توقفت الحرب على العراق. ويعمل حاليا الامريكيون الى جانب البريطانيين في التحضير لتشكيل حكومة عراقية انتقالية مؤقتة تمهيدا لفرض الديمقراطية في ارجاء العراق في الاشهر القليلة القادمة، هذا حسب مزاعم الاعلام الغربي!
الحرب التي قادتها امريكا وبريطانيا قضت على الكثير من ارواح الابرياء، ولم تميز القنابل المحرقة والمدمرة ما بين الاثنيات المختلفة للتركيبة السكانية للعراق. ويظهر ان الكل شارك وسيشارك بارواحه وممتلكاته كضريبة للديمقراطية والتغيير، ومن ضمنهم بالطبع الشعب السرياني الكلداني الآشوري.
هاجس الخوف من المستقبل ما زال ينتاب السريان (الكلدان الاشوريون)، وخصوصا فيما يتعلق بحل المسألة الاثنية والدينية في عموم العراق. ففي حال فرض الفيدرالية كحل لهذه المسألة، لا يخفي السريان خشيتهم باحتمال حرمانهم من هذه "النعمة" اولاً، وضم مناطق السريان المسيحيين في الموصل (وايضاً اليزيديين والعرب) الى الفيدرالية الكردية، ثانيا.
ومن خلال القاء نظرة تاريخية على العلاقات الكلدانية الاشورية السريانية مع الاكراد سيتبين لنا حقيقة مهمة: ان ضم مناطق السريان الى خارطة الفيدرالية الكردية التي لا يعرف احد اين تنتهي حدودها، ربما تكون الضربة القاضية لوجود السريان في أراضي الشمال العراقية. ودوافع هلعنا وخوفنا لها ما يبررها. فمناطق شعبنا التي ضمت سابقا الى منطقة الحكم الذاتي الكردي، تم فيها طرد او ازاحة اغلبية سكانها السريان الكلدان الاشوريين من قبل بعض الاطراف الكردية المتطرفة خلال السنوات الماضية من عمر "تجربة" الادارة الكردية، ونقصد خصوصا الطرف الخاضع لهيمنة البرزاني! وما زالت ملفات اغتيال القيادة والنخب المثقفة الاشورية الكلدانية وملف التجاوز على اراضيهم وقراهم تنتظر من يحلها بهدف ازالة الغبن الموجود!؟
لهذا نعتقد انه في حال حل المشكلة الاثنية في عموم العراق لصالح القوميات الكبيرة (العرب والاكراد) على حساب الاثنيات الصغيرة (السريان والتركمان واليزيد)، سوف لا يدل هذا الا على استمرار الغبن والحيف والضرر في ارض الرافدين ارض الحضارة. والشعارات البراقة التي يتشدق بها الاكراد واطراف عراقية كانت معارضة سابقا، حول مساواة المواطنين سوف لن تنطوي على أحد!؟ وسيبقى العراق يدور في فلك العنف في حال هضم حقوق اية فئة عراقية مهما كان حجمها وعددها!!
ما تطالب به اليوم أغلبية المؤسسات والمنظمات الآشورية الكلدانية السريانية هو تطبيق شعارات المساواة والحقوق والديمقراطية على ارض الواقع. اي عندما يعاد الاكراد الى القرى والمناطق التي طردوا منها (عن طريق القانون وليس العنف) سوف لا يكون هذا عائقاً ايضاً في اعادة المهجرين من ابناء شعبنا (السريان الكلدان الآشوريين) والمتواجدون في بغداد ومناطق عراقية اخرى، ويقدرون بما يقارب المليون نسمة الى قراهم في شمال العراق، اضافة الى تقديم الدعم وفسح المجال لمن يود العودة من المنافي. وما يقوي اليوم طرح مشروع عودة السريان الآشوريين الكلدان من مختلف انحاء العراق باتجاه قراهم وممتكاتهم في الشمال عاملين رأيسسين، الآول بسط الديمقراطية والامن في ربوع العراق بعد قيام حكومة عراقية وطنية ديمقراطية في المدة القادمة، والثاني انهم (اي الكلدان الاشوريون السريان) خسروا كل ممتلكاتهم واموالهم في المناطق الجنوبية خلال عمليات القصف الامريكي والفوضى التي دبت في العراق اثر سقوط نظام صدام. مع العلم ان هؤلاء الآشوريون الكلدان قد ازيحوا عن اراضيهم التاريخية في الشمال التي قطنوها منذ الاف السنين بسبب صراع الاكراد والسلطات في بغداد خلال حقبة زمنية طويلة، اذ ان اغلبية المعارك والصدامات كانت تدور على اراضي ابناء شعبنا التي كانت فاصلاً ما بين الاكراد في اقصى الشمال والناطقين بالعربية (العرب).
