أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - بين الواجب والصدقة














المزيد.....


بين الواجب والصدقة


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 20 - 17:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يفهم كثير من المغاربة لماذا لم يقم وزير حقوق الإنسان، بتسجيل كاتبته في صندوق الضمان الاجتماعي، وهي التي أفنت زهرة عمرها في العمل في مكتبه، وإليكم إحدى التفسيرات الممكنة:
يعيش الإسلاميون ذهنيا خارج الدولة الحديثة ومؤسساتها، وعندما يضطرون إلى خوض الصراع السياسي داخلها فذلك فقط من أجل الوصول إلى السلطة، أما منطق الدولة فهو يزعجهم ولا يتماشى مع أهدافهم، ولهذا فالمعجم الذي يعمل به الإسلاميون ويؤمنون به هو : "الثواب" و"الأجر" و"الجزاء" و"الحسنات" و"المغفرة" و"العطف" و"الشفقة"، وهو معجم لا علاقة له بمؤسسات الدولة الحديثة، التي تقوم على ثلاثية: "القانون"، "الحق" و"الواجب". فتسجيل الكاتبة في صندوق الضمان الاجتماعي عمل لا "ثواب" فيه ولا "أجر" لأنه فقط مجرد "واجب"، أي أمر دنيوي محض لا جزاء فيه عند الله، بل هو مجرد تدبير انتفاعي لعلاقة الفرد بالدولة، لكنه لا يُدخل الإنسان إلى الجنة، أما إرسال قُفة إلى بيت الكاتبة وعائلتها في شكل صدقة أو مساعدتها عند مرضها فهو يدخل ضمن العمل الصالح الذي يجلب "حسنات"، لأنه "صدقة"، ولأن ثقافة الصدقة هذه هي المنتشرة عوض ثقافة الواجب، فإن معظم المغاربة يفضلون تمويل مسجد على تمويل مدرسة متهالكة وتجهيزها، فالمدرسة شأن دنيوي يتعلق بصناعة المواطن، أما المسجد فهو استثمار في الآخرة، وفضاء للتفريغ والتهدئة.
لهذا يعمد الإسلاميون إلى توزيع القفة عوض أن يقوموا ـ وهم مشاركون في الحكم ـ بوضع سياسات رشيدة لإنهاء الفقر، وجعل الناس يعيشون بكرامة بدون حاجة إلى من يتصدق عليهم، فالسياسة والحكامة الرشيدة موجودة في الدانمارك، البلد الذي احتل الرتبة الأولى في جودة الحياة خلال السنة الماضية، والذي تقول الإحصائيات إنّ 83 في المائة من سكانه ملحدون لا يؤمنون بالغيبيات ولا ينتظرون جزاءً أخرويا من قيامهم بواجبهم ومن احترام القانون، ولكنهم يُحسنون تدبير شؤون دنياهم لكي لا يُظلم عندهم أحد، ولا يُعتدي عليه، هذا ما يفسر أيضا أن الردّ في الدفاع عن الوزير جاء من خلال التذكير بأنه قد "أعطى وأوفى لها" أي لكاتبته، وذلك بالعطف والصدقات والمنن التي أنعم بها الوزير عليها إذ هي حسب ما قيل "بمثابة ابنته"، لكي تتم التغطية على عدم أداء مصاريف الضمان الاجتماعي.
إن الوزير لم يقم بواجبه تجاه كاتبته، لكنه تصدق عليها وعلى عائلتها "ابتغاء مرضاة الله"، وهكذا ضرب عصفورين بحجر واحد، ظل مخلصا للمنطق الفقهي القديم وخارج منطق الدولة، محققا بذلك قربه من الله ومن الجنة، وفي نفس الوقت أرضى كاتبته وعائلتها بصدقاته ومننه وعطفه. لكن مشكلة الوزير أنه يتولى داخل الحكومة تدبير موضوع هو من آخر ما ابتكرته البشرية في ظل الدولة الحديثة التي يمقتها، وهو موضوع "حقوق الإنسان"، الذي لا علاقة له بمنطق الفقه القديم ولا بمنطق الصدقات، ومن الحقوق البسيطة أن يُسجل كل موظف في نظام التغطية الاجتماعية.
يعيش الإسلاميون تمزقا كبيرا في دواخلهم بين الدولة والدروشة، بين الإدارة والإمامة، والقانون والحسبة، بين ربطة العنق والعمامة، تمزق يساهم في عرقلة تطور الدولة والمجتمع، وجعلنا في مأزق مأساوي، لا يسمح لنا بالعودة إلى الوراء واستعادة "الخلافة"، كما لا يتيح لنا المضي إلى الأمام نحو دولة القانون، كل ما نتمناه أن يجعل هذا التمزق إخواننا الإسلاميين يفهمون الدرس ومعنى الانتماء إلى الدولة وإلى الوطن، وأن يدركوا أنّ التقية إن كانت تاكتيكا ينفع مرحليا في الانتخابات، فإنه لا يصنع مستقبلا آمنا.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوية البطاقة وهوية المواطنين
- حول عنف ال-فيسبوك-
- إنكار -السببية- من عوامل تراجع العلوم عند المسلمين
- الأسباب الحقيقية لهجرة الأدمغة
- حول مكانة العلوم العقلية في الحضارة الإسلامية
- حزب بألف قناع
- أسباب التوتر النفسي للإسلاميين
- تضمانا مع الأطباء وكل العاملين في قطاع الصحة
- ظاهرة الدكاترة ـ المشايخ
- حتى لا نظل فئران تجارب
- الحجر الصحّي وحقوق الإنسان
- الوباء ، الطائفية والاخلاق
- لماذا لا نأخذ العبر من تاريخ الأوبئة ؟
- أغاليط تشوش على حملة التحسيس ضدّ الوباء
- في الحاجة إلى ضمير جَمْعي منتج وفعال
- الوباء والدعاء
- حزب في رعاية الله
- نزعات اختزالية ضدّ الديمقراطية
- مصادرة كتاب من معرض الكتاب فضيحة دولة
- أعطاب العقل الإسلامي من خلال تعقيب شيخ الأزهر


المزيد.....




- تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
- شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل- ...
- أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
- مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس.. ...
- ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير ...
- المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يوجه رسالة تحذير إلى 103 من ...
- ترامب سيرحل الأجانب المناهضين لليهود
- الكنيست يصدق بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح لليهود بتس ...
- عاجل| يديعوت أحرونوت: الكنيست يصدق بقراءة تمهيدية على مشروع ...
- اللجوء.. هل تراجع الحزب الديمقراطي المسيحي عن رفضه حزب البدي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - بين الواجب والصدقة