عمر بن أعمارة
الحوار المتمدن-العدد: 6595 - 2020 / 6 / 17 - 01:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في إحدى الجزر النائية أنشأت مجموعة من الفراشات مملكتها الخاصة بعيدا عن صخب وضجيج الحضارة البشرية. هكذا عاشت حياتها اليومية مستقرة وبشكل طبيعي دون أي تأثيرات خارجية وبعيدة عن أي أحداث تغير من طبائعها وعاداتها. ذات زمان وفي إحدى الليالي المظلمة والكل معتكف في أشغاله الروتينية اليومية فإذا بنور قوي آت من بعيد يخترق سماء المملكة وينتشر في كل أنحاءها ويضيء كل أركانها. لحظتها خرج الملك وحاشيته إلى ساحة الشرف فأعلن حالة طوارئ قصوى ودعا إلى مؤتمر استثنائي مع استدعاء جميع أفراد المملكة دون استثناء إلى جمع عام جماهيري، وهكذا لب الجميع الدعوة في أسرع وقت، وعقد الجمع تحت قيادة وشرف الملك وكانت النقطة الوحيدة المدرجة في جدول الأعمال هي: "معرفة طبيعة ذلك النور الذي عمّ المملكة وكذلك مصدره" وبعد أن أخذ الملك الكلمة راح يخطب قائلا:"إن هذا النور الذي حل فجأة بمملكتنا هو أمر طارئ وهو ليس مما هو متعود عليه ولا هو من المعروف في تاريخ المملكة بل هو من اللامفكر فيه، إذن الأمر ليس من الطبيعي ولا الهين، فلابد لنا من معرفة ماهية هذا النور ومصدره ومن يقف من ورائه، لابد لنا من معرفة هل هو من المادة أو الطاقة ؟ هل هو طبيعي أم مصطنع ؟ هل هو من الشمس أو من النار أو من الكهرباء ؟ أو حتى من أشياء غير ذلك ؟".
وبعد أن فتح المجال للنقاشات المستفيضة والمطولة والأخذ والرد واستعراض جميع الآراء والحجج لم تتوصل الفراشات إلى أي حقيقة أو رأي متفق عليه ومقنع للجميع، إذ تضاربت الآراء حول الطبيعة والمصدر. فقام الملك وخطب في الجمع قائلا: "بعد كل هذه النقاشات المستفيضة والديمقراطية مع الأسف لم نتوصل إلى أي نتيجة مرضية ومقنعة للجميع والأمر هنا لا يتطلب التصويت والاحتكام إلى الأغلبية نظرا لطبيعة الحدث وخصوصيته الاستثنائية وماله من علاقة بوجودنا وطبيعتنا كفراشات، إذن الحل الوحيد هو أن نتوقف عن هذه النقاشات فلم يعد لنا متسع من الوقت لمثل هذا الجدل ولنبحث عمن يتطوع منا ويذهب ليأتينا بالحقيقة من عينها ؟".وبعد صمت رهيب عم أرجاء الساحة وقفت إحدى الفراشات منتصبة وقالت:" سيدي الملك، أيها الحضور الكريم، أنا من سيتطوع للذهاب من أجل معرفة الحقيقة".هكذا وافق الملك على اقتراح الفراشة وكلفها بالمهمة. وبعد وقت وجيز غادرت المملكة وراحت تطير في اتجاه مصدر النور القادم من بعيد مقتفية أثره ومكانه. وبقي الآخرون بما فيهم الملك في انتظار الفراشة وما ستأتي به من حقائق، لكن مر وقت طويل دون أن يظهر أي أثر للفراشة ودون أن يندثر وينسحب ذلك النور من سماء المملكة، وقتها قام الملك وخطب في الجمع قائلا: “تلك الفراشة لم تعد لأنها علمت بالحقيقة ولتفضوا هذا الجمع”.
أتساءل فقط : إذا كان الأمر كذلك فأي حقيقة علمتها الفراشة ؟
#عمر_بن_أعمارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