|
حزب التحرير ... تحرير العقل أولاً
أنور رجب
الحوار المتمدن-العدد: 6614 - 2020 / 7 / 9 - 14:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الآثار الجانبية الإيجابية لجائحة كورونا أنها وضعت أدعياء الخرافة والتراث من أصحاب الدين الموازي في امتحان عسير وصعب، إذ حاكمت الجائحة تلك الخرافات التي لطالما كانت سلاح أولئك في السيطرة على عقول وقلوب الناس بإسم الدين، بالتجربة والحقائق العلمية التي عايشها الناس، إذ طالت الجائحة جميع الأديان والأعراق والطوائف وجميع الشرائح والأعمار ولم تميز بين مواطن ومسؤول أو رجل دين وملحد أو غني وفقير، وفي نفس الوقت لم تفلح الوصفات العلاجية التي قدمها هؤلاء تحت يافطة "الطب النبوي"، ولا الأدعية المخصصة والمتخصصة، ولا فرضية التسليم بتفاسير النصوص القرآنية المجتزأة والمنتقاة التي استخدموها في التشكيك بالإجراءات الحكومية الواجب اتباعها لمواجهة الجائحة مثل قوله تعالي: "قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا"، وتناسوا قوله تعالي: "وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ"، وقد كان لهذه التجربة وما أفرزته من حقائق علمية أنها وجهت ضربة موجعة في صميم فكر التراث والخرافة الذي ما زالت بعض الجماعات الإسلامية تعتاش عليه. من ضمن هذه الجماعات، انفرد "حزب التحرير" بمعالجة خاصة به لجائحة الكورونا وبخطاب شاذ في فهمه وتفسيره وتعاطيه مع الجائحة، انطلاقاً من البنية الفكرية التراثية الغارقة في تبني نظريات المؤامرة التي يتبناها الحزب ويحاول فرضها على المجتمع، اذ رأى الحزب في جائحة كورونا في بداياتها عقاب إلهى للكفار جراء (ما صنعه الرأسماليون وأشباههم... فحكام أمريكا والصين وأوروبا هم سبب شقاء العالم وشقاء شعوبهم... واستدلوا بقوله تعالي: "فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)، وعندما قررت الحكومة وفق بروتوكولات منظمة الصحة العالمية فرض اجراءات الوقاية في مواجهة انتشار الجائحة، لم يعجبهم الحال معتبرين أن "الحكام المسلمين يتبعون خطوات الكفار المستعمرين شبراً بشبر وذراعاً بذراع ... وإذا اقترحوا حلاً ولو كان على غير سواء صفق له الحكام في بلاد المسلمين وعدَوه صحة وشفاء"، وعندما قررت الحكومة فرض اغلاق جميع الأماكن التي تعتبر مركزاً للتجمعات ومن ضمنها المساجد وهو إجراء كان محط إجماع علماء المسلمين، رأى الحزب أن السلطة الوطنية الفلسطينية "تتقصد شعائر الإسلام بالعداوة مستغلة بذلك الكورونا، ومتخذة من أفعال الحكام المجرمين الآخرين في البلاد المجاورة وفتاوي علماء السلاطين غطاء لها"، واعتبروا ذلك مؤامرة على الدين، وبدأوا بحملة تحريض وتشكيك بمجمل تلك الإجراءات، ولم يكتفوا بذلك بل مارسوا سلوكاً ضاراً فيه قدر كبير من الرعونة والتخلف، فاقتحموا المساجد وفتحوها عنوة، وأقاموا صلاة الجماعة دون الأخذ بإجراءات السلامة، وحرضوا الناس للخروج والمطالبة برفع اجراءات الحظر الصحي، وللأسف ونتيجة حالة الاحتقان والضيق التي فرضتها الجائحة واستغلال موضوع المساجد والصلاة استجاب لهم البعض، وقد كان وقع هذا التحريض كارثياً في الموجة الثانية من الجائحة من حيث اتساع رقعة الانتشار وارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير، وكانت