أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي بنساعود - المختار بنعبدلاوي: كورونا حالة ممتدة ينبغي التكيف معها والتغيير في المغرب والجزائر والدول الإفريقية، صعب جدا إن لم نقل مستحيل















المزيد.....


المختار بنعبدلاوي: كورونا حالة ممتدة ينبغي التكيف معها والتغيير في المغرب والجزائر والدول الإفريقية، صعب جدا إن لم نقل مستحيل


علي بنساعود

الحوار المتمدن-العدد: 6578 - 2020 / 5 / 30 - 20:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اعتبر الأستاذ المختار بنعبدلاوي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بنمسيك، وعضو مركز مدى، أن جائحة كورونا جاءت لتذكرنا أننا جميعا، أغنياء وفقراء، بمختلف أعراقنا وأدياننا ومصالحنا نركب السفينة نفسها، وأن هذه السفينة إن وصلت إلى بر الأمان فالجميع سينجو أما إن أصابها خلل، فالجميع سيدفع الثمن، وأضاف أنه، منذ ظهور الشبكة العنكبية، ونحن نتحدث عن أن العالم أصبح قرية صغيرة، لكن هذا الحديث ظل، في قسم كبير منه، جزءا من المتخيل الاقتصادي والسياسي، لكن، مع كورونا، اكتشفنا أن العالم هو فعلا قرية صغيرة؛ حيث إذا أصيب بلد في أقصى العالم بضرر، انتقل هذا الضرر إلى محيطه المباشر ثم البعيد فالأبعد (نفس منطق الأزمة المالية مثلا).
وذكر المتدخل أن من الأشياء التي أُدخلت طي النسيان، منذ بداية هذا القرن، أن الهدف من أي نظام سياسي أو اقتصادي هو خدمة الإنسان وضمان سعادته، وراحته، وأن هذه الأفكار هي التي كانت من وراء انبثاق ما يسمى ب: "الأنوار"، التي أسست حقيقة لثقافة وقيم كونية جديدة اصطلح عليها بـ: "الحداثة".
وكشف أستاذ الفلسفة أنه منذ وصول المحافظين الجدد إلى الحكم، بدءا من سبعينيات القرن الماضي، (مع تاتشر في بريطانيا وريغن بالولايات المتحدة الأمريكية...) أصبحنا نرى أن هدف السياسة والاقتصاد لم يعد هو الإنسان، بل إن هذا الإنسان أصبح ضحية الاقتصاد والسياسات العمومية والدولية، وفي الدرجة الأخيرة من سلم الاهتمامات... وعَمَّ الحديث عن السوق ومنطق السوق وقوته وقيمه، حيث أصبح من الصعب على المثقف العضوي أو الفاعل المدني الوقوف في وجه هذا الطوفان... غير أننا اليوم، يضيف عضو مركز مدى، وبعد أن مست الجائحة الجميع، أغنياء وفقراء، حكاما ومحكومين، انتبه البعض، وبخلفية انتخابوية أحيانا، إلى أن الإنسان ينبغي أن يعود إلىقلب السياسات العمومية، والسياسية الاجتماعية والاقتصادية...
واستطرد الأستاذ بنعبدلاوي أنه منذ الحرب العالمية الثانية تقريبا، بل منذ الموجة الإمبريالية للقرن 19، والتخطيط جار من أجل تعميم حرب الإنسان ضد الإنسان، وإبادة الإنسان للإنسان، ونهب الثروات والمواد الأولية والسيطرة على الأسواق... غير أنه اليوم، ولأول مرة، تجري الحرب بين جميع بني الإنسان ضد خطر مشترك هو هذا الوباء الذي يتهدد الناس جميعا.
وختم المتدخل ملاحظاته هذه بقضية البيئة وخطر التحولات المناخية، وما يمكن أن يؤول إليه العالم، موضحا أن الجائحة، والتحولات البيئية التي حدثت خلال فترة الحجر الصحي، وما استلزمته من توقيف للصناعات وحد من التنقلات، كشف لنا جميعا أن النظام الاقتصادي القائم على الوفرة والتخمة يخنق العالم بحارا وهواء وغابات ويلوث الإنسان... وأن الجائحة فرصة لالتقاط الأنفاس، والتفكير والتأمل في الضرر الكبير الذي مس الإنسان والطبيعة والبيئة، بسبب النشاط الاقتصادي، والإنتاج المبالغ فيه والذي لا حاجة إليه أحيانا...
وخلص بنعبدلاوي من ملاحظاته هذه، التي افتتح بها عرضا قيما تحت عنوان: "عالم ما بعد كورونا: أية انعكاسات على المغرب؟ وما أولويات السياسات العمومية بعد الجائحة؟" قدمه عن بعد، عبر تطبيق "زوم"، في إطار الأنشطة التي تنظمها جمعية "أكورا للثقافة والفنون" مساء الثلاثاء 26 ماي الحالي، (خلص) إلى أن التمعن في الجائحة، يبين أن هناك معطيات ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار، وأهمها:
 أن الجائحة ليست حالة عابرة، لأيام أو أسابيع أو أشهر، بل هي حالة ممتدة، سيما أن منظمة الصحة العالمية أكدت في بلاغ لها، قبل أيام، أن إنتاج المصل يحتاج إلى سنة على الأقل... ما يعني ضرورة التكيف مع هذه الحالة، خصوصا وأنه لا يمكن تجميد الأنشطة الاقتصادية بشكل كلي، وبالتالي، فنحن أمام حاجة إلى الخروج إلى الحياة العامة والعملية، رغم استمرار وجود الجائحة معنا. لذلك، على كل دولة دولة، أن تتخذ الإجراءات التي تعبر عن مسؤوليتها اتجاه شعبها، وعلى كل فرد فرد، أن يعبر عن وعيه اتجاه مجتمعه.
 أن الجائحة، حالة متشعبة، إذ حتى في حالة علاجها، لن يكون مرورها عابرا، لأن لها مضاعفات مكلفة وخطيرة تتهدد حياة الإنسان، حيث إن العديد ممن عولجوا منها، أصيبوا بعد أسابيع بجلطات وسكتات قلبية، وبفشل كلوي وتأثير سلبي على الشرايين والقلب...
 أننا نتعامل الآن مع الجيل الثالث من هذا الفيروس، أي أننا أمام فيروس يتطور مع الزمن ليصبح أكثر تعقيدا ومكرا، وبالتالي، هناك خشية من أن تكون هناك عودة قوية للجائحة بعد الصيف، ما قد يؤدي إلى فرض الحجر الصحي مرة أخرى، وحتى في حالة توفير مصل الآن، قد نحتاج بعد ثلاث أو أربع سنوات إلى مصل جديد، لأننا قد نكون أمام جيل جديد من هذا الفيروس الذي قد يحتاج إلى متابعة دائمة...
ودعا بنعبدلاوي إلى التفكير في ما يلي:
لسنا أمام حالة عرضية عابرة، بل إننا، ربما، أمام تحول كبير كالتحول الذي حصل مع الثورة المعلوماتية، وبالتالي ستكون هناك إجراءات جديدة متعلقة بالسفر، والمطارات، والوقاية ونظام العمل، وهي إجراءات قد تمتد فترة طويلة...
وأثناء مناقشته لانعكاسات الجائحة على المغرب، أوضح الأستاذ المختار بنعبدلاوي أن الجائحة حلت بالمغرب وهو:
 في ظروف اقتصادية صعبة خصوصا في المجال الفلاحي الذي هو مورد أساسي وحيوي للناتج الداخلي، حيث إن السنة الفلاحية الحالية سنة سيئة جدا بسبب قلة التساقطات وعدم انتظامها، بل إن عدم الانتظام هذا جرى تسجيله طوال السنوات القليلة الماضية...
 يغرق في المديونية...
وأن المغرب يعاني بسبب الحجر الذي أثر على الفنادق والنقل خصوصا بالنسبة للمدن التي تعتمد على السياحة كمراكش وأكادير علاوة على الأعباء الاقتصادية الكبرى التي تطلبها الأمر إن على مستوى الوقاية ووقف الإنتاج وتحمل تكاليف العلاج ودعم الأسر الفقيرة...
وبخصوص الحل الذي طرح لمواجهة هذه الأعباء فهو حل استثنائي، تمثل في تبرع بعض الأغنياء، والاقتطاع من رواتب الموظفين، وهذا حل استثنائي لحالة استثنائية... غير أنه إذا كانت الحالة الاستثنائية ستتكرر، كما تتكرر الجوائح بسبب التحولات المناخية والجفاف والجراد وغيرها، فلابد من التفكير في حل مؤسساتي عوض الحلول العرضية...
وتوقع الأستاذ بنعبدلاوي أن تكون السنتان أو الثلاث سنوات المقبلة صعبة على الاقتصاد الوطني،بسبب النقص الحاد جدا الذي قد تعرفه تحويلات المغاربة بالخارج، وهي تحويلات تعتبر من أهم مصادر العملة الصعبة بالنسبة إلى المغرب إلى جانب السياحة... وهو ما سيؤدي إلى أن تكون هناك نسبة غير عادية من التضخم، لأن الحاجة إلى النقد ستكون كبيرة جدا...
كما توقع المتدخل أن تعرف السنتان المقبلتان مشاكل في التشغيل والقطاعات الخدمية الأساسية، وعلى مستوى استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة التي بدأت تتراجع قبل الجائحة...
بعدها تساءل الأستاذ بنعبدلاوي:
 كيف يجب أن نتعامل مع هذه الحالة؟
 وما الدروس التي يمكن استخلاصها من التجربة؟
ليجيب أننا في حاجة إلى رد مؤسساتي مدروس على المستوى المتوسط والبعيد، ينطلق من السياسات العمومية، ومن صياغة السياسات العمومية، وبالتالي فالمطلوب مراجعة السياسات العمومية، وإخراجها من الدائرة التي سارت عليها منذ الاستقلال، والتي كانت تعتمد مبدأ (أن المزيد من إغناء الأغنياء يمكن أن يخلق فرصا للفقراء ليحسنوا وضعيتهم)، وهو ما لم يحدث إلا بنسب ضئيلة لم تكن كافية لتقليص الفوارق الاجتماعية أو الفوارق بين الحواضر والأرياف؛ ولعل الدليل هو المستوى المتدني للتنمية البشرية بالمغرب راهنا، وكنموذج على ذلك، أنه كان بالإمكان خلق طبقة وسطى ريفية لو أنه اعتمدت سياسات عادلة وبعيدة المدى في ما يخص الأراضي المسترجعة من المعمرين، عقب الاستقلال؛ غير أن ما حصل هو أن هذه الأراضي، بدل أن توزع بشكل علمي مدروس وعادل وبمنطق تنموي، وزعت بمنطق الريع... لكي تتفاقم الفوارق الاجتماعية، والهجرة والنزوح، لا سيما في سنوات الجفاف.
منطق الريع والمحسوبية نفسه اعتمد في القوانين التي سُنَّتْ، مطلع سبعينات القرن الماضي، والمتعلقة بمغربة الشركات، وهو ما أدى إلى توسيع الفوارق الاجتماعية داخل المدن نفسها ثم بين المدن والعالم القروي... ولربما أنها كانت فرصة ضائعة مرة أخرى، حالت دون توزيع عادل للثروة، وخلق طبقة وسطى نشيطة في المدن.
بالموازاة مع ذلك، ورغم الميزانيات الضخمة التي كان ضُخَّت في قطاع التعليم، فقد اعتمد فيه منطق سياسي سياسوي، لا علاقة له بالمنطق العلمي التربوي أو البيداغوجي، حيث تم مثلا الإجهاز على شعبتي علم الاجتماع والفلسفة (في وقت كنا أحوج فيه إلى الدراسات الميدانية من أجل التخطيط الاجتماعي والاقتصادي) وخلق شعبة جديدة هي شعبة الدراسات الإسلامية، وهي شعبة لا علاقة لها مطلقا بكلية الآداب، بل ينبغي أن تبقى في كليات الشريعة وأصول الدين...
كما اعتبر أستاذ الفلسفة أن السجال حول المسألة اللغوية بالمغرب مسألة لا منطق لها، لأن الدول التي تحترم نفسها، تدرس أبناءها بلغتهم/لغاتهم الوطنية، وأن الدول التي تريد انفتاحا حقيقيا على المجتمع تتيح للتلاميذ وآبائهم في المرحلة الابتدائية أن يختاروا اللغة الأجنبية الأولى، بحيث يكون هناك تعدد على مستوى اختيار اللغة، لذلك، فإن الطريقة التي تمت بها تصفية اللغة الإسبانية شمال المغرب جريمة لأنها خسارة للمغاربة جميعا، حيث كانت نافذة مفتوحة على عوالم أخرى، وكان ممكنا أن تشكل نقطة غنى وتواصل حي عبر العالم... لذلك، فإن إقصاء بعض اللغات الأجنبية التي نحن أحوج إليها، وفرض لغة أو لغات أخرى، هو إخضاع للتعليم لاعتبارات إيديولوجية وسياسوية لا علاقة لها بالتنمية عموما والتنمية البشرية على الخصوص.
ولم تفت الأستاذ بنعبدلاوي الإشارة إلى الفوارق بين العالم القروي والعالم الحضري، وإلى بناء سياسة محلية أو سياسات جهوية على أسس سياسوية، وليست تنموية، وهذا ما أدى إلى فوارق بين الجهات، وإلى إضعاف اللامركزية، وتأخير ظهور نخب محلية قادرة على المبادرة الاقتصادية والاجتماعية، وعلى التنافس، وبالتالي خسرنا كثيرا ماليا، يقول المتدخل، لأن التجارب الخاسرة تجارب يخسر فيها الإنسان، وتخسر فيها المالية العمومية...
وأضاف أستاذ الفلسفة أن السياسة الرسمية، في السنوات الأخيرة، جعلت الطفل المغربي أمام مدرستين: واحدة موجهة للفقراء، وهي بمثابة روض لإلهائهم ولتدبير الزمن تدبيرا مؤقتا، ريثما يصبحون قادرين على تحمل مسؤولية أنفسهم، والمدرسة ذات المنهجية النقدية التي تشتغل على بناء الكفاءات والقدرات، والتي تهيئ الطفل لينفتح ويندمج وينجح اجتماعيا، ولذلك، فقد خسرنا معركة التنمية البشرية، وهي معركة أساسية...
وهنا أثار المتدخل الانتباه إلى ملاحظة مهمة وهي أن المغرب وتونس والأردن ومصر والجزائر طبقوا الحجر الصحي في نفس الفترة، غير أن الوباء تراجع بصورة أسرع في تونس والأردن منها في مصر والجزائر والمغرب، والسبب، حسبه، هو مستوى التنمية البشرية في الدولتين أحسن مقارنة بالسياسات العمومية لهذه الدول، معتبرا أن السياسة التي اتبعها بورقيبة في تونس مثلا والتي اهتمت بالمجال الاجتماعي وبخلق طبقة وسطى والاستثمار المبكر في السكن الاجتماعي والتربية والتعليم ناهيك عن الانضباط، الشيء الذي جعل النتائج تبدو واضحة في تونس وجعلتها تتجاوز آثار الجائحة بصورة أسرع، وبأقل الخسارات الممكنة، ونفس الحالة في الأردن ولبنان... بينما استمرت الحالة في المغرب والجزائر ومصر، رغم أن هذه الدول لها نفس القدرات والكفاءات والموارد، وأهم الأسباب، حسبه، هو مستوى التنمية البشرية التي انعكست سلبا على الكلفة النهائية لهذا الوباء...
لذلك، فالسياسات العمومية مستقبلا، ينبغي أن تبنى على مبادئ أساسية منها:
تكافؤ الفرص والكفاءة والاستحقاق، وهي مبادئ ستجعل الشخص الأفضل وصاحب القدرات المناسبة هو الذي يصل إلى مستوى القرار، وهو ما سينعكس على الإدارة والتدبير والعلاقات الاجتماعية والإدماج الاجتماعي وإنتاج القيم، أما إقامة العلاقات على أساس الريع فتفضي إلى معادلة فاشلة تنعكس على مستوى التنمية والآداء وعلى مستوى المالية العمومية...
باختصار، يقول المتدخل، لابد من إعادة النظر في السياسات الاجتماعية (الصحة والتعليم والتنمية البشرية) بمنطق جديد يقوم على مركزية الإنسان في العملية التنموية، وعلى تكافؤ الفرص والاستثمار على المديين المتوسط والبعيد في هذه القطاعات.
وأضاف المتدخل أن هذا الاستثمار يتطلب فعلا جهدا ماليا كبيرا في مرحلة أولى، لكن موارده مضمونة، لذلك، يجب الخروج من سياسات سياسوية، مؤقتة موظفة للواجهة إلى سياسات موضوعية تتسم بالتخطيط والعمل والتقييم المستدام للأداء...
وبخصوص المسألة الحقوقية، أوضح الأستاذ بنعبدلاوي أننا، خلال وضع الجائحة، لاحظنا أن هناك مقاربتين في التعاطي مع المسألة الحقوقية، خصوصا بعض الوقائع التي أثارت نقاشا عموميا على الوسائط الاجتماعية، مثل اعتداء بعض رجال الأمن أو السلطة على مواطن لا يحترم قانون الحجر الصحي، حيث انقسم المعلقون، على المواقع الاجتماعية إلى فريقين: حيث ذهبت فئة منهم إلى اعتبار هذا المواطن غير واع وليس أهلا للمسؤولية، وبالتالي يستحق الضرب والعقاب بهذه الطريقة المهينة على حواجز الشرطة، بينما دافعت فئة ثانية عن الأطروحة الحقوقية... وما نخشاه، يقول بنعبدلاوي، هو أن نجد أنفسنا، مستقبلا، أبعد فأبعد عن احترام الحريات الديمقراطية...
مشيرا إلى أن المجتمع المدني في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوربا، يشهد راهنا، تخوفا كبيرا من التطبيقات الذكية على الهواتف الخليوية للمواطنين، بمبرر معرفة أماكن تواجدهم ومخالطتهم ولضبط مسارهم وحصر المخالطين في حالة العدوى. وتساءل:
 هل ستقف هذه التطبيقات فقط عند حدود الجائحة أم أنها ستستخدم لغايات أخرى؟ ألن نكون في وضع خطير جدا، بحيث يتهدد هذا الإجراء الحياة الخاصة للمواطن؟
 وما هي الضمانات لأن لا تستغل قواعد البيانات والمعلومات المتوفرة لغايات أخرى في فترة لاحقة؟
إذن، هناك تخوف في الغرب وفي غيره من أن تتحول تطبيقات المراقبة عبر الهواتف إلى نوع من الرقابة الإلكترونية التي تتسرب إلى تفاصيل حياة الفرد. وهذا الوضع نفسه لاحظناه في فترة ما بعد الربيع العربي، حيث انقسم هذا العالم إلى "فسطاطين": أحدهما يرى أن التنمية لن تتحقق إلا بالاستقرار، ولو على حساب الحريات الخاصة والعامة... بينما ذهب اتجاه آخر إلى أن المجتمعات العربية عبرت عن إرادتها في الحرية والكرامة بمناسبة "الربيع العربي"، وأن هذا المطلب أولوي ويجب أن يحظى بالأولوية.. مع العلم أن العلاقة ليست بالضرورة علاقة تقابل بين المقاربتين؛ إذ ليس ضروريا أن نقبل إما الاستبداد مع التنمية أو الحرية مع الفوضى، وهناك متسع في دولة القانون (القانون بالمعنى المدني) لأن يتحقق هذان الشرطان، فتتضايف الحرية مع الكرامة في ظل الضمانات القانونية بما يحقق مطلبي الحرية والتنمية.
