|
باب الاجتهاد في الفقه الإسلامي
ماهر عبد الرحمن
باحث وكاتب مصري
(Maher Abdelrahman)
الحوار المتمدن-العدد: 6584 - 2020 / 6 / 5 - 05:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المشهور عند الناس أن مذاهب الفقه الإسلامي هي أربعة مذاهب، والصحيح أن نقول أن المذاهب الفقهية الرئيسية هي المذاهب الأربعة الكبرى لكنها ليست كل الفقه. والإمام محمد أبو زهرة عد ثمانية مذاهب، وهي أيضا ثمانية مذاهب كبرى، وإن كان أربعة منهم أقل شهرة. لكن مذاهب الفقه الإسلامي كثيرة ومنها ما بقي ومنها ما اندثر. حتى أن الإمام الشعراني ذكر ثمانية عشر مذهبا لأئمة مجتهدين، بل وهناك من يستدرك عليه بأنه قد فاته أن يذكر مثلا مذهب الإمام الأوزاعي (وأهل الشام والأندلس كانوا تابعين لمذهب الأوزاعي لمدة 220 سنة). وكما أن المذاهب الأربعة الكبرى ليست هي كل الفقه، فإن الفقه ليس هو كل الإسلام. لكن هذا لا يغفل حقيقة أن للفقه بُعدا مركزيا في تراثنا، حتى أن باحثا كبيرا هو عابد الجابري غالى ووصف الحضارة الإسلامية بأنها "حضارة فقه"، كيف تم بناء هذا البُعد وهذه المغالاة، وهل يمكن تفكيكهما لا إقصائهما أبدا، هذه أسئلة تحتاج إلى بحث موسع ليس هنا مقامه. وعلماء الشريعة الإسلامية يقسمون مصادر وأدلة الأحكام في الشريعة إلى قسمين هما: الأدلة النقلية: ويقصد بها الكتاب والسنة. والأدلة العقلية: وهي الاجتهاد بالرأي بكل أشكاله لمعرفة الأحكام الشرعية في المسائل والقضايا المختلفة. والاجتهاد في الفقه ليس أمرا سهلا ولكنه بذل جهد وعناية كبيرة جدا في الاستنباط وأيضا في التطبيق على الحوادث المتغيرة. ويعد الاجتهاد أحد المصادر الأساسية للأحكام الشرعية، خاصة في الأمور المستجدة التي تظهر بحكم تطور الحياة ونموها والتي لم يرد فيها نص في القرآن أو السنة. وقد مر الاجتهاد بالرأي بمراحل تطور وازدهار في بداية الأمر. وأهم طور في أطوار الاجتهاد بالرأي وأكثرهم نضجا وازدهارا، وهو عصر الاجتهاد في الدور العلمي أو عصر الأئمة ويمتد من سنة 132 هـ إلى سنة 320 هـ. وانتصر في هذا الطور مبدأ اتخاذ القياس أصلا من أصول التشريع، على تفاوت في استخدامه، وأرسخهم قدما فيه هم الحنفية، وأقلهم هم الحنابلة، وبينهم توسط أتباع مالك وأتباع الشافعي. ووائل حلاق في كتابه "نشأة الفقه الإسلامي وتطوره" يطرح سؤالا هاما عن "متى ارتقى مفهوم المذهب بمعناه الأصلي الأساسي"، أي بمعنى فقيه يملك رأيا معينا، إلى دلالته المتطورة، أي بمعنى "الولاء التام لمنظومة مذهبية جماعية وتراكمية مكتملة". وكما مر الولاء المذهبي بمراحل تطور فمن باب أولى أن المذاهب نفسها قد مرت بمراحل تطور وبناء واجتهاد استمرت على مدى عقود متعاقبة. ومن المذاهب ما استمر ومنها ما اندثر. والاستمرار يعود في المقام الأول والشائع عند الدارسين إلى سبب وجود تلاميذ قاموا بالشرح والمساهمة في البناء والتراكم وخدمة المذهب. لكن هناك أسباب أخرى لا شك منها السياسي والتاريخي والاجتماعي، ولكني هنا أريد الإشارة إلى أن عامل الاجتهاد نفسه كان أحد أسباب تطور واستمرار المذاهب الأربعة عند أهل السنة ومعها مذاهب الشيعة. وهذا الاجتهاد والتطور أيضا تتفاوت فيه المذاهب، وأقل المذاهب تطورا -تماما وبحق كما لاحظ ذلك بعلمه واجتهاده وبصيرته الدكتور عبد الرزاق السنهوري في عمله الرائد "مصادر الحق في الفقه الإسلامي"، هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل. ونفس القول (وظني أن السنهوري لم يطلع عليه وإن وافقه - قاله ابن خلدون في المقدمة، حين قال: "فأما أحمد بن حنبل، فمقلدوه قليل لبعد مذهبهم عن الاجتهاد، وأصالته في معاضدة الرواية، وللأخبار بعضها ببعض". ومع الأسف وقف الاجتهاد عند تلك الحدود، وجاء طور التقليد والذي يمتد من منتصف القرن الرابع الهجري إلى اليوم. وابن خلدون يشير أيضا إلى هذا بقوله: " ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة.. وسد الناس باب الخلاف وطرقه، لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم، ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه،.. لا محصول اليوم للفقه إلا هذا، ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه، مهجور تقليده". ورغم كل مظاهر ودعاوى التجديد الآن، إلا أن الجمود والتقليد والتعصب المذهبي والوقوع في أسر المتون والشروح والحواشي، يمكن القول أنها عوامل كبلت وتكبل العقل الفقهي وقيدت وتقيد حركته في التفاعل مع الحياة ومسايرة تغيراتها، ومازلنا عالقين..
#ماهر_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
Maher_Abdelrahman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشيخ الرئيس ابن سينا
-
سيرة حياة فالتر بنيامين
-
رحلة المتنبي
-
طه حسين الكفيف صاحب البصيرة الثاقبة
-
سامي الدروبي
-
كيف تعمل الرقابة؟
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|