قضايا عمالية
خطة الاشفاء الاقتصادية التي اقرتها الحكومة مطلع نيسان (ابريل)، ادت لمواجهة مع الهستدروت. النقطة التي شكلت لب الصراع كانت نية وزير المالية، بنيامين نتانياهو، سن قوانين تلغي اتفاقات العمل والتزامات الحكومة تجاه العمال في حالة فشل المفاوضات مع الهستدروت. كما تقضي الخطة بفصل آلاف الموظفين من القطاع العام، وتقليص اجورهم حتى نسبة 20%، وافساح الحرية للادارات بنقل عمال ومستخدمين من وظيفة لوظيفة دون اللجوء للجنة العاملين.
اعلان نتانياهو بانه سيمضي في تنفيذ خطته حتى النهاية، كان مثابة اعلان حرب على الهستدروت. تمرير الخطة يعني فقدان الهستدروت دورها المنظم لعلاقات العمل، ومنح الحكومة حرية فرض قراراتها دون الحاجة للمفاوضات مع الموظفين وممثليهم. ويشير هذا الى ان اسرائيل تسير باتجاه القضاء على دولة الرفاه.
يشار الى ان الحكومة اقرت خطة الاشفاء الجديدة باغلبية كبيرة (21 وزيرا من اصل 23). المحلل ناحوم برنيع كتب في "يديعوت احرونوت" (28 آذار) ان هذه الحكومة هي اقل الحكومات الاسرائيلية التزاما بالاهداف الاجتماعية: "الحكومة تتحدث باسم مصلحة الاغنياء واصحاب الشركات".
على حافة مخالفة القانون
خطة نتانياهو تعتبر سابقة لم تلجأ اليها اية حكومة في الماضي. ويشار الى ان اي قرار حكومي لا يدخل حيز التنفيذ قبل اقراره في الكنيست بالقراءات الثلاث. وحتى بعد اقراره بالاغلبية في الكنيست، يكون من حق اي عضو كنيست تقديم التماس للمحكمة العليا ضد القانون، الامر الذي يفسر حرص الحكومة على اسناد قراراتها لارض دستورية متينة خشية فشلها في الكنيست او في المحكمة العليا.
وبالفعل، فقد اصدر المستشار القانوني للحكومة، الياكيم روبنشتاين، توصية للحكومة بضرورة التفاوض مع الهستدروت خشية فشل القانون في المحكمة العليا. المستشارة القضائية للكنيست، انا شنايدر، اعربت ايضا عن تحفظها جراء الاجراءات المتسرعة التي اعلنتها الحكومة، واوصت بقيام الكنيست بنقاش طويل وتفصيلي قبل اقرار خطة خطيرة من هذا القبيل.
مؤسسة التأمين الوطني اصدرت بيانا رسميا ضد الخطة الحكومية، واتهمت المالية بالاضرار تحديدا بالقطاعات الفقيرة. حسب بيان التأمين الوطني، فان 74% من التقليصات في الميزانية ستأتي على حساب الشرائح الدنيا، بينما سيأتي 4% فقط من التقليص على حساب الشريحتين الاعلى.
مركز "ادفا" للابحاث الاجتماعية كشف ان الخطة ستضرب العائلة الاسرائيلية العادية من الشريحة المتوسطة من كل النواحي: الاجور، الحق بالعمل، التقاعد، تعليم الاطفال وعلاج كبار السن.
الهستدروت تحارب على وجودها
في مواجهة الخطة الحكومية، اعلنت الهستدروت عن نزاع عمل عام في كل مرافق الاقتصاد، وكان المفروض ان يصل للاضراب العام. حول تقييم خطورة الموضوع بالنسبة للهستدروت كتب عوديد شالوم ودافيد ريغف في "يديعوت احرونوت" (4 نيسان): "الهستدروت امام معركة حاسمة: ضرب مكانة العامل الثابت وزعزعة مكانة لجان العمال والنقابات يضعان الهستدروت في خطر كبير. دون هذين الامرين لن يعود للهستدروت سبب للوجود".
ولكن رغم تحديد يوم الاربعاء 9 نيسان كيوم الاضراب العام، فقد تراجعت الهستدروت في اللحظة الاخيرة عن برنامجها، ودخلت في مفاوضات تفصيلية مع وزارة المالية. كيف تم التراجع المفاجئ، ولماذا اعلن الاضراب العام اصلا؟
احدى النقاط التي تؤثر كثيرا على الطريقة التي تتصرف بها الهستدروت، هي دور اللجان العمالية الكبيرة داخلها. رئيس المعارضة في الهستدروت من حزب العمل، بيني كابالو، وصف الموضوع بالكلمات التالية (يديعوت، 4 نيسان): "اكبر اللجان العمالية في اسرائيل موجودة في شركة الكهرباء والهواتف "بيزك" والماء "مكوروت" والموانئ والمطارات. وتدافع هذه اللجان عن الاجور المرتفعة لعمالها وعن امتيازاتهم الاخرى. وبالمقابل يفتقر عمال القطاعات الضعيفة، مثل السلطات المحلية او صناعات النسيج او المعادن، لحماية الهستدروت. رسميا، الهستدروت تمثل جميع العمال، ولكنها في الواقع لم تقم باية خطوة للدفاع عنهم".
المحلل الاقتصادي في هآرتس، نحيميا شترسلر، كتب ايضا في هذا الاتجاه (10 نيسان): "اذا كان الحديث يدور عن ضرب مخصصات العاطلين عن العمل، او مخصصات الاطفال وكبار السن فقط، فلا اعتقد اننا كنا سنسمع التهديدات باعلان الاضراب العام الاكبر في تاريخ الدولة. السبب لوقفة الهستدروت هذه المرة، هو محاولة وزارة المالية الحاق ضربة كبيرة بمستخدمي القطاع العام. لهذا السبب اعلنت الهستدروت ولجانها الكبيرة الحرب. الحديث يدور هذه المرة حول جيوبهم الخاصة".
ضعف الهستدروت المعنوي، وتحولها لجهاز يدافع فقط عن اصحاب الاجور المرتفعة، انعكس بشكل مباشر في عدد اعضاء الهستدروت. حسب احصائيات الهستدروت، هناك اليوم 700 الف عضو فيها، في حين بلغ قبل عشر سنوات مليون و700 الف عضو. وقد تم تقليص عدد المستخدمين في جهاز الهستدروت من 3.100 موظف الى 1.100، الامر الذي خلق ازمة داخلية في الهستدروت.
رئيس لجنة العاملين في الهستدروت، حاييم حليفا، قال في مقابلة صحافية (يديعوت، 4 نيسان): "رئيس الهستدروت، عمير بيرتس، يهاجم نتانياهو بشدة لكنه يتصرف مع مستخدمي الهستدروت بنفس الطريقة". وقد وصلت الازمة الداخلية مؤخرا الى اروقة المحكمة التي امرت ادارة الهستدروت بالتفاوض مع العمال.
على وشك الافلاس
تقرير مدقق الحسابات التابع للهستدروت، سواري، يشير الى عجز في ميزانية الهستدروت قيمته 1.4 مليار شيكل، اضافة الى ديون قيمتها 350 مليون شيكل. "امكانية الاستدانة من البنوك استنفذت نفسها... اذا لم يتم اتخاذ اجراءات صارمة ستصل الهستدروت قريبا الى الافلاس، ولن تتمكن من دفع اجور مستخدميها." (يديعوت، 4 نيسان).
وما يزيد التذمر من تصرف ادارة الهستدروت، الاجور المرتفعة التي تدفعها للموظفين الكبار في الجهاز النقابي. اذ يبلغ معدل الاجور في الهستدروت هو 19 الف شيكل شهريا، ويفوق هذا معدل اجور موظفي شركة الكهرباء الذين يحصلون على المعاشات الاعلى في القطاع العام. كما يشكو موظفو الهستدروت من تعيين موظفين جدد غير اكفاء وباجور مرتفعة، بدل الموظفين القدماء الذين تم فصلهم بحجة التقليصات.
