((الأجندة)) الخفية لمنظمة التجارة العالمية

الأيوبي رولا

الحوار المتمدن-العدد: 29 - 2002 / 1 / 7 - 20:27
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

السفير:

((دأب أصحاب نظرية المؤامرة على القول ان اجتماعات سرية تعقد بين مسؤولين حكوميين وممثلي الشركات العالمية الكبرى لمناقشة شؤون منظمة التجارة العالمية. لكننا اكتشفنا ان الامور اسوأ بكثير من ذلك بعد ان حظينا بالوثائق، لأن كل ما ورد في قوانين منظمة التجارة هو نتاج ((قطب مخفية)) نسجها ممثلو الحكومات مع نافذين في الأروقة الصناعية المالية)).
بهذا القول عبر رئيس ((حركة التنمية العالمية)) باري كوتس عن الصدمة التي نجمت عن نشر وثائق سرية، عشية انعقاد الاجتماعات الوزارية لدول منظمة التجارة في الدوحة، حصلت عليها محطة بي بي سي ومنظمة كوربووتش. وقد قسمت هذه الوثائق الى مجموعتين استقيت إحداهما من اشخاص بريطانيين نافذين في قطاع المال يطلقون على انفسهم لقب ((البريطانيين المستترين))، اما الثانية فمصدرها سكرتاريا منظمة التجارة نفسها.
المجموعة الاولى من الوثائق هي عدد من محاضر الاجتماعات المغلقة ل ((لجنة تحرير التجارة في قطاع الخدمات)) (LOTIS) البريطانية. وهي كناية عن محاضر اربعة عشر اجتماعا سريا جمعت، في الفترة ما بين نيسان عام 1999 وشباط 2001، مسؤولين في ((بنك انكلترا)) كانوا يتولون المفاوضات التجارية، مع نافذين اوروبيين واميركيين في عالم الاعمال.
و((لوتيس)) هي ثمرة نشاط ((البريطانيين المستترين)) وهي معروفة، رسميا، تحت اسم ((مجموعة لندن للخدمات المالية العالمية)) برئاسة اللورد ليون بريتان الذي رأس الاتحاد الاوروبي سابقا. ويبلغ حجم الاموال المملوكة من الشركات الممثلة في هذه اللجنة 100 مليار دولار.
وتشير محاضر الاجتماعات الى ان مسؤولين حكوميين بحثوا مع قادة شركات كبرى وثائق المفاوضات السرية في منظمة التجارة، والمواقف التي تتخذها دول الاتحاد الاوروبي والدول الصناعية الكبرى من المسائل المطروحة في المفاوضات. وفي اجتماع عقد يوم 22 شباط هذه السنة، ذكر رئيس الوفد البريطاني المفاوض انه تم تسريب الورقة التي اعدتها البعثة الاوروبية، بشأن تنظيم القطاع الصناعي في اطار اتفاقيات الغات، الى اعضاء في ((لوتيس)) ليبدوا ملاحظاتهم عليها.
وتتمتع ((لوتيس))، اضافة الى امكانية الوصول الى الوثائق الحكومية السرية، بامتيازات اخرى كون اعضائها مشاركين في سوق الخدمات الاوروبية. ويشير احد محاضر الاجتماعات المذكورة الى ان اعضاء من ((لوتيس)) عقدوا لقاءات حصرية مع ((مجموعة البند 133)) وهي لجنة من الخبراء المكلفين بوضع السياسات التجارية للبعثة الاوروبية. ومن المفترض ان تكون اجتماعات هذه اللجنة سرية. وقد توفرت معلومات مؤكدة، من المرصد الالماني لاوروبا، عن ان احد هذه اللقاءات عقد في الثلاثين من تشرين الاول الماضي.
هل هي مسألة ضرورة؟
المجموعة الثانية من الوثائق التي نُشرت على شبكة الانترنت، كناية عن مذكرة سرية، صادرة في التاسع عشر من آذار اي بعد اربعة اسابيع من اجتماع ((لوتيس))، وقد استقيت من سكرتاريا منظمة التجارة العالمية. تؤكد المذكرة، التي نقلتها سكرتاريا المنظمة من حزب العمال الى ممثلي الدول الاعضاء، ان المفاوضين الاوروبيين قبلوا التعديلات التي اقترحها اعضاء ((لوتيس)) على البند السادس (الفقرة الرابعة) من اتفاقية غات الخاصة بتنظيم الصناعة والمعروف ب ((اختبار الضرورة)).
يفرض هذا البند على الحكومات تقديم اثباتات بأن انظمتها الداخلية بدءا من القوانين البيئية وانتهاء بقوانين مراقبة عمل الاطفال لا تشكل عوائق خفية لحرية التجارة. ويريد ارباب الصناعة من منظمة التجارة ان تعدل هذه الفقرة وتفرض، بالتالي، اختبارا مماثلا لذلك المعتمد في ((اتفاقية التجارة الحرة بين دول اميركا الشمالية)) (نافتا).
