|
ديموقراطية بلا روح
عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي
الحوار المتمدن-العدد: 6584 - 2020 / 6 / 5 - 20:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يسبق للعراق ان نظم انتخابات برلمانية بالشكل الذي حصل بعد التغيير في نيسان 2003، ولم يسبق له ان اعتمد دستورا عبر استفتاء شعبي مثل الذي اقر عام 2005، ولم يسبق لبغداد المشهورة بسيطرتها المركزية عبر التاريخ على مايجاورها من مدن ان قدمت التنازلات واعطت للاقاليم والمحافظات صلاحيات مثل التي اعطتها بعد التغيير، ولم يسبق ان حصلت المحافظات على حق تشكيل مجالس منتخبة من قبل ابنائها. لم يسبق للعراق ان شهد ثورة اعلامية مثل التي شهدها بعد التغيير، اذ كان اصدار النشرة الجدارية المدرسية يستوجب تصاريح امنية وموافقات عليا، وكان تنظيم مجلس ادبي او فكري ربما يؤدي بصاحبه الى المهالك اذا لم يتوافق مع توجهات السلطة، وبعد 2003 تغير الامر بنحو جذري وصار بمقدور اي عراقي ان يكتب مايشاء ويؤسس مايشاء من صحف ووكالات صحفية واذاعات وتطبيقات على اجهزة النقال وان يحتج ويعتصم ويتظاهر ويقول ويفعل مايشاء من دون خوف من السلطة. وبعد ان كان العراق البلد الذي يحرم فيه سياسيا التعاطي مع الانترنت والستلايت وربما التقاط الاذاعات الاجنبية علنا، صار من حق كل عراقي ان يتعاطى مع العالم الخارجي عبر كل الوسائل من دون خوف، في بلد كان فيه جهاز الاتصال (الهوكي توكي) التقليدي من علامات الوجاهة والسلطة صار هذا الجهاز اليوم لعبة للاطفال، واصبحت التكنولوجيا مباحة امام من يشاء من العراقيين الى درجة تفوقوا بها على الدول الاخرى. حصل العراقي على الكثير من الحقوق وحقق المواطن العراقي الاكثر من المكتسبات، لكن النتيجة لم تكن تلبي الطموحات بل لم تكن مرضية ولم تكن عادلة، بل كانت محبطة ومؤلمة للناس مع كل ماتحقق لبلد كان شعبه يتجرع السم من قيادة تحرم عليه ماتبيحه لنفسها، وتحول الشعب الى قيادة نفسه لكنه لم يتقدم خطوة واحدة تشعره بسعادة الفرق بين عبودية الامس وحرية اليوم. تحققت الحرية ولم تتحقق العدالة، نجحت الانتخابات ولم ينجح الفائزون فيها بكسب ثقة واعجاب من صوت لهم، انفتحت ابواب التكنولوجيا ولم ننجح الا في ملئها فسقا وفجورا ونفاقا وظلما، تضاعفت مصادر دخل المواطن العراقي وتضاعفت مصاعب معيشته مع تناقص مستوى الخدمات وتضاعف نسبة فساد الجهاز الاداري للدولة فقد تكدست الثروات في خزائن الدولة وازدادت نسبة البطالة والفقر وتضاعفت نسبة الارامل والايتام الى نسب كبيرة جدا. نجحت الدولة في تجنيد اكثر من مليون عراقي من دون ان تنجح في توفير امن يحمي دماء الابرياء، ونجحت الدولة في توسيع عدد الوزارات بحيث اصبح للمرأة وزارة، وللبيئة وزارة، وللمجتمع المدني وزارة، وللمياه وزارة لكن كل هذه الوزارات فشلت في الحفاظ على البيئة، وفي بناء مجتمع مدني، او في لملمة جراح الارامل والثكالى، او التوزيع الناجح للمياه التي تهدر لينتهي الحال بارض العراق جرداء يعجز الفلاح فيها عن زراعة قوته ويتم استيراد غالبية الفواكه والخضر من الدول الاخرى. ربما نجح العراق في انشاء برلمان منتحب ودستور ديموقراطي.. لكنه فشل في ارساء نظام رعاية اجتماعية تضمن للفقير والعاجز حياة كريمة!! انفتح العراق على العالم عبر اكثر من 80 سفيرا في الخارج ولكن لم نلحظ أي قيمة للعراقي خارج حدود البلاد، صار العراقي يتنفس الماضي هربا من عدم وضوح المستقبل، بالغنا بالحرية حتى صار القوي فينا يأكل الضعيف وبالغنا في اكتساب الحقوق حتى تكسرت هيبة القانون، وبالغنا في المظلوميات الفئوية حتى اكلت ماتبقى من مواطنة، وبالغنا في النبش بالماضي حتى غيبنا الحاضر واغلقنا ابواب المستقبل. انفتح الاعلام ولم تنفتح العقول التي تتحكم بمساراته، توسعت رقعة المشاركة السياسية وتقلصت فاعلية السياسيين، وصار اغلب العراقيين يقبلون على السياسة ليس لتقويم المجتمع او اصلاح الامة او الخدمة العامة، بل لانهم يحلمون بتبوء مناصب رفيعة، فالحصول عليها لايحتاج الا الى ضربة حظ لا اكثر. اذن هناك خلل ما في ادارة موارد موجودة اصلا، وفي الاستفادة من مكتسبات كان مجرد الحلم في تحقيقها ضربا من الجنون، وفي تحقيق اهداف طالما تغنت بها الاحزاب والقوى التي تتصارع اليوم على السلطة التي لم تعد تحظى باحترام المواطن، الامر لايحتاج احتجاجات او اعتصامات او ثورات… بقدر مايحتاج الى التوصل الى تشخيص سليم لسبب المعضلة العراقية التي تقترب من اللعنة. الخلل يكمن ان كل الذين يتصارعون على السلطة انما يتصارعون عليها من دون احساسهم بجوهر الحكم، يعيشون في ظل ديموقراطية لاعلاقة لهم بروحها، ويتحدثون عن قوانين لايؤمنون بها اصلا، الخلل اننا صنعنا ديموقراطية بلا ديموقراطيين، وتحدثنا عن اسلام من دون مؤمنين، وقيم من دون اخلاقيين، كل مانحتاجه هو شخصيات استثنائية، وشجاعة استئنائية لخلق بيئة استثنائية تضع النقاط التائهة على الحروف السائبة.
#عباس_عبود_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يجب ان تنظر النخب العراقية للتظاهرات في امريكا
-
فصل السلطات ام تقاسمها
-
البدري وحلاق اشبيلة .. عبقرية الصورة وخلود الصوت
-
حرب المفردة..نحن ام داعش
-
رامز مجنون رسمي ..تحليل نفسي
-
تلفزيون العراق من البنكلة الى القمر الصناعي 3
-
تلفزيون العراق من البنكلة الى القمر الصناعي 4
-
تلفزيون العراق من (البنگلة) الى القمر الصناعي 1
-
تلفزيون العراق من (البنگلة) الى القمر الصناعي2
-
المال السياسي
-
رهينة
-
المالكي ..ورحلة البحث عن حلول واقعية
-
المصلحة مبتدأ مرفوع.. من ارض الواقع
-
إدارة منضبطة تساوي ديمقراطية ناجحة
-
طلب تعيين
-
حديث عن مابعد الجريمة
-
سيد الارض
-
ليلة سقوط دبي
-
حلم
-
خيانة..عظمى
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|