ومن المهم ان نذكر أيضاً ان ما سيعيق تنفيذ مشروع اعادة الحق الى اصحابة، ان الاف الاكراد بعضهم من اصول ايرانية وتركية قد استطونوا فعلا في قرى وبلدات السريان الكلدان الآشوريين، وخاصة في مدينة دهوك وضواحي مدينة اربيل، مثلما استطونت بعض القبائل العربية في عدة مناطق كردية في كركوك!؟ وهؤلاء (اي العرب) فانهم (سرعان ما تناقلت وسائل الاعلام اخبار سقوط الطاغية صدام) قاموا بالهرب واخلوا العديد من القرى الكردية بسبب الخوف من انتقام الاكراد، لأنهم اليوم "اي الاكراد" قوة يحسب حسابها! اما ما يخص القرى السريانية الكلدانية الآشورية فامنيتنا هي ان يحس الاكراد بشعورنا ويقومون بدورهم باخلاء قرانا من تلقاء ذاتهم احتراما لذاتهم الكردية ولأجل ان يتضامن معهم الاخرين بخصوص حقوقهم ومعاناتهم! وان لم يفعلوا ذلك، نقول اننا بلا حيل ولا قوة، ولكننا سنحاول تعرية كل التجاوزات التي تعرض لها ابناء شعبنا ولكن بالوسائل السلمية والشرعية مستفيدين من تحول العالم الى قرية صغيرة، يسمع فيها انين واهات المغلوبين والمظلومين!؟ ولكن علينا الاقرار ان عمليات الاستيلاء والطرد والفتك والتكريد التي لحقت بمناطق السريان الكلدان الآشوريين وقعت في ظروف استثنائية مر بها الوطن العراقي خلال ما يقارب القرن، أي منذ التطهير العرقي الذي تعرض له الاشوريون الكلدان السريان في عام 1915، ومذابح سميل عام 1933، مرورا بالتمرد الكردي ضد سلطات بغداد (1961) وانتهائا بحرب الخليج الثانية (1990). هذا ومن المفترض والمتوقع زوال هذه الظروف التي اخلت بالامن والاستقرار والخارطة الاثنية واللغوية، مع زوال نظام صدام والى الابد!
اكراد العراق هم اليوم امام امتحان جديد، صعب وعسير، نتائجه سوف تدل اذا كان الاكراد ماضين في نهجهم القديم في محاولة الغاء الوجود السرياني مستغلين عامل الدين لصالحهم وضعف قبضة السطات المركزية، ام انهم سوف يفتحون صفحة جديدة وعلاقات اخوية وسلمية يبرهنون فيها ان الضحية لا يمكن ان تتحول الى جلاد وذلك من خلال دعم مشروع اعادة قرى واملاك السريان الآشوريين الكلدان في شمال العراق الى أصحابها الشرعيين، وأيضاً التوقف عن الاساءة الى مشاعرنا والغاء هويتنا باطلاقهم علينا تسمية (الاكراد المسيحيين او الكردستانيون)، تقليدا لسلوك الاتراك تجاههم (سياسة التتريك) الذين سموا الاكراد بـ (اتراك الجبال) تمهيدا لالغاء الهوية الكردية. والأهم من كل هذا على قادة الاكراد انفسهم ان يساهموا بحل مشكلة التجاوزات على ارواح وممتلكات الكلدان الاشوريين السريان.
الشعب العراقي بكل مكوناته واطيافه الذي تعرض للفتك والظلم والتهجير، بحاجة الى تقيم المرحلة الماضية بهدوء وتأن بعيدا عن التشنج والتطرف وكل اساليب العنف، والاهم من هذا وضع الايديولوجيات والتنظيرات السياسية جانبا، والنظر الى الانسان العراقي كقيمة لا يضاهيها اية فكرة سياسية او ايدلوجية او عرقية، اية كانت. اعادة كتابة تاريخ العراق بشكل اكاديمي سليم وبنظرة علمية محايدة بعد ان تعرض الى تشويه وتزوير من قبل الطرفين العروبي والكردي، وتغيير المناهج الدراسية الرسمية في العراق باتجاه التعددية الدينية والقومية مع العلم ان العراق لا يتكون من العرب والاكراد فقط، وبالتالي التأكيد على أهمية تصحيح الدستور العراقي الحالي لينص على ان تركيبة الشعب العراقي تتألف من العرب والاكراد وأيضاً السريان والتركمان واليزيد ... هذا الخطوات والاصلاحات ستبقى من الضرورات المستعجلة والملحة في المرحلة المقبلة. لا سيما ان أبناء العراق تواقون الى الديمقراطية التي تعني تقبل العراقي لأخية العراقي كمبدا انساني اولي قبل كل شيء...