|
هل كان قرار الحرب حكيما
ماجد فيادي
الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 26 - 04:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ذات يوم فتحت عيني من النوم وقد انهيت مرحلة الابتدائية بتفوق، استمتعت بالعطلة الصيفية بين كرة القدم والسفر الى بيت جدي بالريف، حيث السباحة في النهر، هناك ركبت جواد جدي بمساعدة عمي، قمة السعادة كانت عندما اقود دراجتي بسرعة، بدأت الحرب العراقية الايرانية فتغيرت الأجواء، والدي واخوتي يخرجون ليشاهدوا الطائرات وهي تقصف بغداد، في حين والدتي تضعني واخواتي تحت طاولة مغلفة بالأغطية في زاوية الغرفة، لا اعلم من منا كان يطلق الريح، وسط احتجاجات جماعية، ما ان تكررت الغارات حتى تعودناها فغادرنا تلك الطاولة. جاء موعد بدء العام الدراسي، ذهبت متأنقا الى المدرسة، في الطريق التقيت جاري، فدار حديثاً بيننا، قال لي كلاما غريباً، سمعه من والده “ان قرار اعلان الحرب كان حكيماً”، في حين قال والدي ان الحرب دمار ولن تنتهي على خير، خفت ان أقول له كلام والدي، لاننا من المغضوب عليهم، كملنا الطريق نحو المدرسة، التقانا المدير، كان طويلا وانيقا ومهيوبا، فقال لنا لا يجد دوام ولا يعلم متى سيبدأ، سألته بسذاجة، أستاذ ما قررتوا جدول الدوام؟؟؟ كانت اول حالة احباط في حياتي، ماذا يعني لا يوجد دوام؟؟؟ في اجواء الحرب بدأت الدراسة، كنت طالباً ذكياً ومحط انظار اساتذتي، اولهم مدرس اللغة الإنكليزية أستاذ ماجد، كان متمكنا من لغته وادواته، خلوقاً وشيوعياً، اختفى فجأة ولم يعد موجوداً، أستاذ فاروق مدرس الرياضيات نابغة علمية وشخصية مميزة، انتبه لإمكانياتي وشجعني، أستاذ عبد الهادي مدرس اللغة العربية، كان اكثر من أستاذ، مربي وقدوة، نموذج ساحر وقدرة في فرض احترامه على الطلبة، معروف انه شيوعيا، لكنه لم يختفي مثل الاستاذ ماجد، اول من علمنا صناعة النشرة المدرسية، اول نتاجاتنا كانت بعنوان الاقلام، لم يكن اساتذة الكيمياء والفيزياء اقل كفاءة ومهارة، بهكذا أساتذة اجتزت المتوسطة الى الإعدادية الفرع العلمي، وسط تزايد بعدد فواتح الشهداء. في مرحلة الإعدادية لعبت كرة القدم مع الفرق الشعبية، كذلك في نادي العمال الرياضي، وفي المدرسة لعبت كرة السلة، انتقلت الى اعدادية المنصور، وكنت مميزا بين الزملاء، علمياً ورياضياً واجتماعياً، لكنني للأسف ولسبب لا اعرفه، لم احصل على الدرجات التي توقعوها لي، فقبلت بكلية الزراعة. كنت ارغب ان ادخل كلية الهندسة لكن مجموعي لم يسمح، فقررت ان انتقل الى كلية العلوم قسم الكيمياء، واجهت عقبة اهلي الذين أرادوا ان احصل على لقب مهندس حتى وان كان زراعياً، بدأت رحلة الجامعة وفي اول عام قررت الرسوب حتى أُطيل فترة الدراسة تهرباً من الحرب، اشتركت مع منتخب الكلية لكرة القدم، وفريق التمثيل، عشت حياتي الجامعية بطولها وعرضها، تحت هاجس الذهاب الى الحرب والموت في معركة لا ناقة لي فيها ولا جمل، في يوم من الأيام القى الامن القبض على اخي، فكانت أيام سوداء لأنه شيوعياً سابقاً، أيام أخرى طاردت الفرقة الحزبية والدي لإجباره على الانخراط في الجيش الشعبي، لكنه كان اشد بأساً وعناداً، مستنبطاً قوته من ايمانه الفكري وانتمائه الشيوعي، عندما توقفت الحرب، حصل احتفال شعبي عفوي بشوارع بغداد دام ثلاثة ايام، لم افهم لماذا احتفل؟ هل كنت فرحا لأنني بقيت على قيد الحياة ام لانتهاء معاناة كارثية على الشعب العراقي؟ مع هذا لم يتغير شيء، لم يعد احد من الجيش الى بيته، ولم يترك احد سلاحه، تخرجت من الكلية بإحباط جديد، فلا فرص عمل ولا مستقبل، لم تمضي ايام حتى سمعنا عبر الراديو بدخول الحرس الجمهوري الى الكويت. الى هنا مضت عشرة سنوات من عمري، عبارة عن حرب واحباط، لحقها دخول الخدمة العسكرية تحت جبروت تحالف دولي لإخراج العراق من الكويت، هربت من الجيش قبل عاصفة الصحراء، لأنني قررت ان لا اطلق النار على انسان لا اعرفه، حتى انتهت الحرب بهزيمة الجيش العراقي، وانسحابه على طريق الموت، فكانت خيبة جديدة في ان أعيش ببلد لا يصنع تاريخه ولايمهد الأرض لأجياله المتعاقبة. عدت للخدمة الإلزامية بعد انتهاء انتفاضة 1991 بخيبة جديدة، بقى النظام كما هو، تدمرت البيئة والاقتصاد، في العام 1993 تسرحت من الخدمة العسكرية بعد ان قضيت سنة وسبعة اشهر من ضمنها أربعة اشهر فاراً، يومها بدأت رحلة العمل، مرة مع صديق وأخرى في التصنيع العسكري وثالثة سائق تكسي، حتى استقر بي الحال عندما باع والدي شقة كان يمتلكها ليساعدني بتأسيس معمل صغير لتصنيع الثريات، نجحت في عملي رغم المصاعب الكثيرة، فجاءت انتكاسة هبوط سعر الدولار في العام 1996 ليتوقف السوق تماما، نتيجة فوضى الدائن والمديون، لا احد قادر على دفع ديونه ومن تمكن امتنع لان الفارق كبير في قيمة العملة، خيبة جديدة وبداية جديدة مع حصار اقتصادي خانق. شاركت صديقي في محل لبيع الأدوات الكهربائية في محل صغير بقيصرية في سوق عكد النصارى، عملنا بجد، تحملنا البداية وقلة المبيعات، حتى صار لدينا زبائن وعرفنا منافذ السوق وأساليب البيع والشراء، تحملنا تقلبات السوق، حتى تعرضنا الى مشكلة جديدة عندما أراد مالك العقار استعادة المحل، فكانت الخيبة الجديدة، وبدأت رحلة البحث عن الحلول التي لم اجدها، فقررت الهجرة في العام 1999، عندما بعت حصتي في المحل لتصل كل ثروتي الى 1700 دولار، حينها تركت العراق في 22 أيلول وقد قررت اما النجاح في الوصول الى المانيا او الانتحار. هنا مضت عشر سنين جديدة من عمري لأبدأ بعمر الثانية والثلاثين من تحت الصفر بلا مهنة او شهادة في بلد لا اجيد لغته، بعد مضي عشرون عاما في المانيا، نظرت الى الخلف، رأيت حجم خيبات الأمل التي عشتها، مرات الصعود والنزول، الأحلام الضائعة، الوطن الممزق، المحتل الامريكي والايراني، القاعدة وداعش والمليشيات، أجيال فتحت عينها لتجد كل شيء سراب، لا حقوق ولا مستقبل ولا كرامة، لا خدمات ولا فرص عمل. منذ ذلك اليوم الذي فتحت فيه عيني وانا مفعم بالأمل، توالت الخيبات، عشر بعد عشر حتى أصبحت في الثالثة والخمسين، لا أتوقع أن احقق املا قبل عشر او عشرين عاماً، حينها سأكون منتهي الصلاحية، واعود لأسئل جاري الذي ذهب معي اول يوم الى المتوسطة، هل كان قرار اعلان الحرب حكيماً؟؟؟ وهل كان سكوتي حكيما؟؟؟
#ماجد_فيادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا يمكن للمليشيات ان تلتزم بالقانون
-
يا فرحة ما تمت
-
دراسة في توجهات الرأي حول تصريح السيدة هيفاء الأمين
-
مراقب الصف
-
سياسيون عراقيون متخلفون
-
يبقى الحال على ما هو عليه
-
حملة تشويه للتظاهرات
-
بيادق البرلمان القادم
-
منظمة الحزب الشيوعي العراقي في المانيا تستضيف الرفيق حسان عا
...
-
المواطن العراقي كرة جوراب بين هذا المتنفذ وذاك
-
مناقشة لرؤية د. فارس كمال حول التقارب المدني الصدري
-
نفس الوجوه الكالحة ونفس الضحايا
-
ابكتني ميرنا
-
لاجئون خمسة نجوم
-
الاقنعة والمرجعية
-
قضيتان للنقاش تستندان لحزمة الاصلاحات التي اقرها رئيس مجلس ا
...
-
امسية سياسية للتيار الديمقراطي بالمانيا
-
العملية السياسية سرقت
-
الاحكام المسبقة
-
المالكي يدعو الى حرب في معهد السلام الامريكي
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|