إيمان الكرد بالحرية أثبت مدى نجاحهم بممارستها وصونها من خلال الإعتراف بحقوق كافة الأقليات العرقية والطائفية المتواجدة في كردستان. فالكردستانيون الذين يعيشون في كردستان العراق واعون بأن كردستان وطنهم جميعا في إطارعراق ديمقراطي فدرالي تعددي برلماني. والكردستانيون متساوون في الحقوق والواجبات، ويشعرون بالكرامة الوطنية بالتساوي أمام القانون. فالإعتراف بحقوق الإنسان، وممارسة الحرية والديمقراطية يعني غياب العنف والتزاوج بين الحرية والقانون.
لابد من فهم الحقيقة التي مفادها أن كردستان العراق أقليم تآخي القوميات والأديان، وأن كركوك، مدينة السلام والمحبة لكل الكردستانيين والعراقيين من كرد وعرب وأقليات وليس للكرد وحدهم. وأي خلل في الديمقراطية، وفي حكم المؤسسات الدستورية والتعددية الديمقراطية يؤدي إلى إقتتال داخلي لا أول له ولا آخر. فالديمقراطية وممارسة الإرادة الحرة في حدود عدم الإعتداء على الآخرين ضمان للإستقرار والسلام والمحبة. وعلى هذا الأساس لايمكن للكردي أن يكون حرا إذا حجب الحرية عن غيره، ومن هنا فإن مقارعة الكردستانيين للظلم والإضطهاد والعدوان والإرهاب هو نضال من أجل الحرية، فلا حرية في أجواء الإرهاب أيا كان مصدر الإرهاب. الوطن لجميع الكردستانيين والعراقيين بغض النظر عن القومية والدين.
بعض القوى العربية والفارسية والتركية من علمانية وإسلامية تطلب من الأحزاب الكردستانية أن تدخل في حرب مع الأحزاب العلمانية والدينية الكردستانية الأخرى في كردستان لكي تعترف بها كأحزاب. ونحن هنا ندين بشدة أي قتال بين الفصائل الكردية والكردستانية، وأي قتال بين الفصائل الكردية والأقليات القومية. ونستنكر بشدة كل عمل إرهابي من هذا النوع سواء كان من جانب العلمانيين أو من جانب الإسلاميين. ما فائدة ان تعترف قوة أجنبية بحزب إسلامي كردستاني مثلا إذا تحول ذلك الحزب الى حزب إرهابي يقتل أخاه الكردستاني المسلم، وشقيقه الكردستاني الأيزيدي، واخاه الآشوري والتركماني والكلداني والسرياني والعربي والفارسي والتركي. هذا الحزب الإسلامي لايحتاج لإعتراف حزب يموله بالإرهاب.
ماذا يفعل الكردي بإعتراف قوة أجنبية تسلب منه حقه في الحياة والحرية ولا تعترف بحق الشعب الكردستاني فوق أرض وطنه كردستان بكل أجزائها في شمال كردستان وجنوبها وشرقها وغربها؟ ليس لك أيها الأجنبي أن تطلب من الكردستاني اي شئ قبل أن تؤكد بأنك الى جانبه أو تؤكد بأنك مع الحرية لك ولهم.
ماذا قدمت الإحزاب الإسلامية والعلمانية في الشرق الأوسط لشعوبها التي تئن تحت نير الإستعمار حتى يستفيد مثلا حزب كردستاني إسلامي من إعترافها بدفعها إلى الإرهاب؟ لا يمكن بناء البيت الإسلامي والبيت الكردستاني والبيوت العربية والفارسية والتركية بقتل المسلم للمسلم والكردستاني للكردستاني تحت شعارات قومية علمانية وأثواب إسلامية مزيفة، إلاّ بحق الجميع في التحرر والديمقراطية على قدم المساواة، عندئذ نقول عاشت الأخوة. أما أن يجعل نظام معين أو حزب معين الإسلام في خدمة القومية، وتكون القومية قوة لضرب كل من يقف في طريقها من القوميات الأخرى، فلن ينفعه ذلك الدجل حتى إذا طَوَل شيخهم لحيته مترا واحدا. فلا الأثواب تحررنا، ولا المظاهر تبهرنا، ولا التجارة بالأيديولوجيات توحدنا، ولا إستخدام الدين سلاحا للتكفير والقتل يقودنا إلى النصر. نحن نريد الحرية بعيدا عن المساومات اليسارية واليمينية والعرقية والدينية، ولن نحقق ما نصبو إليه إلاّ أن نحرر أنفسنا من الخوف وعبودية الدوكما، وننتصر أولا على الذات ، لأن أعظم منتصر هو الذي يهزم نفسه.
يجب ان يفهم الكرد بأن ممارسة الإرهاب من قبل قوى إرهابية تعمل تحت غطاء ديني في كردستان ضد الكردستانيين من مسلمين وغير مسلمين عملية لا تخدم القضية الكردية، ويجب ان لا تغر القوة هذه الجماعات الشريرة بممارسة الإرهاب. فبناء البيت الوطني لا يكون إلاّ بالإيمان بالله تعالى والعلم والعقل والممارسة الديمقراطية والسلمية.
