فهد العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 1593 - 2006 / 6 / 26 - 11:03
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
المشهد العراقي اليوم يعتبر من أهم المراحل التأريخية التي يهتم بها المحللون والخبراء في شتى المجالات ويعتبر كدرس وكعبرة تأريخية يستفيدون منها في إدارة بلدانهم والحفاظ عليها .
لماذا أصبح العراق هكذا وما هي العبر التي يجب أن ينتبه إليها هؤلاء المراقبون كل من زاويته ؟...
أول العبر التي يجب الإنتباه عليها هي الخطأ التأريخي للطاغية صدام والمتمثلة بنسيانه لشعبه وما يعانون منه من تردي في كل الجوانب سواء الحياتية أو الإجتماعية أو الإقتصادية أو الثقافية وهو السبب بها بكل تأكيد طبعاً , وتفضيله لمصلحته الشخصية وتفكيره في الفائدة المادية وإشباعاً لرغباته المجنونة في أن يكون الحاكم الأوحد و( القائد الفذ ) الذي يتحدى الجميع حتى لو كان هذا الجميع هو كل شعوب الأرض , وإعتقاده غير المبرر بأنه وصل مرحلة الألوهية لدى شعبه وهذا الإعتقاد يستمده من ما يجول بذهنه من أفكار تكاد تتجاوز التفسيرات المعروفة عن جنون العظمة , بالإضافة الى قراراته الرعناء في المواقف الحرجة للعراق ودخوله حروباً أتت على الأخضر واليابس في بلده والذي أشك في إنتمائه إليه, إضافة إلى الإستبداد الذي مارسه حاشيته وأقاربه وحاشيتهم على الفرد العراقي .
العبرة الثانية هي الإنتشار الخطير والمفاجئ والكبير للأفكار الأصولية والمتشددة في بلد كان في زمن ما منارة الثقافة والتحرر والإبداع وبعيد كل البعد عن هذا الفكر الأصولي حتى في عصر الدولة الإسلامية ففي إحدى الكتب المعتمدة عن تأريخ بغداد يذكر بأنها كانت تحوي على ثلاثة ألاف خمارة في العهد العباسي ... والقياس هنا هو ليس من ناحية تحريم الخمر في العراق فقط ولكن هذا دليل على مدى تفشي هذا الفكر ومحاربته لأدق التفاصيل في حياة العراقيين , بل وبدأ هذا الفكر يحاربهم حتى في الألوان التي يلبسوها أو الطريقة تسريحهم لشعرهم ونوعية الملابس للرجل والمرأة , ملحق بها منع إستخدام المرأة للهاتف النقال وقيادتها للسيارة ويعاقب من يتجاوز على هذه النصوص المنزلة من قبل ( الأمراء ) سنة كانوا أم شيعة كل في منطقته ويحلل ويحرم ما يشاء بالإعتداء عليه أو قد تصل العقوبة الى الإعدام أو قطع الرأس , ففي مدينة الثورة ( الصدر ) ذات الأغلبية الشيعية يرى المشاهد إن طفلة عمرها أربعة أو ثلاثة سنوات قد قام أهلها بتحجيبها , وفي العامرية ذات الأغلبية السنية نرى إن عمليات القتل بسبب لبس ( الشورت ) للرجال قد تمت فعلاً وكذلك عمليات حلاقة روؤس النساء السافرات أمام مرأى العامة قد حصلت فعلاً والآن وصلت لحد القتل للسافرة أو التي تخالف القوانين التي وضعتها هذه الثلة من ( الأمراء ) . وغيرها مثلاً في المناطق الشيعية لا وجود للقانون أو الشرطة لأن القانون هو ( السيد ) والشرطة هم حراس (السيد) وفي خدمته وليس في خدمة شعبهم وكذا باقي الدوائر الموجودة في المنطقة وموظفيها بل وحتى مستشفياتها ومرضاها أيضاً وكأن هذا (السيد) هو نبي أو بالأحرى هو الإله الحقيقي بالنسبة لهم وليس الله , طبعاً إن الذين يتبعوه يكونون قسمين القسم الأكبر منهم هم الخائفين منه ومن عقابه والثاني هم المنتفعين منه ولا وجود لأحد يجرئ على إنتقاد عمل (السيد) أو التعقيب عليه أي إن (السيد) الآن هو صدام في الماضي , وكذا الحال في المناطق السنية التي يوجد بها (الأمير) على غرار (السيد) في المناطق الشيعية ويستخدم نفس الأسلوب ...