مع الخصخصة
احدى الاشارات لمحدودية معركة الهستدروت الحالية، هو سكوتها المستمر على خصخصة الاقتصاد الاسرائيلي، وتعاونها خلال عقد من الزمان مع الحكومات المتعاقبة، طالما كان مكانها مضمونا.
مبادرة بيرتس لتشكيل حزب خاص بالهستدروت، وخوض الانتخابات البرلمانية في عامي 1999 و2003 على رأس قائمة عام احاد (شعب واحد)، جاءت لتستبق محاولات الحكومة خصخصة الشركات الحكومية الكبرى. فقد سعت الهستدروت لبناء نفوذ سياسي ودخول الائتلاف الحكومي، حتى تتمكن من ضمان مراكز قوتها في هذه الشركات.
مقابل الحصول على مواقع التأثير في الشركات الكبرى، سكتت الهستدروت على ضرب عمال البناء العرب. كما انها لم تقم بخطوة حقيقية ضد سياسة الاغلاق التي فرضت على عمال المناطق الفلسطينية منذ عام 1993. دخول مئات آلاف العمال الاجانب الى اسرائيل، الذي كان النتيجة الطبيعية للاغلاق، ضرب عرض الحائط بالعمل المنظم وبالاتفاقات الجماعية التي توصلت اليها الهستدروت نفسها. والانكى من ذلك ان الهستدروت تحولت لشريكة في استغلال العمال الاجانب عندما توصلت لاتفاق بشأنهم مع شركات القوى البشرية، يمكن الهستدروت من جباية رسوم العضوية من العمال الاجانب، الامر الذي الشرعية لظاهرة العمل غير المنظم الاقرب للعبودية.
الهستدروت لا تحارب اليوم لحماية مصالح الطبقة العاملة عموما، بل لضمان مصلحة ضيقة لشريحة متفوقة من الموظفين والمستخدمين في جهاز الدولة. الحكومة ووزارة المالية تدركان ماهية موقف الهستدروت، ولكن رغم النية لتغيير قوانين اللعبة الاقتصادية في اسرائيل، الا ان الهستدروت بتركيبتها الحالية واستعدادها للحفاظ على علاقات عمل هادئة، تعتبر عاملا هاما في استقرار السوق الاسرائيلية.
لا شك ان خطة اقتصادية صارمة كتلك التي يقترحها نتانياهو، تخلق احتكاكا مع الهستدروت، الا ان احدا ليس معنيا بكسر كل قوانين اللعبة والقضاء نهائيا على دور الهستدروت. في نهاية المطاف الحكومة والهستدروت تتحدثان بنفس اللغة، وهي لغة الحفاظ على امتيازات شريحة ضيقة على حساب الاغلبية الساحقة من العمال.
صفقة بين اسرائيل وتركيا:
عمال اجانب للبناء مقابل تحسين الدبابات التركية
افادت صحيفة "هآرتس" (11 نيسان) بان 800 عامل بناء سيصلون قريبا للبلاد من تركيا. الصفقة التي أُبرمت بين الحكومتين الاسرائيلية والتركية، تنص على حصول الصناعات العسكرية الاسرائيلية على عقد بتحسين وترميم 170 دبابة من نوع "باتون" التابعة للجيش التركي بمبلغ قيمته 687 مليون دولار خلال خمس سنوات. بالمقابل، ستسمح اسرائيل لعمال اتراك بالعمل فيها وسيأتي العمال الاتراك من خلال شركة تركية اسمها "يلمازلر"، وذلك دون رقابة وخارج اطار التصاريح التي تمنحها مصلحة الاستخدام لتشغيل العمال الاجانب.
تكشف الصفقة من جديد كذب ادعاءات الحكومة بانها تنوي خفض عدد العمال الاجانب وافساح المجال لعودة العاطلين عن العمل المحليين لورشات العمل، وتؤكد على ان سلم اولويات الحكومة يحدده اللوبي القوي لاتحاد المقاولين من جهة والصناعات العسكرية من جهة اخرى.
***********
الصبار