أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العراقي















المزيد.....



رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العراقي


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 482 - 2003 / 5 / 9 - 04:45
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كاظم حبيب 
 تحسست منذ فترة غير قصيرة, ومعي بعض الأصدقاء, أهمية وضرورة طرح المقترح التالي بهدف الدخول في حوار إنساني عقلاني هادئ دون التصور بامتلاك الحقيقة أو الصواب, بل لمجرد تحريك المسألة والدخول بنقاش حولها لأهميتها وضرورتها في المرحلة الراهنة وفي المستقبل. إنها ثمرة خبرة تجاوزت النصف قرن في العمل السياسي العراقي وفي صفوف الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية العراقية. أتمنى أن لا ينظر إليها وكأنها تجاوز على حزب ما أو إساءة إلى أي من قوى اليسار الديمقراطي, بل هي محاولة لوعي الواقع والمهمات والدور الذي يمكن أن تمارسه حركة اليسار الديمقراطي العراقي في الوقت الحاضر وفي المستقبل. أملي أن تكون الحوارات واقعية, موضوعية ومثمرة.
    
أن المتتبع لتطور الأحداث على الصعد العالمية والإقليمية والعربية والعراقية سيجد نفسه أمام مجموعة من الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك العسكرية التي تترك لمساتها الشديدة, شاء الإنسان أم أبى, على تنظيمات وأفكار ومناهج وسياسات ومواقف الأحزاب والقوى والجماعات السياسية المختلفة على صعيد كل بلد من البلدان, وخاصة بلدان الشرق الأوسط, ومنها العراق. واتجاهات تطور الأحداث في هذه المنطقة من العالم تشير إلى الوقائع التالية:
1. تفاقم الهيمنة الأمريكية على مؤسسات المجتمع الدولي وهيئاته المختلفة والتحكم الكبير بقراراتها وتوصياتها وإجراءاتها بما يخدم مصالحها بالدرجة الأولى ويستجيب لمصالح وسياسات الشركات الرأسمالية المتعددة الجنسية. وهذه الهيمنة نجمت في أعقاب انهيار القطب الثاني في العالم وبقاء الولايات المتحدة باعتبارها القطب الأوحد والأقوى اقتصاديا وتقنياً وعلمياً وعسكرياً وسياسياً في العالم, وباعتبارها الممثل لمصالح الرأسمال العالمي.      
2. تحول الولايات المتحدة من سياسة التعاون في إطار الأمم المتحدة لمعالجة المشكلات الدولية قدر الإمكان, إلى سياسة التهديد باستخدام القوة أو فرض الحصار الاقتصادي والمقاطعة أو شن الحروب لانتزاع ما تراه مناسباً لمصالحها ومصالح العالم الرأسمالي بغض النظر عن مدى تعارض ذلك مع المصالح الوطنية للبلدان المختلفة, وخاصة النامية منها.
3. تفاقم اتجاهات التسلح وإنتاج المزيد من الأجيال الحديثة لمختلف أنواع الأسلحة الهجومية والدفاعية, في حين تسعى إلى نزع سلاح البلدان الأخرى وإلى احتكار تسويق السلاح في العالم بما يحقق لها أقصى الأرباح.
4ز اقترنت هذه الاتجاهات في السياسة الأمريكية مع بروز مظاهر مهمة ومتطورة لمجرى عملية العولمة الموضوعية على الصعيد العالمي وتطور متسارع وثوري في القوى المنتجة, إذ تسعى الولايات المتحدة الأمريكية, التي تمسك بزمام المبادرة في هذا الشأن, إلى فرض سياسة لبرالية جديدة ذات نزعات رجعية على الصعيد العالمي, بغض النظر عن سياسات ومواقف الدول المختلفة, أي رفضها أو قبولها لتلك السياسات ومدى ارتباطها أو تلبيتها لمصالح تلك الدول. وتعبر سياسات الولايات المتحدة في المرحلة الراهنة وبشكل صارخ عن مصالح أكبر الاحتكارات الأمريكية والدولية وخاصة احتكاري إنتاج وتوزيع وبيع النفط والسلاح.
4. وتصطدم هذه الاتجاهات بقوة زخم متنامية باتجاهات ثلاثة, وهي:
 - تنامي حركة جماهيرية واسعة مناهضة للحرب وداعية إلى السلام والصداقة بين الشعوب ومن أجل حل المعضلات بطرق التفاوض السلمي والحوار الديمقراطي وعبر الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى؛
 - تنامي حركة جماهيرية واسعة على صعيد العالم مناهضة لاتجاهات وسياسات العولمة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى إلى فرضها على بقية دول العالم, ويفترض أن تتسم هذه الحركة بمزيد من الوعي والحيوية وبعيداً عن العنف والتدمير غير المبرر.
 - تزايد عدد الدول التي ترفض السياسات التي تمارسها الولايات المتحدة إزاء البلدان النامية, أو بقية بلدان العالم, وبشكل خاص بلدان الاتحاد الأوروبي والتي يمكن أن توسع في الفجوة الراهنة القائمة بين الولايات المتحدة وأوروبا.