لم يبقى شيء في العراق إسمه القانون سوى على الورق إن بقي هذا الورق ولم يحرق أو يسرق في فترة (الحواسم) كما يسميها العراقيون .
العبرة الثالثة هي في إكتشاف مدى إفتقار الطبقة السياسية للوعي بخطورة المرحلة الراهنة كما قال السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاده , وأريد أن أصحح للسفير بأنهم لا يفتقرون للوعي ولكنهم بعيدون عنه كل البعد بالإضافة الى إهتماماتهم الأخرى المتمثلة بالعقود الوهمية وعمولاتها وبتهريب النفط ومشتقاته وبسرقة مواد الحصة التموينية وأموالها وبإغتيال كل من يعارضهم أو يحاول كشف ألاعيبهم و ولائاتهم لدول الجوار وغير الجوار وزرع بذور الطائفية والحرب الأهلية بين العراقيين ونسيانهم للعراق ,هذه هي الطبقة السياسية العراقية التي يحاول المواطن جاهداً إقناع نفسه بأنهم المنقذون الأشاوس لهذا البلد من هذه الدوامة المخيفة التي يدور فيها وهو على أبواب الحرب الأهلية ( لا سمح ألله ) .
العبرة الرابعة هي التحجيم الواضح لدور منظمات المجتمع المدني التي بدأت هي أيضاً بالدخول في دوامة الأحزاب و الولائات الطائفية والإهتمام بالربح بعيداً عن أهدافها الموجودة على الورق أيضاً .
العبرة الخامسة هي التردي والتراجع في جميع الأعمال الخدمية التي من المفروض أن تخدم المواطن العراقي لا أن تخدم المنطقة الخضراء أو الصفراء أو بقية المناطق الملونة في بغداد وباقي المحافظات , ويرجع هذا الى الفساد المستشري في كل دوائر الدولة وبمختلف إختصاصاتها وتنوع أعمالها .
العبرة السادسة التراجع في المستوى الثقافي والدراسي والتربوي للأجيال الجديدة والتركيز على التاريخ المشوه والمزيف عن (الأبطال) الدينيين من الطائفتين السنية والشيعية فنلاحظ اليوم بأن مادة التربية الإسلامية قد تغيرت وفق متطلبات المرحلة الآنية !!!..
العبرة السابعة هي البطالة المتزايدة يوماً بعد يوم وتحول الخريجين الى باعة متجولين أو إرهابيين ففي العراق يقول الشباب هناك ( إن الشاب في هذا البلد إما أن يعمل شرطي أو زبال ) ... فقط إحدى هاتين الوظيفتين متوفرة!!.
العبرة الثامنة هي زيادة عدد الأرامل والايتام يوماً بعد يوم فلو تمكنا من حساب عدد ضحايا الإغتيال وقتلى التفجيرات الإرهابية أو ضحايا فرق الموت الحكومية والحزبية لوجدنا إن العدد في إزدياد واضح وخطير وكم من عائلة ستتفكك نتيجة فقدانها للمعيل .
والعبرة التاسعة هي فقدان السيطرة لقوات الأمن والجيش والشرطة العراقية على مفاصل الدولة الأمنية .
العبرة العاشرة هي الغياب التام لسيادة الحكومة العراقية على أرضها نتيجة وجود الإحتلال والحاجة الدائمة لقوات الإحتلال وكأنها الملاك الحارس في حين إنها هي من أسس لهذا وهي المسؤول الأول والأخير عن كل قطرة دم عراقي تراق أو عن بكاء كل طفل فقد أباه أو عن صراخ عراقية ثكلى أو عن كل محتجز بريء في سجونها المقيتة وعن كل ما يجري يومياً في أرض السواد .
#فهد_العراقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