صعود حزب العدالة والتنمية

وصفي أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6586 - 2020 / 6 / 7 - 13:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الحلقة الثانية من تركيا والإسلام السياسي
في البداية , علينا أن نفرق بين تجربة الإسلام في البلدان العربية وتجربته في تركيا , فهنا (( مجتمع تركي تجسدت علاقته بالدولة القومية الحديثة تجسيداً عميقاً , ومؤسسة علمانية يسندها الجيش التركي , أدرك حزب العدالة والتنمية , الذي استفاد من أفكار سعيد نورسي المقتصرة على تجديد الهوية الروحية للإسلام في حياة الأتراك , وجعل رهانه الرئيس متصلاً بالالتزام بالقواعد العلمانية للحكم في تركيا مع السماح للحريات الدينية فيما تركزت جهوده على مكافحة الفساد , والاهتمام بالاقتصاد , وحقوق الإنسان , ما حقق نجاحات تنموية كبيرة مشهودة .
وبمعنى آخر ؛ أن كل من مؤسسة الحكم التركية العلمانية التي كان لها الفضل الكبير في الانفتاح الديمقراطي , والمجتمع التركي , لم يعرف تجربة الإسلام السياسي , الأمر الذي يعني أن علاقة الإسلام السياسي بحزب العدالة والتنمية , ينبغي قراءتها في سياق آخر , سياق يتصل بمحاولات الهيمنة والدعاية , وتسويق الأيدلوجيا خارجياً فقط ؛ أي خارج تركيا .
وقد بدا ذلك واضحاً في يأس تركيا من أن تكون جزءاً من الاتحاد الأوربي , فبعد تولي حزب العدالة والتنمية للحكم , عقب الانتخابات الديمقراطية لعام 2002 توجه إلى إحياء العلاقة بالعالم العربي والإسلامي .
وعن أسباب رفض الاتحاد الأوربي لانضمام تركيا إليه يتحدث شمس الدين النقاز قائلاً : (( 29 سنة وشهر , منذ أن تقدمت الجمهورية التركية بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوربي في 14 من شهر أبريل عام 1987 , ولكن منذ ذلك اليوم ظل الأوربيون يماطلون الأتراك حتى عام 1999 .
... وثائق ويكيلكس (( كشفت عام 2010 عن أنه لا أمل في انضمام تركيا للاتحاد الأوربي بسبب موقف رافض لعدد كبير من دول القارة البيضاء , حيث سلطت برقيات دبلوماسية أمريكية سرية نشرتها صحيفة ( ديرتا جسشبيغيل الألمانية ) , الأضواء على حقائق تتعلق برفض الاتحاد الأوربي لقبول تركيا في عضويته , وحالة الامتعاض المتصاعدة بين الأتراك تجاه أوربا .
... إن أنقرة لا أمل لها في دخول الاتحاد الأوربي , وهو ما ترجمته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بقولها في لقاء سابق مع هيئة الإذاعة الألمانية .. بقولها ,أنها لازالت عند موقفها المعارض لانضمام تركيا للاتحاد الأوربي وأن الرئيس التركي على علم بموقفها .
باحثون أتراك بدورهم قللوا من فرصة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي .
وبحسب الباحثين الذين تناولوا هذا الموضوع للدراسة , فإن عدة أسباب ظهرت في الفترة الأخيرة أعاقت مفاوضات انضمام تركيا بشكل كامل ودائم للاتحاد الأوربي ... ومن أبرز هذه الأسباب , عدم قدرة تركيا على تطبيق حقوق الإنسان الخاصة بالاتحاد الأوربي بشكل كامل , والفرق الثقافي الجاد والكبير الذي ظهر في الفترة الأخيرة بين الهوية التركية وهوية الاتحاد الأوربي .
ويرى بعض الباحثين أن من بين هذه الأسباب أيضاً , نظرة مواطني الاتحاد الأوربي وحكامه السلبية تجاه تركيا على أنها دولة إسلامية أنهكت أيام الدولة العثمانية أوربا لفترة طويلة , كما يرون أنه في حال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي فسيدخله فوج إسلامي ضخم ويعيد إعاقة تقدم أوربا وتطورها , حيث يشكل المسلمون 99 بالمئة من سكان تركيا وهو ما تخشاه الدول الأوربية في ظل النمو السكاني المتراجع في دول الاتحاد والنمو السكاني لتركيا .
اقتصادياً , تباينت مواقف الباحثين من هذا الموضوع , فبينما يرى البعض أن قوة تركيا اقتصادية أصبحت منافسة للاتحاد الأوربي وبشكل قوي وهو ما جعل دول الاتحاد تخشى من زيادة قوة الاتحاد التركي وقوة منافسته بعد انضمام تركيا إليه , ويرى آخرون أنه وعلى الرغم من النمو الكبير فإن الاقتصاد التركي لا يزال في نظر الاتحاد الأوربي اقتصاداً متدني المعايير , وحسب الخبراء الاقتصاديين الأوربيين , فإن العمليات الارهابية والحرب الأهلية التركية الكردية بالإضافة إلى الحرب السورية التي ألقت بظلالها على البلاد وستكلف الاقتصاد التركي كثيراً على مستوى الاستثمار والسياحة ولمدى طويل .
وبالعودة إلى ما كتبه محمد جميل أحمد عن توجه تركيا إلى العالم العربي حيث يقول : (( لقد كان الاستثمار في أيدلوجيا الإسلام السياسي لحزب العدالة والتنمية أجند خارجية موجهة للاستقطاب في المنطقة العربية عبر الاستفادة من أفكار رئيس وزراء تركيا ( على اعتبار أن المقال كتب عندما كان أردوغان رئيساً للوزراء / وصفي ) ووزير خارجيته السابق الأكاديمي أحمد داود أوغلو عن العثمانية الجديدة الذي دعا فيها إلى الاهتمام بعلاقات جديدة مع الفضاء العثماني القديم في العالم العربي , بدل العلاقة العقيمة مع أوربا .


1 ـ محمد جميل أحمد , تركيا وقناع الإسلام السياسي في المنطقة العربية .
2 ـ شمس الدين النقاز , تركيا لا يمكنها الانضمام إلى الاتحاد الأوربي وهذه هي الأسباب ـ رأي اليوم .

#وصفي_أحمد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات