ادورد ميرزا
الحوار المتمدن-العدد: 1590 - 2006 / 6 / 23 - 11:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بداية اقف احتراما واجلالا لآبائنا الروحانيين ولجميع البشر بكل اسمائهم وعناوينهم واختلاف انتماءاتهم في العالم من الذين نذروا انفسهم لخدمة دينهم الداعي الى نشر المحبة والسلام بين شعوب الأرض والتي اوصى بها الله رسله وانبياءه وكافة رجال الدين الصالحين , ورجل الدين الذي اقصده لا يقتصر على من درس الفقه او اللاهوت وبات مختصا وعالما بشؤون الدين ويملك مفاتيح الجنة ويمتهن ايجاد الحلول والوصايا فقط , انما الذي اقصده هو كل انسان يدعو ويدافع ويبشر بدين الله سواء كان شيخا او مرجعا او أبا او مطرانا او اي عنوان آخر وسواء كان ينتمى الى حزب ديني او يعتقد باحدى طرق الصوفية والدروشة او كان انسانا ينصب جل اهتمامه ويقضي معظم وقته يتابع الشؤون الدينية المحظة, ولأني اعلم كما يعلم غيري ان كل واحد من هؤلاء ودون استثناء يمارسون دور وكيل الله على الأرض يتحركون بين البشر ويضهرون قدراتهم الخارقة فمنهم من يمتاز بالشجاعة والسمو والخلق الرفيع ومنهم من يتقن حسن الكلام والخطابة ومنهم من يقدم النصح ويحمي ويخدم ويعلم ويقف ويحترم ويساعد المحتاجين من بني جنسه , فهل يعقل ان يكون هذا الوكيل فاسدا ويقود رعيته من البشر نحو الهلاك ناشرا الكراهية والفرقة والفساد والدجل والعنف حد الإبادة , فان حصل ذلك وتبين بانهم يمارسون ما لا يحبه الله عند ذلك سنسمي هؤلاء " شياطين " ولا نستبعد ان يكونوا ايضا مرتدين عن طاعة دين آباءهم !
مثل هؤلاء لا يهمهم عقاب الآخرة ولا عقاب القانون , فهم سود الوجوه , تقاسيم وجوههم غضب ومآسي , بعض خطبهم وفتاواهم لا وجود للتفائل او الفرح بين سطورها , وقد منعنا الله الإختلاط بهم او السير معهم بل اوصانا الإبتعاد عن شرورهم , واتذكر السيد الخميني حين اطلق تسمية " الشيطان الأكبر " حين وصف بها الولايات المتحدة الأمريكية , لكننا نرى اليوم ان " الشيطان الأكبر " لم تعد اميركا الوحيدة فقط انما ظهر من ينافسها اكثر من شيطان واكثر خطرا , انهم بعض من يسمون انفسهم رجال الدين , حيث تبين انهم يتسترون برداء الدين لإخفاء مفاسدهم وسوء تصرفهم .
والشيطانية فنون وعلوم ولها رجال ومدارس عدة ومن السهولة ولوجها في الوسط الشعبي البسيط , لأنها اسلوب عمل ونشاط انساني يعتمد على الخرافات والبدع والحيل ويلتف حوله من لا يملك الأيمان الحقيقي ولا المصداقية ولأنها كذلك فلا تقبل الترحاب من جانب المؤمنين الصادقين !, لكن ما فاجئني هو ما أكده السيد الطالباني رئيس جمهورية العراق , فقد قال بان الجارة ايران مرحب بها في العراق بل يتمنى العراقيون صداقتها , جاء ذلك من خلال مقابلة تلفزيونية معه من على شاشة قناة العربية , ولا ادري كيف توصل السيد الرئيس الطالباني لهذا الأستنتاج الستراتيجي بالرغم من ان دول التحالف وعلى رأسها اميركا قد اعترفت بتواجد ايران في العراق وان ذلك يشكل خطرا جسيما , ومن تابع المقابلة سيستخلص بان تواجد ايران في العراق كما يراه السيد جلال الطالباني لا يسمى احتلالا ولا تدخلا انما تواجدها شرعي ويستند الى رضى وموافقة رسمية من قبل الحكومة التي انتخبها العراقيون كما يقول الطالباني .. عجيب امور غريب قضية !, ولكن ولحد ما فان رأي الطالباني يشكك فيه كثير من العراقيين , كما ان الغالبية الغير قريبة من الحكومة لا تعلم ان كان هذا التواجد لمصلحة العراقيين ام انه شر ونقمة عليهم , لكن هذا التواجد والتدخل الإيراني ان تأكد فانه غير بارز انما البارز على السطح هو الإحتلال الامريكي فاذا ما تخيلنا صورة الإحتلال كسفينة عملاقة ظاهرة على السطح ويراها كل العراقيين فان الجزء الذي لا يظهر كاملا للعيان هو بعينه الإحتلال الايراني ويمكن التأكد من ذلك بمجرد التقرب من مدن الجنوب العراقي.
ولا يخفى على احد إن الاحتلال الايراني للعراق كان قد حدث من قبل اي منذ احتلال البويهيين لبغداد في عهود سابقة لا مجال للخوض فيها الأن ومن الممكن الإطلاع على تفاصيلها في عدة مواقع الكترونية , وهي ايضا موثقة في كتب التأريخ , لكن الذي يهمنا اليوم هو معاودة ايران الكرة للتدخل في العراق وظهر ذلك من مجريات الحرب العراقية الإيرانية السيئة الصيت ! وانتهاء بعد غزو العراق , لكن مشروعها التوسعي ومحاولتها تصدير ثورتها المذهبية الى الغرب العربي وقف العراق ضده وما زال يتصداه .
يقال بان التواجد الايراني في العراق الان تقف معه وتساعده احزاب دينية منشئها ايران لكنها عراقية الوصف والتسمية وفي نفس الوقت فانها مدعومة من جهات غربية , وتؤيدها احزاب عراقية لها موقف عدائي للتوجهات القومية العروبية , كما يؤكد ايضا بان التوجهات الكردية تلتقي وتتفق مع التوجهات الأمريكية والإيرانية الرامية لتفتيت وتقسيم العراق عبر مشاريع يحاولون تثبيتها في الدستور كالفدرالية مثلا وذلك لاضعافه واعاقة تقدمه لتحقيق الوحدة والتقدم , وقد اكون مخطئا اذا اعتبرت ان احتلال ايران للعراق او تدخلها لا يتعدى اكثر من كونه خرافة اعادة تأسيس امبراطورية فارس المعتمدة على التخلف الثقافي والاجتماعي والحظاري وينتشر فيها مشعوذي السحر والخرافات والبدع الميتافيزيقية التي غادرها العقل البشري المتحظر منذ زمن والى غير رجعة !
ان السبب الذي يجعل البعض ان يسمي ما جرى للعراق أمر لا يصدق وغير طبيعي ..هو لأنه ولأول مرة نرى توافق ومحابات وغزل بين الأحزاب الدينية مع الأحزاب العلمانية ونرى انسجام بين الأحزاب القومية مع الرأسمالية لا بل واكثر نرى الشيطان الأكبر يغازل ما يذهب اليه محور الشر في تصديه للديمقراطية في المنطقة ؟, ويا للعجب ان يلتقي هؤلاء المختلفون ليتفقون على تحقيق مشروع واحد !! .. اليس هذا أمر غير طبيعي ؟ لكن بالمقابل لا يجب ان يستغرب العقلاء فبعض هؤلاء تجمعهم صفة واحدة هي شجاعة المراوغة والتزوير والدجل والكذب والضحك على ذقون الأبرياء , فمنهم وبكل شموخ يدينون بالولاء مذهبيا وسياسيا لإيران وينفذون مخططاتها المعادية لوحدة العراق وسيادته الإقليمية واستقلال قراره الوطني , ومنهم من يدافع عن هذا الولاء بحجة الحفاظ على اللحمة العراقية وعدم الإنجراف الى الحرب الطائفية كما اشار له قادة الأكراد !..وهناك من ليس له لا حولة ولا قوة من العراقيين المساكين من يصف كل ما يحدث على انه دجل وكذب ومراوغة وكله يصب في المصالح الطائفية والعنصرية , وليس هناك ما يشير بان خيرا ما سيطال العراقيين الوطنيين الشرفاء !
