زعماء الإخوان وعضو مجلس الإرشاد، والسماح للشيخ القرضاوى (الذى كان مرشحا لتولى منصب المرشد العام للإخوان) أن يقوم بإلقاء خطبة الجمعة فى ”جمعة النصر“ فى ميدان التحرير، هل يمكن أن يتم ذلك بدون موافقة المجلس العسكرى؟؟ وهل يمكن أن يحدث شيء من هذا ما لم تكن هناك صفقة تمت فى الخفاء بين المجلس العسكرى والإخوان؟؟
وما معنى ألَّا يقرر المجلس العسكرى الإقتراب من أى ضابط جيش سابق مثل صفوت الشريف أو عمر سليمان أو أحمد شفيق أو غيرهم من أعمدة النظام السابق، بل على العكس يقوم بالإفراج عن عبود الزمر (ضابط المخابرات السابق، ومهندس حادث المنصة)، فى هذا الوقت بالذات، ليس هذا فقط، ولكن تم الإحتفاء والإحتفال به وكأنه عائد من أحد الغزوات منتصرا؟ ومن ثم إستضافته فى التليفزيون المصري الحكومي فى واحد من أكثر البرامج مشاهدة؟ حيث قال تصريحا عجيبا بان ثورة 25 يناير هى ما كان يتمنى خالد الإسلامبولى (قاتل السادات)؟؟؟ وهناك إشاعة أنه قام بزيارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشكرهم، وإشاعة أخرى أنه ربما يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، ويجب ألا ننسى أن عبود الزمر كان ضابطا سابقا فى المخابرات الحربية، وقد يكون زميل عمر سليمان ضابط المخابرات؟؟؟ أو أحد أعضاء المجلس القدامى. لم يدرك الجميع في ذلك الوقت أن العسكر لن يتركوا السلطة في البلاد مهما كان الثمن، فلديهم جمهوريتهم الفتية الخاصة بهم ولديهم إقتصادهم المتنامي داخل الدولة، وأصبحوا يملكون البلد بكاملها ويتعاملون معها مثلما يتعاملون مع مزارع الدواجن الخاصة بهم. لم يتوقع أحد بأن يتشكل مجلس كهذا من الجنرالات الكبار في الجيش ممَّن يتسمون بالخبث الشديد والنرجسية المفرطة والسادية الحادة، وهم وحدهم الذين يتربعون على قمة المستفيدين من بقاء الحكم العسكري في البلاد. وعندما كلفهم مبارك بمهمَّة إدارة المرحلة الانتقالية، أدخلوا البلاد لأكثر من عام في فترة شديدة الغموض، والهشاشة وعدم الأمان، ولكنها كانت أيضًا شديدة الأثر فيما يهدفون إليه. فقد كانو بالفعل يباشرون مباحثاتهم السرية لعقد صفقات مشبوهة وراء الكواليس، على العكس من الأهداف المعلنة للشعب المخدوع بنواياهم. طلبوا من مبارك أن يترك السلطة دون إراقة دماء، وفي المقابل إلتزموا بحمايته وحماية أسرته، وتبرئتهم من أية قضايا فساد أو إجرام قد ترفع ضدهم، وهذا ما أثبتته الأيام فيما بعد. لقد نأوا بأنفسهم عن نظام مبارك في الوقت المناسب، رغم أنهم اجتمعوا برئاسته في ذروة أحداث الانتفاضة يوم 30 يناير فى مبنى القيادة العامة فى حملة دعائية لتأييده ومساندته! فى أعقاب تنحى مبارك، صرَّخ المجلس بأنه لن يرشِّح شخصا من الجيش لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي لم يحدث، وكان الهدف منه أنذاك هو التوجه أولا إلى قضايا أخرى أهم بكثير لديه، وهي أخماد الانتفاضة والتخطيط المحكم للتخلص من الإخوان المتأسلمين. عمد المجلس العسكري إلى إخماد الانتفاضة وتدمير أمانيها، فبدأ في بث نوع من ”البروباجاندا“، لتصوير الجيش وكأنه هو المنقذ الوحيد لمصر والحامي الوحيد (لثورتها)، وأنه فوق الخطأ وفوق النقد. في وقت تعمد الإبقاء أطول وقت ممكن على الفراغ السياسي الناشئ بعد خلع مبارك وانهيار نظامه، ولم يسمح للدكتور محمد البرادعي - المحرِّك الأول للانتفاضة - أو جماعته بملئه بحجة أنه رفض لقاءهم، وأيضا لم يعطوا أدنى فرصة لشباب الانتفاضة لملء الفراغ السياسي على أساس أنهم صغار السن، مع العلم بأن أسلافهم كانت تترواح أعمارهم بين 30 و 35 سنة عندما قاموا بانقلابهم فى عام 1952!!
وكان من الواضح أنَّ القوى المؤهلة آنذاك لملء الفراغ السياسى فى مصر هى إمَّا الحزب الوطنى أو الأخوان المتأسلمون، ونظرًا إلى أنَّ الحزب الوطنى قد أصبح مرفوضا فى الشارع المصرى، فلن يبقى سوى الإخوان. وقد كشف ”منتدى الشرق الأوسط للحريات“ عن وثيقة هامة مسربة عن تحالف الاخوان والمجلس العسكري، وتحمل تاريخ: 2011-11-23، وقام بترجمتها ونشرها على الوقع التالي: http://v1.brotherrachid.com/ar-jo/مقالات/ArticleID/163/وثيقة-هامة-مسربة-عن-تحالف-الاخوان-والمجلس-العسكرى من المفيد جدًّا قراءتها بالكامل، وهي « عبارة معلومات استخبارية، وعرض سري عن البرادعي / وعن تحالف الإخوان المسلمين والجيش»، قدمها جيك سوليفان إلى هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، أثناء عمله مستشارًا سياسيًا كبيرًا في حملتها لانتخابات الرئاسة عام 2016، وقد استقت الوثيقة معلوماتها من مصادر مقربة من المستويات العليا في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وكذلك المخابرات والأجهزة الأمنية الغربية. تشير الوثيقة باختصار إلى أن سلسلة من الاجتماعات السرية بين كبار المسئولين بالمجلس العسكري الذي يحكم مصر مع محمد البرادعي بين 21 و22 نوفمبر 2011، لمناقشة إمكانية شغل الأخير لمنصب رئيس وزراء مؤقت في محاولة لمعالجة الإحباط الذي يشعر به المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية والذين يشتبكون وفتئذ مع قوات الجيش والأمن المصرية في ميدان التحرير في القاهرة، وطالب البرادعي في هذه المناقشات تأكيدات أنه لن يكون دمية في يد المجلس العسكري، وأشار مسؤولو المجلس العسكري إلى أنهم سينظرون في هذا الأمر، لكن المجلس العسكري، تحت أي ظرف من الظروف، سيظل السلطة العليا في مصر ريثما تنتهي في عام 2012 سلسلة من الانتخابات الوطنية التي تبدأ في 28 نوفمبر 2011. وتذكر الوثيقة أنه خلال الأسبوع الممتد من 21 نوفمبر، كان المرشد الأعلى للإخوان المسلمين محمد بديع ومستشاريه على علاقات في الخفاء وفي سرية متزايدة مع كبار مستشاري المشير محمد حسين طنطاوي والمجلس العسكري، في محاولة لإقامة علاقة من شأنها أن تسمح لهم بالتعاون وحكم مصر بنجاح بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في خريف عام 2011. ورغم تزايد التوتر والعنف السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 28 نوفمبر2011، إلا أن هناك اتفاقًا في الرأي بين أعلى المستويات داخل جماعة الإخوان المتأسلمين والمجلس العسكري على أنهم يمثلون المنظمتين السياسيتين الوحيدتين المتأصّلتين في البلاد، وأن عليهما العمل معا للاستفادة بشكل كامل من البنية السياسية التي بدأت تنمو حديثا في مصر. ويواصل المجلس العسكري توفير قدر من التمويل والمعلومات للجماعة، ما يعطيها ميزة مقارنةً بالحركات السياسية المنافسة الأخرى، سواء أكانت قاعدتها علمانية أم دينية. وتوفر جماعة الإخوان المتأسلمين من جانبها معلومات مخابراتية للمجلس العسكري، أي تتجسس على التطورات في الأحزاب السياسية الأصغر حجمًا والأكثر راديكالية. وفي نفس الوقت، تقوم بالتنسيق مع مديرية المخابرات العامة المصرية وقوات الشرطة العسكرية، للعمل على تقليل مستوى العنف في المظاهرات المحتجة على تمديد الحكم العسكري. وفي رأي هذه المصادر المطلعة، فإن جماعة الإخوان التأمسلمين والمجلس العسكري سيواصلان العمل معا سرًّا في محاولة لتشكيل حكومة مستقرة في مصر. وعند هذه النقطة، فمن المتوقع أن تبدأ المنافسة الشرسة بينهما من أجل السيطرة النهائية على البلاد. فكلا الطرفين مهتم بشكل خاص بخلق بيئة آمنة في جميع أنحاء البلاد والسعي إلى طمأنة المستثمرين والسياح الأجانب. ومع ذلك، يعتقد هؤلاء الأفراد أن مصر ستشهد نوبات متكررة من العنف الذي قد يشتد في كثير من الأحيان مع شعور أعضاء الحركة المؤيدة للديمقراطية بالإحباط المتزايد بسبب قيام القادة العسكريين وقادة جماعة الإخوان المتأسلمين بالهيمنة على العملية السياسية. الحقيقة هي أن الإخوان المتأسلمين كانوا الفصيل الوحيد على الساحة الذي ينازع العسكر السلطة بقوة منذ عهد عبد الناصر، وقد حانت فرصتهم للوصول إليها بركوبهم أكتاف الإنتفاضة الشعبية، لذا وضع المجلس العسكري خطتين للتعامل معهم، الأولى معلنة والثانية سرية، الخطة المعلنة تتلخص في السماح لهم باعتلاء السلطة بناء على انتخابات حرة، ثم بدء تنفيذ الخطة السرية وهي تعكير الجو السياسي والأمني والاقتصادي وملء الحياة العامة للمواطنين بالمشكل اليومية حالما يصل ممثلهم إلى سدة الحكم، كتمهيد شعبي للانقضاض عليهم وتدمير بنيتهم الاجتماعية والاقتصادية بالكامل. فالعسكر على يقين تام بأن الأخوان يتمتعون بشعبية كبيرة تكفل لهم الوصول إلى الحكم لو أجريت انتخابات ديموقراطية حرة ونزيهة، وبالفعل أجريت هذه الإنتخابات لأول مرة منذ عام 1952، في 24 يونيو 2012، وأعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية عن فوز محمد مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات بنسبة 51,7٪، ولكنهم كانوا أيضًا على نفس اليقين بأن أغلبيته الشعب تعاني لزمن طويل من الفقر والجهل والمرض، ويمكن تعبئة الملايين منه للتحرك في أي اتجاه مقابل رغيف الخبز أو قليل من السكر والزيت، عملا بحقيقة القول: ”جوَّع كلبك يتبعك“، فما بالنا لو أن الكلب لم يكن جائعًا فحسب، بل جاهلا ومريضًا، ويخضع لقهر الحكام واستبدادهم منذ سنوات عديدة؟ وكانوا كذلك على يقين بأن الإخوان سوف يفشلون فى التصدى لمشاكل مصر الكبيرة، وبإضافة مشاكل يومية صغيرة إليها، تتناول رغيف العيش وأنابيب البوتاجاز … إلخ، مما يعكر صفو المجتمع، يمكن ساعتها أن يتدخلوا ويتغدوا بالأخوان قبل أن يتعشوا بهم!! وبالفعل منذ اليوم الأول لانتخاب محمد مرسي رئيسا إخوانيا مدنيًا للبلاد، تكاثفت عليه المشاكل اليومية المتعمدة من كل حدب وصوب، ممَّا جعله والإخوان من حوله يتخبطون سريعًا في قراراتهم. عندئذ وبعد عام واحد فقط بدأ العسكر بتنفيذ الخطة الغير معلنة. انقلبوا عليه وعلى جماعته بدموية منقطعة النظير، لتعود البلاد مرة أخرى إلى قبضتهم وإلى