|
الدجال
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6616 - 2020 / 7 / 12 - 00:25
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في المسح المعرفي لمعنى كلمة - دجال - يتبين إنها جاءت مركبة وصفاً و نعتاً لحال الموصوف به من الفعل والفاعل ، وثمة تعاريف أتى بها اللسان العربي وهو يصف الفاعل ، فيقول تارةً : هو الكذاب بالقول والفعل ، ويقول طوراً : هو المُخادع القادر على تضليل بعض الناس فيوهمهم بلباس الأتقياء و العفة والشرف ، وثمة من يقول : هو المموه الذي يظهر ما لا يُبطن من أشياء ( المنافق ) ، وصفات الحال هذه إن اسقطناها على أرض الواقع فإننا سنلتقي بكثيرين من هنا وهناك ممن يتصفون بذلك ، وفي الجمع الرياضي يمكن القول : هي ظاهرة تعبر عن سلوك وأخلاق وحياة اجتماعية تستهدف كيان ودواخل المجتمعات فتخربها .
والمرء لا يولد دجالاً قول قاله أفلاطون ، ولكن البيئة وظروف الحياة القاهرة هي التي تصنع منه دجالاً ، وعلى هذا يأتي السؤال في السياق : وهل يكون لظروف النشأة والخلل في موازين الحياة الإجتماعية والإقتصادية دورا في صناعة الدجال ؟ ، ثمة من البعض قالوا نعم ، معتبرين الفقر والحاجة رأس كل خطيئة !! ، بلى ان الفقر يدفع للضلال والتضليل وخداع الناس بإعتباره أم القواهر النفسية ، ولكن ثمة من البعض أخرين قالوا لا ، معتبرين القيم الصالحات والمبادئ والبناء المحكم كل أولئك لن يسمحوا بتسلل هذا الزيف وسيطرته على حياة الناس ، لكن بين النعم واللا نكران متعمد للحقيقة الغائبة والدوافع ، ومن ذلك يبدو الدين أكثر سلعة وغطاءا يمد هؤلاء بدواعي التضليل والخديعة وإيهام الناس ، حتى قيل عنه كهانة وسحر ، فمثلا حين تفسر فكرة المهدي على غير معناها الطبيعي ، يكثر الدجل فيها ويكثر القيل والقال وتزحف إلى عقول السذج أخبار وروايات ما أنزل الله بها ، ولا يجب الخلط بين الموضوعة الحقة وبين الترويج للضلال عبر الخداع والكذب ، وثمة خيط رفيع بين هذا وذاك ولهذا غرد المخادعون عن وظائف هنا ووظائف هناك تسبق و تكون مع الظهور ، وفي طريق الخديعة رسم الوضاعون اخبارا ضمن مقاسات بعض العقول البالية ، على ظن منهم فاسد بان ذلك يرفع الحرج حين التدافع ، فقالوا بالخلفاء المهديين الممهدين قبل خروج المهدي في الضبط والإيقاع ، ويكون ذلك حين تكون مساحة الفراغ اعمق ، والفراغ الفكري والذهني والعلمي أوسع ، وهكذا تمدد هذا الوهم وزحف حتى يكون هو الحقيقة البديلة ، لدى فئة من الموهومين ممن تبرز عندهم وتستهويهم الخرافات والهوس المجنون المخالف لكل طبيعة ومنطق وعقل ودين ، وهذا بحسب مؤشر الوعي دلالة أكيدة على ذلك الخلل في الثقافي والفكري وفي فهم المعلومة وقراءتها بشكل دقيق ، ولا أظن إن هذا السلوك الذي يذهب إليه مثل هذه الفئة من البشر تحكمه قواعد منطقية عامة وقع التوافق عليها داخل المجتمع كل المجتمع ، وسواء أكانت هذه القواعد ذات طبيعة دينية أو مدنية ، لكن الالتزام بهذه القواعد يرتبط بمستوى الوعي السائد .
