|
شيعي، شيوعي، شرگاوي: الغريزة الدينية واقنعة الحداثة!
سليم مطر
الحوار المتمدن-العدد: 6592 - 2020 / 6 / 13 - 18:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان القول بوجود (حاجة غريزية لدى البشر الى المقدس الديني، رغم الحداثة والعلم) اصبحت معروفة ومبحوثة في اوربا وامريكا منذ سنوات عديدة. (1) وانا اعيش في اوربا اشاهدها واكتشفها لدى الاوربين ثقافة وسلوكا، شعوبا ونخبا. لكن كل مجتمع مهما كان حداثيا وحتى ملحدا، فان يُعبّر عن هذه(الغريزة الدينية والحاجة الى التقديس) حسب ثقافته وتراثة وديانته الاصلية. وقد تجلى(المقدس) لدى الجماعات الحداثية وغير الدينية بأسم (العقائد الفلسفية والحزبية: شيوعية، اشتراكية، ليبرالية، قومية..). مثلا(نظرية دارون عن الأصل القردي للانسان)، رغم انها(نظرية، أي فرضية لم تثبت بعد)، إلا انها اصبحت (مقدسة) وحلّت محل (قدسية قصة آدم وحواء). كذلك فكرة(الله خالق كل شيء) استبدلت بـ(الطبيعة والصدفة خالقة كل شيء). وفكرة(الكافر الزنديق) استبدلت بـ(الرجعي المتخلف).. وفكرة(العقاب والثواب والجنة الموعودة) استبدلت بـ (حلم المجتمع الفاضل، الشيوعي او الليبرالي، حيث السلام والعدالة والمحبة، حتى مطلع الفجر..)!
يكفينا معاينة طروحات(اللادينيين والملحدين) كي نكتشف انهم لا يختلفون عن(المتعصبين الدينيين) بـ(تقديسهم) لافكار ومقولات لا تقبل الجدل او التشكيك، وكل من يعارضها هو(رجعي متخلف، أي كافر زنديق)!
مثال العراق مع الشيوعيين والماركسيين
لو بحثنا عن هذه الحالة في العراق الحديث، واخذنا مثال(الشيوعيين والماركسين) الذين اعرفهم انا جيدا لأني كنت منهم في شبابي الاول، لوجدنا امثلة لا تحصى عن هذه (المقدسات الدينية التي تنكرت بثياب الحداثة). كان (الحزب الشيوعي العراقي) وما يحيط به من(جماعات ماركسية)، حتى اعوام الثمانينات من القرن الماضي اكبر احزاب العراق بل حتى الشرق الاوسط ومسيطر على 70% من المثقفين والنخب العراقية. وكان غالبية اعضائه وانصاره من الشيعة، ثم اقل بكثير بين الاكراد، اما مناطق السنّة فكانت بغالبيتها تناصر البعث والعروبيين. لهذا قد انتشرت حينها عبارة طريفة:(شين اس ثلاثة) أي:(شيعي، شيوعي، شرگاوي: شرق العراق، أي اهل الجنوب)!(2)
إذن الحزب الشيوعي، دون قصد، قد ورث من مجتمعه الغالب الكثير من(المقدسات الشيعية) ولكنه البسها (ثيابا شيوعية) انيقة مع مكياج فلسفي ماركسي ورطانة روسية واوربية. هاكم بعض الامثلة:
ـ مثلما الشيعة لهم (ائمة، جميعهم شهداء!) كذلك اصبح للشيوعية (شهدائهم الابرار) وعلى رأسهم (مؤسس الطائفة الشهيد الرفيق فهد: وهو مسيحي عراقي). وكان شعارنا المقدس(الشيوعية اعلى من اعواد المشانق)! ـ مثلما الشيعة يقدسون(السيد العلوي) فان جماعتنا قد اختاروا تقديس(العامل البرولتاري)، وكأننا بصورة لا واعية نقول(هذا عامل يشور ـ أي يعاقب) ونكاد (نبوس ايده)، واذا كان(عامل صناعي) فانه اشبه بـ(السيد الموسوي الاصلي)! ـ مثل أي(دين) في التاريخ، لا بد ان يكون هناك(دين) ينافسه ويعاديه. أما اعداء الشيوعييين فهم(اتباع الله وجميع الاديان). حتى الآن اذا اقسمت بـ (الله) امام أي شيوعي وماركسي، فأنه يكش ويهز ويفز وكأنك اقسمت بأوثان(اللات وعزة وهُبل) امام مسلم! ـ بما ان (شيعة العراق) يفضلون عموما ان يكون(مرجعهم الاعلى) من خارج مجتمعهم، فان الشيوعيين(الشيعة) كذلك قد اختاروا دائما مراجعهم من(اكراد العراق)، وفي تلك الاعوام كان(آية الله ابو سعود: كاكا عزيز محمد) هو مرجعنا الاعلى، وكنا مبهورين خصوصا بابتسامته السينمائية وشعره المصبوغ بالحنة. وبلغ تقديسنا له الى حد اننا إرتضينا بـ(فتواه القدسية) بتسليم حزبنا كله وبتاريخه وجماهيره الساحقة ووو الى (مرجعه الاعلى منه)، أي (روح الله كاكا مسعود البرزاني) الذي لا زال حتى الآن هو (مرجع الحزب المقدس) وينوب عنه في بغداد(آية الله كاكا فخري كريم زنكنة). ولهذا فأن جميع الشيوعيين والماركسيين حتى الآن مهما تناقروا وتكافشوا بينهم، يتفقون على تقديس (الفتوى الدولارية) التي اطلقتها(مراجعهم البرزانية والطلبانية العليا) بقدسية(حق تقرير المصير والانفصال الكردي عن العراق)! ـ طبعا كان للشيوعيين ايضا (طائفة سنية) يخاصمونها ويرمون عليها كل مشاكل الكون، الا وهي(طائفة البعث الاموي) المنحرفة عن (الدين القويم). وقد حلّ(صدام حسين) محل(معاوية بن ابو سفيان)، اما(عدي صدام) فكان هو(يزيد بن معاوية)! (والطريف ان الاحزاب الشيعية اقتبست هذا فيما بعد من الشيوعية ولا زالت حتى الآن تعتبر ـ البعث ـ أموي !). ـ مثلما الشيعة، رغم كل العتبات الشيعية المقدسة التي تملأ العراق، فانهم يفضلون زيارة(الامام الرضا) في ايران، ويطلقون على من يزوره لقب(زاير)! كذلك(طائفة الشيوعية) يقدسون(زيارة موسكو). والذي يرجع منها بعد (الزيارة)، سبحان الله، تظهر على محياه(علامات الايمان الماركسي) فيبدو اشقرا بعيون خضراء! ـ مثلما الشيعة يقدسون(تربة كربلاء) ويصلون عليها، فأن الشيوعية يقدسون(خمرة روسيا: الفودكا) التي يعتبرونها(المياه الشيوعية المقدسة) التي تُطهّر الروح من (دنس الاديان)! ولهذا فان الشيوعي الذي لا يشرب الكحول وخصوصا الفودكا، فانه يبقى مشكوكا بـ(نقائه الايماني) الى حد تعرضه للتهمة التكفيرية الخطيرة جدا:( لا زال ملوثا ببقايا التخلف الديني)!
اخيرا اختتم موضوعي بهذه النكتة العراقية الشيوعية جدا: عراقيان اتفقا على ان يتخليا عن الدين و(يعتنقا الالحاد). لهذا قررا منذ تلك اللحظة ان يتجنبا تماما لفظ اسم(الله). بعد ايام التقيا، واثناء الحديث قال احدهم: ـ والله العظيم.. فاوقفه الآخر محتجا: ـ يا اخي، انت نسيت اتفاقنا بأن نترك هذا الاسم الى الابد! ـ اووووو..ـه.. استغفر الله ، نسيت! ـــــــــ المصادر: 1ـ عن المقدس في العصر الحديث، طالع مثلا: ـ دراسة جيدة بالعربية، عن كتاب: المقدس والمدنس/ ميرسيا الياد http://www.sooqukaz.com/index.php/%D9%81%D9%82%D9%87-%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9/%D9%85%D8%B1%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AF/%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D8%B3
Michel Carrier, Penser le sacré. Les sciences humaines et l invention du sacréـ LES ECHOS DE SAINT-MAURICE / Le "saint" et le "sacré"/ Philibert SECRETANـ -Nicolas Coutant /Modernité sacrée 2ـ عن غلبة العنصار الشيعية في الحزب الشيوعي، تطرق لهذا بالتفصيل الباحث الفلسطيني الامريكي الكبير(حنا بطاطو) في كتابه البحثي الشهير: (العراق ـ الكتاب الثاني ـ الحزب الشيوعي) ومن الامور الطريفة التي يذكرها عن التأثير (الاسلامي في الحزب الشيوعي) انه في اعوام الخمسينات كانت قيادته العليا تتكون ثلاثة شخصيات: الشيعي سلام عادل، والسني عامر عبد الله، والكردي جمال الحيدري. وهؤلاء الثلاثة ينتمون الى عوائل(سادة شرفاء)!
#سليم_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو رؤية جديدة لتاريخ الاديان: مثال المسيحية والاسلام..
-
الكورونا، المؤامرة ليست بصنع الفيروس، بل بالتهويل الاعلامي ل
...
-
ثنائية: العلمانية والدين، وثنائية: المرأة والرجل!
-
نوروز، اكيتو : عيد الربيع العراقي!
-
مكتشفات جينات الشعوب، ونهاية اوهام النقاء القومي العرقي!
-
ما هي : الهوية الوطنية العراقية؟
-
وداعا ايها الصدر!
-
لماذا الثورة الوطنية العراقية، وما هو فكرها الجديد؟!
-
جميع الامبراطوريات الايرانية، بدأت ثم انتهت في العراق!
-
العداء لامريكا ليس دليل الوطنية..بهذه الحجّة تبرر(ايران)، مث
...
-
خفايا دور اهل الجنوب وعموم شيعة العراق في هذه الثورة الكبرى!
...
-
شباب العراق، وحدهم المؤهلون لأحياء اهم مشروع تاريخي ينقص شعب
...
-
معلومات اساسية لتفهم دور الثقافة والمثقفين في الثورة المطلوب
...
-
الى جميع الحائرين والمتشككين بالثورة العراقية: ايران ؟! .. ا
...
-
من المسؤول عن تخلفنا.. الراعي ام الذئب؟!
-
الشخصية العراقية والشخصية الايرانية، العُشق الدامي!
-
أشكرك يا صديقي المسلم، لقد صالحتني مع المسيح!
-
(شبه القارة العربية)، لم يخلقها الفتح العربي الاسلامي، بل ال
...
-
تحذير الى انصار ايران في العراق!
-
من اجل تجمع عالمي اسلامي مسيحي، لتجريم الافلام الاباحية!
المزيد.....
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|