علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)
الحوار المتمدن-العدد: 6612 - 2020 / 7 / 7 - 15:31
المحور:
الادب والفن
اللسانيات هي دراسة اللغة لذاتها دراسة علمية قائمة على الرصد والاستقراء والتحليل لذلك فهي حقل دراسي حديث ظهر في القرن التاسع عشر رغم أن مفردات مثل اللسان وعلوم اللسان كانت متداولة قبل هذا التاريخ عند الهنود واليونان والعرب .
يرادف مصطلح اللسانيات في اللغة العربية مصطلحات أخرى مثل : علم اللغة العام وفقه اللغة واللغويات والدراسات اللغوية والألسنيات والألسنية وعلوم اللسان رغم أن هناك من يميز بين هذه المصطلحات .
ولا بد من التأكيد على أن المصطلحات والمفاهيم قد تستعمل استعمالا عاما لا يراد منه الدلالة على علم بعينه , وهذا قد ينطبق على أغلب مصطلحات العلوم ومنه مصطلح اللسانيات , فقد كان هذا المفهوم متداولا في اللغات الغربية والعربية على السواء لكن اطلاقه قبل سوسير لم يكن يعني ما أراد به سوسير ومن جاء بعده فقد أصبح عند هؤلاء يدل على علم قائم بذاته لكن وللإنصاف لا بد من الإشارة أن فرانز بوب (ت 1867م) أستعمل هذا المصطلح في كتابه (نظام اللغات السنسكريتية الصرفي) بما يقرب من المعنى الذي أراده سوسير , وقد لاحظ وليم جونز أيضا تقاربا بين اللغة الانكليزية واللغات الهندية الدينية القديمة التي تسمى بالسنسكريتية فتوصل إلى أن تلك اللغات تشترك في أصل واحد ومن هنا نشأت الدراسات التأصلية أو التأثيلية العلمية للغات , لكن دراسة اللغة دراسة وصفية تزامنية وجدت عند سوسير عناية خاصة رغم أنه لم يغفل الدراسة التاريخية للغة , ويعد كتابه (فصول في علم اللغة) الذي جمعه اثنان من طلابه منطلقا للدراست العلمية للغات عند من عاصره أو جاء بعده وهكذا توجهت الجهود لدراسة اللغات التي كانت في طريقها للانقراض كما فعل فرانز بواز حينما درس اللغات الهندية الأمريكية أو دراسة اللغة دراسة علمية تعتمد على الاحصاء والتحليل الدقيق كما عند بلومفيد الذي عرفت طريقته بالسلوكية , أو التأكيد على مقدرة المتكلم على توليد الألفاظ كما عند تشومسكي الذي انتقد بلومفيلد بحجة أن جمع المادة اللغوية لا يكفي وحده على الوقوف على حقيقة نشأة اللغات وتوليد الكلام , أو التأكيد على دراسة اللغة أثناء عملية التكلم وهو ما عرف بالتداولية التي مثل ظهورها انتكاسة لآراء شومسكي بحجة أنه أكد على المتكلم وتجاهل السياقات الأخرى .
ومما تقدم نجد أن موضوع اللسانيات هو اللغة التي تحقق التواصل من خلال وجود مخاطِب ومخاطب ورموز متفاهم عليها , وأكد سوسير على أن كل انسان يمتلك (لغة ملكة) وهي مقدرة فطرية تولد معه وهذه مشتركة بين الناس جميعا وتوجد بجانبها (لغة معينة) وهي التي تتيح للانسان ربط الرمز اللغوي بالمعنى الذي يدل عليه وهذه تميز بين الفرنسي والعربي مثلا .
واللغة بالمفهوم السوسيري الثاني تتكون من علامات ناتجة من اتحاد الدال بالمدلول وإن هذا الاتحاد اعتباطي عشوائي باستثناء اللغة الطبيعية (لغة الجسد والإشارة والرموز الطبيعية) التي يكون فيها الارتباط غير عشوائي , وتخضع اللغة عند الاستعمال لنوعين من العلاقات ؛ الأول : العلاقات الاستبدالية تتمثل في قدرة المتكلم على استبدال الدوال التي يستعملها باستخدام ألفاظ مرادفة فبإمكانه أن يستبدل مفردة شهي بمفردات مثل لذيذ وطيب ومنعش وغيرها , والنوع الآخر يتمثل بتلك العلاقات التي تلزم المتكلم بأن يلتزم بقواعد النحو والصرف لأنها مترابطة لا يمكن الاخلال بها أو استبدالها كما في العلاقات السابقة فمثلا لا يجوز نصب الفاعل أو رفع المفعول به لأنهما مترابطان ومؤتلفان مع غيرها بنظام تركيبي خاص لذلك فإن سوسير يسمي هذه العلاقات بالترابطية أو الائتلافية .
