|
تهديد مصر بالحرب
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6602 - 2020 / 6 / 25 - 17:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك مشكلتين تؤرقان همّ القيادة المصرية . المشكلة الأولى هي صراع سد النهضة الإثيوبية ، الذي سيغير كثيرا من تاريخ مصر المرتبط بالنّيل العظيم ، الذي لن يعود عظيما . والمشكلة الثانية هي الصراع الجاري بليبيا بوكلاء لمجموعة من الدول البعيدة عن ليبيا ، أي انّه صراع المصالح الأجنبية ، وليست المصالح الليبية التي تُدمّر فوق رؤوس شعبها .. ورغم ثقل خطورة المشكلة الأثيوبية ، وتجرّء اثيوبيا التهديد بالحرب ، فالنظام المصري يركز على المفاوضات التي تهربت منها إثيوبيا ، حين رفعت التحدي بمليء السد في اول يوليوز القادم ، سواء كانت هناك مفاوضات ، او لم تكن . لكن بالنسبة للحالة الليبية التي لم تهدد عسكريا مصر كما فعلت اثيوبيا ، فالنظام المصري لم يتردد في التهديد باجتياح ليبيا ، عارضا لبث الخوف ، ولتخويف حكومة طرابلس التي تعترف بها الأمم المتحدة ، والجامعة العربية ، دباباته ، ومزنجراته ، والبعض من طائراته ، ومروحياته .. وذهب بعيدا حين حدد شرطين للتدخل المصري هما ، مدينة سرت، ومدينة الجفرة التي اعتبرهما خطا احمرا .. السؤال . لماذا النظام المصري يركز على المفاوضات مع اثيوبيا التي هددت بشن الحرب ، وتحدته بالشروع في ملئ السد في اول يوليوز المقبل ، ولماذا يهدد بالتدخل العسكري في ليبيا التي لم تهدده بالحرب .. النظام المصري كنظام دكتاتوري يمارس الدكتاتورية في ابشع صورها ، في تبنيه المفاوضات السياسية ، والدبلوماسية مع اثيوبيا التي تحدته ، وأهانته ، ومست ( كبريائه ) ، وهو النظام الفاقد اصلاً لصفات الكبرياء ، حين يهينه رؤساء الولايات المتحدة الامريكية " باراك أوباما " ، " دونلد ترامب " ، ويتقبّل الإهانة بصدر رحب ، ويعتبرها مفخرة ، لأنها إهانة أمريكية ، اثبت وبالملموس ، ان ما يهمه من افتعال قضية سد النهضة ، ليس هو حقوق مياه مصر التاريخية ، كما لم يكترث اطلاقا بخطورة تعطيش الشعب المصري الذي لا يهمه اطلاقا ، ويمارس عليه كل أنواع الاضطهاد ، والطغيان المرفوض ، بل ان اشتغاله بالحالة الليبية ، وتهديده بشن الحرب ، على دولة لم تهدده بالحرب ، ولا مست حدوده ، ولا مصالحه ، هو الخوف على عرشه الذي يعتقد انه سيصبح مهددا ، اذا أصبحت دولة اخوانية جارة له ، خاصة وانه انقلب على الرئيس العياط محمد مرسي الاخواني ، وادخل الاخوان قيادة وقواعداً سجونه الرهيبة ، بل اعدم وبدم بارد الرئيس مرسي في سجنه ، كما اعدم ابنه ، واعدم العديد من القيادات البارزة للإخوان ، ولا يزال الآلاف منهم يقبعون في سجونه الرهيبة .. السيسي الدكتاتوري لا يهمه تعطيش الشعب المصري المهدد بسد النهضة ، لكن هو مشغول بالحفاظ على عرشه الذي يعتقد انه سيصبح مهددا من دولة اخوانية ، تساندها دولتان اخوانيتان ، هما تركيا ، وامارة قطر .. ومن غرائب الاطوار ، انه في خضم هذا التهديد باجتياح ليبيا ، فباستثناء دولتان عشائريتان ، هما السعودية ، والامارات العربية المتحدة ، فلا توجد دولة في العالم ايّدت تهديده ضد ليبيا ، بل ان العالم يحترم القانون الدولي الذي من خلاله اعترفت الأمم المتحدة ، ومجلس الامن ، والجامعة العربية ،بالحكومة الشرعية التي انبثقت عن مؤتمر مدينة الصخيرات المغربية .. فبعد ان طأطأ السيسي الرأس لإثيوبيا التي اهانته عندما هددته بالحرب ، وعندما تحدته بقدومها على ملئ السد في اول يوليوز القادم ، سواء حصل اتفاق في الامر ام لم يحصل ، هل يستطيع السيسي الدكتاتور المنبوذ ، والمُدان عالميا ، والمهان من قبل أمريكا ، وإسرائيل التي تقف وراء خلق مشكلة سد النهضة ، ان يثأر للإهانات التي تعرض لها ، باجتياح ليبيا التي لم تهدده بالحرب ، ولا اهانت كرامته الغير موجودة أصلا .. من خلال تحليل كل المعطيات المتوافرة ، والمتوفرة الى الآن ، يبدو ان من يقف وراء توريط السيسي الابْله Le débile ، في غزو ليبيا ، ليس القيادة المصرية ، وليس دعوة حكام السعودية ، وحكام الامارات العربية ، بل ان المؤامرة المُدبرة خيوطها بإتقان ، تقف وراءها دول عٌظمى ، من الولايات المتحدة الامريكية ، الى الاتحاد الأوربي ، وروسيا .. فالهدف من صمت هذه الدول التي تخطط مخابراتها ، ومراكزها للدراسات السياسية والاجتماعية الاستراتيجية ، من تهديد السيسي بالغزو المخالف للقانون الدولي ، هو الوصول الى ضرب عصفورين بحجرة واحدة .. العصفور الأول ، وتمثله تركيا الاخوانية التي تمددت ارجلها الى مناطق ليست تركية ، وتهديدها بشرعية الضّمّ في العراق ، وسورية ، وليبيا ، وتونس الاخوانية ... كمشروع لبناء الخلافة العثمانية السجلوقية ، وإعادة احياء التاريخ العثماني من جديد ، كإمبراطورية عثمانية ، في مواجهة الإمبراطورية الفارسية ، ومواجهة التحالف المسيحي ، الكاثوليكي ، البروتستاني ، الماسوني ، اليهودي ، الذي يخطط للسيطرة على البلاد العربية الغنية .. والعصفور الثاني ، هو الجيش المصري الذي لم يخض حربا منذ أكتوبر 1973 ، واصبح يُعد ويُعتبر من اشد واقوى الجيوش بالمنطقة ، وهو الشيء الذي لا ترغب فيه إسرائيل ، ولا واشنطن وبريطانية العظمى ... فالغزو المصري انْ حصل ، سيؤدي أوتوماتيكيا الى مجابهة مصرية تركية ، فوق أراضي ليست تركية ، ولا مصرية ، كما سيكون منفوخاً فيها من قبل دول الناتو وإسرائيل ، بغية تحطيم قدرات الجيش التركي ، وقدرات الجيش المصري ، كجيشين مسلمين من المفترض في الاعتقاد الغربي انْ يكونا جيشين عدوين ، وكيفما كانت نتيجة الحرب ، ستكون كارثية بامتياز ، على الجيشين ، فالمستفيد طبعا هم أعداء تركيا ، واعداء مصر ، لان المواجهة هي مواجهة حضارية بالدرجة أولى .. ان اقوى تعبير عن هذا ( السيناريو ) ، المؤامرة الغربية المحْبوكة ، يفسرها صمت الناتو ، الذي يضم تركيا كعضو مناوش ومزعج ، سواء من تصريحات أردوغان الغير مقبولة في حق إسرائيل ، او العلاقة مع اليونان ، وقضية قبرص العالقة ... والتبشير بقرب إعادة بناء الخلافة العثمانية المرفوضة من قبل الدول الغربية ، خاصة من قبل فرنسا ، سويسرا ، ألمانية ، النمسا ، الولايات المتحدة الامريكية ... لخ . كما ان اعين تركيا على البترول الليبي ، وهي البلد المسلم العضو بحلف الناتو المسيحي / اليهودي ، ازعج فرنسا التي ترى في التصرف التركي ، تحضيرا لدول الخلافة الإسلامية ، التي ترفضها فرنسا المسيحية الكاثوليكية ، التي تعاني تنظيميا ، وايديولوجيا ، وثقافيا مع الجالية المسلمة فوق التراب الفرنسي ، التي استعصى عليها الاندماج رغم وجودها فوق التراب الفرنسي منذ خمسينات القرن الماضي .. السيسي الدكتاتور ، يتذرع بالمشروعية الدولية لتبرير الاجتياح ، الذي سيتحول الى حرب طاحنة ، لتدخل أطراف خارجية ودول كبرى فيها ... والسؤال . هل المشروعية التي يتحدث عنها السيسي ، هي مشروعية اقرتها الأمم المتحدة ، او اقرها مجلس الامن ، او اقرها برلمان المشير خليفة حفتر الغير معترف به دوليا ... ام ان المشروعية التي يتحدث عنها الدكتاتور ، هي شرعية كرسي حكمه الذي يعتقد انه سيصبح مهددا ، من دولة اخوانية جارة ، تؤيد الرئيس الاخواني محمد مرسي ، وتؤيد حركة الاخوان المسلمين المصرية المحضورة ؟ في كل حرب تجري وتدور بين الدول المختلفة والمُتخلّفة ، دائما تكون هناك دول ربحت الحرب ، وتكون بالمقابل دول خسرتها ، الاّ في الحالة العربية / الإسلامية ، فان أي حرب تحصل ، لن يكون فيها دول ربحت الحرب ، ودول خسرتها ، بسبب ان الحرب التي حصلت ونشبت ، كانت فخاً منصوبا للدولتين المتحاربتين قصد تدميرها التدمير الكامل ، ودون ان يكون هناك لا غالب ولا مغلوب ، بل ان الجميع يصبح مغلوبا ، ويكون فخ الدول امراء الحرب ، قد حقق مبتغاه وهدفه ، الذي هو التدمير الكامل للدولتين المتحاربتين .. وحالة الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثاني سنوات اكبر دليل على ذلك .... لذا فالمخطط الذي تم التحضير له من قبل المخابرات الغربية ، هو توريط الدولتين المسلمتين تركيا ومصر ، لن تنتهي الاّ بالتدمير الكامل للدولتين ، حتى يعودا قزمين تحت نفوذ الدول الغربية التي ستغرق الدولتين بديون إعادة بناء ما دمرته الحرب ... هذا هو المخطط المحضر من التأجيج بالمنطقة ، لان الهدف المخطط له ، من جهة كسر الرأس التركي المُتحجرTête de Turques ، حتى تعود تركيا الى صورتها العادية ضمن الناتو ، قبل مجيء حزب العدالة والتنمية الاخواني الى الحكم ، الذي حوّل تركيا الى دولة مزعجة ، مناوشة ، وهو شيء مرفوض من قبل دول الحلف الأطلسي ، ومن جهة بعثرت قوة الجيش المصري ، الذي ستكون ليبيا بالنسبة له مقبرة سيدفن فيها الجنود المصريون ، وخاصة وان جميع الحروب التي حارب فيها الجيش المصري خسرها ، ابتداء من حرب اليمن التي سقط فيها حوالي ثلاثون الف عسكري مصري ، الى حرب الستة أيام في السادس من يونيو 1967 التي ضاعت فيها سيناء ، واستولت إسرائيل على اكثر من ثمانين الف كلمتر مربع من الأراضي العربية في ستة أيام ، او حرب أكتوبر " الْكيبورْ " التي انهزم فيها الجيش المصري ، خاصة الجيش الثالث الذي كان محاصرا ، ومحروما من الأغذية ، والماء ، والأدوية ... ولو لا التهديد الروسي ، وسلاح الجو الألماني الشرقي ، لكانت إسرائيل تتجول بشوارع القاهرة ، وشوارع دمشق ... على السيسي ان لا يسقط في هذا الفخ ، وعلى اردوغان الخروج حالا من ليبيا ، وعلى الليبيين الجلوس في الطاولة ، للتفاوض حول مستقبل ليبيا الذي سيقرر فيه الشعب الليبي ، بتنظيم استفتاء شعبي جماهيري عام ، يحدد فيه الشعب شكل الدولة التي يريدها ، وان يكون الوصول الى الحكم بواسطة الانتخابات التشريعية ، لا بالانقلابات العسكرية ، ولا بالمشاريع الاخوانية ... فلا مفر من الدولة الديمقراطية ...
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدعوة لإستقالة الوزير مصطفى الرميد
-
دعوة الى مغادرة المغرب
-
المغرب / فرنسا
-
مصر تطرق ابواب مجلس الأن ، بعد فشل مفاوضات سد النهضة
-
إنتخابات الملك ، لإنتاج برلمان الملك ، ومنه تشكل حكومة الملك
...
-
قراءة سريعة لنتائج الاقتراع السري بالجمعية العامة للأمم المت
...
-
جبهة البوليساريو تفتري على البرلمان الاوربي
-
العقلية الانقلابية
-
حكومة تكنوقراط ، حكومة وحدة وطنية
-
من يحكم ؟
-
هل يتدارك ملك المغرب ما تبقى من الوقت الضائع .....
-
شكرا الوحش كورونا
-
المحكمة العليا الاسبانية
-
حصار قطر / حين يدعو المتورط في قتل الفلسطيني المبحوح ، ضاحي
...
-
تنافس أم صراع بين الجهاز البوليسي الفاشي ، وبين الجهاز السلط
...
-
صفات الملك الحميدة / الاستثناء
-
التغيير
-
التحضير لقرع طبول الحرب بين النظامين المغربي والجزائري
-
الجمهورية الموريتانية والجمهورية الصحراوية
-
رئيس موريتانية يجري مكالمتين منفصلتين مع نظيره الجزائري والت
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|