….. ونقول: "إنما المؤمنون إخوة!"
جان كورد – ألمانيا
عجيب أمر الإخوان المسلمين في سوريا وغريب أمر رئيسهم وشيخهم البيانوني هذا… إنه في آخر مقالة له نشرت في أخبار الشرق يوم 11/3/2003 قد عدد مساوىء النظام البعثي القائم كلها ولم يترك شاردة أو واردة إلا وتذكرها وسجلها ليثبت للناس أن النظام غير ديموقراطي، وأنه قام بأفعال غير محمودة وارتكب جرائم فظائع بحق الإنسانية، وليذكرهم بأن الإخوان المسلمين سيكونون أفضل حكماً وإدارة للبلاد من البعثيين، فهم " ليسوا طائفيين ولا دكتاتوريين ولا متحزبين. يتذكر شيخنا في هذا العمر كل القوانين المكروهة التي صدرت عن النظام الحاكم ولايتذكر قانون الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الذي صودرت به جنسية مئات الألوف من المواطنين الكرد السوريين وتم تحويلهم إلى "لاجئين أجانب" في عقر دارهم بين ليلة وضحاها؟ ولا يرى كل مظاهر المحنة التي يعاني منها هؤلاء المجردون من الجنسية وحق المواطنية طوال حكم البعث؟ كيف يتذكر طرد أناس من وظائفهم ولا يرى طرد عشرات الألوف من المواطنين الكرد من قراهم ومدنهم بعد أن سلبت منهم الأرض التي يعيشون منها وعليها؟ كيف يرى اعتقالات العديد من المواطنين السوريين بشكل تعسفي منذ الستينات وإلى النائب مروان الحمصي وغيره ولا يرى اعتقال وتعذيب وإهانة أي قيادي كردي طوال عهد البعث ومنهم من قضى أكثر من عشر سنوات في السجن دون محاكمة كما في حال السيد دهام ميرو رئيس القيادة المرحلية للحزب الديموقراطي الكردي في عام 1973 وعصبة من رفاقه ، كما أن منهم من قد أعتقل حديثاً مثل الكاتب مروان عثمان وحسن صالح من حزب يكيتي الكردي في سوريا، بعد بزوغ شمس "حركة الازدهار والتقدم" التي أعلنها الرئيس الجديد في خطاب القسم يوم تولى الرئاسة… كيف يسرد هذا العالم الإسلامي المجازر التي حدثت في سوريا وينسى مآسي سينما عاموده وقرية جرنكى وسجن الحسكة التي راح ضحيتها مئات الكرد من أطفال وشيوخ ونساء لايحملون السلاح.
أيجيز دين الإسلام لرجل الإسلام أن يرى وجهاً للظلم وتجاوزالحقوق ويهمل الوجه الخاص بالكرد وهم مسلمون سنة في غالبيتهم العظمى؟ حتى لو لم يكونوا مسلمين، بل رعايا على دين آخر، أيحق إسلامياً إهمال ما يصيبهم من غبن وعدم الحديث عن مآسيهم ومظالمهم؟ أهذه شرعة الإسلام؟ أهكذا يتحدث من يعتبر نفسه قطباً من أقطاب المعارضة ويمسح بجرة قلم كل ما يتعلق بالكرد السوريين الذين تزداد وطأة معاناتهم جراء المشاريع العنصرية المطبقة حيالهم دون الآخرين من أبناء وبنات الشعب السوري ، وبصورة عنصرية حاقدة وفظة؟ أهكذا تكون المعارضة وتحل قضايا البلاد وتتحقق الوحدة الوطنية بعد كل ما حدث لهذه البلاد في ظل حزب البعث العربي الاشتراكي؟ فإن كان هذا نسياناً فكيف يمكن لحزب أن يحكم وهو مصاب بمرض النسيان ولايستطيع أن يقدم لمرشده العام معلومات عن جزء هام من الشعب السوري يعاني من الاضطهاد الشوفيني والتمييز القومي البغيض الذي يمجه الإسلام؟ وإن كان هذا تناسياً فالمصيبة أكبر، وهذا يعني أن حزباً يعتبر نفسه إسلامياً ومعارضاً ديموقراطياً يترفع عن الحديث عن مآسي جزء من الشعب لمجرد أنه جزء غير عربي، بل كردي.. يذكر الشيخ الجليل الآية القرآنية : > يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم < وكان يمكن إضافة الآية الأخرى : > ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم < فهاتان الآيتان تظهران حق الشعوب بجلاء، وأن وجود الشعوب أمر طبيعي كوجود الذكر والأنثى ، وحق استخدام اللغات ، بل يعتبر اللغات آيات من آيات الخالق العظيم، ولكن لا أدري هل الكرد مشمولون بهذه الآية التي ذكرها الشيخ أم أنهم مستثنون من ذلك، فنحن لا نرى في أدبيات الإخوان المسلمين في سوريا أي تلميح لحق الكرد في حين أنهم لايهملون حقوق الكوسوفو والأويغوريين والشميريين والشيشان وغيرهم من شعوب الأرض التي لايعلمون عنها إلا القليل، في حين أن الكرد جيرانهم وأقرب الأقوام إليهم. ومواقف الإخوان تجاه قضية الشعب الكردي في كردستان العراق معروفة، فهم وقفوا طويلاً موقف المعارضة وتلاقت بياناتهم أحياناً مع بيانات البعث على اعتبار الكرد أداة طيعة بيد المستعمرين ، بل رفض بعضهم تأييد الحركة الإسلامية الكردية التي قاتلت جيش صدام واعتبرها غير شرعية لأنها تقاتل جيشاً ربما يكون في المستقبل " جيش تحرير القدس" ولا يهم أن يقضي هذا الجيش قبل ذاك على شعب مسلم ويطرده من دياره ويعمل فيه التقتيل والتشريد. وهل طرح الإخوان يوماً مشروعاً للسلام بين الحكومة العراقية والقيادة الكردية؟ أم رفعوا مذكرة واحدة إلى الحكومات السورية المتعاقبة بخصوص حملات التشريد والتعريب ومصادرة حق المواطنة من المواطنين الكرد السوريين ، وقالوا: لا تفعلوا هذا فالكرد إخوتنا في الدين والوطن ؟
