أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله تركماني - الهوية من منظور علماني (2)















المزيد.....

الهوية من منظور علماني (2)


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 6599 - 2020 / 6 / 22 - 13:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


2 - الحداثة السياسية وإشكالية الهوية
فرضت الدولة الحديثة، في بدايات تأسيسها، نموذجًا للهوية وجعلته أحد الشروط الحقوقية للانتماء الوطني، حيث نجد أطرًا متدرجة لصناعة الهوية، اعتبارًا من المؤسسات المجتمعية والدينية والتعليمية والإعلامية وحتى السلطة السياسية القائمة، وبقي الفرد هو المتلقّي، وأصبح أفراد هذه الدولة مجرد أرقام في آلية الدولة. أما اليوم تتميز الحداثة السياسية بدمج الفردانية بالتكوين الجديد للمجتمعات والدول، بعد أن ترافق فتح الأسواق والاتصالات مع الاتساع في تأسيس منظمات مجتمعية متنوعة حرة. مما فرض ضمان الحقوق والحريات والهويات والفرص لكل الجماعات المكوّنة للمجتمع، بدون الحاجة للاستيعاب القسري، من خلال مشاركة الجميع في صنع القرار، أي صيغة إدارة تقوم على قاعدة عريضة، تحتوي داخلها كل المكوّنات المجتمعية، التي يحظى كل مكوّن منها بنصيب في المشاركة بالإدارة، بالطبع استنادًا إلى الكفاءة والقدرات وليس إلى المحاصصات المعطِّلة للجدوى. وبمثل تلك الشراكة تتخفف مخاوف المكوّنات من خطر الاستلحاق والاستعباد، في حالة التطبيق الحرفي لحكم الأغلبية. وذلك انطلاقًا من أنّ الدولة الحديثة هي الإطار السياسي الذي يستطيع الإنسان، من خلاله، تنظيم حياته وشؤونه.
أي لا يمكن الحديث عن منع " الهويات القاتلة " في غياب الديمقراطية، باعتبارها أحد أهم مرتكزات الدولة الحديثة، نظرًا لقابلية احتوائها الاختلاف وتنظيم العيش المشترك لكل مكوّنات المجتمع، المختلفة بالاعتقاد والرأي والعرق والدين. وهنا تبرز أهمية الديمقراطية التوافقية/الائتلافية، التي تؤكد على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، ضمن إطار دولة لا مركزية إداريًا.
ويبدو أنّ الاحتواء اللامركزي، كأسلوب مخالف كليًا لأسلوب الهيمنة المركزية، يخلق إمكانية توازن جديد بين الدولة والمجتمع، ويقوم على مبدأ الحوار والجمع بين وحدة الهوية الوطنية واستقلالية إدارة موسّعة، تقدم مجالًا واسعًا لتقاسم الإدارة والثروات والفرص. بما يساعد على الحدِّ من النزعات الانفصالية، ويملأ فراغ المطالب الحقوقية، عبر حماية اللغة والثقافة والدين، في سياق عملية تكامل وطني.
إنّ الدولة اللامركزية، إداريًا وليس سياسيًا، جغرافيًا وليس قوميًا، تنطوي على فوائد عديدة: تغليب المصلحة الوطنية العامة على مصالح الهويات الفرعية، وفسح في المجال لترسيخ وجود دولة مدنية تصون حقوق جميع مكوّناتها، وإنهاء الثقافة السياسية السائدة لصالح مفاهيم الحداثة السياسية، وترسيخ العلاقات التعاقدية المعبّر عنها بـ " العقد الاجتماعي ".
وفي كل الأحوال، من المهم أن تؤدي مبادئ وقيم الحداثة السياسية (الديمقراطية والعلمانية والعقلانية) إلى الهوية الوطنية الجامعة، بما تخلقه من إجراءات الثقة بين المكوّنات الاجتماعية المختلفة، إضافة إلى التخلّي عن " هوس الهوية الفرعية ".

