|
النفط الخام ومشكلات انتقال القيمة-مقاربة ماركسية
مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6576 - 2020 / 5 / 28 - 14:53
المحور:
الادارة و الاقتصاد
د.مظهر محمد صالح من يتطلع إلى أسواق النفط بشكلها الراهن وكيف تزاحمت أسعار النفط فيها حول نقطة التعادل وهي النقطة التي تعادل الأسعار التكاليف الإنتاجية فحسب او تزيد عنها قليلا لتمثل الربح التوازني ،سنجد اسلوبا غريباً في نقل القيمة او انتقالها بأثر واضح وعلى وفق ما اشرت ذلك الجدليات الاقتصادية الماركسية للقرن العشرين حول مايسمى بانتقال القيمة transformation of value.فالانتقال يعني كيفية ايجاد قاعدة عامة التي يتم بموجبها نقل قيمة البضاعة او السلعة (المنتجة وعلى وفق نظرية العمل اللازم اجتماعيًا كمصدر للقيمة ) إلى الأسعار التنافسية في الأسواق.اي الانتقال من مرحلة خلق القيمة إلى مرحلة تحقيق القيمة. ولما كانت نسبة العمل إلى راس المال تختلف من انتاج سلعة او بضاعة إلى أخرى،فكيف يمكن تسوية هذه المسالة لبلوغ متوسط ربح على راس المال المستثمر كله. فطالما ان كثافة راس المال إلى العمل في الصناعة النفطية على سبيل المثال عالية جداً فان ثمة مشكلة اثارتها المدرسة الماركسية لمثل هذه الحالات. فالبدايات النظرية استندت إلى المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد وبالتحديد الاقتصادي ديفيد ريكاردو ١٨٣٢ حول القيمة المطلقة والقيمة التبادلية في كتابة الاعمال والمراسلات /الفصل الرابع،موضحاً ان حصة الربح ستبقى منخفضة بسبب كثافة راس المال مقارنة بالعمل. وهنا سيتولد التناقض بين تحليل عملية خلق القيمة وتحقيق القيمة عند الانتقال إلى الأسعار التنافسية في سوق النفط على سبيل المثال . فلم يفترض الاقتصادي ديفيد ريكاردو ان العمل لوحده يحدد السعر ولكن بين أيضاً ان قضية الأرباح في الصناعات كافة يجب ان تكون متساوية.ولكن يلحظ اذا ما جاء مصدر الربح من العمل فحسب ،فان الصناعة الكثيفة العمل ستمتلك ارباح اعلى وهذا يتعارض مع ريكاردو نفسه أيضاً. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر لوحظ ان ثمة نواقص خطيرة في نظرية ريكاردو آنفاً ما ادى الى استبعادها. ومن خلال النقاشات الجدلية النظرية التي وردت في كتاب كارل ماركس -راس المال ولاسيما الجزء الثالث والنتائج التي خرج بها الاقتصاديون في القرن العشرين بما فيها المدرسة الريكاردية الجديدة New Ricardian أمثال ليونتيف ،وسرافا في كتابه الشهير (انتاج البضائع بالبضائع١٩٦٠ )وتبسيط قضية الربح بكونه مقارباً لفائض القيمة الماركسية من خلال معادلة خطية بسيطة،لكن الغريب في الأمر ان ميلان معدل الربح نحو الانخفاض كما جاءت بها النظرية الماركسية تختلف من سوق إلى أخرى او بين الأسواق بلوغاً إلى قطاع المستهلك. فالازمة النفطية العالمية الراهنة بينت بالتدريج ان السعر التنافسي او العادل لبرميل النفط الخام لايؤدي الى انخفاض معدل الربح الكامن average potential profit الذي يجب ان يحصل عليه المنتج الرئيس والذي يتعرض قسراً الى قضية انخفاض متوسط الربح . فقد هبط سعربرميل النفط الخام خلال ٥٢ شهر اً مضت من ٧٢ دولار للبرميل نزولاً في السعر الى نقطة التعادل (اي ان سعر البرميل في السوق التنافسية يساوي كلفة الانتاج) ليبلغ سعر برميل النفط من (خام برنت ) على سبيل المثال إلى اقل من ١٥ دولار ذلك في نيسان ٢٠٢٠ قبل ان تعاود السوق ارتفاعها لتبلغ اليوم نصف عافيتها وتقترب أسعار النفط من ٣٥ دولار للبرميل الخام نفسه. فالأزمة النفطية الراهنة أفصحت ان السعر التنافسي العادل لايؤدي إلى انخفاض متوسط الربح الفعلي actual عن متوسط الربح الكامن average potential profit من منظور انتقال القيمة transformation of value .بعبارة أخرى،فان تدهور معدل الربح قد اقتصر في سلسلة تحقيق القيمة على حساب المنتج الرئيس صاحب المصلحة في الانتاج. اذ اظهرت اسواق النفط ان قواها الفاعلة هي التي تبحث عن تحصيل متوسط الربح الكامن average potential profit من خلال عملية( نقل القيمة )وإظهار دور السوق التنافسي الصريح حتى يتطابق فيه متوسط الربح الكامن مع متوسط الربح الفعلي . ورب سائلاً يساءل من هي القوى الفاعلة لتحريك دواليب نقل القيمة من المنتج إلى أسعار السوق التنافسي للنفط الخام (في أسواق نفطية تعاني من حرب الاسعار price war؟). والجواب هي سوق التخزين inventory market وفي مقدمتها مخازن ناقلات النفط التي امست اداة لمطابقة متوسط الربح الفعلي بالربح الكامن للمنتج النفطي.