مناسبة هذا المقال تأتي في كلامنا الطويل العريض عن رجال دين مزيفين ، ترآهم كل يوم في واد يهيمون ، مُدعياً إنهم خلفاء المهدي المنتظر أو المُمهدين له ، والحكاية لا تتعدى في محتواها رغبة جامحة لدى البعض في تسجيل نفسه بالخريطة هذا إن أحسنا الظن بهم ، ولكن هؤلاء المُغرر بهم لا يدريون إنه بذلك إنما يسيئون للإمام المهدي من حيث يعلم ويسيئون لدعوته ، فالتمهيد للمهدي هي فلسفة اختبار للنوايا والصدق والخير والصلاح ولازم ذلك جملة إجراءات وعمل سياسي وثقافي واجتماعي غير مسبوق ، ذلك إن التمهيد ليست صيحة في فضاء بل لها شروط موضوعية دقيقة وواضحة ، وهي لا تقوم ولا تعتمد على مقدمات باطلة ، كما ان الأخبار التي دلت عليها تنقصها الوثاقة والصحة ولا نجد فيما تحدث عن ذلك يدخل في هذا الحيز ، والتمهيد ليست رغبة أو تصيد في المياه العكرة والأشخاص المُدعين لذلك مجهولي الحال ولا يصلحون لمهمات ثقال وكبيرة ، ناهيك عن الجدل حول قيامة المهدي والتي لا تلثم من يحاجج فيها بأخبار القوم وهم لها منكرون ، والواجب يقتضي ان يأتينا صاحب كل دعوة بأخبار وحجج موثقة داعمة وبراهين بل وخوارق لا تقبل القسمة ، ( هذا لمن ألقى السمع وهو شهيد ) ، فما بالك بمن ينازل القوم وهو خالي الوفاض ، وليس بيده غير حكايات جدتي التي سئم الناس منها فالأمر ياهؤلاء يحتاج إلى مظنة غير التي تدعونها ، فشمروا عن ذراعكم وأتحفونا ولا تحتجوا بالواهن والضعيف والركيك والفاسد ، وأنظروا لمن حولكم من الضاربين على الدف تجدون عجباً عجابا ، وسأسمح لنفسي ( أنا المؤمن بالمهدوية حتى النخاع ) ، أن أوافقكم على دعواكم على ملل وحيرة وأسفا على ما آلت إليه حالنا من تردي ونكبات ، هذا الإيمان عندي يدفعنا لحوار جدي ليس في دعواكم هذه فحسب لأنها مفسدة ، ولكن نحتاج إلى حوار معرفي في كتاب الله حوارا يعتمد العقل ويستأنس بما صح من أخبار ومقولات من السلف الصالح ، وهذه الدعوة أطلقها بعد فشل مشروع الإسلام السياسة ، وهي دعوة عامة لكل من يخوض في علم الغيب ويتعملق وهو لا يملك رصيد ساعته ، وفي هذه الدعوة يجب ان نلتزم بسحق كل الكنى والألقاب ، ونفر إلى الله عسى ان يهدينا ويخلصنا من آفات المدعين ممن لبسوا ثوب الطهر من غير غسل .
نريد أيها الناس أن نقف على أرض صلبة مستمسكين بالعروة الوثقى ، ولندع دعوى الزور والكذب والعجرفة والرياء ، ولنذهب معا وسويا إلى الكلمة السواء ، فهي الملاذ في عالم لا يرحم ، عالم يعتمد العلم وأدواته لا الخرافة والدجل وقلة الحيلة ، لقد فات الأوان وذهبت ريح من أراد بنا وبأهلنا وبلدنا سوء ، إنه العصر الجديد الذي نأمل ان تتحقق فيه الآمال والأماني ، ذلك رجائنا في الدنيا بعد أن ننهي من الخارطة كل حلس نجس ، وتعود أرضنا تخضر من جديد ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرة في الأصولية
-
إنهيار الحُلم الأمريكي
-
الانتظار في زمن الكورونا
-
سجن الحوت في الناصرية
-
تحذير هام
-
في صراع الهوية
-
الثورة العراقية الكبرى
-
ماذا تعني ثورة العراقيين ؟
-
إنتفض
-
أدعياء الوطنية الزائفة
-
الحراك العراق اللبناني
-
الحروب السخيفة
-
عندما يثور الشرفاء
-
عاش العراق
-
قتل المتظاهرين العُزل
-
سفر روحاني إلى نيويورك
-
الحكومة السائبة
-
الحوار الإيراني الأمريكي
-
ثمن الحرية
-
قانون التقاعد العام
المزيد.....
-
تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب في ظل اختلال موازين الق
...
-
مصر تتجه لإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة.. ومصدر
...
-
الخلفيات النيوليبرالية للقانون التنظيمي للإضراب
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تعبر عن اعتزازها
...
-
فرنسا: هل انهار تحالف اليسار؟
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 590
-
علماء: النحل يستطيع العد من اليسار إلى اليمين مثل البشر
-
محتجون في بنغلاديش يحرقون منزل والد رئيسة الوزراء السابقة
-
الشيوعي العراقي يدين مخطط التهجير والتطهير العرقي في قطاع غز
...
-
افتتاحية: ولأن الاعتداء كبير على الحقوق الأساسية … يكون الرد
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|