أوضاع أكثر بؤسًا ومرارة من ذي قبل. لقد كان من السهل أن ينخدع الشعب في نوايا العسكر ويسقط سريعًا تحت أقدامهم، وكان من الحماقة أن يفوِّت المنتفضون على أنفسهم فرصة الإصرار مهما كان الثمن على تحقيق الحكم المدني الديموقراطي والعدالة الاجتماعية والتقدم والرقي واستعادة الكرامة الإنسانية للمواطن المصري التي افتقدها منذ ستة عقود من الزمان. تخازل الجميع أمام هيمنة ثلة شريرة من جنرالات الجيش ومعهم جنرالات الشرطة. فالذين أدركوا هذا الأمر، وجدوا أنفسهم مكتفي الأيدي بين قوة غاشمة وشراسة قاهرة لا تعمل حساب لأحد ولا تحترم أحد على الإطلاق مهما علا شأنه، وبين شعب مقهور ومطحون ومجهَّل لا يمكن الاعتماد عليه، فقرروا الانسحاب والصمت أو البعد عن الشر القادم بعنف شديد!. من المعروف والمتَّبع في حكم الأقلية سواء كانت دينية أو عسكرية أو عائلية أو غير ذلك أن أي فرد لا يستطيع أن يحكم بمفرده، ولا بد من أن يخضع دائمًا لسيطرة الأقلية التي ينتمي إليها وتدعمه، وهكذا كان الأمر مع الإخواني محمد مرسي. وعندما وصل إلى السلطة، بدت عليه وعلى جماعته لهفة كلهفة الجائع إلى الطعام، فظهرت على الفور معالم عديدة لفاشيتهم الدينية (الإسلاموية)، إذ ذهبت بلا رجعة حرية التعبير النسبية في عهد مبارك، وأخذت البلاد تتجه في موجة جديدة نحو التأسلم الوهابي الإجرامي المتشدد، ويقال إنهم حاولوا خلال تلك الفترة استغلال الفن للدعاية، وكانوا ينوون إنتاج فيلم عن قائدهم حسن البنا لكن لم يسعفهم الوقت أو يحالفهم الحظ. وبدا واضحًا عجزهم عن احتواء القوى الفاعلة في المجتمع من العسكر والمدنيين والليبراليين وغيرهم، بل تخطى العجز إلى سوء الإدارة ومحاولات أخونة مؤسسات الدولة. وقاموا بتمرير دستور جديد رغم رفض الأقباط وجميع القوى المدنية له، فكان ذلك كفيلاً بإحداث صدع كبير بين الجماعة وباقي القوى الأخرى. كما تسببوا في سخط المؤسسة العسكرية عقب إقالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس هيئة الأركان الفريق سامي عنان بصورة مفاجئة بعدما إتهم مرسي المؤسسة الأمنية بعجزها عن حماية مقرات الجماعة. ولكن قراره اختيار الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى منصب وزير الدفاع والفريق صدقى صبحى فى منصب رئيس الأركان أحدث حالة من الطمأنينة وخفف من وقع الصدمة لدي العسكريين، مع أن الإحساس بالإهانة ظل كامنًا في خواطرهم. قام المجلس العسكري بالدعوة إلى مظاهرات 30 يونيو 2013 مستندة إلى حملة توقيعات قيل إنها من (22) مليون مصري. وقد ظهرت فيما بعد تسريبات بأن حكومة الإمارات قامت بتمويلها، وتم عزل الرئيس المدني المنتخب في 3 يوليو 2013، واعتقاله في سبتمبر 2013، وتقديمه للمحاكمة بتهم إجرامية لا ترقي بأي حال من الأحوال لمستوى جرائم العسكر أنفسهم، خصوصا عند فض اعتصام أنصاره في رابعة العدوية، في 14 أغسطس 2013. والذي راح ضحيته 670 قتيلا ونحو 4400 مصابا من الجانبين، بحسب وزارة الصحة المصرية، ووصف تقرير لمنظمة ”هيومن رايتس ووتش“ ماحدث بأنه على الأرجح جرائم ضد الإنسانية، أنظر: https://web.archive.org/web/20150330074805/http://www.hrw.org/ar/news/2014/08/12 وخلال سنوات اعتقاله، عومل مرسي بأقسى أنواع المعاملات الاإنسانية، إذ تم احتجازه في حبس انفرادي، ومُنع من تلقي المواد الغذائية والأدوية من أسرته أو من غيرها، ومُنع من الوصول إلى وسائل الإعلام أو الرسائل وغيرها من وسائل الاتصال مع العالم الخارجي وحُرِم من الكتب والصحف والورق والقلم والراديو. ولم يُسمح لزوجته وأفراد أسرته الآخرين بزيارته إلا ثلاث مرات خلال السنوات الست التي قضاها في السجن، في عُزلة تامة، لا يسمع احداً ولا يسمعُه أحد. وتم حرمانه أيضًا من يتناول الطعام المناسب لوضعه الصحي، فتدهورت حالته الصحية، إذ كان يٌعاني من مرض السكري، ومرّ بحالات من فقدان وعي كلي، وتدهورت حاسة البصر لديه بسبب هذا المرض، وراح يشعر بآلام في الظهروالرقبة والعظام مع تقدمه في العمر ونومه على الأرض. وطلب أكثر من مرة استشارة أطباء متخصصين لكن لم يرد على طلبه. وعندما طلب الرعاية الطبية عبر المحكمة، وافقت الأخيرة على طلبه لكن سلطات السجن لم تنفذ ذلك. وفي شهر مارس 2018، حذرت لجنة من السياسيين والمحامين البريطانيين، الذين يراجعون وضع مرسي في السجن، من أن عدم تلبية متطلبات الرعاية الصحية الإنسانية له يمكن أن تعرِّض حياته للخطر. وفي بيان صدر بعد وفاته، قال كريسبين بلانت، عضو البرلمان البريطاني ورئيس اللجنة: « للأسف، لقد ثبت أننا على صواب». https://web.archive.org/web/20190617194138/https://www.nytimes.com/2019/06/17/world/middleeast/mohamed-morsi-dead.html ظل مرسي على هذا الحال لمدة 6 سنوات توفى بعدها في17 يونيو 2019، فمنعت السلطات المصرية إقامة جنازة له وأجبرت أسرته على دفنه في جنح الظلام تحت حراسة أمنية مشددة، لمنع مشاركة أيّ من أنصاره في تشييع جثمانه، راجع: https://ar.wikipedia.org/wiki/وفاة_محمد_مرسي إن التعامل الرسمي الفج مع فئة من فئات المجتمع مهما كانت يشير إلى عمق الرهاب والخوف والتوتر، ويزيد من الانقسام والتفتت بين طبقاته المختلفة.
#ياسين_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعب بين المطرقة والسندان 5/3
-
شعب بين المطرقة والسندان 5/2
-
شعب بين المطرقة والسندان 5/1
-
الديكتاتور الحقير!
-
ومازال العمل جاريًا تحت تعريشة بني ساعدة!
-
إشتراكية عبد الناصر وما آلت إليه
-
لماذا خرج المصريون من التصنيف العالمي للإنسانية؟
-
توجيهات سيادة الرئيس
-
إلحاد الأمس وإلحاد اليوم
-
نتيجة التخبُّط بين ثقافتين
-
الإنسان بين الوهم والواقع
-
ما سر عداء العروبان والمتأسلمين لعلم المنطق؟
-
هل السفاهة من خصال العربان؟
-
رد على تعليق الأستاذ منير كريم
-
إعتذار المشايخ عن فتاويهم المدمِّرة!
-
القول المعقول في أخلاق الرسول
-
خلاصة البيان في تأويل القرآن
-
تجديد التراث الذي يريده المشايخ
-
ما سبب إضطراب الشخصية المصرية؟!
-
الشجرة المحتارة بين الغباء والحضارة!
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|