محافظة الخليل وسكانها الأعزاء أول الضحايا، ولأنها الخليل وبما لها من ثقل إقتصادي وشعبي تأثرت باقي محافظات الوطن بما حل بها من مصاب. لم يتعظ حزب التحرير من النتائج الكارثية التي حلت بشعبنا بسبب تحريضه وسلوكه الشاذ، أو يلوذ بالصمت كحد أدنى ولا نقول أن يعتذر، ولكنه استمر في حملة التحريض ولكن هذه المرة بشكل يتناقض مع خطابه السابق وبشكل أكثر فجاجة، إذ وعلى قاعدة "عنزة ولو طارت" حمَل الحزب المسؤولية للسلطة والحكومة واعتبر انتشار المرض بسبب التقصير في "توعية الجمهور"، وتناسى حملة التحريض التي كانت تشكك في كل الخطوات والإجراءات التي باشرت بها السلطة ووظفت كل مؤسساتها الاعلامية والأمنية والصحية لتنفيذها وفي مقدمتها حملة التوعية المتواصلة والمستمرة على مدار كل دقيقة، ولكنهم صدقاً قالوا عندما طالبوا السطلة والحكومة بمعالجة كل المعيقات التي تقف أمام مواجهة الجائحة، وأول المعيقات هو مواجهة هذا الخطاب العبثي والمتخلف الذي تروجون له وكان سبباً رئيسياً في انتشار الوباء، وهو ما يقتضي أن تقوم جهات الإختصاص في السلطة والحكومة باتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة بحق قيادات هذا الحزب بتهمة نشر المرض والتحريض على الفتنة والمس بوحدة المجتمع والسلم الأهلي. بالنظر إلى مواقف وسلوك جماعة حزب التحرير اتجاه جائحة كورونا، واتجاه العديد من القضايا المجتمعية والسياسية مثل اتفاقية سيداو والمناهج التعليمية، ناهيك عن خطابهم الديني المتطرف الذي يزخر بالعنصرية والتحريض على الآخر، ويرفض مفهوم المواطنة ومفهوم الدولة، ويتعارض مع تطورات العصر والحضارة، هو نتاج بنية فكرية دينية منغلقة ومتقوقعة على ذاتها تتناقض وتتعارض مع تطور الخطاب الديني ونهج التجديد والإصلاح الذي يسعى للموائمة بين صحيح الإسلام وتطورات العصر والحضارة، وتنقية الاسلام من كل التشوهات والشوائب التي علقت به بسبب مثل هذه البنية وهذا الخطاب الذي يريد لنا البقاء أسرى لماضي تليد له ما له وعليه ما عليه، وان نعيش تفاصيل وأحداث قبل 1400 عام ونسقطها على واقعنا اليوم دون تغيير قيد أنملة في كل ما حملته تلك الحقبة من أفكار وأحداث، كيف لا وهم يرون أن الإسلام حكر علهم ، وأن لديهم تفويض من الله تعالى في النيابة عنه والبت بأمور البلاد والعباد. وهذا لنا فيه قول آخر ضمن مقالات قادمة تعالج البنية الفكرية التراثية لحزب التحرير.
#أنور_رجب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الولائي يهنئ بانتصار لبنان والمقاومة الاسلامية على العدو الا
...
-
شيخ الأزهر يوجه رسالة حول الدراما الغربية و-الغزو الفكري-
-
هل انتهى دور المؤسسات الدينية الرسمية؟
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال
...
-
الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
-
الجهاد الاسلامي:الاتفاق أحبط مسعى ايجاد شرق اوسط حسب اوهام ا
...
-
الجهاد الاسلامي:نؤكد على وحدة الدماء وصلابة الارادة التي تجم
...
-
الجهاد الاسلامي:نثمن البطولات التي قدمتها المقاومة بلبنان اس
...
-
الجهاد الاسلامي:اتفاق وقف اطلاق النار انجاز مهم يكسر مسار عن
...
-
حماس تشيد بالدور المحوري للمقاومة الإسلامية في لبنان
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|