أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى العباسي - الإنسان بين ماض دموي ومستقبل مجهول















المزيد.....

الإنسان بين ماض دموي ومستقبل مجهول


مصطفى العباسي

الحوار المتمدن-العدد: 6599 - 2020 / 6 / 22 - 18:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عندما ننظر إلى وضع البشرية الراهن و ما يغلب عليه من حروب و صراعات، يبدو لنا اننا نتجه من سيئ لأسوأ، و أن وضعنا المستقبلي سيكون أكثر سواداً مما هو عليه اليوم، لكن إذا نظرنا إلى الأمور بشكل أعمق قد نكتشف أن هناك أملا في حدوث العكس، و في تجاوز هذه الصراعات التي طبعت التاريخ البشري منذ فجره.

هل يستطيع الإنسان فعلا التخلي عن ماضيه الدموي؟ سؤال يظهر مجحفا لأول وهلة، نظراً لتعودنا على الطرح القائل بأن الأصل في طبع الإنسان التسامح و احترام بني جنسه، هذا الطرح تغذيه الأطروحات الدينية التي تقوم على أن الخالق خلق الإنسان بفطرة حسنة و أنه هو الذي يبتعد عن هذه الفطرة باقتراف الآثام، فأول الخلق بالنسبة للأديان الإبراهيمية الثلاث كان نبياً جبل على العبادة وحسن الخلق، إلا أن وقوعه في الخطأ تسبب في نزوله من الجنة، دار الخلود، إلى الدنيا، دار الفناء والمعاصي.

هذا هو الطرح الديني، لكن بذكرنا له لا يجب أن نغفل الطرح الآخر و هو الطرح العلمي، الذي يعتبر أن للإنسان تطور من أصول حيوانية، و بالتالي فهو خاضع لهذا التطور، تطور في الشكل و الوظائف الحيوية، و تطور في الأفكار و العقلية العامة للبشرية، و هذا التطور الأخير هو الذي يمتاز به الإنسان عن باقي الكائنات الحية، و بتالي فالإنسان يتخلص مع مرور العصور من ارثه الحيواني هذا الإرث المتمثل أساساً في القاعدة الأساسية التي تقول بأن البقاء للأصلح و بأن الضعيف محكوم عليه بالفناء. أي أن التطور، بالنسبة للإنسان، سائر في اتجاه القضاء على أبرز محركاته، ذلك الشيء الذي جعله يتحكم في مسار الحياة على الأرض منذ مئات الملايين من السنين.

لكن إذا نظرنا إلى أسباب هذه الدموية و الحروب التي طبعت التاريخ القديم أو الحديث على حد السواء، نجد أن السبب ليس رغبة الإنسان المباشرة فيها، ولكنها تلك الرغبة القوية في السيطرة، كما أن التنافس على الموارد المحدودة يؤدي به إليها، لذا فالإنسان و على مر العصور و رغم تطور الفكر الإنساني بالطريقة التي جعلت العديد من الأشياء التي تصب في هذا الإتجاه غير مقبولة و مستنكرة، إلا أنه طور أيضا سبلا أخرى للجوء إليها عند الضرورة، هذا التطور أدى ، كيفما كان الحال، إلى تناقص نسبي لمثل هذه السلوكات.

هذه النظرة المتفائلة يمكن الوصول إليها إذا تعمقنا قليلاً في أسباب ومحركات الحروب، فرغم أن السبب الرئيسي لها هو رغبة القلة القليلة المسيطرة في مزيد من التحكم في العالم وفي ثرواته، إلا اننا إذا تمعنا أكثر وحاولنا دراسة التاريخ البشري، و بالأخص الحديث منه، يتبين لنا أنه لا يمكن ربح أي حرب دون مباركة و موافقة الشعوب، أي أنه لا يمكن لأي حاكم أن يربح حرباً لا يوافق عليها المحكوم مهما كان النظام ديكتاتوريا. لهذا تجد أن أغلب قادة العالم باختلاف انتمائاتهم ومذاهبهم لا يخوضون حرباً قبل تعبئة الشارع، ودفعه للتحمس لها بشتى الوسائل الممكنة.