يقودني للإعتقاد بان الاحتلال الايراني للعراق اذا ما تحقق فانه سيؤدي الى اعتبار المدن العراقية التي غالبية سكانها من الشيعة مثل النجف وكربلاء والكوفة وغيرها ومزاراتها المقدسة .. امتداد لمدن ومزارات الشيعة في قم ومشهد وطهران وسينفذون مخططاتهم السابقة لاحياء وتوسيع امبراطوريتهم الفارسية على حساب العراق والمنطقة العربية , وهذا واقع يؤكده يوميا القادة الإيرانيون ويؤيده بعض من قادة احزابنا المذهبية وقد صرحوا به باكثر من مناسبة من ان العراق هو امتداد لإيران الإسلامية .
أتخيل ان اميركا ستتخلى عن الذين استفادت منهم ابان تغيير الحكم في العراق فعينت قسما منهم لحكم العراق , فامريكا يهمها تنفيذ مصالحها الإقتصادية وامنها وامن اسرائيل القومي والكل يتذكرعندما دعمت تنظيم القاعدة ابان حربها ضد الشيوعية ثم تخلت عنه لأسباب تتعلق بامنها القومي والإقتصادي , وهذا هو الأسلوب الأمريكي ولكن علينا ان لا ننسى جرثومة المذهبية والعداء الطائفي التي زرعتها في العراق بالتعاون مع بعض الدول والأحزاب من دعاة المذهبية , فان تأثيراتها السيئة ستبقى لفترة طويلة تؤثر في الحياة الأجتماعية العراقية , كما اتخيل إن التدخل الايراني يهدف في احد جوانبه الى تغيير ثقافة العراق السياسية والدينية وجعله على الطريقة الشيعية وهذا ما يظهر من خطب وتصريحات بعض المسؤولين , كما اتخيل ان اهداف ايران غير خافية على المتابعين لسياساتها مع العراق فهي تسعى لشطب العراق من قائمة الاقطار العربية بالتعاون مع بعض القوى العراقية الغير عربية .
واخيرا فان الجيش والشعب العراقي الوطني المخلص وهو الذي استطاع ايقاف التوسع الايراني في المنطقة العربية خلال العقود الماضية ، سيستمر في رفض التدخل الإيراني في العراق مما سيجعل العداء الإيراني للعراق قائما وقد ظهر جليا بعد السقوط من خلال الجرائم التي ارتكبت بحق القادة العسكريين والعلماء كما تابع العراقيين مدى الحقد الإيراني لتدمير وتفكيك الدولة العراقية ومؤسساتها واغتيال علمائها وسلب مصانعها وسرقة وحرق مؤسساتها النفطية ومنشآته الصناعية والعلمية والتي تم كشفها والتأكد كمنها من قبل قوات التحالف .
في الختام فان الوجود الايراني في العراق سيلقى نفس مصير الهجمات والغزوات الفارسية السابقة التي قبرت في مهدها , وسيحاسب التأريخ من اعتدى على العراق اوخرب العراق او من ساعد عليه او موله , وسيرحل كل من لا يُظهر اخلاصه ودعمه وتضحيته في سبيل سلامة شعب العراق , ان العراق لن يهدأ ما دامت هناك عقول تدار من الخارج وتحمل ايدلوجيات دينية او افكار غير وحدوية تسعى لتمزيق العراق , العراق يتعافى حين تحكمه قيادة مستقلة ترفض المحاصصة المذهبية او القومية عند توزيع المهام والمسؤوليات لإدارة الدولة وتعتمد على مبدأ الكفاءة العلمية وحسن السلوك , وغريب اذا اعتبرنا ان امريكا الجبارة وساستها ما زالوا يجهلون اسباب تدهور الوضع الأمني العراقي لمعرفتنا الكاملة بقوة امكاناتها المخابراتية على مستوى العالم ؟ , اما اذا كانوا على دراية ويغضون النظر عنها فسيوصفون عند ذلك بالشيطان الأخطر !!!!
#ادورد_ميرزا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