بسام العيسمي
الحوار المتمدن-العدد: 1589 - 2006 / 6 / 22 - 09:19
المحور:
المجتمع المدني
الجزء الرابع
الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا
معوقاتها .........وشروط الانتقال إليها
الديمقراطية هي حكم الأغلبية . هي تحكيم لغة العقل، باعتماد الوسائل السلمية ،التي تمكّن أي فرد أوجماعة أو حزب الوصول
إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع، بمنافسة سليمة، تستند لحق الشعب في اختيار ممثليه، ، فالحق له وحده بالفصل بين الآراء المختلفة، والبرامج المتنوعة، للقوى والأحزاب السياسية، التي تتسابق لكسب وده وثقته بالتعبير عن همومه وأوجاعه وآماله وطموحاته وتطلعاته كمعبر وحيد للوصول إلى الحكم حتى يتسنّى لها تطبيق خططها وبرامجها ومبادئها على أرض الواقع، دون أن تعطى الحق وهي على سدة الحكم من تصفية الأقلية ومحاصرتها 0
فأغلبية اليوم قد تصبح غداً أقلية 0 وأقلية اليوم قد تصبح أكثرية 0000 وهذا متوقف على مدى نجاحها في التسويق لبرامجها وخططها في كسب ثقة الشعب 0 والذي يترافق مع فشل الأكثرية الحاكمة في التطبيق العملي لبرامجها على أرض الواقع كلاً أو جزءً وإخفاقها في انجاز ما وعدت به جموع الناخبين 0
فالديمقراطية لن تقف عند حدود الانتخابات والفوز بالحكم , وادّعاء من وصل أنّه يمثّل غالبية الشعب , والحقيقة المطلقة 0 ليعطي لنفسه الحق بقلب الطاولة , وملاحقة معارضيه ,وتصفية خصومه السياسيّين , أو من يختلف معه , والإجهاز على برامجهم ,وحملهم على التسليم القسري والإذعاني لصالحه.
أن هذا يشكل أبشع استغلال للديمقراطية كوسيلة للوصول إلى الحكم , والبقاء على العرش إلى الأبد من خلال تصفية القوى الأخرى , أو الأقلية مما يقود هذا إلى أسوء أنواع الديكتاتوريات 0
فالأكثرية قادرةً على الاستبداد والظلم للأكثرية نفسها 0 فمفهوم الأكثرية والأقلية هو مفهوم نسبي غير ثابت , متغير في كل لحظة، ومتبدل بحسب معطيات الزمان والمكان , وفاعلية القوى المختلفة نجاحاً وإخفاقاً 0
والديمقراطية توفر المناخ السلمي والهادئ لتصارع الأفكار والرؤى والتصورات وتلاقحها عبر إ علاء قيمة الحوار ،والتعبير الحر عن الرأي والعقيدة وتمّتع الجميع بالمساواة الحقيقية والقانونية في الحقوق والواجبات بمعيار المواطنة فقط 0بغض النظر عن اللون أو الجنس،أو الرأي السياسي،أو الأصل القومي أواللغة،أوالدين،أو الثروة أو النسب.
وتحفظ الأمن الشخصي للأفراد،وتحميهم من العسف والاستبداد والعنف والملاحقة،بسبب آرائهم،أو معتقداتهم،أو لأي سبب آخر يهدد حقهم في الحياة الهادئة والكريمة، ويصادر إرادة الفكر لديهم وحرية الاعتقاد.
فالمواطنة هي الوعاء المجتمعي،والأساس في التساوي بين الجميع .
و تضمن للأفراد التساوي في الحقوق والواجبات وتشيع مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع بغض النظر عن أيّة رابطة أخرى .
وهذا يقودنا(( إلى العلاقة بين الديمقراطية و المواطنة .وعلاقة المواطنة بالعلمانية والتي سنأتي عليها في الأجزاء القادمة لهذه الدراسة)) وهي شرط لازم للديمقراطية وركيزة أساسية من ركائز الدولة الحديثة التي تنظر الى الفرد ككينونة مستقلة حرة وأصيلة تحفظ له جميع الحريات المدنية والسياسية وفق شرعة حقوق الانسان والمواثيق الدولية .
فالمواطنة يكسبها الفرد ليس بحكم الطائفة أو المذهب وإنما بحكم رابطة الهوية المواطنية التي تستوعب الجميع وتشكل أساس الانتماء الوطني الجامع لكل أبناء الوطن الناتج عن انحلال الانتماءات والبنى العشائرية والقبلية والطائفية ,وكل الاستقطابات قبل المدنية,لصالح رابطة المواطنة بتكوّن اندماجي جديد يكون أساساً وحاملاً لمجتمع مدني قوي ناضج و واعي , يندفع الفرد فيه لتحمّل المسؤولية 0 وتتطوّر مساهمته السياسية ,ويشعر بمساواته الفعلية والقانونية مع الآخرين.وبأنه حراً وسيداً،يستطيع أن يكون مشاركاً حقيقياً في رسم سياسة بلده من خلال قدرته بالإطار الفردي والجماعي على المناقشة والحوار وإبداء الرأي واقتراح الحلول والمشاركة السياسية مع أصحاب القرار ، ودخول معترك الصراع للدفاع عن رؤاه وتصوراته ومصالحه في إطار مجتمع يقر بالتعددية التي هي غنىً للمجتمع وقوة له .فالقوة ليست بالتماثل والتطابق الكامل الوهمي وإنما بالتعدد والتنوع الثريّ للمصالح والميول والرغبات والأفكار ، التي تتصارع في ما بينها عبر الحوامل الديمقراطية السلمية للوصول إلى حالة توافقية ترتكز على نقطة وسطية تشكل إطارا لبرنامج الحد الأدنى الذي يرضي الجميع، ويحقق مصلحة جموع الشعب ويحفظ الوطن .
