الفساد ... هل يعني أن أموال الدولة مستباحة ؟! /5/

نور الدخيل

الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 09:15
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

خامساً : التخلف
الوطن العربي من الأوطان المتخلفة , ولعله أكثرها تخلفاً باعتماد المعايير أو المقاييس الموضوعية للتخلف كافة , فعلى مستوى المقارنة بين حاضر العرب وماضيهم لا نكاد نلمس تقدماً تاريخياً نوعياً إذا ما صرفنا النظر عن الجانب التقني أو السلعي للواقع الاجتماعي المعاشي في الوطن العربي الذي يقوم في معظمه على السلع أو المصنوعات الأجنبية المستوردة .
ذلك أن العرب لم يقطعوا أشواطاً هامة أو بعيدة على طريق التطور التاريخي خلال الخمسة قرون الأخيرة الماضية من عمر النظام الرأسمالي العالمي القائم , فالفجوة بين موقعي العرب داخل كل من هذا النظام والأنظمة التاريخية السابقة عليه متسعة جداً لصالح مواقعهم التاريخية السابقة , بالطبع التي كانوا يشغلونها , فيما هم اليوم ومنذ القرن السادس عشر , أرياف نائية وبواد عارية أو صحارى قاحلة يعتاشون على تخوم النظام العالمي الرأسمالي أطرافاًً منفعلة مهمشة .
فمجتمعات الدول النامية والعربية منها بشكل خاص تعاني من التخلف بكل أنواعه، الأمر الذي يجعلها تواجه أزمة بقاء متعددة الأبعاد بسبب التقدم السريع للدول المتقدمة التي تعتمد على القوة وتتصف بالتوسع والعدوان، وتعاني الدول النامية من الخلخلة السكانية والحضارية، بحيث نشأت علاقة بين الدول المتقدمة والنامية تعتمد على التبعية العميقة المركبة، وبسبب العولمة وثورة المعلومات والاتصالات تقلصت الحدود السياسية والسيادية للدول، الأمر الذي أفقد الدول النامية قدرتها على البقاء والاستمرار.
وبسبب تزايد الفجوة الحضارية عادت الدول العربية إلى حقبة الاستعمار بالأساليب التقليدية مثل فلسطين والعراق، بسبب الأطماع الاستعمارية من جهة، وسوء أنظمة الحكم من جهة أخرى .
وبينما بدأ الوعي الوطني يتبلور تدريجيا ببطء نحو محاولة استيعاب إشكالية التخلف في العديد من دول الجنوب خاصة العربية فقد رافق ذلك سلسلة من العمليات والأحداث شكلت خطوات تراجعية إلى الوراء، ساعدت على تفاقم أزمة التخلف، وقد تمثل ذلك في عدة ظواهر منها:
- اضطراب في الأنظمة السياسية بسبب عدم تكوين رؤية واضحة، أو علمية لإدارة الدولة الحديثة، وبسبب حركات مدفوعة من الخارج لإعادة السيطرة الاستعمارية بأدوات جديدة، وتشويه منظومة القيم الوطنية النبيلة , الاعتماد المطردعلى الخارج , و عدم الاعتراف بمبدأ تداول السلطة.
"جميع الأقطار العربية تعاني من التخلف بدرجات متفاوتة ويجب أن ينظر إليها بقلق شديد لأنها تعتمد على الدعم الأجنبي وغير قادرة على مواجهة التحديات التي تفرضها طبيعة المرحلة والموقع أو أطماع القوى الأخرى"
تشير الأرقام الإحصائية والنسب المئوية ذات الصلة بالحالة العربية الراهنة إلى واقع أن الفجوة بين مستويي تطور بلداننا العربية والبلدان الصناعية المتقدمة كبيرة جداً وهي ليست في حالة ثبات أو تراجع وإنما في حالة نمو أو تنام وتسارع . الأمر الذي يؤكد , مرة أخرى , حقيقة التخلف العربي بالصورة التي يظهر فيها جلياً على خلفية المقارنة بين حاضر العرب وماضيهم القريب منه والبعيد .
فالتخلف مصطلح يعبر عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية للمجتمعات ساد بعد الحرب العالمية الثانية، وله مفردات محددة قابلة للقياس بالأرقام للمقارنة بين الدول، وقد حدد كثير من الباحثين مؤشرات التخلف نذكر منها:
- تدني الإنتاج السلعي والخدمي والمعرفي.
- اقتصاد يقوم على أنماط إنتاج مركبة وبدائية، بسبب ضعف القاعدة العلمية والتكنولوجية وغياب البحث العلمي.
- فقدان العمل المؤسساتي ، ومؤسساتها هزيلة وتفتقر إلى آليات العمل المتطورة، وتخضع لرغبة السلطة الحاكمة.
- ضعف العلم والتكنولوجيا وغياب البحث العلمي عن جدول أعمال هذه الأنظمة .
- غياب الديمقراطية في الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وانتهاك حقوق الإنسان.
- سوء أنظمة الحكم ، وعدم سيادة القانون.
هذه المؤشرات جميعها هي السبب والنتيجة لانتشار الفساد وتشكل استراتيجية عامة تسعى الأنظمة الحاكمة لترسيخها ومنع المساس بها لأنها تخدم مصالحها و تدافع عنها بكل شراسة حفاظاً على مواقعها ومصالحها الخاصة .
فالتخلف ركن أساسي من أركان الفساد ساهمت فيه شعوب البلدان المتخلفة نفسها نتيجة العوامل التي ذكرناها سابقاً , ورسخته الأنظمة الحاكمة المرتبطة بالاستعمار بشكل مباشر أو غير مباشر وفقاً لمصالحها الفردية , فالطبقة المتنفذة المستفيدة من وجود الاستعمار هي نفس الطبقة المستفيدة من التخلف المتمثلة حالياً بالأنظمة الحاكمة فكلما ازداد البلد تخلفاً كلما ازدادت هذه الطبقة ثراء ونفوذاً على حساب الطبقات المسحوقة التي مازالت تعيش تحت خط الفقر رغم الثروات الهائلة التي تم استنزافها عبر عشرات السنين .
إن الخروج من حالة التخلف تتطلب التعرف على الأسباب الجوهرية لهذه الظاهرة والتفسير التاريخي والجغرافي لها، حيث إن هناك مجتمعات استمرت في حالة التخلف لفترات زمنية طويلة، وتظهر حالة التخلف في بقاع جغرافية دون أخرى، وهناك مجتمعات عرفت التقدم في مرحلة تاريخية ماضيه ثم توقفت، ومجتمعات كانت متخلفة وتقدمت خلال فترات زمنية قصيرة، ومجتمعات غير قادرة على اجتياز عتبة التقدم!

#نور_الدخيل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات