|
جدوى الفلسفة نظرية المعرفة
احسان طالب
الحوار المتمدن-العدد: 6581 - 2020 / 6 / 2 - 22:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" الفرضية القديمة القائلة إن شمسا جديدة تتخلق كل صباح قد لا تكون خاطئة" التصور المادي البحت يؤكد أن تلك المقولة خاطئة حتماً، بيد أن القضية عقلية، والتصور الحدسي يفترض إدراكا جديدا لذات الشمس يتخلق كل صباح ، فمن يستطيع الجزم بأن تصوراتنا وخبراتنا الأمبريقية عن الشمس حقيقة نهائية مطابقة لماهية لا تقبل الشك أو الرد؟ ومن يستطيع الجزم بأن صورة الشمس في وعينا مطابقة تماما لذات الشيء ـ الشمس ـ إنها صور الحدس الحسي بما تحمله من آثار سلبية قد تجافي الحقيقة وبالتأكيد لا تحيط بها. " ومن الممكن أصلا أن تتولد الواقعة عن علل شتى" حتى لو عرفنا العلة قد تكون هناك علة أخرى محجوبة لم تتكشف بعد تكون هي السبب وراء الواقعة. "لقد كانت أدواتنا لإبداع نظرية معرفة الخاصة بنا مضللة وناقصة على الدوام، ماضوية تاريخانية في أحسن حالاتها، تستبق النتائج بنسق معاكس لبداهة العلم والمنطق، فالحقيقة الني نسعى وراءها موجودة محفوظة كاملة تامة، علينا فقط إيجادها بين ثنايا ما ورثناه وحفظناه، ومازلنا نعتقد أننا لم نفهمه كما ينبغي ولم نقدره حق قدره رغم ما اعترى تفكيرنا من قداسة وتمجيد وتنزيه، نقدم النتائج على المقدمات ثم نبحث في الموضوع بمنهج مدرسي يؤدي إلى اليقين الأول فقط وينكر ما عداه، فنظريتنا تنطلق من اليقين إلى الشك ثم إلى اليقين الأول، وشكنا قائم على فرضية الضلال أي تهافت اليقينيات المتوفرة في حوزة الخارجين عن يقيننا ! ثمة خللا عقلي في سيرورة سعينا وراء الحقيقة" (1 ) هل المسألة هي تغيير العالم كما قرر ماركس أم هي معرفته كما دعا هوسرل ، المعرفة الصائبة المتحررة من كل المتعلقات وصولا للبداهة هي التي ستمكننا من اقرار الصورة الأمثل لمهمة العلوم ومكانة الإنسان، التوجه للتغيير قبل الدراية الصلبة؛ تجريب لمجرب لم يثبت جدارته وأحقيته. هل حقا نحن مدركون للجهة أو الجهات الصائبة التي ينبغي علينا التوجه قبالتها من أجل التغيير ؟ كل الفرضيات والحقائق وحتى البداهات الحسية مسألة نسبية في قياس الحقيقة. تحديد الأقيسة والمعايير قاعدة أولية بعدها بيان ما الذي نسعى إليه، لقد وصل العلم بالإنسان لذُرى ما كان يُعتقد أنه يمكن الوصول إليها وهو ما زال يَعد بالمزيد، بيد أننا لا نعرف حتى اليوم كيف نمنع فتى أو شابا يعيش حياة مُرْضية ويعد بمستقبل مشرق من ترك كل شيء والتوجه مرتديا حزاما ناسفا ليتطاير شظايا بهدف قتل مصلين وعباد في بيت من بيوت الله. ثورة الاتصالات المذهلة حولت العالم لقرية صغيرة حتى باتت مشكلة عراك شخصي في صالة بأقصى شمال العالم حدثا يتجادل فيه أبناء قرية نائية بأقصى جنوبها ، لدينا احصاءات عن عدد المدخنين من بين ما يزيد على سبعة مليار من سكان العالم وبالتحديد كم سيجارة يفنيها ـ أو تفنيه ـ شخص واحد في واحدة من جزر اليابان البعيدة ، لكننا عاجزون إقناع الناس بالتوقف عن التدخين ، عاجزون عن إطعام طفل يضمر عقله من الجوع في حي فقير من أحياء مدينة كبرى كريو. إن أزمة العلوم والإنسان ليست مستمرة فقط بل ومتعاظمة. البحث عن الحقيقة يسري في عوالم : " أن يكون الأمر حقيقيا ـ حقيقة ـ يعني أن يكون كاشفا " مارتن هايدغر نعم إنها عوالم ، فكل كائن يخلق عالم من حيث هو إدراكه وفهمه له ، فنحن كأفراد ـ كائن ـ وكمجتمع ـ كائن ـ يشكل كينونته الخاصة وموقعه من العوالم الأخرى، وبناء على إدراك عالمنا " نحن " نؤسس لعلاقات بيننا. عالم المعقولات وعالم المحسوسات؛ عالم المعرفة أو علم المعرفة ـ الأبستمولوجيا ـ الإحساس إدراك موضوع خارجي وداخلي بذات الوقت ، خارج من الذات أو خارج عن مركبات الذات، وداخلها باعتبارها هي الموضوع، أدواته الحواس وملكته المعرفة المسبقة، حسب كانط ، حيث تخلق موضوعة جديدة ، خروج جديد لمعلوم أقدم بتحريض من معرفة إضافة أو علم جديد. ( أي أن المعرفة لا تتم إلا بين طرفين بينهما وجه من أوجه التشابه) و تأتي المعرفة لوجود شعور مشترك أو اتصال متبادل في علم المحسوسات، حست بتجليات أو ظهورات الحدس الحسي. المعقولات: بديهيات لا تحتاج لبراهين، الوعاء الصغير لا يمكنه احتواء الوعاء الأكبر، الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، تنطلق نحو معقولات جديدة ، بناء على الافتراض السابق نستنتج أنه من غير المعقول أن يتمكن عقل واحد من استيعاب العقل الكلي أو اختزال المعرفة الإنسانية بجزء منها. وبواسطة العقل ندرك "موضوع" داخل الذات والنفس، كما ندرك " موضوع" خارجي حيث أن الحدس العقلي، لا يحتاج للحواس كي يدرك المعنى، فالحواس مضللة، وحقائقها افتراضية ، فيعتمد على الذاكرة ـ التصورات القبلية ـ وعلى الوعي المتشكل من جملة القبلي والآني والقادم بالافتراض والتخيل. . افتح عينيك وتلفت في كل الاتجاهات ، في مسعى للإحاطة بالمشهد، أي مشهد ، فردي شخصي أم مجتمعي، لتكرر التجربة مجموعة من الأفراد والمجموعات، ولنقارن بين النتائج المتعددة لقراءة حدث بذاته، سيحصل تباين شديد يفوق التقارب، المشهد أو الحدث أو الصورة أو الظاهرة ، المسرح واحد، الرؤى متعددة ، النتائج متباينة ، سيكون من الصعب إعطاء حكم يفرز التمايزات، خاصة بوجود أو عدم وجود معايير موحدة. لكن لننتبه ونحن نجيب على التساؤل التالي : هل هناك ضرورة لتوحيد المعايير أم يلزم الإبقاء على التنوع والاختلاف بصفته أحد بداهات الوجود؟ مسيرة الفكر والتفكير هي هكذا ، الاختلاف مولد للإبداع، والصواب والخطأ متغير. لكن الثابت الوحيد هنا هو فعل فَكر وقوة بذرة التفكير ، بذرة التفكر موجودة في الإنسان والعالم من حوله بالقوة، وفعل التَفَكُر يخرج التعقل للوجود؛ أنت تتعقل إذن أنت موجود. مع الاحتفاظ بحق ديكارت الأولي. هكذا نكون انتقلنا من المعرفة الحسية إلى الصورة أو المثال ثم تحولنا إلى الحكم مع تطور المعرفة الحسية إلى إدراك عقلي عبر تفكر . ولا تعقل بدون صور ، فعل العقل التجريد فهو لا يحتاج لعضو جسماني كما يحتاج الإحساس ، وهناك يكمن الفرق بين المعرفة الحسية والمعرفة العقلية. إذا كانت المعارف الحديثة شديدة الصرامة وتخلو أحيانا كثيرة من المتعة والتشويق فإن الفلسفة القديمة ليست كذلك أبدا ، بل تحمل في طياتها المتعة واللذة ، ربما كانت تعقيدات الحياة الحديثة وطبيعتها هي السبب ، من أجل ذلك تجدنا كل مرة بدون استثناء مدفوعين بوعي وبدون إرادة نحو الذاكرة الإنسانية ، بل لنقل نحو ما ندعوه افتراضا العقل الكلي البشري ، وأقصد به مجموعة المعارف والعلوم والمشاعر المختزنة، في أمكنة افتراضية قديما وراهنا ومستقبلا باعتبار الزمان والمكان شيئين من كينونة الوجود. الثقافة الفردية رهينة لثقافة المجتمع وتاريخية الفكر، و الثقافة الجمعية السائدة في أجزائها الحائزة على التقدير والاعتبار تمتلك قوة مؤثرة في صياغة القناعات والآراء الفردية والمجتمعية وحتى الحدوس العقلية الناشئة في الوعي والذاكرة . وفقا لتصورنا ذاك نعتقد أن التغيير الأمثل ينطلق من تلك المنطقة تحديدا والبحث عن موجِداتها والكامن المتشكل فيها، وما أفرزته من رؤى جمعية تتحكم بانتماءات وقرارات ومواقف الجماعات والأفراد، وحتى لو بدى لنا للوهلة الأولى أو بنظرة متسرعة تغّير المزاج الجمعي تبعا لظروف سياسية أو طبيعية ، إلا أن تلك الكوامن تبقى المؤثر الأول حتى لو توارت خلف بعض الظاهرات المؤقتة. المدارك الفردية حدسية أي ترتكز أساس على الحدس باعتباره معرفة مسبقة راسخة في اللا وعي وفي مستوى الإدراك العقلي في ذات الوقت، كما هي حسية بجدلة تظهر تناقضا مؤقتا ما يلبث حتى يتلاشى. . السؤال الفلسفي هل المَدارك ـ أي ما يدرك به ـ والمْدركات ـ أي ما يدرك بها وعنها ـ كونها جزء من المعرفة حدسية أو حسية ؟ بمعنى هل التأمل وحده وسيلة لبلوغ المعرفة أم لا بد من التجربة المحسوسة ، وما هو دور الشعور في التعلم؟ وإلى أي مدى تتأثر حواسنا بعقلنا الباطن المتشكل في منطقة اللا وعي ؟ العلم تراكمي ومنهجي بلا شك ومنبع للابتكارات العملية والواقعية ، بيد أن التأمل الذاتي وحدة من عوامل عدة رئيسة للتميز والتفرد. ربما كانت الإجابة مفسرة في سياقنا التالي : معايير المعرفة عند ابيقور ـ 341 ق . م ـ 241 ق. م ـ 1 ـ البداهة، بداهات مباشرة أخرى غير الاحساسات والانفعالات. بداهات طبيعية متمايزة وغير قابلة للإرجاع إلى غيرها تجاوز الظواهر وتصل إلى حقيقة الوجود، مفهوم تصوري مخالف للبداهة الظاهراتية عند هيدغر 2 ـ الانفعال أو الشعور السلبي. 3 ـ الاحساس والتصور القبلي. 4 ـ الحدس الكلي والحدس الفكري هو مفردة من مفردات الحدس الكلي أو النظرة الخاطفة، يتجاوز الحواس هناك حقيقة لا بد من تحريها قبل المضي قدما ، ألا وهي : مدلول المفردة اللغوية منفردة أو ضمن جملة ما، بالضرورة ليس هو حقيقة المعنى المقصود، فالسياق والموضوع هما من يحدد توجهات المفردة ، أي التصور المباشر أو الانطباع الفوري لدى رؤية أو سماع كلمة أو كلام غالبا ما يكون مخادعا. البداهة الأولى هي بداهة الانفعال أي الشعور باللذة والألم، و الحالة الانفعالية تحث الإدراك ليصدر حكما ، وكل إحساس هو حالة سلبية ـ أي لا عقلية ـ يُعلمنا على نحو أكيد ومحقق بالعلة الموجبة التي ولدته وجميع الإحساسات صادقة، والموضوعات هي على وجه الدقة تماما كما تتبدى لنا لكن بشرط أن تبقى في حدودها. اللذة تُعرفنا بعلة اللذة أي اللذ ، والألم يعرفنا بعلة للألم وهي المؤلم، إنها ـ أي الحواس ـ لا تستطيع أن تضيف شيئا للتأثير الخارجي أو تحذف منه شيئا ، هناك إدراك حسي سلبي ـ يتشكل بذاته داخل بايناً مفحصا عن وعيه الخاص. فالبداهة تنصب على المعيار ، آخذين بالنظر إلى الانفعال كمعيار أول والاحساس بالمعنى السلبي لتأثير الحواس معيارا ثانيا للحقيقة . " الثقة المباشرة والشك في كل ما يضفيه إليها العقل ذلك هو شعار نظرية ابيقور في المعرفة " هناك ما ندعوه البناء العقلي للشيء ـ أي شيء قد يكون الكون بجملته وقد يكون الحصان ـ هذا البناء بمنأى عن الاحساسات ، وهو أقرب ما يكون للبداهة التي بدورها كانت تصورا قبليا (2) اللذة والألم مقياس للسعادة والطمأنينة، فالاعتدال باللذة هو خير صرف ، وهو المعنى الحقيقي لفهم اللذة، وتجنب الألم مصدر للسعادة، والموت هو نهاية كل شيء، فلا تخاف من الموت وعش الحياة بحكمة وتمتع بحكمة ، ربما كانت تلك المفردات إضاءات على فهم أبيقور لمعانيها ومضامينها ، لكنها بالتأكيد قاصرة عن القاء ضوء كافٍ لظهور فلسفته هناك حاجة لمزيد من الكلام ـ أي البيان ـ " هدوء النفس وضياء الفكر : سمتان لا تقبلان انفصاما، وفي اتحادهما الوثيق تكمن أصالة الأبيقورية، ، ولا وصول إلى هدوء النفس إلا عن طريق تلك النظرية العامة في الكون التي تعرف باسم الذرية والتي تبدد وحدها كل أسباب البلبلة والبلبال " العلم والمعرفة سبيل الطمأنينة والهدوء وحتى اللذة والمتعة ، هكذا فقط نستوعب ضرورة فهم ابيقور وفلسفته. لنتخيل الحواس كمصدر للمعلومات ، العقل هو المعالج أي الواسطة التي تحيل المعلومة وتنقلها ، تفكك وتحلل وتقارن ما هو موجود في الذاكرة، ثم بعد إدراك الصورة ومعناها يُصدر الوعي الحكم. 1 ـ الصورة المحسوسة ، لا يمكن الجزم على الإطلاق بخطئها ، كذلك مدى انطباقها أو موافقتها للحقيقة. 2 ـ المعالجة : لها أهميتها الخاصة جدا فهي التي تحيل المعلومة وتعطيها تصنيفا ـ معنى ـ بناءً على صور وأحكام ومحددات موجودة في الذاكرة . 3 ـ الذاكرة : التصورات السابقة ، واختزان الجديدة ، يتوقف على سعتها وتنوعها وقدرتها على التخزين ـ التصنيف ـ مدى القدرة على إعطاء معلومات كافية للفهم والإدراك، وهناك تناسب طردي بين مواصفات الذاكرة وجودة التحليل وشموليته ، ماذا تختزن الذاكرة ؟ هنا تظهر من جديد أهمية الحكم الصادر ؛ إذ أنه بناء عليه تختزن الذاكرة ، أي إنها تختزن ما يقرر ، في جملة المخزونات ، الأحكام السابقة المختزنة صحيحة أم خاطئة ـ أم بينهما أي مشتملة على الاثنين معا ـ هي التي ستحدد طبيعة الصورة ـ المعلومة ـ المخبأة باعتبار مجموعة الصور قاعدة لمعلومة جديدة وحكم جديد . 4 ـ الحكم ـ هو النتيجة النهائية التي يصدرها العقل بما تشكل لديه من إدراك جديد للصور التي تحولت لمفردات ومعلومات ـ وصور جديدة ـ فيصدر حكمه بناء عليها ، وأيضا هناك تناسب طردي بين عمق الوعي وخبرته وسعته وبين دقة وصوابية الحكم وانطباقه بل قربه من الحقيقة. علنا نلاحظ تلك العلاقة الجدلية بين الحكم و التصور ، فكل الأحكام المصدرة هي تصورات قبلية في الذاكرة. إنها آلية المعرفة عند البشر ، وكأننا نتحدث عن جهاز كومبيوتر ، وألية تكاملية لتكوين المعرفة ، تعامل مع المعلومات والصور لإنتاج جديد مشابه ومختلف في ذات الإطار، نعم إنها مقاربة تحاول الربط بين أقدم جهاز معرفي عرفة التاريخ ـ العقل ـ وبين أحدث جهاز معرفي أنتجته التقنية الحديثة، ولكن من قال بأن الكومبيوتر ليس محاكاة لآلية صنع المعرفة عند الإنسان. العقل ذلك ـالمتكون ـ الكائن الماهوي الموجود في طبيعة كينونة الإنسان يعاود الظهور كظاهرة جديدة بالاستناد إلى ما هو مكنون ـ مخزون بالوعي والتكوين ـ في الوجود، باعتبار الأهمية القصوى هي للوعي بوجود الإنسان كوعي بالوجود أصلا، هل هي أفلاطونية أم ظاهراتية هوسرل ، أم الاثنتين معا ؟ يتكرر التساؤل دائما هل أصاب زينون الكتيومي ـ ( 324 ق.م. – 262 ق.م ) والرواقيون من بعده باعتبار الحس وسيلة وحيدة للمعرفة أم ما زالت مقولات أفلاطون المثالية تهيمن على عالم المعرفة، بحيث تعتبر الموجودات المدركة بالحواس أطلالا، وما المعرفة إلا انعكاسا لمثال موجود في المعلوم بالقوة المنتقل إلى معرفتنا عبر المعلوم بالفعل ؟ تستوقفنا هنا مقولة الإحساس الباطن ، فالمخيلة إحساس باطن ، والذاكرة كذلك ، والحس المشترك بين شخصين أو بين مجموعة من الناس إحساس باطن، هكذا تهرّب الماديون من حقيقة وجود غير مادي ، ولعله مخرج عملي مفيد. "زينون الكتيومي هو نبي اللوغوس ـ راجع فضلا شرح المفهوم في الفصل الأول ـ فالفلسفة عنده هي علم الأشياء الإلهية والبشرية أي جميع الكائنات العاقلة أي الموجودات طراً...بيد أنه ليس لعقلانية اللوغوس أن تخدعنا أو توقعنا بالوهم ، فما هي باستمرار لعقلانية العقل أو تعقله ، أو لتَعقِيلة سقراط وأفلاطون وأرسطو ، لقد كان كل قوام المذهب العقلي ـ عند زينون ـ منهجا جدليا يمكن معه تخطي المعطى الحسي لبلوغ الصور أو الماهيات النسبية إلى العقل .. فليس مبتغاها من قبيل استبعاد المعطى المباشر للحس ، بل على العكس معاينة العقل وهو يتجسد فيه؛ وليس من ثمة من تقدم يقود من المحسوس للمعقول إذ ليس ثمة فارق بين أحدهما والآخر .. فالعقل يحوز ملاءه وتمام ما هيته في المحسوسات" (3) هل هي مغالاة في تقدير الحواس أم مقاربة لتعقيلها ؟ لكنه بدون شك تأسيس معرفي على قاعدة الإحساس ما فتئ يتردد صداها في الفلسفة الحديثة ـ المنهج التجريبي عند فرانسيس بيكون 22-1561 ـ 6-4-1626 . توما الإكويني (1225 م – 1274 م) فيلسوف ولاهوتي إيطالي كاثوليكي، حدد طرقا ثلاث للمعرفة، حيث اعتبر الوحي أو الإلهام جزء أساسيا : 1 ـ العقل 2 ـ الوحي 3 ـ الحدس ، وينحاز توما إلى مفهوم قريب من مفهوم الفطرة عند علماء الكلام المسلمين باعتبار الحدس وحيا مسبقا يخلق ويوجد مع الإنسان بقدرة إلهية. وطور فلاسفة الصوفية الإسلاميون مفهوم الوحي ليكون الحدس الصوفي واحدا من صوره بل ومعرفته ، رغم عدم شيوع المصطلح بيد أن دلالاته جلية عند ابن عربي ومماثلة لمعنى الكشف أو الاتصال ولا أجده بعيدا عن مفهوم العلم الَلدُني .( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) سورة الكهف الآية 65 في حين نجد جون لوك ـ 1632 1704 ـ وهو من أتباع المذهب الحسي مخالفا للمذهب الفطري الذي ينطلق من معرفة داخلية مباشرة ، يخالف الإكويني بطرق المعرفة فهي العقل و الحدس والاحساس. " فهو يرى في الفطرية ضربا من عقيدة تقول بالإلهام الفردي ، وتضع الأحكام دونما حافز " وبهذا " المفهوم الفطري " يكون من المفروض وصول الناس كافة لإلهامات الفطرة، وأن تصبح إلهامات ـ المعرفة الفطرية ـ ثابتة وكلية عند الجميع بصرف النظر عن الملكات الذاتية والمكتسبة ، وبذلك يطيح لوك بمعطيات الحدس الأفلاطونية متماثلا مع القول التجريبي " لا يكون في العقل شيء إلا أن يسبق في الحس" والفطرة هي الحكم المسبق. وقوام كل معرفة هو "إدراك ما بين الأفكار من توافق " المهم إدراك العلاقة ، والمعرفة يقينية دوما وما يسمى بالاحتمال منتبذ خارجها ، وهي حاصلة مباشرة بادراك حدسي يُؤَمن توافق وجود فعلي وواقعي موائم لشيء تكون فكرته حاصلة لنا في الذهن" وحاصلة تدريجا أيضا عن طريق برهان يَردنا رويدا رويدا إلى إدراك حدسي." لوك الحكيم ، هو الصانع الأول لذلك التحليل الأيديولوجي الذي سيهيمن لأمد طويل من الزمن على الفلسفة ، كضرب من توفيق وتسوية بين فن تأليفي يركب جميع المعارف الممكنة من عناصر بسيطة محددة وبين نزعة تجريبية تقرر ، بمقتضى التجربة والاستعمال أي من هذه العناصر وأي من هذه التراكيب القيمة. (4) هكذا نجد فلاسفة العصور الوسطى والحديثة يدورون في فلك الأولين: أفلاطون وأرسطو. فما الإلهام أو الوحي عند فلاسفة المسيحية ومتكلمي الإسلام إلا انعكاسا نمطيا لمثالية أفلاطون ، وما مادية توماس هوبز5/4/1588ـ 4/12/1679 وجون لوك 29/8/ 1632ـ 28/10/1704إلا انعكاسا لنمط أرسطو المعرفي. يا ترى هل يمكن الجمع بين مصادر المعرفة الأربع: العقل ، الوحي ، الحدس ، الحواس، مع الانحياز لاعتبار الوحي ثيولوجيا ، أي اشتماله على علم الأديان ؟ ربما كان الجواب الفصل عن أبو حامد الغزالي.. المعرفة سيرورة تكوينية وليست واقعة نهائية، إنها واقعة ممكنة ، سيرورة أنطولوجية تعطي معناً للزمان وتفرض صورا على المكان، وهي فينومينولوجية تنحاز للتعليق والرد والذهاب " نحو الأمور بنفسها " مرتكزة على البيان والكشف لمعرفة الظاهرة وصور ظهورها بتحرر من معطيات سابقة عنها وفيها. بين مادية هيراقليطس 535 ق.م ـ 475 ق . م ـ ومثالية ابن رشد: 14-4-1126 ـ 10-12-1198 التصنيفات المدرسية للفلسفة ليست صارمة الحدود بل هي في مقتضى الأحوال متداخلة لكن المنهج الغالب والأقرب يطبع فيلسوفا ما بطابعه ، أما عن اعتبار ابن رشد مثاليا ففيه بعض الغرابة فمشهور انحيازه لأرسطو وعقلانيته واقتفاؤه لمنهجه الصوري التجريبي، بيد أن ابن رشد هو في النهاية فيلسوف مسلم وتاليا تبقى مثالية فلسفته مرتبطة المعرفة الفطرية بما تعنيه من اقتراب بالغ للمثل الأفلاطونية وكما لا يخفى فهو أفنى ردحا من عمره في التوفيق بين أفلاطون وأرسطو. يعد المذهب الطبيعي في الفلسفة مذهبا ماديا كونه يعتبر العالم غير محدود ـ لا متناهي ـ ومتغير على الدوام ـ لا متعين ـ والتغير ناتج عن حركة آلية فكل حركة سبب لمتحرك وكل متحرك سبب لحركة جديدة، وهكذا يعتبر العالم في حالة تغير دائم فالمادة لا تفنى لكن تتغير من هنا جاءت المقولة الشهيرة للفيلسوف اليوناني الغامض هيراقليطس : " أنك لا تستطيع العوم في ماء النهر مرتين لأن هناك مياها جديدة تجري من حولك أبد ا " الفيلسوف المسلم الرائد ابن رشد أوجد ثنائية في مسألة الفناء ـ فناء المادة ـ فاعتبر العقل الفاعل خالد لا يفنى والنفس عقل منفعل لا تفنى بل تنتقل وتتحول، واعتبر الفناء مرحلة لبعث جديد، فكل من عليها فان وكل من عليها سيبعث من جديد ، ربما كان وجه التقابل بين الأقدم اليوناني وبين الأقرب الأندلسي ازدراؤهما " بالمتاجرين بالأسرار ممن يغذون جهل البشر بالغيب" والازدراء بالقصور السياسي للجمهور الذي لا يحجم عن طرد الأخيار " مع اختلاف العبارات، وكلاهما طبيب وفيلسوف نخبوي تتقارب رؤيتهما الكوسمولوجية إلى حد ما. لقد فرق ابن رشد بين فقه العامة والخاصة ، وعد الشريعة والعقيدة علم لا يخضع للنقد والتمحيص وهو مسألة تسليم عمومي ، وعد الحكمة ـ الفلسفة ـ حكر على الخاصة ولا يلج إليها إلا أصحاب سوية علمية وعقلية متفوقة. وهو إمام التوفيق بين الشريعة والحكمة.1180 م وكتابة الموسوم بهذا العنوان من أشهر مقالاته وأكثرها تداولا وانتشارا وترجم لعديد اللغات ، وبقي مجهولا طيلة العصر اللاتيني الوسيط ، كما العصر الحديث ، حتى ظهرت ترجمته الألمانية 1859 طبعة مللر. والمقال حسب الترجمة العربية دفاع شكلي عن حق الفلاسفة في تأويل الشرع بضوء المنطق شريطة ألا ينكر أصلا من أصول الدين الثلاثة وهي ، وجود الله والنبوات ـ الرسالات السماوية ـ والعاقبة الأخروية. الفلسفة عند ابن رشد هي " معرفة الوجود على ما هو عليه " والوجود عنده أصناف ثلاثة : الوجود الكلي للعالم ، وهو إدراك حدسي ، " الأول : موجود من شيء ولا يتقدمه زمان ، لكنه موجود من شيء فاعل وهذا هو العالم بأسره " والثاني موجود لم يكن عن شيء ولا تقدمه زمان وهو القديم ، وهو وجود مدرك بالبرهان وهو فاعل الكل وموجِوده ، الحافظ له سبحانه وتعالى قدره، الثالث موجود وجد من شيء ، أعني عن سبب فاعل ومن مادة والزمان متقدم عليه ، أعني على وجوده ، وهذه هي حال الأجسام التي يُدرك تكوّنها بالحس مثل تكوّن الماء والهواء والأرض والحيوان وهي محدثة "(5) إدراك حسي. يفرق ابن رشد ادراك الوجود ، فهو حسي للمحدث وعقلي للقديم وتخيلي لما قبل الحاضر وما بعده، لكنه في كل الحالات إدراك حقيقي للوقائع بماهي وما كانت عليه وما ستكون، والسؤال عن موقع الزمان في هذا الوجود هل هو شيء منه أو كائن منفصل عنه ؟ أغلب الظن أن الزمان كينونة موجودة وجودا مستقلا عن الظاهر فهو شيء موجود ومن الوجود ، بمعنى كونه كائن لا تفرضه الحركة أو ظهور الموجودات، للننظر في كلام ـ بيان ابن رشد " المتكلمون يسلمون أن الزمان شيء مقارن لحركات الأجسام فهو أي الزمان غير متقدم على العالم ، وأن المستقبل غير متناه وكذلك الوجود المستقبلي ، إنما يختلفون في الزمان الماضي والوجود الماضي ، فالمتكلمون يرون أنه متناه ، وهذا هو مذهب أفلاطون وشيعته، أما أرسطو وفرقته فيرون أنه غير متناه كحاله في المستقبل، فهذا الوجود الآخر الأمر فيه بيّن، إنه قد أخذ شبها من الوجود الكائن الحقيقي ومن الوجود القديم ، فمن غلب عليه ما فيه شبه القديم على ما فيه من شبه الحديث سماه ( قديما) ومن غلب عليه ما فيه شبه المحدث سماه حديثا (6) يكرر ابن رشد مقالته بعدم طرح علم البرهان ـ التأويل ـ على العامة فذلك فساد كبير ولن يكون منه زيادة المتعلمين بقدر ما زيادة المشككين والشك بظاهر الشريعة مفسدة لهؤلاء ، فالناس على ثلاثة أصناف ، خِطابيين ، واطلاعهم على علم البرهانيين يفضي إلى كفرهم وهم الأكثرية ، الصنف الثاني جَدليّون ، يميلون لمعرفة الحق بالجدل وكثرة السؤال ويظنون بأنهم أهل علم وهم ليسوا بذلك ، وهم طبقة وسطى بين العامة والخاصة ، الصنف الثالث : برهانيون: وهم علماء الباطن ـ التأويل ـ والبرهان العقلي ، أهل الحكمة ، " وانقسم الشرع إلى ظاهر وباطن ، فإن الظاهر هو تلك الأمثال المضروبة لتلك المعاني ـ معاني الشريعة ـ والباطن هو تلك المعاني التي لا تنجلي إلا لأهل البرهان. " ينبغي أن تعلم مقصود الشرع إنما هو تعلم العلم الحق والعمل الحق ، والعلم الحق هو معرفة الله تبارك وتعالى وسائر الموجودات على ما هي عليه ، وبخاصة الشريعة، ومعرفة السعادة الأخروية والشقاء الأخروي، والعمل الحق هو امتثال الأفعال التي تفيد السعادة " (7) " إن الحكمة ـ أي الفلسفة ـ هي صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة " عن علوم الشريعة " فعلها المقصود في إفادة السعادة الإنسانية " "العلم الحقيقي هو معرفة الوجود على ما هو عليه" وهو مقصد الشريعة ومقصد الحكمة. تلك أقوال ابن رشد ومقاصده من تحقيق الاتصال بين الحكمة والشريعة. في معرض رده على أفلاطون بما يخص النساء ومكانتهن يحقق القاضي أبو الوليد سبقا تاريخا متقدما على معلمه وقدوته وأقصد المعلم الأول أرسطو، " تتجلى آراء ابن رشد التقدمية، تجاه المرأة في جانبها السياسي من خلال عرضه ومناقشته للقضية التي طرحها أفلاطون في كتابه "الجمهورية "، بشأن تقلد النساء مناصب ووظائف مماثلة للرجال، وقيامهن بأدوار مجتمعية مماثلة للأدوار التي يقومون بها في مدينته الفاضلة؛ ويعتمد الأمر عند أفلاطون على إمكان وجود طباع لدى النساء مماثلة لطباع الرجال في مختلف أصنافهم، أو عدم وجود مثل تلك الطباع لديهن، كما عرضها ابن رشد في كتابه الضروري في السياسة: "فإن كان الأمر الأول ـ أي المماثلة في الطباع ـ فقد يصح أن تقوم النساء بأعمال هي من جنس الأعمال التي يقوم بها الرجال، أو بعينها؛ فيكون من بينهن محاربات وفيلسوفات وحاكمات وغيرهن. وإن كان الأمر عكس هذا ـ أي الاختلاف في الطباع ـ فإن النساء إنما يكُّن في المدينة مهيآت من أجل أفعال لا يتهيأ لها الرجال في الغالب، كالإنجاب وتربية الأطفال وما شابه ذلك" (8) كثيرا ما أتساءل ، كيف استطاع ابن خلدون وابن رشد الجمع بين التقوى ـ الالتزام بمعاني التقوى الظاهر والباطنة ـ والتمسك بالعقل واعتناق الفلسفة، ولم أجد جوابا سوى أنهم كانوا أقرب إلى الله ممن يدعون الحديث باسم الله أو يقتلون الإنسان باسم الله مهما كانت الحقيقة يقينية أو نهائية فهي نسبية ، أي ترتبط بشروط وخلفيات ومرجعيات، إلى جانب نسق تاريخي راسخ في اللاوعي والوجدان، ولما كان الناس مختلفين في مرجعياتهم وخلفياتهم العلمية والمعرفية والأيديولوجية وجب ظهور اختلافهم وتباين موقفهم من الحق . لقد تحدث ابن خلدون (1332 - 1406م عن القوة المادية للأفكار، وفي تقديرنا فالإنسان أياً كان، ومهما علا أم دنا شأنه لا يتحرك أو ينفعل بالأحداث إلا انطلاقا من ثقافةٍ وتربيةٍ قارة في وعيه، تدفعه للتفاعل والعمل بإرادته، وفي أحايين كثيرة دون أن يدرك؛ فاللاوعي الكامن، والمُدرك المستقر في الوجدان والضمير والفكر، لهما أكبر الأثر في تحديد سلوك الإنسان ورسم مسار تفاعله وانفعاله. الحقيقة التي لا خلاف عليها هي الوجود، ـ الأنطلوجيا ـ من هنا كان أحد أسماء الله الموجود، حتى الملحدين لا ينكرون الوجود ويميلون لاعتبار الوجود قيمة عليا لا يرتقي إليها الشك لتحل محل الإله في زعمهم يعترف العلم المادي، بالمادة فقط ، خلافا لعلوم المنطق ومنها الحساب ، لأنها خاضعة للتجربة المخبرية والعيانية، ويصدر الحقائق بناءً على قوانين دقيقة لا تتغير نتائجها مع تغير الزمان والمكان بشكل عام ، لكنه يبقى عاجزا حيال تفسير نهائي لمعنى الوجود ومعرفته بذاته، ويهمل العلم الجانب الروحي في الكون والطبيعة والإنسان لأنه غير خاضع لمعايير وقوانين العلم، وما ذلك بنقض للعلم المادي بل هو إثبات حاجةٍ لعلوم تغطي جوانب ما زالت محجوبة وغامضة ، لعل السؤال الذي لا يجيب عليه العلم ـ لأنه لا توجد لديه قوانين ومعايير وأقيسة خاصة ـ كيف نصنع أو كيف نربي إنسانا خيراً لا يستغل العلم لتدمير البشرية، وكيف نحقق سعادة الإنسان إذا كنا غير قادرين على الأقل إنهاء موت الإنسان جوعا، وكيف ننهي وجود الشر داخل نفوس تملك كل شيء لكنها لا تبال بموت الإنسان، لقد وقف العلماء عاجزون عن تفسير السبب أو الأسباب الحقيقية الكامنة خلف حالة الهستيريا والتطرف التي تجتاح القرن العشرين ، وما زال غير قادر على كبح جماح التعطش لاحتكار ثروات العالم من قبل شركات رأسمالية كبرى حتى ولو على حساب الطفولة وتشغيل صغار السن أو على حساب افناء السكان الأصليين وتدمير مجتمعاتهم واختلاق الحروب الأهلية من أجل النفط والغاز والألماس، إن تلك الأسئلة هي من جدوى الفلسفة كعلم يهتم بسعادة الإنسان منذ القدم ويفكر بإخراج العلوم من أزمتها حديثا ومستقبلا . " إن الفلسفة لا تدعي أنها تستجيب لكل حاجات الإنسان بل تروي واحدة فقط من هذه الحاجات ، أي الحاجة إلى التفكير بوضوح بعلاقة الإنسان بالوجود" " أننا لا نستطيع أن نفهم لماذا يقف البحث عن الحقائق الفلسفية كعائق للإنسان عن متابعة مهماته الأخرى ، ولا لماذا يكون التفكير في الموت مانعا من النضال ضد ما يحكم على الإنسان في النظام التاريخي ، بالموت قبل الموعد المعقول . والموت كالعذاب جوهر وهو حادث ، فهل من الضروري لمناهضة هذا الحادث أن نجهل جوهره ، وإذا نظرنا إليه كحادث فانه يكون من اختصاص الطب والسياسة وإذا نظرنا إليه كجوهر يكون من اختصاص الفلسفة " (9) هكذا تحدث الفلاسفة وهكذا ينجلي الدور الفلسفي بمحاذاة علوم أخرى. الشعور وفعل فَكر : " لا يمكن أن نسأل عن الكون دون أن نسأل عن ماهية الإنسان" مارتن هايدغر ينتقل الإنسان خلال تطوره العقلي من مرحلة ردود الانفعال المنبثقة من عقله الباطن ، أي استجابة غير واعية للحواس والمشاعر والأحداث ـ إلى مرحلة الاستجابة الواعية المنبثقة من منطقة الإدراك التي تتحول لأداة تحكم بالسلوك كلما ارتقت وزادت معارف الإنسان وعلومه ، وبالمقابل عندما تضمحل ثرواتنا المعرفية والثقافية يزداد اتكاؤنا على رقعة العواطف والوجدانيات ، الجميل هنا أن بعض انفعالاتنا وردود أفعالنا اللا إرادية تكون خيرة وايجابية ـ كتقديم الصدقة مباشرة بعد رؤية محتاج ـ ومرد ذلك لتربيتنا السليمة في مراحل الطفولة المتقدمة جد ا، أليس مستغربا أن يبدأ وعينا بالشعور ويرتكز إدراكنا عليه أيضا ، لدرجة أن تصبح مشاعر كالقلق والخوف والسأم محرضات لتفكيرنا ، فلا نفكر بما لا نشعر به ولا نشعر بما لا نفكر به وكأنه مبتدأ ونهاية ، أي تفكيرنا مرتكز على شعورنا، أية حقائق تلك التي ستقر بوعينا وأية مشاعر هي التي ستسيطر على منهج تفكيرنا، إذا كان وجودنا واقعة والعالم انفتاح وجود لواقعة ، فوجودنا مرتبط بهذه الواقعة ، قلقنا من عدم الاستمرار وخوفنا من خطر يهددنا بالزوال يجعلنا نشعر بالخوف من الموت بما أنه حقيقة ، يرتبط المفهوم بتحديدنا لمعنى الزمن، هل هو فعلا شيء نظري موجود اقتراناً بالحركة وبدونها يفنى كما عند هيراقليطس أو أنه ذو أصالة داخلية كما عند هايدغر ، يرى ابن رشد الزمان صيرورة ،كان وكائن وسيكون ، لا تلزمه الحركة ولا يحيطه المكان فهو كلي وربما ماهوي ، الوجود الإنساني وعي بالعالم وبذاته وبالزمان كصيرورة ، "تواصل بين الكائن والآخر، وتواصل بين زمانية الكائن وتاريخيته" فالشخص هو الذي يقرر طريقة وجوده بنفسه، فهو المسؤول عن ذاته، وهذه الخاصية يكون فيها الموجود غالبًا مستغرقًا في عالم الاهتمام، ويعني نسيان حقيقة الوجود، والإشراق في الوجود مع الآخرين" (10) وعي العالم والآخرين من خلال وعينا لذاتنا ، ومعرفة العالم بدءً من معرفتنا لنا ، أي الوجود الإنساني محور لوعي الوجود الكوني ، فبالنهاية يرتكز جدوى الفلسفة على قدرتها على إعادة الإنسان لوعيه ليكون منطلقا لتفكيره، حيث لا تكون نتيجة توظيف معارف سببا لتدمير الفرد والمجتمع والعالم. " الغرض من الفلسفة تكوين ملكة تهيء الفيلسوف أن يعيش حتى لو فرض وألغيت كل الشرائع كما كان يعيش وعي قائمة" ارسطبس الأفكار مادة أولية مدفونة في أعماق الوعي تؤهل العقل لإدراك المعاني وكشف الحقائق ، وهي كالذهب و النحاس والنفط وما شابهها لا تدخل حيز النفع إلا بالخروج للعلن وبالاستخدام الصالح حتما. عندما يكون الخروج واعيا ، لكنه أحيانا يكون خروجا تلقائيا قد يصح وصفه بلا شعوريا، فيأتي مدمرا أو قد يأتي ايجابيا حسب غلبة؛ بل أفضلية الخير أو الشر أو الفضيلة الراسخة في عقلنا الباطن ، لذلك يصبح للمنابر ومنصات النشر والتعليم قيمة إضافية بارتباطها بمدى تأهيل البشر، ولما كانت ـ حسب تقديري ـ كل سلوكيات البشر وردود أفعالهم وأفعالهم الواعية تنطلق من الطاقة المتولدة ضمن منطقة اللاوعي المتشكلة من تربية وتعليم وخبرة مختزنة ، ومخيلة مجتمعية متحكمة ، ومن منطقة الوعي المبنية من إرادة امتلاك العلم والفكرـ المعرفة ـ ووجود مادة توليد الطاقة وأقصد التفكير ،مرورا بالشعور كمحرض للتفكير كان واجبا إدراك أهمية تأثُرنا المباشر واللاإرادي بما نتعلم وما نبحث عنه وما نعتقد بصوابه، ما يردنا للاهتمام بالمشاعر المولدة للأفكار ـ الوجدان ـ تلك هي منصة ذات فاعلية قصوى يفترض التنبه لقدرتها على توليد أفكار مرتبطة بما خلفته المشاعر من انطباعات عن فكر بذاته ومفاهيم بذاتها ، كي نتمكن من امتلاك مفاتيح التحليل والفهم لما يجري في حياتنا كأفراد ومجتمعات، حتى ندرك الهدف والقصد والغاية قبل الحركة والسعي والعمل ، فكم من تحركات عفوية متمردة تمنينا لو أنها ما خرجت وكم من أخرى أصابت ـ خاصة تلك المحرّضَةُ من مشاعر خيّرة كحب الكرم والمروءة والتعاطف مع الضعيف والمظلوم ، حقا تسكن الغرابة الشديدة عالم الكوجيتو أنا أفكر إذن أنا موجود ، وأنا أفكر إذن أنا المفكر فيه ، أنا في تعيين آنيتي ومعرفتي لأهمية وجودي أنطلق لإدراك الآخرين والعالم من حولي ، فأنا أنت، ومجموع نحن وهم . هكذا تغدو حياتنا جملة معارف تصنعنا ونصنعها ، وبتمام أو قرب تمام معرفتنا لنا ووعينا بالأنا ، نكون أقدر على فهم حريتنا باعتبارها مفهوماً بنيوياً وجودياً وعقلياً مجردا. لنفهم أو لندرك مكانة المشاعر كمولدة للأفكار علينا الاقتراب من هايدغر كأحد الفلاسفة الذين أسسوا للوجودية بمنهاج تطبيقي بارع للغاية يقبل تعدد الرؤى وصرامة تحديد المصطلحات وإنشاء المفاهيم حتى غدا بتقديري من أكثر المنتجين للمفاهيم بعد العصر القديم للفلسفة " وركيزة فكره بعض المشاعر التي لا ترتبط لا بهذا الموضوع الجزئي أو ذاك ، بل بالوجود بصفة عامة وأحواله : القلق والهم والألفة ، السأم ، العزلة ، الدهشة ، الضيق ، فمشاعر من هذا القبيل هي التي تجلو ماهية العالم ... المعطى ، أو الوجود الفعلي هو الوجود في العالم ، وليس المقصود بذلك مجرد التعاطي مع الأشياء الخارجية التي تحيط بنا بالشعور بالوجود في كلية الوجود"(11) فنظرية المعرفة تنطلق بالضرورة من نظرية الوجود، فهو الحقيقة المطلقة التي لا خلاف على جوهريتها في كل معرفة ، ولما ندرك أهمية ومحورية وجودنا وسط العالم والعالمين من حولنا نبدأ بتحديد اختياراتنا من الخيارات الممكنة، أعطى هايدغر الوجود كما يتجلى وسيتجلى مصطلح " الدازاين " وأولاه أهمية محورية بالغة في كتابه " الكينونة والزمان " وبالمنهج الظاهراتي يكون الدازاين هو الوجود كما يظهر أي يكشف عن ذاته وكما سيكشف، وعليه يستطيع الإنسان فهم وجوده من خلال فهم الدازاين وعلاقته به فإذا نجح الإنسان في فهم وتقرير وجوده بالدازاين يصل إلى حالة التسامي والانسجام بالوجود أي الألفة مع الوجود كعائلة أما حالة الفشل فهي اللاتسامي المفضي إلى الكأبة ، نلاحظ هنا أن الدازاين حالة وجودية لكل موجود أو شخص بالوجود وتاليا الإنسان في حالة الدازاين والأشياء حولة أي العالم. المعنى الحرفي لكلمة دازاين تعني الوجود الحاضر أو الوجود المقابل لللاوجود، وهي كلمة ألمانية مكونة من مقطعين : DASEIN الدازاين كلمة ألمانيّة مكونة من كلمة DA بمعنى هناك و SEIN بمعنى يكون. . ويستخدم هايدغر هذه الكلمة للدلالة على كينونة الموجود الإنساني أو كيفيّة وجوده؛ أي الإنسان من حيث هو الكائن المنفتح على الكون في تغيّره وعدم استقراره، وهذا يعني أنّ الدازاين يختلف عن سائر الكائنات من حيث أنّه ينجز كونه، فماهية الإنسان إذن، وجوده وحقيقته نزوعه إلى ما يريد أن يكون، فهو من يصنع ذاته بذاته ويجاوز بفعله حدود الواقع وينفتح على العالم."(12) يقول هايدغر في مقابلة تلفزيونية شهيرة مختصرا فلسفته وتعريفه: : سؤال الكون وبسط هذا السؤال يفترضان بالضبط تأويلا للدازاين، أي تحديدا لماهية الإنسان. والفكرة الأساسية لتفكيري هي بالضبط أن الكون وبالتالي انفتاح الكون يحتاج إلى الإنسان، وأن الإنسان لا يكون بدوره إنسانا إلا لأنه يقيم في انفتاح الكون. بذلك يجب أن يكون قد تم الحسم في السؤال: إلى أي حد اهتممت فقط بالكون ونسيت الإنسان. لا يمكن أن نسأل عن الكون دون أن نسأل عن ماهية الإنسان. يستعمل هايدجر هذا المفهوم للدلالة على الإنسان من حيث إنه الكائن المنفتح على الكون، ويعني ذلك أن الدازاين يختلف عن كل الكائنات الأخرى من حيث إنه ينجز كونه ـ عالمه ـ ، وبذلك تكون له علاقة بكونه وبكون الكائنات الأخرى. وحيث أنه ينجز كونه، فهو لا يتوفر على خصائص بالمعنى المتداول للكلمة، بل إن "خصائصه" هي كيفيات لكونه (13) " الدازاين له ضروب عدة في أن يكون ذاته وأشكال في أن يعاني عدم استمرار ذاته ؛ حيث يتحول إلى شخص آخر متعددة في أن يحافظ على استمرار ذاته مثلما أنه له ضروبا عدة لا يكون ذاته ، وأشكالا عدة... هو الكائن الذي هو أنا نفسي في كل مرة ، الذي كينونته هي لي في كل مرة " (14) هكذا تغدو المفردة مصطلحا ملحاً في الظهور المتكرر، لما أصبح مركزا تدور حوله عديد المفاهيم الأخرى، ويغدو بيانه وكشف مكنوناته ضرورة لجلاء الفهم ووضوح التأويل. ما الخوف ؟ "وما القلق الا حالة الخوف المطلق أمام العراء المطلق" حالة حيوية تدفع الكائن الحي للفعل أو الكف عنه، والخوف سمة عقلية عاطفية فالمجنون لا يخاف وميت الإحساس لا يخاف ، وهو شيء مختلف تماما عن الجبن رغم تشابه تأثيرهما ، فالجبن أيضا قد يكون مثبطا أو محفزا، والخوف نقيض الاستقرار العقلي والعاطفي، خلاف الاطمئنان النفسي والعقلي ، والجَسُور يطرح الخوف جانبا فينسى وجوده ، والجريء أو الشجاع يتغلب على مخاوفه. مع إدراكه لوجودها ، ولا علاقة للخوف بالخير والشر ، بقدر ارتباطه بالتربية والتعليم والتدريب والوعي ، فالكائن الحي يخاف مما يجهل ، أجمل الخوف وأروعه خوف الورع والتقي الصادق الكامن خلف عيون الناس ودون رقابة المجتمع. ربما من هنا جاءت الحكمة الشهيرة رأس الحكمة مخافة الله .فقيم الخير مقدمة لاجتناب الشرور، ومحفز لفعل الخيرات ، ولعل جماعة التصوف ارتقت أو بالغت في تجاوز مسألة الخوف من العقاب أو الرغبة بالثواب ليصبح فعل الخير مجردا إلا من حب وصفاء نفس ، هكذا يمكننا فهم المقولة المأثورة عن رابعة العدوية : اللهم اني ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكنني عبدتك لأنك أهلا لذلك. وليس في ذلك استغناء أو لا مبالاة بقدر ما هو وعي وإدراك ل حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق بعيدا عن الخوف وتعاليا عن المنفعة. مر معنا أهمية الشعور وارتباطه بالتفكير والوعي ومدى سيطرته على بنيوية ميكانزما تفكيرنا ، فعملية إنتاج الوعي داخل النفس باعتبارها شق عقلي لإدراكاتنا المنتجة لوعينا بالأشياء والموضوعات وبالمقام الأول بذاتنا ومن ثمة وجودنا ووجود العالم من حولنا، الخوف مثلا واحد من مشاعر وجدانية ـ القصد أنها مرتبطة بمسألة وجودنا ـ كان لها على مدى تاريخ الإنسان تأثيرات متباينة بناءة وأخرى سلبية ، بيد أنه عند هايدغر يأخذ بعداً مختلف كلية فهو تعبير عن انهمام بقضية البداية والنهاية لوجود الأنا ـ الدازاين " " الإنهمام ـ القلق ـ هو مفهوم متميز عند هيدجر لأنه يعبر عن تجربة خوف يعيشها الإنسان في مواجهته للتناهي والشعور بالضياع في العالم وانتفاء القيمة واصطدامه بالعدم وليس مجرد خوف من مخاطر واقعية تهدد الحياة الإنسانية بالانتفاء، كما يعبر الانهمام عن تجربة الوجود نحو الموت ... يتجلى الوجود الزائف للدازاين في مظاهر القلق والشعور بالغربة والتباعد والسقوط واللغو والالتباس والتوسط والتأثر الوجداني وهي مظاهر فردية رغم اندراجها ضمن مظاهر جماعية مثل الناس والشعب والحشد والحياة اليومية فإنه يمكن رفع هذا الوجود الزائف وإلغائه نحو الاهتمام المستبصر... كما يتضح الوجود الحقيقي للدازاين في مظاهر الخوف والهم والانهمام والقلق والعدم والوجود في العالم وهي مظاهر تتجاوز وتتعالى على الوجود الزائف وتعبر عنها تجارب الوجود من أجل الموت والضمير والذنب والتصميم والتاريخية والزمانية والنداء والحضور والانعطاء" (15) لقد تحول المعنى من مجرد شعور نفسي يهم بالمقام الأول علم النفس إلى فكرة جوهرية لتعلقها بماهية وجود الإنسان، وعلة ـ سبب محرض ـ لأفعال الفكر بالإحساس أو الصور ـ قبلية كانت أم ظاهرة واقعة ـ فلإدراك الحسي أو الحدس الحسي مقدمة ومرحلة لبلوغ الحدس العقلي ، فبالرغم من ظهور تناقض بينهما إلا أن قضية الإدراك الحقيقية لا تتم بأحدهما دون الآخر ولم تستطع مدرسة فلسفية ما في إنهاء دور أي منهما أو حتى تكاملهما، حتى المثل الفطرية ما هي في حقيقتها إلا صور قبلية وتصورات فطرية لا بد لها في النهاية من إدراك بصري بالنظر إلى اعتبار العقل الكلي لا حاجة له إلى الاحساس ـ أي الحواس ـ لأنه تخطى وجودها ولم يعدم وجودها. الألم واللذة: " عندما نقول إن اللذة هي الغاية لا نقصد الكلام عن لذة الفساق والماجنين " أبيقور 341 – 270 ق.م الألم جزئي وكلي، بمعنى ؛ كمفهوم مجرد هو كلي متعدد الطبقات ومختلف الصفات ، وباقترانه بصفة أو بطبقة أو بعضو يغدو جزئيا، وباستقراء المفاهيم الجزئية يمكننا استنباط المعنى الكلي. الألم حالة نفسية عصبية ذات منشأ عضوي أو نفسي أو عقلي، بمؤثرات خارجية وداخلية وأحيانا تكون العوامل والمؤثرات النفسية بالغة القدرة وضخمة التأثير بما تتفوق به على المؤثرات العضوية ، يصيب جزءا أو فردا ثم يتعدى للكل أو المجموع، من السهل مكافحة الألم ذو المنشأ العضوي، ومن الصعب معالجة الآلام النفسية فهي أشد إيلاما وأعقد مداواة ، لكنها قابلة للعلاج خاصة مع تطور الطب النفسي والعقاقير النفسية، ومعرفة أسباب العديد من الأمراض العصبية كالصرع مثلا. الألم العقلي: قد يبدو للكثيرين غريبا أو غير موجودا ! والواقع يكشف عن آلام يسببها التفكير المركّز أو صعوبة الوصول لحلول لمأزق فكري أو عقلي بعد طول جهد، الألم العقلي يبدأ بالظهور والنمو من تطور التفكير وعمق الأفكار، وكثيرا ما يستحوذ على الجسد أو الرأس بعد بلوغ حفريات الفكر لمناطق لا يريد كثيرون الوصول إليها بل ويخشون كثيرا بلوغها. وفي مرات أخرى يظهر الألم مع التناقض الفج بين القناعات والسلوكيات. هل المقصد هو التخلص من كل ألم أيا كان مصدره أم القصد هو الوصول للذة ، كثيرا ما تترافق اللذة بالألم والعذوبة بالعذاب، فالمتبتل يتلذذ بألم العبادة للوصول ويستهين بمشقة الحصول ـ حصول الرضا ـ وما العذاب والألم في سبيل الأعلى المحبوب إلا لذة مقصودة . عرف أبيقور أخلاق اللذة بهذه الكلمات " ليست بهجة الحياة لا في الشراب ، ولا في لذة النساء ، ولا في فاخر الموائد وإنما في الفكر الزاهد الذي يميط اللثام عن أسباب كل شهوة وكل نفور ويطرد الظنون والأحكام الخاطئة التي تعكر صفو النفوس." (16) لقد بات مفهوم اللذة والألم مختلفا نوعا ما عن الشائع والمشهور ، فقصدية اللذة معيار لمعرفة علة اللاذ وعلة المؤلم ـ كما مر معنا ـ وهي سبب لحصول السعادة والطمأنينة النفسية، إن الجهود الجسدية أو التفكيرية ترافقها آلام، بيد أنها في عديد المرار تفضي للوصول إلى اللذة كونها غاية أولية لغاية أسمى ، وقد تكون المتعة أو اللذة غاية بنفسها وتبقى مع ذلك مرحلة وسيطة ؛ بمعنى لذة الاستمتاع بالجماع مقصودة بذاتها وهي هدف مُرام قبل غيره ، وبالنظر إلى نتائج العملية وكيف ستنعكس في الغالب العام راحة نفسية ونشاطا جسديا ما يساعد على نقاء العقل وراحة النفس ، دون نسيان ما تعنية ممارسة الجنس من حفظ للنوع. فلسفة اللذة هي التحرر من الألم وبلوغ المتعة بما هي حاجة طبيعية ونفسية، الحاجات الطبيعية تلبية لضرورات عقلية وجسدية ، فلكل غاية أولية أو وسطى غاية أعلى ، فالصوم ألم هدفه تحقيق لذة الطاعة والتدرب على قيم التعاطف ، كما هو ألم بغاية بلوغ لذة الأكل والشبع لأقصاها، علاقة جدلية بين تراتب الغايات للوصول لغاية أولية لا بَعد لها ، المعرفة غاية نهائية للعقل البشري وبذات السمت غاية أولية لفهم الوجود والبحث عن جوهره وغايته حتى ولو كان بلا غاية ، يسعى الإنسان للألم كما يسعى للذة وكل منهما سبب لحصول إشباع أو تلبية لشهوة تتمظهر بصورة، متغيرة كل مرة، مرتبطة بالتجارب السابقة والتصورات المخزونة ، فرؤية طفل جائع تؤلم، وصورة أخرى ـ قبلة بين شاب وفتاة ـ تحرك شهوة مفضية للذة ـ صورة من الانفعال أي شعور بحالة اللذة ـ أحيانا ذات المشهد ينعكس متناقضا ، مشهد موت عدوك المفترض في المعركة يؤدي لانفعال يدخل الفرح ذات المشهد على المقلب الآخر، رد فعله معاكس تماما ، إذن كي نفهم ببعد فلسفي ننظر بتجرد لمبعث الانفعال ورد الفعل، هنا نلاحظ علاقة جدلية بين المشاعر المرتبة للإحساس بل وبالمخيلة أيضا ـ استحضار الواقعة و الصور وفق تصور مسبق ـ ندرك أهمية المعالجة العقلية لتحديد موقف الجسد وتحريكه باتجاه احساس بذاته ، مثلا حادثة أو واقعة أو مشهد تحرك حدسا عقليا ما يرجع حالة شعورية ما ليطلق حكما مرتبطا بحدس حسي مسبق بناء عليه تتحدد طبيعة الشعور. إذن الأحاسيس ليست مستقلة أو معزولة إلا بالتحليل الفلسفي في حين هي بالواقع مختلطة ومتداخلة ، ويستمر دائما عودنا للظاهراتية التي تبنّْت الشعور كمحرض للتفكير وتاليا فالمشاعر فعل تفكير ينتج منه حدس عقلي ذاتي ـ أي هو مختلف من فرد لآخر ويكون متطابقا أو متشابها بين مجموعة ـ يصبح مؤثرا كحدس حسي مباشر كلما تكرر عرض الصورة والمشهد في الواقع وفي الذاكرة والخيال. هل من علاقة بين الموت واللذة ؟ وهل القلق من النهاية يبعث على استجلاب مزيد من اللذات والانغماس فيها راهنا ؟ وهل من الممكن أن تكون فكرة إسعاد الغير لذة بذاتها ؟ متى تكون التضحية بالحياة نهاية لإشباع وامتلاء ما بعده غير الفراغ والعدم ، في حين تصبح التضحية بالروح فداء ـ لوطن ، قيمة ، فكر ، انقاذ آخر ـ بدافع رغبة مسبقة بإسعاد الغير أو بسعادة ما بعد الحياة ، أي بدافع لذة مفضية للسعادة ؟ كلها أسئلة منطقية تتكامل إجاباتها وفق سياق فلسفي يبحث في معرفة وثيقة بالإنسان وما يمكن تقديمة كي يصبح محور التدقيق والتحقيق فتكون وجوديته ماضيا وراهنا ومستقبلا مبعثا لمنع استغراقه بعبودية ميتافيزيقية تصطنع مشاهد للعب بمشاعره وتحويلها لردود أفعال متسقة لمنتجات وسلع تدعي قدرتها على تحقيق سعادته ومنع شقائه في حين أنها تتركه نهبا لمشاعر وانفعالات مفتعلة مدروسة وفق مناهج أيديولوجية واستهلاكية . " شهوات تقوم تصورات فارغة " . " نعم أعرف نفسك لعلك تعرف أي مدى يمكنك تنغمس في لذائذ الحياة من غير أن تتجاوز الحد الذي تنقلب عنده اللذة ألما " الفيلسوف ارسطبس القرن الخامس قبل الميلاد (17) الرؤية الكلية: كل فعل أو عمل بنيوي وخاصة أفعال الإدراك ـ إذا صح التعبير ـ يحتاج لتصور أولي عام بل لتصورات مسبقة ، ومن ثمة لدراية بالتفاصيل المتدرجة من الأكبر إلى الأصغر ، والحال في عملية التشكيل والبناء المادي مقارب جدا لعملية البناء النظري أو المعنوي ، وعندما نفتقر للتصور الكلي عادة ما نضيع في دهاليز التفاصيل، ذلك الكلي هو في حقيقته أو بنيته مكون من عدد ـ كبير أو صغير ـ من تصورات ـ صور ـ جزئية. فرق دقيق بين كلية الرؤيا ـ فهم تمظهرات الظاهرة واستيعاب التفاصيل لتوظيف الظاهرة وابداع تمظهرات جديدة ، وهو كالفرق بين الخيط الأبيض والأسود، فبالرغم من اقترانها واقترابها هما في الحقيقة مادتان منفصلتان ، ومتكاملتان في آن واحد، فعملية البناء ـ مادي أم معنوي ، تحتاج لتصور أولي كلي وتنفيذ مرحلي متصاعد متراكم ، ليس بالضرورة أن نبدأ بصور تقليدية وعادية ـ مع العلم بأنها عادة ما تكون مجربة ومضمونة النتائج ـ فالتفكير الإبداعي الخلاق ينتج على الدوام صورا جديدة ومبتكرة ستصبح يوما ما تقليدية وآمنة بعد تجريبها لمرات عدة واثبات نجاحها ، هذا هو جوهر التقدم والتطور، ربما يفسر ما سلف اعتماد جاك دريدا 15/7/1930 ـ 8م11م2004منهج الظاهراتية كمبدأ للتفكيكية . . أحيانا تكون كلية الرؤيا عائقا أمام تنفيذ وتطبيق الأفكار، بسبب الاكتظاظ ، ضغط التصورات واختلاطها ، وأحيانا لحيازة تصور كلي يفوق الامكانات أو الرغبة في الانجاز السريع، تكسير الزمن . أعود للفرق الدقيق، التمييز بين رغباتنا وإمكاناتنا؛ محور واقعيتنا، والفرق بين حجم الأمنيات وحجم العمل مقياس نجاحنا. علاقة جدلية بين الحلم ونمط التفكير ، الأول يرفد الثاني والأخير يطوره. الحلم مشروع مستقبلي ورغبة جامحة في الوصول لمكانة أو مكان ما، وارتباطه بالرؤية ـ المفسرة أعلاه ـ أو بالمنام دليل على رغبويته وضخامته وأحيانا منطقيته ، فالأحلام هي طموحات صامتة ، " والسكوت نزعة إلى التكلم " مثل رغبات مكبوتة تنفس عن وجودها في ساحة العقل الباطن و في الرؤية ، لتتحول إلى تطلعات مستقبلية قد تبدو بعيدة المنال يبدأ الحلم مع بدء الوعي. وينتهي الحلم مع ضياع الطموح وحضرة اليأس، لكن الجميل والرائع في حياة الإنسان أنه قادر على استعادة المبادرة في طرفة عين، وإحياء الأمل بمجرد التفكير فيه، الحياة تبدأ في العقل والقلب ـ الوجدان ـ قبل أن تطأ القدم أديم الأرض، لا تتخلَ عن حلمك ، فأنت قادر على تحقيقه بمجرد احياء روح التوثب والطموح، ولكن ابدأ العمل فورا، أنت تحلم فأنت موجود ! " كلما وسع نطاق التفكير وسع نطاق الحلم" ما الفرق بين التفسير والفهم؟ التفسير هو شرح للقصد الظاهر الفهم هو إدراك للمعنى الكلي وهو ظاهرة التفسير علم، الفهم فلسفة، فالأول مضبوط بقواعد علمية ثابتة، مثلا: لا يصح تفسير القرآن بخلاف قواعد النحو والصرف العربية، والثاني مضبوط بالمنطق محكوم بالعقل، مرتكز على إدراك أشمل لدلالات القصد ، يترك آفاق التفكير والتأمل ممتدة بلا حدود. مثلا: عندما نفسر قوله تعالى: ( قل هو الله أحد ) قل : هو أمر من الله تعالى لنبيه بالقول بوحدانية الله، والقول إعلام وإشهار، ، هو: ضمير رفع منفصل عائد على لفظ الجلالة الله، وفيه دلالة على فردانية الوحدانية لله تعالى، الأحد: هو الواحد الفرد القائم بذاته، " الموجود بلا موجد، قبل الزمان ، المكتفي بذاته عما سواه، المتعالي عن العوالم" (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) الآية 22 سورة الأنبياء أما عن الفهم: فلننظر في ضمنية المعنى المراد والهدف المرصود من التوحيد والوحدانية المقررة في التفسير، الفهم لا يشذ عن التفسير بل يضيف عليه ويبني عليه، وهو متجدد متنور. ولا مشكلة في القول بوجود علاقة جدلية بينهما ، واستنباط أحدهما من الأخر فبداية التفسير وسيلة للفهم ، والأخير بيان وكشف للأول . " مصطلح التفسير هو طابع وجوداتي من ظاهرة الفهم، من حيث هو استشراف للنفس على الممكنات التي للدازاين ـ الكائن هناك ـ في كل مرة ، فالتفسير هو الإبانة عن شيء ما من حيث هو شيء ما ؛ من خلال بلورة الإمكانات المستشرفة في الفهم، مثلا : أن نفسر الحذاء من حيث هو حذاء للمشي وليس مجرد قطعة جلد ، أو أن نفسر الملعقة من حيث هي أداة للأكل وليس مجرد قطعة حديد.. ليس التفسير تعريفا على ما يفهم بل بلورة للإمكانات التي تم استشرافها في صلب الفهم " (18) الفهم ظاهرة ، والتفسير مصطلح ذو خاصة متصلة بمعنى وجود، أي أنه غير مجرد، مرتبط بشيء ، والفهم بما أنه انفتاح للنفس على ممكنات وجود الشيء الكائن هناك ـ وما يمكنه اعطاؤه من انطباعات تفسر وجوده بما هو هناك ، يعني قطعة حديد تصنع لتكون ملعقة تفسر بكونها أداة للأكل وليس مجرد قطعة حديد، " والذي فهم على نحو صريح ومعبر عنه ، إنما يملك بنية شيء ما من حيث هو شيء ما ، وما على السؤال المتبصر : ماذا يمكن أن يكون هذا المتعين تحت اليد ؟ يقول الجواب المفسر على نحو أنه لأمر ما، وأن الإعلان عما هو له ليس مجرد تسمية لشيء ما بل المسمى قد فهم من حيث هو الشيء الذي كذلك، ينبغي أن يؤخذ الأمر موضع السؤال " (19) الفهم التلقائي قريب من حدس حسي، ’ كرسي’ يتبادر فورا تعين صورة لمتعين معروف مصنوع من حديد أو خشب أو غير ذلك مخصص للجلوس، بما أنه أداة ، تفسير الكرسي يأخذ بعدا اضافيا ليصبح مركزا أو مكانة موصوفة، يتضمن جلوسا موصوفا أيضا ، لكنه مختلف عن الانطباع التلقائي ‘إنه أي الكرسي يملك بنية ـ مواصفات بعينها عمومية تصبح أكثر خصوصية بتفسير ،ما الشيء ،ويفصح الجواب عن اعلان ما لكونه بعدا لأكثر من التسمية " إن تفسير شيء ما من حيث هو شيء إنما هو مُؤسس في ماهيته عبر مكسب سابق ورؤية سابقة وتصور سابق ، فليس التفسير بأي وجه إمساكاً خاليا من مسبقات لشيء معطى سابقا. وإذا كان التجسيم المخصص للتفسير في معنى التأويل الدقيق للنصوص ، يستند طواعية إلى ما يوجد أمامه ، فإن ما يوجد أمامه أول الأمر ليس شيئا سوى الرأي السابق للمفسر ، المعلوم بنفسه وغير خاضع للمناقشة ، والذي يقبع ضرورة في كل منطلق للتفسير بوصفه ـ قد وضع ـ بعد مع التفسير بعامة ، بمعنى ما هو معطى سلفا في المكسب السابق والرؤية السابقة والتصور السابق " (20) الأشياء تكتسب ماهيتها عبر تصورات مسبقة وبذلك لا يعدو التفسير أكثر من إبانة عن معطى سابق بأي وجه من الوجوه، وسيكون من العسير جدا اعطاء تفسير خالي من رؤى مسبقة ليس فقط عند المفسر بل وعند الشيء ذاته وعند السؤال ، فمثلا عندما تسأل عن أدوات للكتابة فهذا يعني أن لديك تصورا مسبقا عما تريد وعندما تفسر القلم بأنه أداة للكتابة تركز على ماهية مرتكزة على فهم ـ ظاهرة ـ فالقلم للكتابة بيد أنه لا ينحصر بمعنى مادي بل ينفتح لمعاني معنوية تفيد العلم والمعرفة ، فالشيء تحت اليد ـ أي تحت المعاينة ـ يفصح عن دلالات معينة ، ما ينطبق على الأداة قد ينطبق على النص ، فتفسير النص من غير الممكن تحرره من معطيات وفهوم سابقة، فيتطلع التفسير أول الأمر لما يوجد أمامه ، والأقرب حضورا هو الأقرب وعيا، وما وُعي إنما هو رؤى سابقة وتصورات سابقة هنا ترقد إشكالية تفسير النص وما مدى توفر إمكانية لتأويل مختلف . " من خلال استشراف الفهم يكون الكائن مفتوحا في الإمكان الذي يخصه ، ويتناسب طابع الإمكان في كل مرة مع نمط كينونة الكائن الذي يقع فهمه " (21) . "لا وجود لمفهوم محض، إذ المفهوم ليس صورة عقلية بقدر ما هو شكل لممارسة تجربة فكرية" علي حرب مراجع ومصادر وأعلام : . 1 ـ المصالحة مع العقل ، مقدمة في علم الإصلاح والتجديد ، إحسان طالب، نظرية للمعرفة دار متري 2010 2 ـ موسوعة تاريخ الفلسفة ـ أميل برهييه، المجلد الثاني معايير المعرفة الأبيقورية ، الصفحات 97 ـ 103 3 ـ مصدر سابق مجلد أول صفحة 52 باختصار 4 ـ مصدر سابق المجلد الرابع ، جون لوك والفلسفة الإنكليزية من الصفحات 324 ـ 344 5 ـ فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، للقاضي ابن الوليد محمد بن أحمد بن رشد ، دار المشرق بيروت ، ترجمة وتعليق د. البير نصري نادر، طبعة ثانية 2012 ، الصفحات 41 ـ 42 6 ـ مصدر سابق صفحات 43 ـ 44 7 ـ مصدر سابق صفحات 50 ـ 51 8 ـ فيلسوف التنوير ابن رشد ، علي خليل محمد ، مجلة منبر ابن رشد ، العدد السابع عشر – صيف 2015 9 ـ معنى الفلسفة ، فيرناند آلكييه أستاذ في السوربون ، ترجمة حافظ الجمالي ، اتحاد الكتاب العرب دمشق 19999 صفحة171 10ـ الفلسفة الوجودية الهايدغرية ونقدها من ناحية الشرع فايزة عبدالله الحربي /2/7/2014 رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/72963/#ixzz4Lq2uKREc 11ـ موسوعة تاريخ الفلسفة أميل برهييه ، ترجمة جورج طرابيشي ، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت ، المجلد السابع صفحة 251 ـ 252 طبعة أولى 1987 مدونة مرشد الفلسفية ـ http://mourchide.blogspot.com/2014/11/dasein.html 12 13 ـ مقابلة تلفزيونية مترجمة عن الألمانية اسماعيل مصدق : ونشر في إطار مؤلف جماعي تحت إشراف ريتشارد فيسر عن دار النشر Karl Alber 6 فرايبورج، ميونيخ 1970، ص67 ـ 77: 14ـ الكينونة والزمان ، لمارتن هايدغر ـ ترجمة فتحي المسكيني ومراجعة ، اسماعيل المصدق ، الناشر ، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2012. صفحة 233 وهامش المترجم pdf 15 ـ د. زهير الخويلدي : مارتن هايدجر والطريق القصير نحو الوجود http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?ArticleID=37782 16 ـ تاريخ الفلسفة مجلد ثاني صفحة 96 ـ فلسفة اللذة والألم ، اسماعيل مظهر ، دار كلمات عربية للترجمة والنشر ، القاهرة صفحة 75 Pdf – 17 18 ـ هايدغر ، الكينونة والزمان صفحة 291 19 ـ مصدر سابق 291 20ـ مصدر سابق 295 21 ـ مصدر سابق 296
#احسان_طالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإشكالات الأساسية في الفلسفة
-
ما هي الفلسفة
-
مقالات التنوير 10 عقدة أو مركب التفوق الحضاري
-
مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجد
...
-
مقالات التنوير 8 مأزق العقل الأصولي بحث أركيولوجي
-
مقالات التنوير7 مقايسة الأصولية ومستوياتها بالعلمانية وحدوده
...
-
مقالات التنوير 6 الإسلام السياسي كمفهوم يرتكز على أسس وتحليل
...
-
مقالات التنوير 5 تفكيك ظاهرة التطرف والتشدد الديني
-
مقالات التنوير 4 نقد فقه مؤسسة الزواج
-
مقالات التنوير 3 مراجعة للثقافة الدينية المهيمنة
-
مقالات التنوير 2 التمويه والتطبيع الاجتماعي في الثقافة المؤس
...
-
مقالات التنوير (1)علاقة ثقافة العنف وجرائم الشرف بمفاهيم الن
...
-
أصنام متكاثرة تناحر سبطا حرا خيّرا
-
عالم مجهول يتلقف خطيئة محكمة
-
عقول مستنيرة تضيء عتمة عريقة
-
إلهام غامض ثائر
-
توق يتوالد وسط غوغاء
-
أضواء مزيفة تجمّل أوهاما قبيحة
-
نقد حدود العقل *
-
أنفاس المعاني دخان يهدئ ضوضاء المقال
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|