لا ينسى الكردستانيون عمليات الأنفال الإرهابية وإستعمال الاسلحة الكيماوية التي يرددونها دائما والتي نفذها النظام العراقي العلماني بأسماء إسلامية مقتبسة من التاريخ الإسلامي، وتحت قناع الدفاع عن القضية الفلسطينية عامي 1987 – 1988 لكسب ود الفلسطينيين، بقتل ما يقارب مائتي ألف مدني كردي في كردستان العراق، دون أن تتحرك الأنظمة العلمانية والمسلمة وخاصة العربية. ولا ينسى الكرد أولئك التنظيمات الإسلاموية الإرهابية (أعني بمصطلح الإسلاموية ، الإستخدام السياسي المتطرف جدا الى درجة الغلو للإسلام والفكر الإسلامي في النظرية والتطبيق. واقصد به ايضا عدم ضرورة ان يكون كل عمل حزبي إسلاموي ممثلا للإسلام والإسلام في كل ذلك برئ) التي لا تريد ان تتحدث عن حل للقضية الكردية لأن الأنظمة التي تحكم كردستان تقاوم على حد تعبيرهم الإمبريالية. هذا دجل وكذب، فمن يريد أن يقاوم الأمبريالية، عليه أن يجد إستقرارا في بيته، ويحرر شعبه من الظلم الذي يعانيه، لأن الأحرار وحدهم قادرون أن يقفوا بوجه الإمبريالة. ولا يمكن أبدا للعبيد المستعبد أن يقاوم العدو الخارجي، بل لابد أن يتحرر العبيد من عبوديته للسلطان حتى يقاوم العدو الخارجي.
لا ينسى الكرد الأمَر من كل ذلك، تشكيل بعض التنظيمات الإسلاموية البوليسية في كردستان مدعومة من قبل النظام العراقي، ومن قبل قوى إرهابية دولية شريرة لقطع رؤوس المدنيين الكرد في كردستان العراق منذ بداية الألفية الثالثة للميلاد. وقد بلغ التطرف عند بعض المتصلبين الإسلامويين في كردستان بذبح المدنيين الكرد من أطفال ونساء، ونبش قبور الأولياء، وسرقة رفات الشيوخ النتقشبندية الكرد مثل نبش مرقد المرشد الشيخ حسام الدين الشيخ بهاء الدين الشيخ سراج الدين، عابثين بكل المثل الإسلامية والأخلاقية، والإسلام برئ من كل ذلك، والقرآن برئ من الإرهاب.
إذا أراد الشعب الكردي أن يكون له مستقبل في الدوائر الأخلاقية والسياسية والديمقراطية فإنه لابد من تربية الجماهير تربية ديمقراطية سليمة، وتجريد الإرهابيين من كل مصدر مادي ومعنوي، وعزلهم عن المجتمع، وتطبيق القوانين عليهم وعلى الذين يدعمونهم لحماية المجتمع. فالشعب الكردي وقياداته يقفون اليوم أمام التاريخ، بعدم الإعتداء على الأبرياء، وضرورة تحديد الإرهابيين بعد الأدلة والبراهين، وليس قتل المعارضين بحجة أنهم إرهابيون. ومن هنا لابد من العمل على تعرية الإرهابيين بعد التأكد من هويتهم، ومحاسبتهم بعدالة وروح مفعمة بالمسؤولية أمام الله وأمام الضمير والشعب. وينبغي للكرد أن يبرهنوا للعالم المتحضر والعالم الإسلامي بأنه برئ من الإرهاب وأن ما تمارسه قوى الشر والعدوان من القوى الإرهابية، هي قوى غريبة عن المجتمع الكردستاني، وأن كردستان لن تكون ابدا نموذجا للبنان في سنوات الحرب الأهلية او افغانستان أو عراق صدام.
القضية لا تتعلق بالإسلام والمسيحية واليهودية والأديان الأخرى فحسب، بل تتعلق بالكوردايه تي أي النضال الوطني الكردي وبالشرف الكردي والكرامة الوطنية أيضا. إن ممارسة الإرهاب من قبل بعض القوى الإرهابية الشريرة في كردستان جريمة بحق الإسلام والأديان الأخرى، كما أنها خيانة بحق الكوردايه تي. ولنا أن نوضح بأن الشعب الكرستاني بكرده وأقلياته القومية والدينية شعب مسالم محب للحرية ولن يتساهل مع الإرهاب.
إننا ندين الإرهاب، ويجب أن ندين الإرهاب بكل مظاهره الدينية والعلمانية والدولية، كما ندين إرهاب الدولة، وإرهاب التحزب السياسي، وإرهاب الفرد والجماعة. فالإرهاب لا يحل أية مشكلة إنما يعقدها أكثر فأكثر. لكننا يجب أن نفهم بجلاء بأن النضال التحرري لا يدخل ضمن ظاهرة الإرهاب، فالنضال من أجل الحرية نضال مشروع وأخلاقي في إطار القوانين الدولية.
الشعب الكردي مطالب بالتعاون مع القوى الديمقراطية والإسلامية النيرة لإجتثاث قوى الشر والإرهاب الديني المتطرف والعلماني المستبد المعادي لحرية الشعوب، لأنه بدون القضاء على الإرهاب لا يمكن تحرير كردستان.
فلنلتقي ونتفاهم مع الحضارات الأخرى فيما إتفقنا عليه، ونتحدث ونحاور فيما لم نتفق عليه لتقريب وجهات النظر، وتضييق فجوات الخلافات، ونبذ العنف لبلورة الأفكار لخير شعوبنا على أساس العدالة والسلام، والقوانين التي تحمي حقوق الأفراد والشعوب، ودون أن يكون أحدنا خاضعا للآخر، ولا أداة بيد الآخر، فكلنا لله جل علاه. وعصر ولاء شعب بالقوة أو بجعل الدين أو العلمانية الإستبدادية الشرق أوسطية غطاءا للخضوع لنظام دكتاتوري قد ولى، ولن يرجع إلى الوراء. فالذين يطعنون الناس اليوم وهم لا يملكون السلطة سيقتلونهم غدا حين يمارسون السلطة.
* باحث وكاتب صحفي عراقي مستقل مقيم في السويد