يقول بعضهم بأن الأويغوريين يقاتلون الشيوعيين الصينيين في حين أن كرد العراق حاربوا البعث ونحن نعلم بأن البعثيين في نظرالإخوان المسلمين لايقلون عداء للإسلام من الشيوعيين بل يتسابقون معهم في الحرب على الإسلام، وهذا ما دفع الإخوان لإعلان الحرب على البعث السوري وقائمة الاتهامات آنذاك طويلة من تكفير وغيره على ألسنة أهم قيادات الإخوان.... وهنا قد يقول بعضهم: " نحن كنا نقصد بعث الأسد فقط دون بعث ميشيل عفلق وصدام حسين." الأكراد شعب مسلم في غالبيته العظمى، وهم يعانون أكثر من غيرهم من الاضطهاد القومي والتفرقة العنصرية بكل معنى الكلمة، والإخوان يتفادون الحديث عن مشاكل الكرد ، وإن تحدثوا فلا يتجاوزون حدود العموميات ، وليس لهم أي نقطة في برامجهم فيما يتعلق باللغة الكردية التي هي لغة قوم وآية من آيات الخالق، ويعدون بأنهم إذا وصلوا إلى الحكم سيزيلون أسباب الشقاق والخلاف وسيطردون البعثيين العنصريين من الحكم، وهذا ما وعد به الخمينيون أيضاً ثم أعلنوها حرباً شرسة وقذرة ودموية ضد شعب كوردستان، راح ضحيتها عشرات الألوف من الكرد ، بل شرعوا في ملاحقة قادة الكرد واغتيالهم في بلدان بعيدة ومنهم من اغتيل على طاولات الحوار مع السلطة بهدف البحث عن السلام، وهذا كله طبعاً حدث بإسم الإسلام البريء من كل هذه الجرائم ... فهل تكفي الوعود العامة دون البنود الخاصة؟ وهل يقبل الكرد أن يلدغوا مرة أخرى بعد أن خانهم من اعتبروا أنفسهم آيات الله وروحه القدسية؟..
إهمال الكرد هكذا بشكل رديء لانفهم منه إلا شيئاً واحداً، هو أن الإخوان لايختلفون في نظرتهم إلى القضية الكردية عن البعثيين ، والعموميات الدينية والفكرية التي يطلقونها بين الحين والحين لاتخلق الثقة في نفوس الأكراد، ومن قبل كانت هذه المواقف الغامضة سبباً من أسباب انتساب عشرات الألوف من الكرد إلى الحزب الشيوعي السوري الذي طرح في بداياته موضوع الأقليات القومية ودافع عنها، وهذا الإهمال هو الذي دفع الكرد لتشكيل أحزاب قومية تدافع عن وجودهم وقوميتهم ولغتهم وتطالب بحقوقهم، وانتهجتت هذه الأحزاب نهجاً يسارياً لما رأوه من جفاء لدى الإسلاميين العرب.
وفي هذا الوقت الذي تشتد الأزمة العراقية وتقترب ساعة الصفر، حيث ستقوم الولايات المتحدة مع بعض حلفائها بالهجوم على بغداد، تعتزم تركيا على دخول كوردستان العراق وتصفية الفيدرالية الكردية والاستيلاء على جزء من منابع البترول والتدخل في الشئون الداخلية للشعب العراقي، لم يحاول الإخوان استمالة قلوب الكرد إليهم، بل زرعوا في نفوسهم الشك بصمتهم المطبق تجاه التهديدات التركية، ولم يقولوا كلمة حق وهو أدنى ما يمكن أن يفعله المؤمن تجاه أخيه المؤمن، فلماذا هذا الصراخ ضد أمريكا مقابل هذا السكوت على تهديدات تركيا بإزالة الفيدرالية الكردية التي وافقت عليها كل فصائل المعارضة العراقية دون استثناء، والترك لهم اتفاقيات مع أمريكا واسرائيل موجهة ضد العرب. إنهم يتحدثون عن فتاوى تجيز القتال ضد الأمريكان ولكنهم لايذكرون فيها هل يحق للكرد شرعاً قتال الترك الذين يريدون دخول العراق لسلبهم حريتهم التي يتمتعون بها منذ عقد من الزمن بعد أن سحب صدام حسين في لحظة غباء إدارته من كوردستان واضطروا لبناء إدارة بديلة وديموقراطية يتمتع فيها الجميع بحقوقهم القومية والدينية والسياسية؟ فهل يحب الإخوان عودة صدام لحكم الكرد ونحرهم وتهجيرهم، أم أنهم يفرحون لقدوم الترك وهم أكثر وحشية من الصداميين في حروبهم وعدائهم للوجود الكردي؟
فإذا كان هذا غير صحيح فلماذا لا نسمع من الإخوان ما يثلج قلوبنا ويزرع الثقة في صدورنا بأنهم سيكونون أفضل حكماً وأكثر عدلاً ، ولماذا لايتحدث شيخهم أو شيوخهم ولو بشق كلمة حول الكرد ومصيرهم سواء في سوريا أم في العراق أم في تركيا؟ وهل يساوي دم الكردي عندهم شيئاً ؟ وأود أن أذكر الإخوان هنا بهذه العبارة الرائعة التي يرددونها باستمرار: والله لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه – أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.