5. ورغم ذلك سوف تبقى هذه القوى ولفترة غير قصيرة غير قادرة على التأثير الفعال في الأحداث أو في مواجهة سياسات الولايات المتحدة ورغبتها في الهيمنة الكاملة على السياسة الدولية, إضافة إلى أن الدول الكبرى الأخرى مثل الصين وروسيا وفرنسا أو ألمانيا ما تزال تتحرى عن سياسات ذات طبيعة تساومية مع الولايات المتحدة تؤمن لها قدر الإمكان مصالحها أيضاً.
إن عملية إفشال سياسات الهيمنة الأمريكية وإعادتها إلى جادة الأمم المتحدة والتزامها بقرارات ما يطلق عليه بالشرعية الدولية سوف تحتاج إلى وقت غير قصير بهدف بلورة أربعة اتجاهات مهمة, وهي:        
 أ. التعرف الأوسع والأعمق من جانب قوى ودول متزايدة في العالم على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وأهدافها في العالم, وخاصة في إطار هيمنة الصقور على سلطة اتخاذ القرار السياسي فيها.
 ب. تبلور القوى السياسية والاجتماعية التي يمكنها تحقيق التعاون في ما بينها على الصعد المختلفة لمواجهة سياسات العولمة اللبرالية الجديدة المحافظة والرجعية وشن الحروب المحدودة.
 ج. تبلور السياسات والمواقف التي يمكن طرحها على الصعيد الدولي والتي يصبح في مقدورها تعبئة الشعوب والدول حولها لمواجهة سياسات الولايات المتحدة.
 د. حصول تحولات سياسية ديمقراطية في صفوف الرأي العام الأمريكي التي يكون في مقدورها التأثير على وجهة الانتخابات والقوى التي يمكنها الوصول إلى الحكم وبالتالي قدرتها على فرض سياسات جديدة بعيدة عن النزعات العسكرية الراهنة. 
6. وإذا كانت هذه الوجهة على الصعيد الدولي هي السائدة حالياً, فأن أوضاع الإقليم, الذي يشكل العراق جزء منه, تتسم بما يلي:
  - قبول عدد متزايد من حكومات الدول العربية للسياسات التي ترسمها لها الولايات المتحدة الأمريكية, والتي لا تعارضها علناً إلا من أجل إسكات غضب الشارع العربي والسيطرة عليه. وهي في هذا تغوص في تناقض وصراع أعمق وأوسع مع الجماهير الواسعة, وبالتالي يزداد ضعفها وتحتاج أكثر فأكثر إلى دعم الولايات المتحدة وحمايتها بدلاً من الاحتماء بالشعب وطلب مساندته.
 - أما الدول التي تمارس سياسات مختلفة ومواقف متعارضة مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة, مثل سوريا وإيران وليبيا, فأنها تمارس سياسات منافية للديمقراطية وحقوق الإنسان, وبالتالي لا تمتلك دعماً شعبياً كافياً لتعزيز سياساتها ومواقفها, وهي قابلة للانهيار أمام الضغوط أو احتمال القيام بتجاوزات عسكرية أو حروب أمريكية ضدها, حيث يبدو الآن بوضوح أكبر أن الأخيرة كانت تخطط لها منذ فترة غير قصيرة.
 - وتمارس إسرائيل سياسة العربدة العسكرية والقتل الواسع النطاق والعقاب الجماعي ضد السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة, كما ترفض الانسحاب من الأراضي المحتلة في الجولان وبساتين شبعة, وهي في ذلك تجد الدعم والتأييد من جانب القطب الأوحد في العالم.
 - وليس في مقدور الجامعة العربية, هذه المؤسسة التقليدية الهرمة والمعزولة عن مصالح وإرادة الشعوب العربية, أن تلعب أي دور فعال في التأثير في السياسات العربية, إذ أنها حبيسة تلك السياسات والمواقف. فهي لا تملك مصداقية عند الشعوب العربية ولا تمتلك تأييد الحكام العرب.
 - وما تزال الحركة الوطنية العربية, ومنها قوى اليسار الديمقراطي, تعيش أزمتها الطاحنة وعجزها عن رؤية التغيرات في العالم التي تستوجب منها إجراء التغييرات الضرورية في الفكر والمنهج والسياسة والممارسة والتنظيم.           
 - والمشكوك به هو أن ما حصل في العراق يمكن أن يدفع ببعض النظم العربية على مراجعة سياساتها إزاء شعوب بلدانها باتجاه التخلص من سياسات الاستبداد التي تمارسها والتجاوزات الفظة على الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومع ذلك فأن الحرب التي أطاحت بالدكتاتورية في العراق يمكن أن تحرك المياه الراكدة والمتعفنة التي تعيش فيها النظم العربية ونظم المنطقة عموماً باتجاه الأفضل.
إن أحداث آذار/نيسان 2003 في العراق وسقوط النظام الدموي أدخلت المجتمع العراقي في مرحلة جديدة ذات ملامح جديدة, فما هي هذه الملامح المميزة لهذه المرحلة؟ يمكن تلخيصها بما يلي:
* انهيار كامل للقيادة السياسية والعسكرية في العراق وبالتالي انهيار النظام الدكتاتوري الذي هيمن على العراق طوال 35 عاماً, إضافة على احتمال الخلاص من مرحلة الانقلابات الدموية والنظم الاستبدادية التي عاشها العراق في أعقاب ثورة تموز عام 1958.    
* وقوع العراق تحت الانتداب الأمريكي – البريطاني بعد إسقاط النظام عبر حرب خاضتها قوات هذا التحالف. 
* لا يمكن تقدير الفترة التي سيبقى العراق فيها حتى الانتداب المشترك وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, ولكنه سوف لن يكون قصيراً سواء أكان بصورة مباشرة أم غير مباشرة. كما يصعب الاعتقاد بأن قوات التحالف وسلطات الاحتلال بقيادة جاي غورنر سوف تترك الحرية الفعلية للشعب في اختيار ممثليه ووضع سياساته المستقلة, بل ستسعى إلى وضع حلفاء أمريكا في موقع المسؤولية ولسنوات قادمة.
* ويمكن أن تمارس السلطة الجديدة سياسة اقتصادية واجتماعية تلتقي مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية التي تنطلق من مواقع فكر اللبرالية الجديدة المحافظة الأقرب إلى الرجعية والتي تعبر في الجوهر عن مصالح الولايات المتحدة أكثر من تمثيلها لمصالح العراق.
* وستستولي الشركات الرأسمالية الأمريكية على القسم الأعظم من مشاريع عملية إعادة إعمار العراق وبأسعار احتكارية تعبر عن مصالح الشركات الاحتكارية وليس الطرف العراقي.       
* وستعود شركات النفط الاحتكارية الدولية على العمل في العراق للهيمنة على عمليات استخراج وتصدير النفط العراقي والتحكم بمقاديرها وأسعار النفط الخام. وربما تسعى على دفع الحكومة العراقية على خصخصة قطاع النفط الخام, في حين تبقى مصلحة الشعب والاقتصاد الوطني في بقاء ذلك في إطار ملكية الدولة وقطاعها الحكومي.
* وستمارس على صعيد السياسة الاقتصادية الداخلية نهجاً يتسم بتنمية العلاقات الإنتاجية الرأسمالية في الريف والمدينة على حساب العلاقات الإقطاعية, ولكنها ربما لن تتخل عن شيوخ العشائر والإقطاعيين الذين عادوا إلى مواقعهم في سنوات حكم البعث الدكتاتوري. وسيلعب القطاع الخاص الدور الأول والمركزي في السياسة الاقتصادية العراقية وستبذل الجهود لإنهاء أي دور لقطاع الدولة الاقتصادي. وفي هذا الإطار ستنشأ إمكانيات غير قليلة لعملية تشغيل الأيدي العاطلة, سواء في عمليات إعادة إعمار ما هدمته الحروب المنصرمة من مشاريع للبنية التحتية والمشاريع الصناعية والزراعية أم بناء مشاريع جديدة, كما سيتحسن المستوى المعيشي للسكان بشكل عام بسبب ذلك, خاصة وأن القطاع التجاري الخاص سينهمك في استيراد السلع الأمريكية أولاًُ والبريطانية ثانياً.
* وستقوم السلطة الجديدة بإرسال المزيد من البعثات والزمالات الدراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تخريج دفعات جديدة تلعب دورها في تأمين الوجهة العامة للتطور في العراق التي تقترب من تصورات الحكومة الأمريكية ومصالحها.
* ورغم اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على شيوخ العشائر والطوائف الدينية حالياً, إلا أنها تميل إلى أن يكون في العراق حكماً علمانياً يفصل بين الدين والدولة وهو أمر إيجابي لصالح البلد وتطوره اللاحق.
*وسيكون للثقافة الأمريكية دورها المميز في العراق وتأثيره المباشر وغير المباشر على الحياة العامة للمجتمع العراقي.
* وستقيم الحكومة العراقية الجديدة علاقات سياسية ودبلوماسية مع إسرائيل تدريجاً وستعقد صلحاً منفرداً معها بما يسهم في عزل سوريا على نحو خاص ليمارس ضغطاً أكبر عليها وعلى سياساتها إزاء إسرائيل.
* والسؤال المركزي الآخر الذي يفترض تباينه يدور حول الموقف من المسالة الكردية, إذ أن القوى التي تعاملت مع الولايات المتحدة الأمريكية أيدت الحل الفدرالي الديمقراطي للعراق, وهو الحل الأمثل والأصلح لعراق المستقبل. إلا أن هذه المسألة سوف لن تكون دون تأثير عدة عوامل, منها موقف تركيا وإيران, وموقف القوى الداخلية التي رفضت حتى الآن  الخيار الفدرالي الديمقراطي, على الموقف الأمريكي. إذ أن البعض ربما سيطرح الحكم الذاتي أو حتى السعي لطرح مبدأ المواطنة العراقية والحكم المركزي في الدستور العراقي, وهو أمر سلبي في غير مصلحة العراق عموماً والأكراد خصوصاً.
* والمسألة الأخرى التي يفترض التفكير فيها بالنسبة للحكم القادم الذي يدين بالولاء لأمريكا, هي الموقف من الدول العربية ومن إيران, إذ من المحتمل أن يتخذ العراق موقعاً لمناهضة إيران والانطلاق منها ضد إيران وسوريا على نحو خاص, وهو ما ينبغي رفضه في كل الأحوال.

إن مثل هذه الأوضاع وغيرها ستخلق مجموعة من التناقضات والصراعات على مستويات ومجالات مختلفة يفترض رصدها والتعامل الواعي والفعال معها لصالح المجتمع العراقي. ولكي يمكن لأي قوة سياسية أن تلعب دورها المؤثر والفعال على المسرح السياسي العراق يفترض فيها أن تتحرى عن تلك العوامل التي تجعل منها قوة مؤثرة ومسموعة الرأي وقادرة على تعبئة جمهرة كبيرة من الشعب حولها, وأن تمارس لهذا الغرض نضالاً سلمياً وديمقراطيا بعيداً عن العنف والفوضى والتطرف. وإذ كانت قوى اليسار الديمقراطي العراق تتوزع اليوم على عدد من الأحزاب والجماعات السياسية, فأنها في مثل وضعها الراهن سوف لن تكون قادرة على التأثير في الأحداث السياسية بفعالية وملموسية مباشرة وغير مباشرة. وهي بحاجة إلى ما يلي:
- وجود حزب سياسي للحركة اليسارية الديمقراطية العراقية يجسد تراث وتاريخ نضال مجموعة الأحزاب اليسارية والماركسية في العراق وقادر على تعبئة قوى اليسار الديمقراطي حوله؛
- أن يضع له برنامج عمل جديد يتميز بالواقعية والعملية وينسجم مع طبيعة ومهمات المرحلة؛
- اختيار سبل عمل جديدة وأدوات نضال جديدة وخطاب سياسي ملموس تستند إلى خيار النضال السلمي والديمقراطي والعمل العلني المشروع في إطار دولة القانون الديمقراطي.
- تنشيط مؤسسات المجتمع المدني وتوسيع قاعدة نشاطها وتأثيرها ودورها في المجتمع.

تبلورت في العراق خلال العقود الثلاثة المنصرمة عدة تيارات فكرية وسياسية عاملة في صفوف قوى المعارضة العراقية في الداخل والخارج تتجسد في أحزاب وجماعات أو كتل سياسية ذات مناهج وسياسات ومواقف متباينة. وأبرز تلك التيارات هي: التيار الديمقراطي والتيار القومي والتيار المحافظ والتيار الديني. ولا شك في أن التيار القومي لا يضم نهجاً واحداً ويتداخل في بعض قواه مع التيار الديمقراطي ولكنه مبني على أساس قومي, كما هو الحال مع بعض أهم الأحزاب الكردية أو من القوميات الأخرى. وفي هذه التيارات يمكن أن يلتقي المتتبع بقوى يمينية وأخرى يسارية أو وسطية معتدلة, كما نجد اتجاها متطرفة أيضاً وخاصة في صفوف القوي القومية والدينية.
وفي التيار الديمقراطي يمكن أن نلتقي بقوى يسارية وأخرى يمينية أو ليبرالية معتدلة. والتي تتباين في ما بينها في سياساتها ومواقفها إزاء الكثير من الأمور التي كانت أو ما تزال تمس الواقع العراقي وسبل التحول الديمقراطي فيه. ويهمني هنا البحث في موضوع التيار اليساري الديمقراطي العراقي, الذي يتشكل عموماً من مجموعة من الأحزاب والقوى أو الجماعات السياسية ذات الاتجاهات أو النزعات الماركسية أو ذات الوجهة اليسارية العامة, ابتداءاً من الحزب الشيوعي وانتهاءاً بالتجمع الديمقراطي العراقي والاتحاد الديمقراطي العراقي ... الخ.
إن المرحلة الجديدة ستتميز بتشابك مجموعة كبيرة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية ذات الطبيعة الوطنية والديمقراطية وستستوجب البحث في مدى إمكانية قيام حزب يساري ديمقراطي عراقي تتوحد فيه جميع أو أغلب فصائل اليسار الديمقراطي العراقي. إلا أن البدء بمثل هذه الخطوة يستوجب طرح مبادرة عملية ناضجة يمكن أن يقوم بها الحزب الشيوعي العراقي أو أي حزب يساري ديمقراطي عراقي آخر على جميع فصائل اليسار الديمقراطي العراقي للتشاور والبحث حول هذا الموضوع. وتعتبر هذه المبادرة محاولة للتحريك بهذا الاتجاه. إن قيام مثل هذا الحزب ستسمح له بلعب دور أكبر في الحياة السياسية العراقية وهو المرجو في هذه المرحلة والمرحلة التالية. ويمكن لهذا الحزب أن يتبنى منهاجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ديمقراطياً يتضمن   القضايا الأساسية التالي:
1. إرساء دعائم نظام جمهوري فدرالي ديمقراطي يستند إلى دستور مدني ديمقراطي حديث يحترم كرامة الإنسان وحريته وإرادته الحرة وحقوقه المشروعة, وحياة برلمانية حرة والفصل بين السلطات الثلاث والاستقلال الكامل للقضاء, وتعددية سياسية وتداول ديمقراطي برلماني للسلطة.
2. ضمان الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, حقوق وحرية الفرد والجماعة, سواء أكانت تلك الحقوق قومية أم دينية أم مذهبية, للمواطنين.
3. الفصل الكامل بين الدولة والدين مع احترام كل الأديان والمذاهب ومنحها الحرية في ممارسة شعائرها وطقوسها بعيداً عن الإساءة لكل منها ومنع أي إساءة متبادلة في ما بينها.
4. منح القوميات في العراق كامل حقوقها المشروعة والعادلة وحق الشعب الكردي في تقرير مصيره, وفي وجوده في اتحاد فدرالي ديمقراطي حر في إطار الجمهورية العراقية.
5. اعتماد مبدأ المجتمع المدني الحديث القائم على تعزيز دور المنظمات الحرة غير الحكومية في تنشيط الحياة العامة ودور المجتمع في التأثير الفعلي على سير تطور المجتمع ومستقبله وتعزيز التضامن بين مواطنيه وعلى حق نشوء وتطور أحزاب سياسية بعيدة عن الشوفينية والتعصب القومي والعنصرية أو التمييز بين المواطنات والمواطنين. ومنع جميع أشكال التمييز بين أفراد وجماعات المجتمع العراقي.
6. احترام حقوق المرأة كاملة ومساواتها بالرجل في جميع المجالات وضمان ذلك في دستور الجمهورية العراقة وقوانينها الديمقراطية.
7. العمل من أجل ضمان العدالة الاجتماعية في توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي في العراق, مع تأمين حقوق العمل والعمال والضمان الاجتماعي والصحي ... الخ.
8. تأمين التعليم الإلزامي المجاني حتى المرحلة المتوسطة, إضافة إلى تأمين التعليم المجاني في مختلف مستويات وفروع الدراسة الجامعية والمهنية والفنية والتدريب المهني والفني.
9. العمل على إلغاء الحصار الاقتصادي وضمان تدفق النفط العراقي وتصديره وتأمين الموارد المالية الضرورية لإعادة إعمار المشاريع التي خربتها الحروب وسياسات النظام المقبور وبناء مشاريع جديدة وتوزيعها بصورة عقلانية وعادلة على مناطق العراق المختلفة, وبشكل خاص تلك التي تعرضت إلى تمييز مخل في التعامل وحروب مستمرة وتدمير واسع.
10. العمل من أجل تأجيل دفع ديون العراق والتعويضات أولاً والسعي لاستحصال إلغاء لها وفق علاقات ديمقراطية جديدة مع جميع دول العالم وخاصة الدول الشقيقة ودول الجوار.
11. اعتماد القطاعين الخاص والمختلط في عملية التنمية, إضافة على منح قطاع الدولة دوره الأساسي في قطاع النفط الخام وبعض المجالات البنية التحتية والحيوية التي تمس مصالح المجتمع والتنمية الضرورية في مناطق العراق المتخلفة بسبب سياسات النظم الحاكمة السابقة. إضافة على فسح المجال أمام القطع الخاص العربي والأجنبي إلى ممارسة نشاطه الاقتصادي وفق الأسس الدولية التي يقرها المشرع العراقي والتي تضمن مصالح العراق والمستثمر العربي والأجنبي.
12. العمل من أجل تعزيز التعاون والتنسيق الاقتصادي بين العراق والدول العربية ودول الجوار ومع بقية دول العالم على أسس المنفعة والاحترام المتبادلين والمصالح المشتركة. 
13. الاتفاق على ضرورة نزع أسلحة العراق الهجومية وتقليص وحدات الجيش العراقي إلى الحد الأدنى الضروري لضمان حدوده الدولية في إطار نظام أمن شامل لدول المنطقة, دول الخليج والشرق الأوسط.
14. إلغاء أجهزة الأمن والاستخبارات كلية وتحويل العراق إلى بلد أمن وسلام وتضامن لسكانه ومع الدول الشقيقة والمجاورة.
15. الاحتفاظ بجهاز جديد وحديث وديمقراطي للشرطة لمكافحة أشكال الجريمة الفردية والمنظمة.     
16. وضع نظام فعال من أجل دراسة ملفات العراقيات والعراقيين المهجرين والمسجونين والمغتصبة حقوقهم ووضع أسس لتعويض المتضررين منهم من عدوانية النظام السابق وتجاوزاته على حياتهم وممتلكاتهم وحقوقهم المختلفة.
17. العمل الهادئ والحازم من أجل إنهاء احتلال العراق من جانب القوات الأمريكية والبريطانية بأسرع وقت ممكن وضمان استقلال وسيادة العراق واستقلال قراراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على سلامة ثرواته الوطنية في ما يخدم مصلحة الشعب العراقي.

