|
في ذكرى تحرير الموصل داعش الواقع والصورة والأسباب ح2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6615 - 2020 / 7 / 11 - 04:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد كان لغياب الرؤية العقلانية والواقعية التي يمكن بها معالجة الأخطاء الكارثية التي أرتكبتها سلطة ما بعد الأحتلال الأثر المؤذي في خلخلة الواقع العراقي بالمجمل، فلا الجناح السياسي للسلطة الجديدة لديه المؤهلات الفنية والفكرية القادرة على قراءة الواقع وإيجاد الأفكار والحلول التي تضمن بناء النسيج العراقي مواليا لسلطة الدولة ومنتمي لها ومدافع عنها، ولا الجناح الديني الذي كان يعول عليه العراقيون أن يكون الفكر البديل المبشر بالإصلاح وإعادة ترتيب البيت العراقي الجديد. كل من الجناحين تصرف بأنانية وبروح الثأر من الخصم ليسجل لنفسه ولأنصاره نقاط في الصراع الوجودي كما يظنون، النتيجة التي لم يدركها الطرفان إلا بعد وقوع المصيبة الكبرى كانت نتيجة متأخرة جدا وإن بقيت أيضا مترددة في التصريح بها، السبب الأساسي في هذا التخاذل ليس مرده عدم الإقرار بالفشل فقط، ولكن بروز قوى ميدانية مسلحة وخارجة عن سلطة القرار العراقي ومرتبطة بدول الجوار، لها أهداف أخرى ورؤى لا تتناسب مع الأعتراف بالخطأ وضرورة التصليح والإصلاح، لأنها ستكون خارج معادلة الحسابات وقد تكون خارج السلطة والتحكم، هذه النتيجة هي جزء من الخطأ الكارثي الذي سببته البنية الهشة واللا وطنية المؤسسة لما يسمى بالعملية السياسية لما بعد 2003. تعود قضية داعش وقبلها القاعدة وما سمي في وقتها فصائل المقاومة الاسلامية منها والوطنية إلى قضيتين أساسيتين لو تم تداركهما لنجي العراق أولا من كل ما مر عليه منذ عام 2003 ولليوم، القضية الأولى هو معالجة الخطأ بالخطأ من خلال معاقبة طائفة كبيرة من العراقيين بحجة المذهب أو الأنتماء السياسي بشكل أفتراضي وخارج إطار القانون، مما ولد بالتأكيد ولادة عنصر معادي للتغيير الذي حدث خاصة وأن تشريعات هذا الوضع جاءت من المحتل وليس من خلال إرادة عراقية على الأقل تتمتع بنوع من الاستقلالية والوطنية. القضية الأخرى هو فتح المجال أمام جميع القوى التي كانت خارج العراق والتي مهدت وساهمت وأشتركت مع الأحتلال في رسم الواقع الجديد، هذه القوى والأعتماد عليها حصرا في بناء السلطة الجديدة أوحى أيضا للكثير من العراقيين أن ما تنتجه هذه السلطة يخدم قضية الأحتلال ومشروعه ولا تخدم قضية العراقيين بالتأكيد، وهنا تم أضافة شريحة واسعة أخرى من العراقيين للشريحة الأولى، وعظم من جهة الرفض للإحتلال ونتائجه، وبالتالي فكل من ينادي بمقاومة الأحتلال ولو بالشعارات سيجد صدى قويا له عند هذه الشريحة الواسعة في العراق. من يتعكز اليوم بأعذار المؤامرة وأن داعش صنيعة هذا الطرف أو ذاك إنما في الحقيقية هو أما أن يدافع عن أخطاء المنظومة السياسية الفاشلة التي أدارت العراق ويتستر على الأسباب الحقيقية والعلات الكبرى، أو أنه غارق بجهله ولا يعرف كيفية قراءة الحدث تأريخيا، لو طبقت حتى مبادئ الدستور لعام 200 وبعلاته بشكل أمين وصادق، مع وجود حكومة تمثيلية ديمقراطية حقيقية تعبر عن هموم ومشاكل الشعب وتتفاعل معها، لا يمكن لأي قوة في الواقع ممكنها أن تسحب البساط من تحت أقدام السلطة أو تجد لها حاضنة شعبية عانت من الظلم والقهر في ظل ظروف معقدة وتاريخية ووجدت نفسها اليوم تتمتع بالحرية والديمقراطية الصحيحة. فما حدث للمحافظات التي سقطت بيد داعش ليس لأنها تحمل هوية محددة ولا لأنها تعادي المشروع الجديد، لكنها سقطت لأن داعش أستثمر الأخطاء ووظف الألم والظلم الجديد كشعار يخاطب به جمهور واسع من سكان هذه المحافظات التي وجدت نفسها مرغمة للخضوع جبرا لقوى لا تنتمي لواقعها وفساد مستشري وتهميش على أساس أفتراضي، وكانت مستهدفة أصلا بالتشريعات الإقصائية التي شرعتها سلطة الأحتلال، كانت الأستجابة هنا مبنية على مبرر واحد أن سقوط السلطة المركزية فيها لا يعني إلا خسارة هامشية لها لأنها لا تمثلها ولا تعني لها إلا سلطة قاهرة تمارس نف الظلم والإقصاء السابق. لقد كان سقوط الموصل وما تلاه من أحداث متوقعا ونتيجة حتمية لفساد المؤسسة السياسية التي كانت تؤمن الغطاء لكل الفساد الذي ينخر في مفاصل الدولة ومنها المؤسسات الامنية والعسكرية، هذا ليس إدعاء بل هو واقع ما أشرته الأحداث على الأرض وما بينته الدراسات والتحليلات والتحقيقيات التي أجريت بعد حزيران 2014، كانت مؤسسة الجيش بعيدة عن عقيدتها القتالية وبعيدة عن واجبها الأساسي وتحولت إلى دائرة نفوذ لأحزاب السلطة وقواها، مما أفقدها هويتها الأساسية وثقة وحرص الشعب عليها، فسقطت سريعا وبلا مبرر معقول لأنها لم تجد حاضنتها الحقيقية ولم تهتم بها، فكانت كالغريب الذي يكرهه أهل البلد ولا أحد يريد أن يبقى إلا ما ندر من مواقف إنسانية فردية لا علاقة لها بالوطنية والحرص على سلامة الجيش. هكذا كان واقع الحال على الأرض والناس بين خيارين القبول بداعش والخلاص من الفساد الامني والعسكري وما رافق ذلك وما قبله من تصرفات أفقدت الثقة بمؤسسات الدولة، أو الدفاع عن الظلم والقهر والتهميش على أمل واهم ومجرب وغير قادر على تصحيح مساراته، الأكيد كان صوت الخلاص ولو ظنا من هذه المنظومة البائسة الفاسدة خيارا مرا ولكنه الخيار الوحيد المتاح أمام سكان المناطق التي سيطر عليها أنصار داعش، حتى بدأ التنظيم مرحلة السيطرة ليعيد الناس إلى نفس دائرة القهر والحرمان والظلم والقتل، هنا أدرك الكثيرون أن ما حدث وما سيحدث لن يحل إشكاليتهم إلا من خلال التغيير الشامل عراقيا كاملا ووطنيا بالعنوان وعلى ذلك أن يمارس هذا الوعي دوره من جديد ليختار تحت مسمى أخر، لا الفساد ولا داعش وما زال الأقتران موجودا وحقيقيا فكلاهما لم يؤمن للمواطن العراقي الحل. وتبقى قضية داعش جرحا في الضمير العراقي الوطني النقي، سواء في المناطق التي سيطر عليها وأتخذها قاعدة له أو في بقية الوطن الكبير، حتى يتم الجلوس جميعا على طاولة مستديرة وبيدهم كل أدوات التفكيك والنقد والدراسة والبحث، على أمل إيجاد تسوية وطنية مشرفة تمثل ضمير العراقيين جميعا دون إقصاء أو تهميش ولا طلب ثأر أو الأقتصاص ممن لا ذنب له، وإلا سيكون القادم أسوأ من الذي مضى وأخطر في تداعياته لأن أصل المشكلة الإشكالية باقية، وأسباب وجود داعش ما زالت حاضرة في الوعي وفي الميدان وهذا هو الأخطر في مستقبل العراق كدولة ووجود وواقع.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكرى تحرير الموصل داعش الواقع والصورة والأسباب ح1
-
مكافحة التطرف والطائفية بين البحث عن الأسباب والمعالجة الواق
...
-
الزمن مدار من مدارات البحث عن الوجودية ح1
-
الزمن مدار من مدارات البحث عن الوجودية ح2
-
رسالتي للرب... عبر صندوق بريد السفارة
-
النفط وكورونا والنصف الثاني من عام 2020.
-
في فهم المعنى أولا
-
أين يبدأ الوعي الإيماني وأين ينتهي؟.
-
كونية المستقبل من خلال الأجتماعية التاريخية الجدلية
-
فرض السلام بداية تأسيس عالم كوني جديد
-
حكاية مع جدتي
-
حين أمسكت شيئا على قارعة الطريق.... قصة تشبه حدوته
-
دين الفقراء
-
في معنى العلم وماهيته كنطاق معرفي؟ ح1
-
في معنى العلم وماهيته كنطاق معرفي؟ ح2
-
الخلود وسقوط فكرة الزمن
-
محاولات فهم الخلود بين الفلسفة والدين
-
حتمية الموت وعلاقته بالاستحقاق الحتمي
-
نظرية الأنا والأخر _ بحث في معنى التفريق والتميز
-
المدنية وضمان الممارسة الديمقراطية
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|