|
اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في الدستور الدائم
طالب الوحيلي
الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 08:42
المحور:
المجتمع المدني
الحياة الدستورية في أي بلد في العالم تستمد جديتها من حرص النظام السياسي الحاكم على التقيد بكافة البنود والمبادئ التي اقرها ذلك الدستور،اذا ما سلمنا طبعا بالطريقة الشرعية التي كتب واقر بموجبها ،لاسيما المستوى الشعبي العام المتقبل والمقر للاسس التي صيغ بموجبها عب الاستفتاء الشعبي العام ،او عبر المجالس المنتخبة جماهيريا ،او ما اذا تقادمت عليه الأزمنة حتى صار الوجه الأساس لقيام المجتمع برمته كما في الدول العريقة بديمقراطياتها والتي استقرت كياناتها الدستورية برغم توالى الأنماط الإدارية عليها ،وتعاقب العقود او القرون دون ان تلغيها وتحل محلها متون انقلابية لاتعدو ان تكون دساتير مؤقتة ،بالرغم من مضي عدة عقود عليها ،اذ لايغير ذلك من صفتها شيئا مادامت قد خرجت من معاطف وبدلات الجنرالات او المجالس العرفية ،كما كان في عهود ماقبل سقوط الطاغية صدام في العراق ،او كما هو الحال في معظم الانظمة العربية ،او بلدان العالم الثالث. فقد تتنازع الأنظمة السياسية قواعد عديدة لفرض سلطة الدستور وعدم الاخلال بها ،منها قواعد شعبية وسياسية عامة تتمثل باحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والاعلام بكافة وسائلة ،فضلا عن الرقابة البرلمانية سواء كانت رقابة معارضة او رقابة تقويم ومحاسبة من ذات الكتل التي تنتمي اليها الادارة الحكومية،وهي قطعا لاتصل مستوى الرقابة القضائية بمختلف انواعها كرقابة الالغاء او رقابة الامتناع او الدفع بعد دستورية القوانين. الدستور العراقي الدائم قد حدد قواعدا مهمة في مجال الرقابة القضائية ،وقد وضع في الحسبان الطبيعة الخاصة بالنظام السياسي الجديد ،وآثار المعضلة السياسية التي ورثها المجتمع العراقي من العقود المنصرمة في تاريخ العراق ،فضلا عن التفكير الجدي في تحصين هذا النتاج التاريخي الذي كتب بدماء الملايين من ابناء وادي الرافدين ،فاصبح مشترك نضالي وجهادي للجميع ،مما ينبغي توفير كل مبررات ادامته وصيانته من التحريف والتغيير والتلاعب باحكامه ،مادام هنالك من يتربص بابناء شعبنا الدوائر ويتعمد إلاجهاز على بوادر دولة القانون والعدالة والمساواة. لقد تناولت المادة (90) من الدستور العراقي الدائم بفقرتها : اولا: المحكمة الاتحادية العليا على انها ،هيئة قضائية مستقلة ماليا واداريا.وانها كما تشير الفقرة ثانيا بانها تتكون من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون ،واذا ما اغفل النص طبيعة وصفات اعضائها ونسبتهم ،فقد ترك ذلك لقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب مما يدلل على اهمية هذا القانون والدور الذي يمكن ان يؤديه اويضطلع به اعضاء هذه المحكمة ،التي تميل الى الطبيعة السياسية اكثر من الصفة القانونية لمحكمة كهذه ،وهذا المنحى معمول به في الكثير من النظم الدستورية في العالم ،فاذا ما وقع التصرف المخالف للدستور يمكن تقويمه من وجهات نظر قانونية وقضائية وشعبية ،ما دام ذلك يدخل ضمن دائرة افهم العام للقاعدة الدستورية ،لكن يجب الاهتمام بما سوف يثور من محاذير قد تمس باصل القاعدة الدستورية نفسها يعديلا او جرحا ،وذلك ما ليس من اختصاص المحكمة حصريا ،لان تعديل الدستور يخل في سياقات اخرى املتها قواعده الخاصة وما وضعته من شروط ومعايير . فاختصاص المحكمة الاتحادية العليا قد حددته المادة 91 بما يأتي: اولا: الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة.وتلك وضيفة اساسية تفترض الاشراف والاطلاع على النص القانوني او النظام بعد صدوره ونفاذه ،وتعقب العمل به عبر قنوات معينة ينبغي التاسيس لها كوسيلة لتفعيل هذه الرقابة . ثانيا: تفسير نصوص الدستور،وياتي هذا الاختصاص مما لدى المحكمة العليا من اعضاء اكاديميين يفترض ان فيهم علماء لغويين وفقهاء في القانون واصحاب اختصاصات اخرى ،ولكن السؤال الذي يمكن ان يثور ،هو المناسبة التي يقتضي فيها تفسير النص الدستوري؟ ثالثا: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة.هذا المفهوم لا يخرج عن معنى الدعوى المباشرة (دعوى الالغاء)كون التصرف المطعون به لايمكن ان يقع الا اذا صدر حكم قضائي مخالف لاحكام الدستور ،فاذا ما كان ذلك مكنا لدى مجلس الوزراء او غيره من الهيئات العامة ،فانه محل نقد بعض علماء القانون الدستوري بالنسبة للأفراد،اذ ان منحهم حق إقامة دعوى الإلغاء او الدعوى المباشرة أمام المحكمة العليا ،او أمام محكمة دستورية خاصة ،يؤدي الى نتيجة غير طبيعية ،وهي انه سيكون بمقدور مواطن واحد وبناء على رغبته وارادته المنفردة ان يجند للعمل سلطة عليا لبحث وتحقيق دعواه ،هذا من جهة ،ومن جهة اخرى فقد يتسبب هذا المواطن نفسه في الغاء قانون مشرع من سلطة عليا ثانية ،وهي السلطة التشريعية ،والتي تتمتع في الغالب بصفة تمثيلية للامة او الشعب ،وانه ازاء هذه النتيجة غير الطبيعية فقد اتجه الرأي ،وجرى العمل في كثير من الدساتير على قصر هذا الحق ،أي إقامة دعوى الإلغاء ،ببعض السلطات العامة فقط وحرمان الأفراد منه ،مما أدى الى خروج هذه الطريقة (في حالة استثناء الأفراد)عن كونها اداة لحماية حقوق الأفراد الدستوريه لتصبح وسيلة لحل المنازعات بين السلطات العامة في الدرجة الاولى. رابعا: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.وذلك اختصاص مهم جدا اذا ما وطنت الاهداف نحو اتمام التجربة الاتحادية (الفدرالية)وما يمكن ان يثور من نزاعات او تنازع للقوانين او الصلاحيات بين الاقاليم المختلفة وسلطاتها اللامركزية ،وهذا ما يعكس المغزى القانوني للاتحاد الفدرالي وسياقات الوحدة الوطنية في العراق. خامسا: الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الاقليم او المحافظات.وهو ذات الهدف المشار اليه اعلاه . سادسا: الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون.ولعل هذا القانون يمكن ان يفسر الغموض الذي يكتنف صياغة النص في هذه الفقرة التي نعتقد انها بحاجة الى توضيح لمعنى الاتهامات ،وهل هي دعاوى وما طبيعتها ومن الذي له سلطة اقامتها ؟ سابعا: المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب. ثامناً: أ الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم. ب الفصل في تنازع الاختصاص بين الهيئات القضائية للأقاليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم. وفي الختام اشارت المادة (92) من الدستور الدائم الى ان : قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة. وخلاصة القول ،ان الدستور العراقي الدائم ،هو ليس بمنحة من احد ،وانما جاء نتيجة جهاد دائب وسط سيول من الدماء العراقية الطاهرة ،لتفرض على قوات الاحتلال انتخابات مذهلة للعالم شارك فيها اكثر من ثمانية ملايين عراقي ،لتأسيس اول جمعية دستورية تبنت صياغة هذا الدستور ،ومن ثم عرض للاستفتاء عليه في جو من المكابدات والمعاناة ،لكي يحصل على قبول اكثر من ثلثي الشعب العراقي ،وبذلك فمن حق الجميع الحفاظ على هذا المنجز القيم وبذل الغالي من اجل صيانته وادامته من أياد لا تتورع عن السعي لاعادة نمط الدساتير الموقتة سيئة الذكر والصيت..
#طالب_الوحيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جذور الارهاب في العراق وخفايا العامل الدولي
-
موازنة بين الحوار الوطني وتداعيات الارهاب الاخيرة
-
مصرع الزرقاوي بين الحدث وتكتيكات المستقبل
-
رافضة) الظلم والاستبداد أقوى من كل قوى الظلام)
-
جرائم بلا عقاب ودماء اراقها المجهول !!
-
القواعد العامة في الرقابة القضائية على الدستور
-
شهود الزور وخداع محامي صدام ملاذ الطاغية الاخير
-
مطالعات في الواقع الدستوري للعراق الجديد
-
محاكمة الطاغية ام مهرجان خطابي!!
-
الثروة الوطنية بين الحيازة الغير مشروعة وآفة الفساد الاداري
-
عراق بلا معادلات ظالمة
-
العراق بين الحدث الدموي اليومي ومن وراءه
-
معادلات مترهلة في زمن عراقي صعب
-
الدستور العراقي الدائم وضمانات البقاء !!
-
لائحة على هامش محاكمة الطاغية
-
استراتيجية الاحتلال او الانسحاب..رؤية من الداخل
-
الحكومة الدائمية بين الممكن والتحفز لعبور المستحيل
-
استهداف محاكم مدينة الصدر هل يحرك سكون القضاء
-
صديق عدوّي.. عدوّي!!
-
معالجة الإرهاب حقائق واستحقاقات
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|