وهنا تؤدي الناقلات بكونها خزانات تحتفظ بأكثر من ٥٠ مليون برميل من الفائضات النفطية الحالية اصبحت كقوى تصحيح وانتقال للقيمة من خلال قيمة الخزن او الاستثمار الزمني للخزين value inventory forces .وبهذا فان تلك الناقلات (المخزنية )أخذت تحتفظ بنحو نصف حاجة العالم للاستهلاك اليومي .ما جعل الناقلات المخزنية قوى تتحكم بالربح الكامن والتقارب من سعر السوق التنافسي من خلال تنظيم العرض وتسويقه من أعالي البحار.فعلى الرغم من الخسائر التي تعرض اليها النقل البحري الا ان تلك (السفن المخزنية)تسببت بجني متوسط أرباح يومية تقدر بنحو ٢٠٠ الف دولار للسفينة الواحدة بدلاً من ٤٠ الف دولار في عام ٢٠١٩ وهي في طابور الانتظار لكون أسعار النفط التي ابتاعت على ظهورها كانت ربما دون نقطة التعادل او قريبة منها ،مما سوغت لمالكي النفط الانتظار في اعالي البحار وتحويل معدل الربح الفعلي ليساوي معدل الربح الكامن عبر عملية من التداخل الزمني لعملية انتقال القيمة inter temporal process of value transformation فانتظار السفن في السواحل الآمنة حاليا ولمدة اقل من شهر على سبيل المثال قد عظم من سعر برميل النفط التنافسي بنسبة ١٠٠٪ . وهنا تجري اول عمليات نقل القيمة الى السعر التنافسي اي تحقيق القيمة لبلوغ السعر العادل لبرميل النفط بعد خلق القيمة في مرحلة الانتاج لدى المنتجين الاكفاء وتحقيق الربح الفعلي ونقل الربح الكامن كي يظهر كفائض قيمة في الاسواق البحرية.واذا ما اضفنا الضرائب المفروضة على النفط المورد الى اسواق الاستهلاك ولاسيما الضرائب المقطوعة القيمة على المحروقات الرئيسة في اوروبا تحديدا ،عندها ستتحقق نظرية الانتقال الماركسية للقيمة او تكتمل صورة نظرية انتقال القيمة وبلوغ الحد الربحي الحقيقي الذي يوازي الربح المحتمل في عملية تجزئة الريع النفطي والاستيلاء عليه .اي انها عملية انتقالية ولكن تتجسد بفائض قيمة اوريع تحقق بصورة مثلى عند الانتاج لقاء قيمة منتج نفطي تم توليده او خلقه بصورة ربح فعلي ولكن يحمل بذور الربح الكامن ؟ او بكونه فائض قيمة (كامن )ونقله الى حقائق السعر العادل للاسواق التنافسية للنفط .وهي عمليةُ انتقال (كامنة )للقيمة خلفتها حرب الأسعار. واخيراً، يمكننا الاستنتاج ،ان نظاماً من التعاقب الزمني inter temporal لبلوغ الربح التوازني جراء نقل القيمة الكامنة بين الاسواق والتي في مقدمتها السوق المخزنية للنفط باشكالها كافة،تمثل إنموذجاً حياً يجسد نظرية انتقال القيمة الكامنة الى القيمة الفعلية عبر سلاسل تسويق وعرض نفطي متعددة ليتطابق في النهاية قيمة المنتج الكامن بالسعر التنافسي العادل للنفط . ختاماً،نستنتج انه اذا كان فائض القيمة يمثل جوهر استغلال العمل المبذول اجتماعيًا في توليد القيمة ،فان نظرية انتقال القيمة transformation theory للنفط تمثل جوهر استغلال فائض القيمة وتقاسمه في تعاقب زمني للاسواق بلوغاً الى السعر التنافسي العادل في آخر سلسلة للتبادل.فنظرية الانتقال تبين كيف يجري نهب الفائض الاقتصادي للشعوب بتحويل الفائض الكامن لقيمة المنتج إلى فائض فعلي ومنها القوى المخزنية الجديدة new inventory forces حتى بلوغ الاسواق التنافسية للطاقة لتتطابق فيها القيمة الفعلية للمنتج مع السعر التنافسي العادل ويظهر السعر الحقيقي لبرميل النفط.
نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاثة رجال في مرايا الراي والسياسة والحياة في العراق.
-
الراسمالية المركزية :من الصراع الطبقي الى التحول الاجتماعي -
...
-
نصف الدخان
-
السندات السيادية المقومة بالنفط الخام: جدل التمويل في اقتصاد
...
-
تدهور اسواق النفط: آليات الحاضر واستشراف المستقبل .
-
الصراع الطبقي المميت : كورونا والقضية الاجتماعية .
-
اسواق النفط :نحو اعادة ترتيب قواعد اللعبةوالنفوذ العالمية.
-
المالثوسية والفائض الاقتصادي العالمي :من حرب العملات إلى الح
...
-
توازن لعبة الحرب التجارية القائمة : الرابحون والخاسرون في ال
...
-
ملامح الموازنة العامة الاتحادية للعراق ٢٠٢
...
-
رؤية في الإنقلاب الديمقراطي:
-
سيناريو انتاج النفط الأمريكي :بداية امتصاص اقتصاديات الفائض
...
-
من صراع المكونات إلى صراع الطبقات
-
السوق الحمراء وتفكيك الصدمة الاقتصادية: الصين انموذجاً
-
الصين و العراق : مرارات العقود الضائعة في التنمية.
-
التهديد المالي والنفطي للعراق :هواجس واحاسيس
-
البجعة السوداء :حقيقة في الجدل الاقتصادي
-
ريعية المصارف الاهلية في العراق: السلوك والاداء!
-
حماية اموال العراق في منطقة الولاية القضائية الامريكية/وجهة
...
-
العراق بين مشهدين :وجهة نظر في الاقتصاد السياسي
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|