بعد هذا، استفاض الأستاذ بنعبدلاوي في الحديث عن آثار الجائحة على المستوى العالمي وتوقع أن العالم في طريقه إلى التعددية القطبية، أما أوربا فهي، حسبه، في طريقها إلى مراجعة سياساتها العمومية خصوصا في المجال الاجتماعي... وتساءل: أين موقع المغرب في هذا العالم المتعدد الأقطاب؟ وهل ينجح في بلورة سياسات عمومية مستقلة قائمة على مبادئ ثابتة تخدم مصالحه؟
وفي جوابه، أكد المتدخل أنه لا حل أمام المغرب إلا إبداع سياسات إقليمية جديدة... موضحا أن مشكلة الصحراء المغربية، تسمم فعلا العلاقات المغربية الجزائرية منذ أواسط السبعينيات، وتشل البناء المغاربي، لكن كما تم خلق وابتكار فرص في عهد الشادلي بنجديد لتهييء الصيغ الملائمة، يمكن اليوم أيضا، إبجاد صيغ ملائمة لتجاوز هذا الوضع؛ إن توفرت الإرادة السياسية لدى جميع الأطراف، لأن هذه الأطراف بحاجة ماسة إلى وضع سياسة إقليمية جديدة... وأوضح أنه دون وجود رديف قوي، من الصعب سن سياسات عمومية تنموية مستقلة...
وفي إجابته على مداخلات المشاهدين وتساؤلاتهم، اعتبر الأستاذ بنعبدلاوي أن الأحزاب المغربية لم يكن من الممكن أن يكون لها دور في إدارة أزمة كوفيد 19 لأن التقليد السائد بالمغرب لا يسمح لها بمثل هذه الأدوار، وأوضح أن دروس كورونا ستكون محدودة في بعض دول العالم، حيث توقع أن تزداد الصين اقتناعا بأن النظام التحكمي هو ضمانة الأمن وسلامة المجتمع، أما في الولايات المتحدة وبريطانيا فهناك هيمنة رهيبة لوسائل الإعلام على المجتمع، وبالتالي فإن سقف اهتمام المواطنين هناك هو التفاصيل والهوامش من قبيل: مناقشة نظام الصحة، نظام التأمين والجريمة ومكافحة المخدرات... مع ذلك، ربما تكون هناك فرصة لإعادة تقييم سياسات المحافظين الجدد، التي تعطي الأولوية المطلقة للسوق على حساب الإنسان! ولربما يُفتح نقاش مصيري حول مستقبل أوربا بسبب تلكؤ الدول الأكثر غنى عن تقديم الدعم والمساعدة لدول جنوب أوربا الأقل غنى والأكثر معاناة حول جدوى الاتحاد الأوربي في ظل غياب الحد الأدنى من التضامن، وأغلب الظن أنه سوف يتم تصحيح هذه السياسات، كما سوف يتم اعتماد مؤسسات اتحادية من أجل مواجهة جماعية للكوارث في المستقبل.
وبخصوص بعض الدول مثل المغرب والجزائر والدول الإفريقية، فالتغيير صعب جدا إن لم نقل إنه مستحيل. لأنه بالإضافة إلى العوائق الداخلية، هناك قوى ضغط خارجية، هي المتحكم الفعلي في السياسات العمومية، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والدول الدائنة بالإضافة إلى انعكاسات انهيار أسعار النفط والغاز، وتآكل الاحتياطيات المالية بالنسبة للدول التي تعتمد على تصدير المواد الطاقية...
فيما يتعلق بدروس كورونا في المغرب، فإن إحدى أكبر الإشكاليات هي أن اللوبيات تعودت أن تنظر للدولة على أنها بقرة حلوب، وأن تأخذ دون أن تعطي. كما أن الأحزاب السياسية عاجزة وغير مؤهلة في ظل السياق القانوني المؤطر، بل ليس لها دور في القرار الاستراتيجي في ما يتعلق بالسياسات العمومية.