سيطرة الشارع هذه تزداد يوماً بعد يوم، كما يزداد في المقابل، إقتناع اللوبيات المتحكمة بضرورة إقناع العامة بكل خطوة مهمة قبل الإقدام عليها، الشيء الذي يجعلنا قريبين أكثر من أي وقت مضى من العصر الذي يصبح فيه الشارع أو الضمير المجتمعي العام هو المتحكم في مصير الأمم و البشرية ككل.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة، و بفرض أن ما سبق و أشرنا إليه صحيح، هو هل هذا فعلا يصب في مصلحة البشرية؟ بمعنى آخر، لو افترضنا أننا إستطعنا بلوغ مرحلة متقدمة من سلطة الجمهور، حيث أن الشعوب صارت تتحكم بنسبة كبيرة في مصائرها. هل سنشهد حينئذٍ جنوحا إلى السلم ونبذا للحروب و العنف أكثر من الوضع الحالي. الإجابة هنا قد لا تكون سهلة أو بسيطة، حيث أن أكثر ما نستطيع فعله، هو محاولة إستقراء التجارب الحالية على علاتها، لعلها تمنحنا بعض ما يساعدنا في الإجابة.

إذا حاولنا إلقاء الضوء على قرارات الشعوب في أغلب الدول التي تمنح لشعوبها نسبة من القرار، نجد أنها يمكن أن تأخذ كل السمات وتتلون بكل الألوان. فتارة تجدها مع التعايش و التسامح و قبول الآخر، وتارة أخرى تجدها مع كل ما يناقض هذه القيم. هذا وقد ننتبه أيضا لسهولة التأثير فيها بالإعلام و بالبروباجندا. حيث أن موجة اليمين المتطرف التي تمر بها حاليا الدول الغربية تبقى خير مثال يمكن أن نضربه على ذلك.

مشكلة المجتمعات هي تقلبها. فالإختيارات في وقت الأزمات ليست كنظيراتها في وقت الرخاء. هذا بالإضافة إلى قدرة أصحاب النفوذ و المصالح على توجيهها بطرق عديدة، كتعزيز الشعور الوطني بخلق عدو وهمي من أجل تحوير الأنظار عن المشاكل الحقيقية، الشيء الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى صراعات من أجل أهداف ضيقة بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة. لكن، بالرغم من ذلك لا يمكن الإجابة على السؤال الذي طرحناه إلا بمقارنة الوضع الحالي لهذه الدول مع ما كانت تعيشه سابقا.

هنا، إذا أخذنا أوروبا كمثال، فلن يختلف إثنان على أن القارة تعيش أزهى عصور السلم في تاريخها. كما أنها ليست وحدها، فالأمثلة عديدة عبر العالم. و هذا إن دل على شيء فهو يدل على اقتناع شعوب هذه الدول بأن أفضل السبل المؤدية إلى الرخاء و التقدم هو سبيل السلم والعمل المشترك. بالطبع الإقتناع الذي أتحدث عنه هنا ليس اقتناعا عاما يشمل كل الأفراد لكن المؤكد أنه على الأقل كاف لكي يجعل القرارات المتخذة والمتراكمة لعقود تنحو هذا المنحى. هذا المثال الأخير يمكن أن نستخلص منه المنهاج الذي أظنه أفضل للإتباع من أجل الإجابة على الأسئلة المطروحة. حيث أن العبرة ليست بالحاضر مهما كان رأينا فيه، بل بتموقع هذا الحاضر بالنسبة لما سبقه من أزمنة وكيفية بلوغنا إياه.

و لتوضيح الأمر أكثر دعنا نعطي مثالا آخر، حيث أني أذكر في ما مضى محاورة جرت بيني و بين أحد الأصدقاء حول عقوبة الإعدام. رأيي كان أنه بالإضافة لعدم جدواها فهي عقوبة لا إنسانية، وكنت أستدل على عدم الجدوى بإعطاء أمثلة لعديد من الدول المتقدمة التي لا تطبقها ولكن هذا لم يمنعها من أن تكون أكثر البلدان أمنا وأقلها من حيث معدلات الجريمة. وفي المقابل، تطبيقها بالنسبة لأخرى لم يعفيها من تذيل القائمة في ما يخص أمن مواطنيها. لكن الذي يهمني أكثر في هذا المثال هو لا إنسانية هذه العقوبة حيث أن الطرف الآخر يجيب على هذه القضية بأن أي عقوبة يمكن أن تكون لا إنسانية إذا لم يكن هناك جرم مكافئ يبررها، وعقوبة الإعدام لا يحكم بها إلا في الجرائم الكبرى التي في نظره تستدعي بلوغ تلك الشدة في العقاب. هنا جوابي كان أولا بأنه بالنسبة لي لا شيء يستدعي بلوغ هذا المستوى من العقاب ثم أن المشكلة في الإعدام هو أنه لا رجوع منه والأمثلة على من ثبت بعد إعدامهم برائتهم من المنسوب إليهم ليست بالقليلة. لكني أشرت أيضا إلى شيء مهم هنا وأظنه مهم أيضا في الموضوع المناقش في هذا المقال، وهو التغير الذي يحصل في نظرة الناس لبعض الأفعال وتقييمهم لبشاعتها على مر العصور. فلو عدنا بالزمن ببضع قرون لوجدنا الناس تعدم وتحرق وتعذب وتصلب حتى الموت في الساحات أمام الناس، وكان هذا يعتبر عاديا بالنسبة لهم في كثير من الأحيان. ولو جادلت شخصا من ذلك الزمن حول بشاعة تلك الأمور كانت إجابته ستكون كإجابة المدافع عن الإعدام اليوم، بأن تلك الشدة مكافئة لبشاعة الجرم.

بالطبع، صديقي هذا لن يوافق على العودة إلى تلك الأمور و نفسه ستشمئز منها تماما كما اشمأزت نفسي. لكن أليس هذا على الأقل مدعاة للتفكير في ما إذا كانت المقارنة هنا مقبولة. بالنسبة لي الأمران سيان.

الأمثلة على تغير الطبع الجمعي كثيرة فكلنا سمعنا مثلا بحلبات المصارعين في روما القديمة وكيف كان الآلاف من الناس يجتمعون لمشاهدة الأشلاء وهي تتناثر، بينما اليوم تجد نفس تلك المجتمعات تحاول تجريم قتل الثيران في الحلبة، وقد نجحت في ذلك في أماكن عديدة. هذا التغير، أو لنسميه تطور، في ما يمكن أن نعتبره تعاطفا مع الآخر، يمكن أن نرصده بتفاوت في جميع المجتمعات الحالية. وهو تطور على ناحيتين. أولهما المضمون، حيث أن دائرة الأشياء التي تثير التعاطف تتسع مع الوقت، ومثالنا الأول يبرز هذا جيدا. أما ثانيهما فهو الموضوع، حيث أن التعاطف إنتقل مع مرور العصور من أن يكون عائليا أو قبليا إلى ان يصير دينيا أو وطنيا ثم ليصير أعم وأشمل كي يشمل البشر كافة أو ربما غير البشر أيضا.

من وجهة نظري فإن السبب الرئيسي في الجنوح للسلم العام الذي نشهده حاليا يعود بالأساس لهذا التزايد في نسبة التعاطف لدى البشر.وقد يشكل هذا ربما بداية إجابة على سؤالنا حول قدرة الشعوب على التعايش مما يعطي أملا أكثر في المستقبل. لكن هنا قد يقول قائل وما أدراك بأن السلم تزايد في العالم والظاهر يقول عكس ذلك. وهنا أقول بأن هذا الإنطباع هو ناتج عن أمور عدة، أولهم أننا نجري مقارنات بين مدد زمنية قصيرة وهذا لا يمكننا من رؤية التغيير الحاصل على المدى الطويل و ثانيهم أن سهولة الوصول إلى الأخبار والمعلومات في وقتنا ثم كون هذه الأخبار تكون متداولة أكثر إذا كانت تنقل أحداثا عنيفة يجعلنا نعتقد بتزايدها وثالثهم أننا بطبعنا نميل دائما إلى تحسين الماضي على حساب الحاضر.



#مصطفى_العباسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الإعجاز البلاغي في القرآن
- من الوطنية إلى العصبية


المزيد.....




- -باهظة الثمن أصلا- جزر المالديف تصبح أكثر تكلفة.. إليكم السب ...
- مظلة محطة وقود هائلة تنهار فجأة على مركبتين للزبائن.. شاهد م ...
- شاهد ردود أفعال وبهجة اللبنانيين بعودتهم لديارهم بعد اتفاق ا ...
- -المقاومة أكثر تصميمًا من أي وقت مضى-.. إيران عن وقف إطلاق ا ...
- الغزاويون بين الأمل والقلق.. كيف يرى الفلسطينيون وقف إطلاق ا ...
- الجمعيتان الروسية والعربية لطب المسالك البولية توقعان مذكرة ...
- ماليزيا.. إسقاط اتهامات موجهة لرئيس الوزراء السابق نجيب رزاق ...
- الطيران الحربي الروسي والجيش السوري يهاجمان مواقع لتنظيم -جب ...
- مصدرها الغامض قد يكون قريبا من كوكبنا.. علماء يرصدون الأشعة ...
- أردوغان يرحب بوقف إطلاق النار في لبنان


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى العباسي - الإنسان بين ماض دموي ومستقبل مجهول