وتبعدنا عن الدخول في صراع تناحري عنفي غير متكافئ تفرضه الطبقة المتسيدة والمستبدة وتنتصر لمصالحها دون اعتبار لمصالح الآخرين .
والديمقراطية تعني حيادية الدولة كحقل سيادي يحقق الإجماع العام وتفترض تأمين التنافس الحر للفعل السياسي وشرعنته من خلال تشكّل وتشكيل أحزاب سياسية على أساس برامج مدنية و اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية على مساحة الوطن وتعبّر عن الحالة المواطنية للجميع . غير مؤسسة على برامج عرقية أو دينية أو طائفية أو قومية لا تعبّر عن المصالح الحقيقية للشعب كل الشعب حتى لا تكون انتصارا لفئة دون غيرها.وهذا يستدعي العلمانية شرطاً لّازماً للديمقراطية يضاف لشرط المواطنة واللذين يتحدد بهما المفهوم السياسي للأكثرية والأقلية.
فالنظر إلى مفهوم الأقلية والأكثرية بغير المنظور السياسي نكون أمام أغلبية وأقلية مشوهة لاتعبرعن مصالح الجميع ، وتقودنا إلى حالة طغيان لفئة ضدّ أخرى.ونكون في دولة تغيب عنها الحقوق، وتقل فيها الضمانات، وتنتهك في ظلها الحرمات .
وهذا لا يعني التنكّر للحقوق الخاصة للأفراد والجماعات بحكم انتماءاتهم المختلفة من أثنية عرقية وقومية ودينية، بل يجب الحفاظ على مورثوهم الثقافي أو الديني أو القومي ، بإطار احترام التنوع والإقرار بحرية المعتقد وكل الحقوق الأخرى المستمدّة من شرعة حقوق الإنسان
فالمشاركة سياسية التي تستند إلى رابطة المواطنة فقط تنصهر فيها كل التشكيلات المجتمعية وتدخل بوابتها لتشكل هوية الوطن.وتجسد مدنية الدولة
فالمواطنة محايدة تماماً كما الدولة يكسبها الشخص ليس بحكم الطائفة أوالمذهب، وإنما بحكم الهوية ورابطة المواطنة التي تستوعب الجميع مما يقودنا ذلك إلى إن الديمقراطية تقتضي أيضاً الفصل بين الدين والدولة.
وفي ظل الديمقراطية يكون الفعل السياسي تنافسياً،يسمح لكل جماعة أو حزب من اختيار برامجه وأهدافه وتحديد قناعاته وطروحاته، ويمتلك الضمانات والتسهيلات والفرص المتساوية 0مع غيره من الأحزاب على قدم المساواة إن كانت في السلطة أو خارجها للدخول في منافسة شريفة ومتكافئة للفوز بثقة الشعب الذي يحق له اختيار حكامه المنتخبين، واستبدالهم بآخرين كي لا تتحول النخبة الحاكمة إلى فئة متسلطة تمارس سلطتها وفق مصالحتها الخاصة،وتنفرد بالقرار،وتفرض على القوى والأحزاب الأخرى الهيمنة والتبعية الذليلية وفق ذهنية تسلطية لاتقبل الاختلاف والتنوع 0
والديمقراطية تعني أيضاً فصل السلطات وعدم تغوّل إحداها على الأخرى .
وتتطلب أيضاً مؤسسات دستورية حقيقية لاصورية قادرة على صون الحقوق والحريات العامة .ونقابات حرة تعبّر عن آمال وطموحات وأوجاع من تمثلهم وتدافع عن مصالحهم .
والديمقراطية تعني إعلاماً حراً، وصحافة حرة،لتأخذ الكلمة دورها ومسؤوليتها في نقد السلبيات،والإشارة إلى مكامن الضعف والخلل والخطأ والفساد والتعثّر ، وتبيّن المقترحات لتجاوز كل ذلك من خلال خلق ثقافة مجتمعية رافضة لكل هذه الأمراض الاجتماعية والمجتمعية والانحرافات الأخرى.
ولكن هل الديمقراطية هي فقط صندوق اقتراع وانتخابات نزيهة ؟
هل هي حكم الأغلبية والتداول السلمي للسلطة؟
بمعنى هل هي مجرد آلية انتخابية أو نظاماُ للحكم يقوم على القوانين فقط؟
أم إنها ممارسة فعلية ومتدرجة ترتكز على ثقافة سياسية وديمقراطية لترسخ في العقول أولاً؟
فهل يمكن أن نكون ديمقراطيين بحكم الآلية الديمقراطية دون أن نحمل ثقافة ديمقراطية؟
هل الديمقراطية بداية أم نهاية ؟ وهل تحمل الخصوصية بحكم ولادتها ونشأتها في العالم الرأسمالي الغربي ؟
أم هي عالمية ومنتجاً إنسانياً يخترق الحدود والحواجز والجغرافية ؟
سنتطرق لكل ذلك في الأجزاء القادمة 0 ..........يتبع
في 20/6/2006
المحامي
بسام العيسمي
#بسام_العيسمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