ومن خصائص اللغة أيضا قابليتها على التجزئة إلى وحدات أصغر (صوتية , صرفية , نحوية) كذلك قابليتها انتاج ألفاظ وتراكيب لم يسمع بها من قبل وتتميز بأنها ليست فطرية بل هي مكتسبة تنتقل من جيل لآخر عن طريق التعلم والممارسة .
وميز سوسير بين اللغة والكلام فالأولى عنده تمثل المنظومة المعرفية النظرية (الصوت , الصرف , النحو , البلاغة ) أما الكلام فيتمثل بالتطبيق الفعلي لتلك المنظومة , فاللغة أمر اجتماعي عام أما الكلام فهو أمر فردي .
وبعد التعمق في الدراسات اللغوية تشعبت الدراسات اللسانيات فكانت هناك اللسانيات النظرية واللسانيات التطبيقية التي تدرس المستويات اللغوية وظهرت أيضا اللسانيات العامة واللسانيات الوصفية (الخاصة) التي تدرس لغة معينة من خلال الوقوف على مستوياتها البنيوية , وظهرت مناهج لسانية يتبناها اللسانيون في دراساتهم منها : الوصفي والتاريخي والمقارن . ونتيجة للدراسات اللسانية التطبيقية والخاصة للغات ظهرت حقول دراسية متعددة بحسب المستويات اللغوية مثل : علم الصوت أو الصياتة أو الفينولوجيا وعلم التصريف المورفولوجيا وعلم النحوأو النحوية أو الساينتكس والأسلوبية وعلم الدلالة أو السيمياء أو السيمولوجيا أو السيمونطيقيا وعلم التخاطب أو التداولية أو البراجماتية , ويمكن أن فسر المناهج النقدية المعاصرة أغلبها من تحت خيمة اللسانيات كالتفكيك والتلقي والنقد الثقافي .
كما ظهرت اللسانيات المضيقة أو البنيوية واللسانيات الموسعة أو العرقية التي تفرعت هي الأخرى على اللسانيات النفسية والتربوية الاجتماعية .
ونتيجة لقدم الدراسات اللغوية ولتنوعها فقد ظهرت مدارس متعددة لدراسة اللغة , نستعرضها بإيجاز :
المدارس العربية :
أـ المدارس النحوية
نشأ النحو العربي في البصرة التي كانت حاضرة العلم والعلماء نتيجة دوافع دينية واجتماعية وقومية ولغوية معتمدا على ثلاثة أصول هي : السماع والقياس والاجماع
1ـ مدرسة البصرة وتأسست على جهود أبي الأسود الدؤلي ت 69 هـ وتلامذته : نصر بن عاصم 89هـ ويحيى بن يعمر ت 129 هـ وعنبسة الفيل ومن ثم تطور على يد عبد الله بن اسحاق الحضرمي وأبي عمر بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل الفراهيدي ت 175 هـ وسيبويه , ومن ثم الأخفش والمبرد والزجَّاج والسيرافي وغيرهم وقد اعتمدت القياس والأصولية .
2ـ مدرسة الكوفة وروادها الكسائي ت 189 هـ وتلميذه الفرَّاء ت 207 هـ وثعلب ت 291 هـ وقد اعتمدت السماع .
3ـ مدرسة بغداد ابن كيسان ت 320 هـ وتلامذته : النحاس والزجاجي ت 37 هـ وأبو علي الفارسي ت 377هـ وابن جنِّي ت 392هـ وابن الشجري والزمخشري ت 518 هـ والعكبري ت 676 هـ وابن يعيش ت 643هـ والرضي الاسترابادي ت 686هـ واعتمدت الوسطية بين البصريين والكوفيين .
4ـ مدرسة الأندلس وروادها ابن مضَّاء ت 592 هـ وابن عصفور ت 663 هـ وابن مالك وابو حيان ت 745هـ .
5ـالمدرسة المصرية وروادها ابن الحاجب وابن هشام ت 761 هـ وابن عقيل ت 766 وابن الدماميني ت 837 هـ والسيوطي ت 919 هـ والأشموني ت 837هـ .
ب ـ المدارس البلاغية
(1)المدرسة البيانية ورائدها الجاحظ ت 255 هـ الذي أكد على الجنبة البلاغية للكلام والعلاقة بين اللفظ والمعنى .
(2) مدرسة النظم الذي يعد عبد القاهر الجرجاني ت 471هـ رائدها المبرز فقد أكد على أهمية السياق والنحوي في فهم المعنى .
(3) المدرسة التكاملية أو الشمولية ورائدها السكاكي ت 626 هـ الذي أكد على الأخذ بعين الاعتبار النواحي الصوتية والصرفية والنحوية والبلاغية بغية فهم المعنى .