وقد اكدت المذكرة السرية المذكورة ان المفاوضين الاوروبيين توصلوا الى صيغة توافقية تقضي بتعديل اتفاقية الغات لتتضمن شكلا من الاختبار اقسى بكثير من اختبار ((نافتا)). وينص هذا الاخير على وجوب ان تتضمن قوانين الدول الاعضاء (الولايات المتحدة كندا المكسيك) الاحكام ((الأقل تقييدا لحرية التجارة)). أما النص المقترح لتعديل اتفاقية الغات فينص على ان قوانين الدول الاعضاء تفقد صلاحيتها للتطبيق اذا كانت تفرض اعباء ((اكثر من اللزوم)) على قطاع الاعمال.
ان الفرق بين النصين دقيق جدا، لكن اثره، في الواقع، سيكون هائلا. فالنص المقترح لتعديل اتفاقية ((الغات)) يستبعد حرية التجارة من المعادلة ويفرض على الحكومات، في المطلق، اعتماد القوانين الاكثر فعالية، اي تلك التي تفرض اقل الاعباء الممكنة على الاعمال. الى ذلك، ضمنت سكرتاريا منظمة التجارة اقتراحها لتعديل الخطوط الواردة في وثيقة سرية اخرى صادرة عن ((مجموعة العمل الاوروبية)) بتاريخ الرابع والعشرين من شباط، اي مباشرة بعد اجتماع ((لوتيس))، تحت عنوان ((القوانين الوطنية: الضرورة والشفافية)).
ولإعطاء مثال عن تبعات تطبيق ((اختبار الضرورة)) هذا، فقد فرض على الحكومة المكسيكية ان تسدد سبعة عشر مليون دولار لشركة ((ميتالكاد)) الاميركية لأنها منعتها من بناء مصنع لها على الاراضي المكسيكية ينتج نفايات سامة. ونظرا الى ان الارض التي كان مقررا البناء عليها تقع في منطقة تحوي آبارا ارتوازية، فقد حاولت السلطات المكسيكية ان تؤجل انشاء هذا المصنع متذرعة بأن الشركة لم تحصل على رخصة البناء. إلا انه تم تطبيق بند ((اختبار الضرورة)) كون الاتفاقية الموقعة من قبل الحكومة المكسيكية (نافتا) تتمتع بالأولوية على القوانين الوطنية.
هل تبقى سيادات وطنية؟
كان رد وزارة التجارة والصناعة البريطانية على نشر هذه الوثائق، ان التعديلات المقترحة تحافظ على ((سيادة الدول لجهة تنظيم الخدمات بشكل يتلاءم مع سياساتها الوطنية)). الا ان المذكرة السرية الصادرة في 19 آذار، في اطار المفاوضات السرية المتعددة الاطراف، ذكرت ان محكمة في منظمة التجارة رفضت دفعا بحماية ((المصلحة العامة للدولة)). فقد اقترحت المذكرة الصادرة عن سكرتاريا منظمة التجارة بديلا عن المصطلح المذكور (((المصلحة العامة))) واحدا آخر هو ((مبدأ الفعالية)). ويسمح هذا التعديل لرؤساء الدول والحكومات بإلغاء القوانين البيئية من دون الحاجة الى الرجوع للبرلمانات، وذلك عبر امر من منظمة التجارة تعجز الدول عن معاكستها. ((يمكن ان تحظى الالتزامات الدولية التي تعطي الاولوية للاقتصاد بقبول سياسي اكبر لدى الشعوب)) وفق ما جاء في مذكرة منظمة التجارة.
فإذا قررت، مثلا، ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش عدم اتخاذ اي اجراء لتخفيف التلوث في المياه الناتج عن عمليات التعدين، برغم وجود قانون اميركي ينص على ذلك، يمكنها ان تطلب امرا من منظمة التجارة تصدره لجنة محلفين، وتقضي بأن القوانين الاميركية المعنية تفرض اعباء ((اكثر من اللزوم على قطاع الاعمال)). وعلى عكس الآليات المتبعة في الكونغرس الاميركي وفي المحاكم الاميركية ايضا، فإن لجنة المحلفين في منظمة التجارة تعقد جلسات مغلقة يُمنع نشر محاضرها.
لقد اقر متحدث باسم منظمة التجارة بصحة المعلومات المنشورة في هذه الوثائق السرية، لكنه شدد على انها ((لا تؤدي بمنظمة التجارة الى ضرب القوانين والتنظيمات الوطنية)). اما باري كوتس فيقول ان ((تلك التعديلات، بجوهرها، اعتداء على العملية الديمقراطية))...
عن مقال لغريغ بالاست من منظمة كوربووتش
() www.corpwatch.org

#الأيوبي_رولا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات