|
في خضم الحدثين الأمريكي والعراقي.. أخيلة التشفي
صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 6581 - 2020 / 6 / 2 - 14:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما وقعت الاحتجاجات الامريكية، إثر مقتل جورج فلويد، الأمريكي من أصل أفريقي، في أُثناء اعتقاله على أيدي رجال الشرطة، ذهب تفكير كثير من العراقيين الى محاولة استجلاء وإيجاد أواصر للمقارنة بين الحدثين الكبيرين؛ الاحتجاجات العراقية الكبرى في تشرين الأول 2019 ومجرياتها من جهة، والاحتجاجات الامريكية الحالية من جهة اخرى. وبرغم ان بعض الكتاب والمحللين، المحوا الى عدم جدوى المقارنة؛ انطلاقا من الفارق الكبير بين البيئتين والنظامين، فان المقايسة فرضت و تفرض نفسها، لأسباب عدة، في طليعتها؛ ان كثيرا من "العراقيين"، لاسيما من المحسوبين على التيارات والأحزاب الإسلامية في العراق، ممن صمتوا عن دماء الضحايا الابرياء من العراقيين، التي اريقت او حرضوا ضد الشباب العراقيين المنتفضين، اصبحوا فجأة في طليعة المنادين بحقوق الانسان دفاعا عن الأمريكي المقتول ـ وهو مظلوم بالتأكيد ـ وطفقوا يقحمون انفسهم في خضم الجدل بشأن حقوق الانسان، الذي نأوا عنه ولاذوا بصمت مريب ابان ثورة تشرين الشعبية؛ وسكتوا عن الدماء التي اراقتها الحكومة لشبان عراقيين طالبوا بمجرد حقوقهم المشروعة في التعيين والخدمات، الى الحد الذي وصلت فيه اعداد الشهداء الى اكثر من700 شهيد والوف الجرحى من بينهم آلاف تعرضوا الى إعاقة جسدية. جرى كل ذلك والقوى التي كانت تعول على بقاء الوضع كما هو عليه؛ للحفاظ على امتيازاتها، كانت اما صامتة او انها تنفذ مسعى حثيث وخبيث، للتحريض على المتظاهرين السلميين، بذريعة تواجد طرف ثالث ومندسين، يطلقون النار على المتظاهرين وعلى القوات الأمنية بحسب قولهم. من هنا مربط الفرس في شرعية المقارنة بين الامرين؛ فلقد كشفت الوقائع الامريكية الاوراق العراقية، وفضحت زيف تيارات عقائدية، تدعي امتلاكها ناصية التقوى والرحمة والفضيلة، ففضحتها مجريات الاحداث أيما فضيحة، وبينت مدى القسوة والظلم الذي مارسته، اذ ان منها من قام بعمليات اختطاف وتعذيب واغتيال لكثير ممن أسهم في الاحتجاجات العراقية. وقطعا فاننا لن نستطيع ان نلم بجميع مجريات الاحدث وتداعياتها في المدة بين الانتفاضتين العراقية والأمريكية وابانهما في هذه العجالة؛ غير ان بروز هؤلاء المتشدقين بحقوق الانسان على حين غرة في العراق، يميط اللثام عن مدى الظلم الذي حاق و يحيق بالعراقيين، لاسيما الطبقات الشعبية والفقراء ومدى القسوة والاستهانة التي تعرضوا لها من قبل بعض العراقيين الذين حرضوا على قتل أبنائهم الثائرين، او سكتوا عن قتلهم، في حين باتوا الآن يتحدثون بكل عنفوان وحماس عن حقوق المواطن الأمريكي المسلوبة وقتل فرد من الشعب الأمريكي المظلوم! عندما حدثت الانتفاضة العراقية اتهموها بدعاوى مضحكة، القت بظلال الشك على الأهلية السياسية لتلك القوى والأحزاب، منها ما يتحدثون به في قنواتهم الفضائية وما اكثرها عما يسمى بالجوكر؛ وهي شخصية سينمائية وهمية طرحت في فيلم امريكي، تناولوها في الفضائيات المحسوبة على التيارات الإسلامية بطريقة مبتذلة تسيء اول ما تسيء إليهم، فأثارت السخرية من بلاهتهم الإعلامية والسياسية. سكتوا او تغاضوا عن المذبحة التي نفذت بحق العراقيين وجلهم من الشباب، برغم انه يفترض فيهم ان يدعمونهم ويازرونهم، لاسيما مع حديث تلك القوى شبه اليومي عن الفساد والفاسدين وضرورة القضاء على الفساد والمحاصصة؛ وهو ما انتفض ضده المتظاهرون. وجه المقارنة الآخر الذي يفرض نفسه برغم اننا لم نزل في بداية الاحداث الامريكية، كما اننا لن نستطيع التنبؤ بتطوراتها، هو قلة الضحايا الامريكان الذين قتلوا مقارنة بالضحايا الشهداء العراقيين؛ ففي الوقت الذي لم يتجاوز عدد القتلى الامريكان أصابع اليد الواحدة فان ضحايا العراقيين للمدة نفسها، كانت قد تجاوزت الوف الشهداء والجرحى، برغم ان الانتفاضة العراقية سلمية بالكامل، ولم تدمر مؤسسات الحكومة والدولة، ولم تحرق مراكز الشرطة ومقرات الامن مثلما فعل ويفعل المحتجون الامريكيون؛ بل ان المتظاهرين العراقيين دأبوا على حراسة المؤسسات الحيوية التي تواجدوا بقربها لاسيما المصارف ووضعوا أشخاصا لحمايتها؛ فيما احرق الامريكيون جميع مراكز الشرطة في المنطقة التي جرى فيها قتل المواطن الأمريكي، وخربوا مؤسسات للدولة والحكومة، وكذلك فعلوا في ولايات ومناطق أخرى، كما حدثت اعمال نهب لأسواق ومحال، فيما لم يفعل شباب العراق ذلك، برغم فقرهم وانعدام حقوقهم المادية والمعنوية التي تتوفر للامريكيين. أمر آخر ايضاً، أحدث الفارق الكبير بين الواقعتين، هو ما افصحت عنه التغطية الإعلامية لحدث كبير مثل الاحتجاجات والتظاهرات، اذ رأينا مراسلو وسائل الإعلام الامريكية، لاسيما المرئية، حتى تلك المحسوبة على الحزب الجمهوري الذي يتزعمه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تمارس عملها بمهنية وتغطي الاحداث أولا بأول؛ في حين ختل مراسلو المحطات الفضائية للحكومة العراقية، وما اكثرها، في مقراتهم، واختاروا بدلا من ذلك زوايا واوقات لا يتوجد فيها المتظاهرون؛ ليتحدثوا عن الأمن المستتب، وحكومة "العادل" عبد المهدي المسيطرة، في مشاهد تدعو للسخرية واحتقار مراسليها. هذا غيض من فيض المقارنة غير العادلة بين الحدثين العراقي والامريكي؛ فيحسب للشباب العراقيين وعيهم المتنامي، وحرصهم على سمعتهم، ونقاء ثورتهم؛ ويحسب على الحكومة العراقية اجرامها وعدم جدارتها وانعدام شعبيتها وقسوتها منقطعة النظير؛ و يحسب على القوى السياسية العراقية، الا ما ندر، تفضيلها مصالحها الخاصة ونفاقها وسطوتها على مصالح الناس وعموم السكان، الذين عبروا عن موقفهم باحتجاجات سلمية متعاظمة؛ جاهدت كثير من الأحزاب في محاولة وأدها واجهاضها وتشويه سمعتها بدعاوى ملفقة، اثبت المنتفضون بتضحياتهم الأسطورية وتسابقهم للموت خطأها و خطلها.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في بعض خصال ثورة تشرين العراقية
-
لا اقتراع مع الفساد. انتخابات العراق المقبلة سراقٌ جدد وتواص
...
-
الأحوال الشخصية تتعلق بالناس وليست بالسياسيين
-
خديعة الكهرباء الوطنية الكبرى وأكذوبة ماء الرصافة
-
زعماء دين سياسي.. همم تقسيم المجتمع وتكريس كراهية الآخر
-
-التسوية التاريخية-.. هرب للأمام وعودة لاقتسام الغنائم
-
كتل عابرة للطوائف..مسعى جديد لشرعة الفساد وتناسل الفاسدين
-
التغيير الشامل سبيل الإنقاذ الوحيد
-
ما الذي ابقته الاحزاب الدينية للعراقيين.. وما الحل؟!
-
المصالحة الوطنية..الخديعة الكبرى وافقار الناس
-
المسؤولون مزدوجو الجنسية.. بلاؤنا الذي ينخر في اجسادنا
-
الانتفاضة العراقية.. جبهة واحدة لا خنادق متضادة
-
اصلاحات العبادي قطرة في بحر الفساد وعساكره المروعة
-
بنو سعد وأبناء هاغن
-
الجريمة المنظمة وضرورة مجابهتها
-
يذهبون إلى الإرهاب فيضربوه وننتظره نحن ليضربنا
-
الفساد ودور السلطات الثلاث في دحره
-
متغيرات العالم ومسؤوليتنا في قطف ثمار ايجابياته
-
حدود المسؤولية في إدارة الأعمال البلدية
-
جرائم بحق مصادر المياه
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|