حسن أحمد عمر
(Hassan Ahmed Omar)
الحوار المتمدن-العدد: 1589 - 2006 / 6 / 22 - 07:04
المحور:
المجتمع المدني
كنت مسافرأ إلى مدينة القاهرة فى ميكروباص يعمل بالأجر من محطة التاكسى وجلست فى الميكروباص حيث لم يكتمل بعد عدد الركاب ورأيت سائق الميكروباص يتحرك يمنة ويسرة ينادى على الزبائن الراغبين فى السفر إلى القاهرة وفجأة حدثت مشادة بينه وبين زميل له وسمعتهما يسبان بعضهما سبأ شديدأ بشتائم مقززة تنم عن وضاعة فى أخلاقهما حتى تدخل بعض السائقين وفض النزاع الذى كان من أجل راكب ذهب خطأ إلى سيارة السائق الآخر , لم يقف الأمر عند هذا الحد بل لقد جلس سائقنا على كرسى حتى يهدأ ويريح أعصابه من الخناقة فأحضر له القهوجى فنجانأ من القهوة وقام هو بإخراج لفافة بانجو من جيبه ولف سيجارة كأنها إصبع كفتة كبير وراح يشربها بنهم ويخرج الدخان من فتحتى أنفه كأنه شكمان سيارة مكسور0
وأخيرأ هدات أعصاب الإمبراطور—سائق الميكروباص--- واكتمل العدد المطلوب من الركاب وتحركت السيارة إلى القاهرة لتبدأ رحلة طولها أكثر من مائة وخمسين كيلومترأ , قد يسأل سائل وما ذنبنا نحن لكى تقص علينا هذه القصة المكررة المملة والتى نقرف منها يوميأ ؟؟ سؤال وجيه
الإجابة :
نفس هذا السائق الذى كان يسب الدين من دقائق ويسب زميله بأبشع الألفاظ النابية قام بفتح المسجل—جهاز التسجيل أو الريكوردر--- الخاص بسيارته على شريط لواعظ من وعاظ الأشرطة --نجوم هذا الزمان---الذين لا يكفون عن الصراخ والبكاء طوال الشريط والكلام عن عذاب القبر والثعبان الأقرع وناكر ونكير وضمة القبر ووحشة الظلمات فيه وما سيلاقيه الإنسان فى هذا القبر من أهوال تشيب لبشاعتها الولدان , ما علينا هو حر, الواعظ يقول ما يشاء ويهدد كيفما شاء ويتوعد الناس بجحيم مقيم كما يحلو له وكأن مفاتيح الجحيم والجنة فى جيبه -- ويصرخ فى وجوههم ويبكى ثم يسكت ثم يصرخ ثم يبكى ثم أى شىء حتى لو سقط مغشيأ عليه , أنا وركاب الميكروباص ذنبنا إيه ؟؟ ماذا جنينا فى ذلك اليوم التعس حتى نسمع ذلك رغم أنوفنا ويفرض علينا واعظ معين وخطبة معينة وموضوع معين وأسلوب معين وفكر معين واتجاه معين وأسلوب معين وطريقة معينة ونهج معين , لم يسألنا السائق عن طلباتنا ولم يعرف هل نسمح له بفتح الشريط أم لا ولم يأخذ راى أى منا ولم يستشر ذلك الإمبراطور الديكتاتور أحدنا فى ذوقه وماذا يريد أن يسمع ولكنه فرض علينا شريطه فرضأ كانه بائع فى قطار يلقى على الناس قطعأ من الشيكولاته دون أن يطلبها احد منه ودون أن يبدى احد رغبته فى الشراء ثم يضطر آسفأ أن يجمع بضاعته ويذهب بها مكسور الخاطردون ان يبيع منها شيئأ يذكر
ولكن هذا الأخير –بائع الشيكولاتة-- لا يأخذ من وقت الناس سوى بضع دقائق أما صاحبنا الإمبراطور الديكتاتور سائق سيارة الأجرة فإنه حكم علينا أن نسمع شريطه المفضل – والذى لا يفقه منه شيئأ-- رغم أنوفنا طوال طريق مدته ساعتان ونصف وكلما فرغ الشريط أعاد تشغيله مرة أخرى من شدة إيمانه وتقواه وورعه اللامحدود وقربه من ملكوت السماء !!!
لن أفترض أن فى السيارة أشخاص لهم أديان أخرى ولن أفترض وجود اشخاص اساسأ لا تهتم بمسألة الدين بل سأفترض ان ركاب السيارة كلهم مسلمون 000 فما ذنبهم ؟ ماذا فعلوا فى دنياهم حتى يتم ضغط أعصابهم بهذا الشكل ويفرض عليهم السماع مرغمين لأنهم لو تكلموا فكل منهم يخاف من التهم المعلبة والجاهزة فكيف يرفض شريط فضيلة مولاهم الشيخ فلانى أو الفقيه العلانى أو العالم الترتانى ؟ إنه إذأ لمن الظالمين وإن عليه اللعنة إلى يوم الدين واللعنة من مين ؟؟ من السائق سباب الدين !!!00
فهو نفسه الذى دب خناقة أخرى لرب السماء مع راكب عنده صداع طلب منه إغلاق التسجيل فكانت الطامة الكبرى وراحت التهم تكال للرجل ألست مسلمأ ؟ يا جماعة أنا مسلم ولكننى لا أريد أن استمع الآن للوعظ 00 آه قول كده 00 قول انك كاره الدين وضد الدين ومش عاوز تسمع الوعظ 00 ياجماعة أنتم لم تدخلوا فى قلبى وليس من حقكم ان تعرفوا حجم تدينى او مقدار إيمانى 00 آه ماهو أمثالكم من أعداء الدين هم اللى جابونا ورا00 تخيلوا يا سادة 00سائق كان يشتم فى خلق الله منذ وقت قليل ويسب الدين يتحول فجأة إلى واعظ بل ويعطى لنفسه الحق فى الحكم على إيمان الآخرين ويقيم تقواهم ويصدر عليهم احكامأ تعسفية ظالمة رغم حمقه وجهله المدقع 0000
الأكثر ذهولأ هو تعاطف بعض الركاب 000مع مين ؟؟
تعاطفوا مع السائق بحجة حبهم للدين وحرصهم عليه , وهكذا تم إختصار الدين والتقوى والإيمان والتدين والصلة بين العبد وربه فى هذا الشريط العجيب الذى لم أسمع منه غير غثاء وهراء لا يمت للدين بصلة اللهم إلا صلة العداء للدين وتشويهه وإظهاره بشكل غير لائق بجلاله , ألمهم , وليكن , هل من حق مخلوق ان يفرض عليك سماع شىء معين فى وقت أنت غير مستعد للسماع فيه لأى شىء , قد تكون لديك مشاكل شخصية او تعانى من مرض معين او يعانى احد أفراد عائلتك من مرض معين أو تفكر فى موضوع هام أو تستذكر دروسك العلمية او ذاهب لإمتحان او ذاهب لعمل إنترفيو لسبب من الأسباب او00أوالخ
تذكرت اثناء وجودى فى بروكسيل فى رحلة سياحية عندما ركبنا الباص ثم سالنا السائق هل تريدون سماع شىء من الموسيقى فقال الكثيرون : نعم ثم اردف قائلأ : هل عند أحدكم إعتراض على سماع موسيقى هادئة فقال الجميع :لا ,
حزنت كثيرأ وانا فى طريقى للقاهرة ام الدنيا بلد الحضارة سبعة آلاف سنة كيف وصل بنا الحال لهذا المنزلق الخطر فى اقل شىء واقل حق من حقوق الإنسان وهو أن يسافر فى هدوء دون إزعاج من أى مصدر أو أى شكل من الاشكال , كيف نحترم مشاعر الآخرين ومتى؟ متى يتم وضع وتنفيذ تشريعات لهذه الأشياء التى قد تبدو بسيطة ولكنها قد تتسبب فى مخاسر كثيرة ومشاكل غزيرة , بل لقد رأيت بعينىّ مشكلة بين سائق وراكب بسبب ان السائق يدخن السجائر والراكب يرفض ذلك وصلت لحد الضرب والتوجه للشرطة والحجز حتى العرض على النيابة
أخيرا ثقافة مترو الأنفاق :-
رغم الإزدحام المذهل فى قطارات ومحطات مترو أنفاق القاهرة إلا ان الناس يتحولون إلى شعب آخر صوتهم هادىء وحركاتهم بطيئة ومهذبة ولا أحد يدخن السجائر ولا الشيشة ولا قهاوى ولا أصوات مزعجة ولا مشاكل ولا احد يدوس طرف الآخر ولا اشرطة كاسيت تفرض على الخلائق عنفأ او غصبأ ومن يرفض سماعها يكون عدو الدين اللدود , ولكننى سمعت ان عربات مترو الأنفاق المخصصة للسيدات يوجد بها وعظ حى تقوم به إحدى السيدات على الطبيعة وقد يكون ذلك مفيدأ لو كانت هناك مساحة للنقاش وتبادل الآراء والإجتهادات فهل يمكن أن يوجد ذلك الجو من الحرية النقاشية والفكرية والمذهبية ؟ كذلك فإن المدة الزمنية التى يستغرقها المترو من محطة لأخرى تتراوح بين دقيقة ودقيقتين فمن لا يعجبها الوعظ تستطيع تغيير العربة فى المحطة التالية او حتى تغيير القطار نفسه 0أليس من الأفضل ان نترك الناس يبحثون بأنفسهم عن ثقافتهم الدينية بدلأ من فرضها عليهم وحشو عقولهم بها بلا تفكير او تدبر؟ أليست من أخص حقوق البشر ان يتدينوا بطريقتهم دون أن يملى الآخرون عليهم طرقهم المختلفة فى التدين ؟؟
سؤال أخير لسائق سيارة الأجرة :
باعتبارك متدينأ وتحب سماع الأشرطة الدينية الا يمكنك تزويد راديو سيارتك بسماعة اذن حتى تسمع ما تشاء دون أن تفرضه على الآخرين؟؟ أم انك لن تنام الليل حزنأ إذا لم يسمعوا تلك الأشرطة التى ستنقذهم من جهنم؟؟
#حسن_أحمد_عمر (هاشتاغ)
Hassan_Ahmed_Omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