ينطلق هذا المقترح والمهمات التي يتضمنها من وعي طبيعة المرحلة ومهماتها والتعقيدات المحتملة الحبلى بها من جهة ومن أهمية الدور الذي يمكن أن تمارسه قوى اليسار الديمقراطي العراقي في المشاركة الواعية والفعالة والمسؤولة في بناء عراق ديمقراطي فدرالي حر ومزدهر, عراق آمن ومسالم, يرفض العنف والتطرف والعدوان. إن المقترح يسعى إلى ضمان ما يلي:
* الحرص على تحقيق وحدة اليسار الديمقراطي العراقي أو وحدة العمل وإيجاد تحالفات سياسية واجتماعية ديمقراطية مع بقية القوى العاملة في العراق, والقدرة على امتلاك الفعل والتأثير الإيجابي في الأحداث الجارية والمستقبلية.
* العمل على تجديد حركة اليسار الديمقراطي بمختلف اتجاهاتها السابقة وفق التجربة الغنية التي عاشتها خلال العقود الثمانية المنصرمة من تاريخ الدولة العراقية.
* الحرص على صياغة مهمات مشتركة واقعية وعملية لقوى اليسار الديمقراطي يمكن أن تكون أساساً لحوار ديمقراطي في ما بينها ثم إقرارها وتحويلها إلى منهاج عمل لهذه المرحلة والمرحلة القادمة, بعيداً عن المنافسة غير العقلانية أو المطالب التعجيزية.
* أن تمارس دورها المطلوب في التأثير على صياغة الدستور العراقي والقوانين الديمقراطية لصالح المجتمع دون أن تدعي العصمة أو امتلاكها الصواب والحق دون غيرها من القوى العراقية.
* إن وحدة قوى اليسار الديمقراطي العراقي لا يمكن أن تفرض على أحد ولا تأتي دون سعي لها وحوار ديمقراطي واسع وعميق وشفاف ودون ادعاء بالقيادة أو التوجيه أو الرغبة في التسلط, إذ أن المهم في الأمر هو الوصول إلى قواسم مشتركة بين قوى اليسار الديمقراطي لتكون أساساً صالحاً لحوارات وتحالفات متينة مع بقية القوى الوطنية والديمقراطية العراقية.
* إن العجز أو رفض تحقيق مثل هذه المهمة الكبيرة سيقود على خسارة فادحة بهذا الاتجاه السياسي عموماً وبكل مجموعة فيه بشكل خاص, إذ يمكن أن يحول بعضها أو كلها على هوامش غير فاعلة في السياسة العراقية وفي الأحداث الجارية والمستقبلية. إن الاتجاهات اليسارية الديمقراطية سوف لن تموت إن لم تحقق وحدتها, ولكنها سوف لن تكون مؤثرة وقادرة على الفعل المطلوب منها في هذه المرحلة الحرجة والجديدة في حياة العراق في بداية القرن الحادي والعشرين وبعد الخلاص من دكتاتورية النظام الصدامي الدموي.         

آلية تحقيق هذا الهدف

تتلخص آلية تحقيق هذا الهدف الكبير في النقاط التالية:
- إجراء مشاورات واسعة ومعمقة بين الأحزاب والقوى السياسية العراقية التي تعتبر نفسها ضمن اليسار الديمقراطي, بغض النظر عن انتماءاتها القومية أو الدينية والمذهبية, لمعرفة مدى استعداد كل منها لتحقيق مثل هذا الهدف.
- بعد الاتفاق بين القوى المستعدة لمثل هذه الخطوة يمكن تشكيل فريق عمل يمثل تلك القوى لتدرس ثلاث مسائل جوهرية, وهي:
o المهمات التي تسعى إليها في المرحلة الراهنة؛
o شكل التنظيم الذي تقترحه لهذا الغرض؛
o التحضير لمؤتمر عام.
- قيام القوى المشاركة في الاجتماعات المشتركة إلى دراسة المقترحات لا في قيادات تلك الآحزاب والقوى فحسب, بل وفي قواعدها.
- بعد ذلك تلخص الأفكار والمقترحات ليعود فريق العمل ليدرسها ويتفق على يمكنه الاتفاق عليه.
- تطرح نتائج ما توصل إليه فريق العمل على المؤتمر العام لاتخاذ الموقف النهائي بشأن ذلك. يتفق المؤتمرون على ما يلي:
o إقرار البرنامج الموحد لقوى اليسار الديمقراطي العراقي.
o إقرار النظام الداخلي لعمل هذه القوى.
o اختيار وإقرار الاسم المناسب لهذا الحزب في ضوء مهمات المرحلة.
o انتخاب قيادة الحزب الجديد بالاقتراع السري.
- ينبغي الاعتراف بحق كل قوة تدخل للحوار ولكنها ترفض بالمحصلة أن تصبح جزء من هذا الحزب, بل تفضل أن تبقى قوة مستقلة في إطار الحركة اليسارية الديمقراطية العراقية.

 

 

 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حملة من أجل الكشف عن مصير ضحايا الأنفال في كردستان العراق
- العولمة ومخاوف العالم العربي!
- العولمة الموضوعية تقرّب العالم، لكن سياسات العولمة الحالية ت ...


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العراقي