منير شحود
الحوار المتمدن-العدد: 1592 - 2006 / 6 / 25 - 14:02
المحور:
حقوق الانسان
كنت قد نمت نوماً هادئاً تحضيراً لعمل جراحي في صباح اليوم التالي، ولكن اللحظات الأخيرة من تلك الليلة تمخَّضت عن رؤيا لصفحة ورق بيضاء مسطَّرة كُتبت في منتصفها كلمتان بخط أسود عريض: الأرملة السوداء!.
ما يطلق عليه الأحلام أو الرؤى التنبؤية أمر اعتدت عليه، وكان يتحقق في معظم الحالات، لكنني هذه المرة احترت في التفسير، فهل هي نعوة الموت التي تنتظرني؟ لم أستطع إقناع نفسي بذلك، فاستعنت بالله، وأبقيت الأمر سراً.
وسادت لحظاتٌ عمَّ فيها السلامُ روحي ونفسي، واغرورقت عيناي بالدموع، وضغطت كماشة على صدغي... وأنا أستعرض وجوه الأحبة، وأستذكر كلمات طفلتيَّ وملامحهما، وأرى الأرق المبثوث على محيا زوجتي... والحب.
وفي الطريق إلى غرفة العمليات، وأثناء التحضير للتخدير، كنت ألتقي الأطباء والطبيبات، وجلّهم من طلابي وطالباتي، تغمرني نظراتهم الحلوة، وتشعرني بالطمأنينة. ولكن "الأرملة السوداء" المتربعة في منتصف الصفحة كانت آخر ما بارحني، حين خطف التخدير بصري وبصيرتي.
وعندما صحوت قليلاً، رأيت عيني المخدِّرة الخضراوين الحنونتين تفرحان بعودتي إلى الحياة، ويد رفيق دراستي الجراح، النبيل الخلق، تربت على كتفي، بينما تشي ابتسامته بالرضا عما قام به تجاه مريضه. وهنا أيضاً اقتحم مخيلتي المشوشة طيفُ "الأرملة السوداء"، منذراً بالمصيبة القادمة التي تنتظرني.
لم تحمل إليَّ الأرملة السوداء نذير الموت، فما الذي تخفيه إذن؟... وتتابعت اللحظات ببطء في انتظار أن تكشف الأرملة القاتلة عن سر رؤياها. ولم تمر سوى سويعات قليلة حتى جاءني الخبر بأنه تم فصلي من الجامعة بقرار من رئيس مجلس الوزراء بدون ذكر الأسباب! وهذا استناداً إلى نص صريح في قانون العاملين في سوريا.
لم أكن في وارد أن أُصدم، فيكفيني ما أنا فيه، ولكن الأرملة السوداء انكفأت عن مكانها في صدر الورقة، لتقبع وراءها، وتلقي بظلالها المشعَّرة على صدرها. وتحققت رؤيا الأرملة السوداء... العنكبوت القاتل.
إنها الأرملة السوداء، تعشِّش في ثنايا مشاعرنا وعقولنا، وتعبث في حيواتنا لتحولها إلى جحيم، وتعيث فساداً في بلدنا، مستظلة بأية هيئة أو مقام. لقد وصفت صديقي الجراح بأنه نبيل الخلق، فهل تعتقدون بأن الأرملة السوداء لم تفتك به يوماًً؟.
#منير_شحود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