فيما يتعلق بمسألة بالانتخابات فإن السؤال الحقيقي في المغرب ليس هو هل ستكون هناك انتخابات أم سيكون هناك تمديد؟ السؤال الذي سيطرح هو: من هي الوجوه التي ستتلاءم مع متطلبات المرحلة؟ هل مازالت هناك حاجة إلى العدالة والتنمية كحزب له بعض الحضور الاجتماعي، ويستطيع المساهمة في احتواء الشارع؟ أم أصبح بالإمكان الاستغناء عن خدماته؟ وهل مازالت الحاجة قائمة إلى الوجوه البارزة داخل "الأصالة والمعاصرة" والتجمع الوطني للأحرار"؟ وما هو الدور الأنسب؟
في رأيي المتواضع؛ منذ حكومة عبد الله إبراهيم لم نر حكومة واحدة لها دور فعلي في تخطيط ومتابعة السياسات العمومية، كما لم نر الشعب المغربي، في مرة من المرات، يصوت على برنامج سياسي قابل للتحقق، أو يزكي برنامجا سياسيا أثبت نجاحه أو عاقب حزبا من الأحزاب على فشل برنامجه السياسي... بل الظاهرة الوحيدة التي يتفق عليها الجميع هي ضعف المشاركة السياسية.
هكذا فإن إبقاء الانتخابات في وقتها أو تأجيلها سيان، كما أنه لا فرق بين حكومة وطنية أو حكومة من تشكيلة حزبية معينة، وإذا وُجدت أية تحالفات فهي مصلحية (بالمعنى الضيق) أو تكتيكية، من أجل استكمال عناصر ومقومات إخراج حكومة قابلة للحياة، وقابلة لنقل رسالة معينة، وليس الهدف مطلقا هو تنزيل أو تطبيق أو تنفيذ سياسات عمومية مختلفة.
لذلك، فإن ما يحتاجه المغرب حقيقة، وهو أمر صعب في الوقت الحالي، هو وعي بأن الديمقراطية ودمقرطة المجتمع والدولة هي الضمانة الحقيقية للاستقرار، هي عودة المواطن إلى المجال العمومي، واستعادة ثقة المواطن في السياسة...



#علي_بنساعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما والرواية: خيبة الروائيين!!!
- كلميمة بلدة يحكمها من لا -كبدة- له عليها
- حتى متى تستمر -المندوبية الوزارية- في إقصاء الإبداع والمبدعي ...
- جماليات خطاب العتبات في القصة القصيرة جدا (نماذج مغربية)
- صورة المرأة في القصة القصيرة جدا وبُعْدُ النوع الاجتماعي
- نجيب العوفي و-عصابة الأربعة الكبار-
- فعاليات سردية تدعو إلى ترسيم الملتقى المغاربي للققج بالجزائر
- في -ملتقى فاس للقصة القصيرة جدا- -مسارات- تحتفي بالأديب حميد ...
- في ملتقاها الوطني الأول بفاس -مسارات- تضع القصة القصيرة جدا ...
- مقهى يعبق بأنفاس عمالقة الفكر والإبداع
- تأسيس -الائتلاف المدني من أجل الجبل- للنهوض بسكان المناطق ال ...
- فاس... محطة عبور المهاجرين نحو -الإلدورادو-
- أطفال الشوارع بفاس... ملائكة وشياطين
- تقرير أسود عن أوضاع القاصرين بسجون فاس ومكناس بالمغرب
- منة سيف: الكتابة ضد التحفظ والصمت
- ثريا نيني: الكاتبة المتمردة
- نينا بوراوي: كاتبة عصية على الترويض
- -كيف كيف غدا-: فتح أدبي جديد
- بوح -صفية- إلى الله
- تفاؤل رغم الخيبات: قراءة في رواية -على الجدار-* لحليمة زين ا ...


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي بنساعود - المختار بنعبدلاوي: كورونا حالة ممتدة ينبغي التكيف معها والتغيير في المغرب والجزائر والدول الإفريقية، صعب جدا إن لم نقل مستحيل