3 - مخاطر الهويات الطهورية
تعيش مجتمعاتنا العربية أزمة هوية، تتجلى بعدم قدرتها على التوازن بين الأصالة والمعاصرة. إذ يتم تبنّي الدين كمضمون ثقافي شكلاني لا يتجاوز الشعار، بالتوازي مع الإصرار على استعادة ظروف انطلاقه، ووضع الحاضر في قفص الاتهام، دون اعتبار لحجم المتغيّر الزمني. وأدى انفجار الوضع على هذا النحو إلى انفصام عميق في الذات، مما استقطب أشياعًا رفعوا سيوفًا حاقدة، فيما كان التكبير والتهليل مجرد طقوس لإضفاء الشرعية على هذه السيوف.
وفي محاولة للبحث عن أسباب انغلاق الهوية في الثقافة العربية المعاصرة، يمكن إبراز سببين رئيسيين : أولهما، أنّ هذه الثقافة تقدم مسألة الهوية على الحرية، في حين أنّ الحداثة وتحولاتها المعاصرة قد حسمت أمرها – منذ زمن – في تقديم قضية الحرية على قضية الهوية. إذ إنّ الثقافة الشعبية، وبعض الاتجاهات الفكرية العربية، ولاسيما القومية والدينية، تكاد تجعل من قضية الهوية قضية القضايا. ومن دلالات هذا الاتجاه تحوّل أغلب ثورات الربيع العربي من ثورات من أجل الحرية، إلى ثورات منشغلة بالهوية. الأمر الذي أربك تلك الثورات، وغذّى هوية تقليدية مغلقة، لا تساعد على نشوء هوية إنسانية قابلة لاستيعاب كل الانتماءات المحلية ومجاراة التحوّلات العالمية، والتفاعل الإيجابي معهما.
وثانيهما، أنّ الثقافة العربية المعاصرة مازالت تعاني من هيمنة الجماعة على الفرد، فإذا كانت الثقافة المعاصرة قد انتقلت من إعطاء الأولوية للكيانات الجمعية إلى إعطاء الأولوية للفرد وحقوقه وانتمائه الثقافي، فإنّ الثقافة العربية لم تتمكن من هذا الانتقال بعد.
وهكذا، انتهت الهوية، التي تزعم سموها وطهوريتها المطلقة، كخطاب استعلائي ضد الثقافات والهويات الأخرى، إلى تأجيج مشاعر الكراهية والإقصاء بين الشعوب. وكانت الظاهرة الداعشية، التي تعتقد في تسامي الهوية الإسلامية على باقي هويات بني البشر بدون استثناء. إنّ وهم الهوية المقدسة السامية تبدو معطى جاهزًا لا مجال لمراجعته، مما يؤسس لفكرة " الحقيقة المطلقة ".
ويمكن لأي متابع لكتابات الحركات الإسلامية أن يلمس هذه " الحقيقة المطلقة "، التي تتمايز مع الهوية الوطنية، حين تعرّف نفسها بأنها " هوية ربانية "، عابرة للحدود السياسية، الأمر الذي جعل الخطاب الإسلامي مناقضًا لاحتضان الدولة الوطنية وحمايتها، بل أنّ كل الكيانات التي نشأت باسم الدين كانت حالات استثمار لإضفاء القداسة على النظام القائم.
إنّ كثيرًا من النزاعات والأعمال الوحشية تتغذى على وهم هوية متفردة لا اختيار فيها، إذ عبرها تنشأ " الهويات القاتلة "، مجسَّدة في فن الكراهية، الذي يأخذ شكل إثارة القوى المتطرفة لهوية ربانية مزعومة السيادة والهيمنة، تحجب باقي الهويات. وعلى ضوء هذه التوصيفات يمكن تفسير الظاهرة الداعشية، إذ تكفّر هذه الجماعة كل أمم الكون، وتتوعد كل إنسان لا يحمل الهوية الإسلامية، على مذهب أهل السنّة والجماعة في شكلها السلفي حصرًا، إذ تغالي في طهورية وقدسية الهوية الإسلامية، اجتماعًا وسياسة وأخلاقًا، كما تكيل لنفسها من المزايا والشرف والقدسية، وفي المقابل تسفّه وتدين وتكفّر باقي الأديان والهويات، بل تعتبر أنّ ترويع وترهيب حاملي الهويات الأخرى يدخل في باب ما يضمن للمؤمن دخوله الجنّة.
وقد لوحظ، مع بداية ظهور الجماعات الإسلامية المتطرّفة في سورية، التي تدور حولها شبهات كثيرة، وتثير تساؤلات كثيرة " لم تتخذ جماعة الإخوان المسلمين موقفًا واضحًا رافضًا لها، الأمر الذي أعطى انطباعًا مفاده بأنّ هناك رغبة في الاستفادة من جهود تلك الجماعات، واستثمارها سياسيًا، والاستقواء بها في مواجهة المنافسين المحتملين، هذا إذا تجاوزنا موضوع التنسيق بين الجماعة وبعض القوى الإقليمية في هذا المجال " .
والخطورة في هذه الاتجاهات الطهورية أنها " توظف أفكار الخصوصية والهوية والذاتية كمصدات، تمنع تسرّب مبادئ حقوق الإنسان للحياة العامة في البلدان الإسلامية ". خاصة وأنّ هذه المبادئ " تركّز على حرية المعتقد، والحق في تغيير المعتقد أو الدين " .
وهكذا، من المهم إعادة تعريف الهوية عند الإسلاميين، المرادفة للدين، والرافضة للدولة الحديثة. ذلك أنّ كون الفرد مسلمًا ليس هوية يمكن أن تطغى على الهويات الأخرى، إذ من المحتمل أن يكون لمسلم موقف متشدد من الهويات الأخرى، ويمكن أن يكون مسلم آخر متسامحًا دون أن يفقد إسلامه.
إنّ الهوية الدينية لا يمكن أن تكون لها أولوية على العقل، إذ إنّ تجاهل كل شيء إلا الدين معناه طمس حقيقة الاهتمامات التي تحرّك الناس لتأكيد هوياتهم، التي تتجاوز الدين بكثير. حيث لا استقرار ولا صيانة للمكتسبات بدون مواطنة فاعلة، كما لا مواطنة حقيقية بدون قدر كافٍ من الوعي بالهوية الوطنية داخل كل فرد، إذ إنّ الشعور بالانتماء الوطني هو المولّد الطبيعي لقيم الولاء للكيان السياسي للدولة الوطنية الحديثة.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية من منظور علماني (1)
- من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (5)
- من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (4)
- عن الحريات الأكاديمية في - سورية الأسد -
- ثلاث وخمسون عاماً على هزيمة العرب الكبرى
- من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (3)
- مقوّمات نبذ الكراهية والعيش المشترك بين المكوّنات السورية
- من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (2)
- من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (1)
- لماذا وصلت الثورة السورية إلى كل هذا الخراب؟
- في الأسباب العميقة للثورة السورية
- تساؤلات حول سرديات الثورة السورية
- عبدالله تركماني - كاتب ومفكر سوري، وباحث في مركز حرمون للدرا ...
- قراءة متمعنة في كتابات ياسين الحافظ
- المجتمع المدني السوري .. الواقع والتحديات
- محددات المبادئ فوق الدستورية
- المقاربة التنموية التشاركية
- جدل الموارد والتنمية والديمقراطية
- المجتمع المدني السوري: الإنجازات والتحديات
- معنى وشروط التنمية المستدامة


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله تركماني - الهوية من منظور علماني (2)