(4) المدرسة التطورية عند ابن خلدون ت 808 هـ الذي أكد على أن اللغة تتطور وتكتسب كأي شيء آخر .
المدارس الغربية :
(1) المدرسة البنيوية أو مدرسة جنيف ورائدها الأول سوسير وقد ركزت على دراسة العلاقة بين اللغة والكلام والتفرقة بين الدراسة الوصفية والدراسة التاريخية للغة , وقد فضلت الدراسة الوصفية كما مر بنا .
(2) المدرسة الوظيفية مدرسة أو مدرسة براغ) وروادها ياكوبسن ومارتينيه التي أكدت على أركان عملية الاتصال اللغوي والسمة الطبيعية للغة وتأثرها بالعوامل النفسية والاجتماعية والتاريخية
(3) المدرسة النَّسقية أو مدرسة كوبنهاكن ورائدها هلمسليف وقد أكدت على دراسة اللغة دراسة داخلية بعيدا عن المؤثرات الخارجية لذا ركزت هذه المدرسة على أن اللغات جميعا ترتد إلى تكوينات بنيوية صورية نظرية رياضية فاللغات جميعا صور أو أشكال تعبر عن ذلك المحتوى المشترك
(4) المدرسة السِّياقية ورائدها فيرث الذي أكد على أهمية البعد الاجتماعي للغة فالمعنى لا ينكشف إلَّا من خلال ربط الوحدة اللغوية بسياقاتها اللغوية والعاطفية والثقافية والموقفية
(5) مدرسة ادوارد سابير(ت 1933) التي أكدت على فكرة النماذج اللغوية التي تمثل البنيات الأصلية للغة عند الفرد التي تتكون من تفاعل الفرد مع المجتمع والثقافة .
(6) المدرسة التوزيعية أو السلوكية ورائدها بلومفيلد التي أكدت على جمع المادة اللغوية وملاحظتها بحسب السلوكيات التي تستعمل فيها .
(7) المدرسة التوليدية التحويلية ورائدها شومسكي الذي أكد على أن عالمية الظاهرة اللغوية , فعند كل فرد قدرة أو كفاءة ممكن من خلالها أن يولد عددا لا يحصى من التراكيب والجمل من خلال منطق خاص لذا يتفق شومسكي مع شتراوس في تقسيم العقل أو التفكير على بدائي ومتطور , وتتكون التراكيب أو الجمل عند شومسكي من خلال التحويل ؛ تحويل تركيب إلى آخر أو جملة إلى جملة أخرى من البنى العميقة إلى البنى السطحية عن طريق آليات الحذف والتحوير والزيادة واعادة الترتيب ويفرق بين القدرة أو الكفاءة وبين الأداء فالقدرة قد مرت بنا قبل قليل أما الأداء فهو توظيف المنتجات إلى كلام أو كتابة .
(8) المدرسة التحويلية ورائدها هاريس الذي أكد على دراسة عمليات التحويل التي يقوم بها المتكلم من البنيات العميقة إلى البنيات السطحية .
أهم المصادر :
(1) الاتجاهات المعاصرة في الدراسات اللسانية , أحمد دراج , مكتبة الآداب , القاهرة , ط1 , 2009 .
(2) أفكار وآراء حول اللسانيات والأدب ، رومان ياكبسون ، ترجمة فالح صدام الإمارة و د.عبد الجبار محمد علي ، مراجعة د.مرتضى باقر ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، ط1 ، 1990 .
(3) قاموس اللسانيات ، د.عبد السلام المسدي ، الدار العربية للكتاب ,بيروت ، 1984 .
(4) القاموس الموسوعي للتداولية , جاك موشلر ـ آن ريبول , ترجمة مجموعة من الاساتذة والباحثين بإشراف عز الدين المجدوب , المركز الوطني للترجمة , تونس , ط1 , 2010 .
(5) مدارس نحوية ولغوية عربية وغربية , صبري ابراهيم السيد , مكتبة الآداب , القاهرة , ط1 , 2011 .
(6) معجم الأسلوبيات , كاتي وايلز , ترجمة خالد الأشهب , مركز دراسات الوحدة العربية , بيروت , ط1 , 2014 .
(7) معجم تحليل الخطاب , باتريك شارودا ـ دومنيك منغنو , ترجمة عبد القادر الفهيري وحمادي صمود , المركز الوطني للترجمة , تونس , ط1 , 2010 .
(8) معجم اللسانيات , اشراف جورج مونان , ترجمة د. جمال الحضري , المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع , بيروت , ط1, 2012 .
(9) معجم اللغة واللسانيات , هارتمان وستورك , ترجمة د.توفيق عزيز عبدالله ومروان محمد حسن وأوس عادل عبد الوهاب , دار المأمون , بغداد , ط1 , 2012 .
#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)
Ali_Huseein_Yousif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