|
أستاذ الجامعة وإشاعة روح النقد لدى الطالب
سفيان ميمون
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 6584 - 2020 / 6 / 5 - 11:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ثمة رأي سائد لدى بعض طلبة الجامعة حول تقاعس الأستاذ في إشاعة روح النقد لدى الطالب باعتبار ذلك أحد الآليات المهمة في بناء عقل الطالب وإكسابه تكوينا سليما ، و قد يبدو ذلك فعلا في مختلف أشكال التعصب و عدم تقبل الرأي الآخر خلال المناقشات المختلفة أثناء حصص الدروس و خارجها، فنظرة الأستاذ إلى ذاته كثيرا ما تصنع طريقة تعامله مع الآخرين في مجال النقاش، حيث ينصب بعض الأساتذة أنفسهم في مرتبة عالية باعتبار الشهادة التي تحصلوا عليها و دونهم الآخرون، لذلك كثيرا ما يجد الطالب نفسه خائفا من مناقشة الأستاذ الذي يغلق أبواب النقاش، بل و يسفه آراء الطالب، بما لا يسمح لهذا الأخير باكتساب الثقة في ذاته، ناهيك عن اكتسابه لفكر نقدي يستطيع من خلاله المجادلة في الموضوعات المختلفة. و لعله من السهل علينا أن نلاحظ أن بعض الأساتذة ذوو تفكير تقليدي ، وهم يؤكدون من خلال ذلك على قيم الامتثالية و الاجتماعية، فرغم أن بعضهم يؤكدون على وجوب تكوين عقل نقدي على مستوى الخطاب، تجدهم يعارضون ذلك على مستوى الممارسة، و يبدو ذلك من خلال بعض السلوكات مثل تفضيلهم لأن تعاد إليهم بضاعتهم خلال الامتحانات، و عدم قبول الرأي الآخر خلال المناقشات و هلم جرا..، قد يكون تأكيد بعض الأساتذة و دعوتهم إلى بناء تفكير نقدي من خلال خطاباتهم المختلفة محاولة لتأكيد ذاتهم وحشر أنفسهم مع الصفوة ، من خلال مسايرة الخطاب المعاصر الداعي إلى استخدام العقل و الارتكاز في تحليل القضايا المختلفة على أساليب الحوار و النقد، غير أن التواصل مع هؤلاء الأساتذة يكشف عن انكماشهم و عدم جديتهم في فتح أبواب النقد و النقاش، و سبب ذلك هو إما انخراط الأستاذ في منظومة تقليدية كرست لديه منطق "الشيخ و المريد"، أو نتيجة عدم قدرته على المواجهة باعتبار ضعف الزاد المعرفي الذي يملكه، و هشاشة قاعدته النقدية، لذلك و خوفا من التعرية يلجأ إلى الاحتماء بهذه المنظومة التقليدية، على مستوى الممارسة مع مد بعض الخيوط التي تبرزه كأستاذ متفتح على الرأي و الرأي الآخر. بالإضافة إلى هذا فإن انغلاق الأستاذ يوفر له حسب بعض أنواع التصورات السائدة مكانة اجتماعية لائقة من خلال عمليات إخفاء الجوهر الثقافي و الظهور بمظهر التعالي و النخبوية التي وفرتها له شهادته العليا، فهذه الشهادة هي أداة لتحصيل مكانة اجتماعية مرموقة، و هي بالإضافة إلى ذلك أداة لتحصيل سلطة تكون مطية لهذه المكانة و لمصالح أخرى رمزية أو مادية، فعمل الأستاذ على إيهام الآخريــــن بأنـــه يمتلــك رأسمـــال ثقافـــي دون الإفصــــاح عن جوهـــــره و دون إنـــــزال هذا الرأسمال من عليائه و تعريته للآخرين، يمكن الأستاذ من الظفر بمصالح مختلفة في مختلف الحقول الاجتماعية. و في هذا السياق يمكن أن تطرح قضية الأستاذ المثقف الذي يفتح أبواب الجدال و النقد حول القضايا المجتمعية و الفكرية المختلفة مقابل الأستاذ الموظف الذي يمارس مهنته كباقي المهن الأخرى و التي ترتكز على عملية تلقين المعارف الجاهزة للطلبة دون فتح للنقاش حول هذه المعارف و مقاربتها بالواقع ، فكثير من الأساتذة لم يعد يعنيهم الحوار النقدي إما بسبب تكوينهم الضعيف، أو بسب وضعهم الاجتماعي و عدم قدرتهم على تحقيق طموحاتهم المادية و غير المادية مما آل بهم إلى الركون إلى تلقين الطالب لمعارف جاهزة مثلما يلقن الطفل الصغير في المدارس الابتدائية، و عدم تقبل الرأي الآخر لأن ذلك يزعجه و يتعبه في آن، و بالإضافة إلى هذا فإن الأستاذ يركن إلى الكسل و العمل بمنطق "خذ البضاعة ثم أعدها" تبعا لوضعية الطالب و استعداده للعمل، فكثيرا ما اشتكى الأساتذة من عدم جاهزية الطالب و استعداده للعمل ، لذلك يجد الأستاذ نفسه مجبرا على تسيير الوضع بمنطق الموظف الذي يلقن الدروس و لا ينتظر نقاشا، بل لا يعنيه أحيانا إن كانت الدروس التي لقنها قد تم استيعابها أم لا، فالطالب أصبح عقبة للدخول في جو نقدي و إثارة النقاش حول القضايا المختلفة، و لا عجب أن نجد طلابا نائمين داخل القسم - نائمين فعلا وليس مجازا - ما يعبر عن عدم اهتمام بالمادة المعرفية المقدمة، فالحضور هو فقط لضمان عدم الإقصاء و مواصلة المسيرة نحو الشهادة كمراد مادي ليس أكثر. و في مقابل هذا نجد عددا معتبرا من الأساتذة و رغم طبيعة الوضع الاجتماعي و الدراسي، و رغم طبيعة وضعهم الخاص يسعون إلى إثارة روح النقد بين الطلبة حرصا منهم على التفتح العقلي الذي يساعد في تنمية الشخصية العلمية للطالب، فالطالب يحتاج إلى نقاشات وجدالات نقدية مثلما يحتاج إلى كتابات معمقة ذات صبغة نقدية ، فمن خلال ممارستنا الميدانية للتعليم لاحظنا أن كثيرا من الطلبة الذين يحاولون العمل و يداومون على حضور الدروس و المحاضرات يجدون صعوبة في الإجابة على الأسئلة المفتوحة خلال الامتحانات، و قد بدا أن المشكل يكمن في ضعف و غياب الحس النقدي لدى الطالب، إذ أن الطالب لم يتدرب على كيفية مناقشة القضايا المعرفية و الفكرية المطروحة، و بالقدر نفسه فإنه يفتقد للقراءات الفكرية و النقدية المعمقة التي تسمح بتفتح عقله من خلال إكسابه بعض آليات النقد و التحليل، فالطالب يتداول فقط المراجع ذات الكتابات السطحية غير المعمقة التي تمليها عليه حاجته لإعداد بحث بسيط طلبه الأستاذ، لذلك بقي الطالب على هذه الحال ذا تفكير سطحي بسيط فأصابه العجز عن مناقشة القضايا المعرفية و الفكرية بكيفية نقدية معمقة، فإذا كان هذا هو حال الطالب فإن ذلك أيضا سينعكس سلبا على الأستاذ الذي يصاب بخيبة و إحباط عندما لا يجد من يسايره في نقاش هذه القضايا خلال حصص الدروس و المحاضرات، بما يجعله يركن إلى طريقة التلقين التقليدي.
#سفيان_ميمون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كورونا والإبداع
-
السوسيولوجي والطقس الديني
-
التعدد الثقافي والديمقراطية
-
العلوم الاجتماعية بين الميثودولوجيا والأيديولوجيا
-
الجزائر وأنثروبولوجيا الاستعمار
-
أهمية العلوم الاجتماعية في التنمية – علم الإنسان نموذجا –
-
عقدة المثقف
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|