|
ثقافة تدمير القبور
بير رستم
كاتب
(Pir Rustem)
الحوار المتمدن-العدد: 6575 - 2020 / 5 / 27 - 13:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن ثقافة تدمير القبور والتمثيل بالجثث ليست بجديدة على واقعنا الشرقي وبالأخص الإسلامي منه حيث لو راجعنا أمهات الكتب التاريخية لوجدنا؛ بأن صفحاتها ملأى بهذا الفعل الشنيع الغير أخلاقي وبأن هناك الكثير من الأمثلة التي تدين المسلمين وقد وصل الأمر بأحد الكتاب -وهو جعفر البكلي لأن يكتب مقالاً تحت عنوان (تراث العار: عن الذين نبشوا قبور آل النبيّ وصحبه) يقول فيها؛ “الحقيقة أنّ تاريخ المسلمين ليس مدنساً في وقائع بعينها، قدرَ ما هو مدنسٌ في وقائع نبش القبور نكاية بأصحابها. ذلك تاريخ – أقل ما يقال فيه اليوم – إنه ملطخ بالعار. وإنّ مسألة نبش القبور وهتك حرماتها والعبث بجثث الموتى كيداً ولؤماً وحقداً، قضيةٌ ليست جديدة في تراث المسلمين، ولا هي طارئة على سِيَرهم… فمنذ فجر الإسلام، كان بعض كبار الصحابة يوصون بأن يُدفنوا ليلاً، أو سراً، أو في قبور مموّهة، مخافة أن يتعرض جثمان أحدهم للنبش! ولقد تكررت مثل هذه الوصايا مع عثمان بن عفان، ثمّ مع علي بن أبي طالب، وقبلهما مع فاطمة بنت محمد، نفسها” وبعد هذه الشهادة من أحدهم وكأمثلة على قضية نبش القبور وحرق ما تبقى من جثث موتاها نورد ما يلي:
تدمير العباسيين لقبور الأمويين حيث وبعد أن أنتصر العباسيين بقيادة عبدالله بن علي الملقب ب(أبي السفاح) على آخر خليفة للأمويين في معركة الزاب عام 750م الموافق لعام 132هـ فإن أهم قرارين أتخذهما السفاح هما: قتل كل من بقي من أمراء بني أمية ونبش قبورهم وإحراق كل ما بقي من جثثهم ويقول لنا النويري في نهاية الأرب بخصوص ذلك التالي: “ولما تمكن عبد الله السفاح من دمشق ودخلها بجيشه بعدما حاصرها و ضيق خناقها ما يزيد عن الأربعين يوماً فأمر باستباحتها وقتل من والى بني أمية بها وقتلوا فيها ما يزيد عن الخمسون ألفاً في ثلاثة ساعات من السفك … وأمر عبد الله بنبش قبور بني أمية بدمشق فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان فلم يجدوا فيه إلا خيطاً مثل الهباء، ونبش قبر يزيد بن معاوية فوجدوه حطاماً كالرماد، ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا فيه جمجمة، إلى أن نبشوا قبر هشام بن عبد الملك فوجدوا جسده صحيحاً فأخذ السفاح بضربه بالسياط ثم صلبه ثم حرقه و ذراه في الريح، ونبشوا العديد من قبور بني أمية عدا قبر عمر بن عبد العزيز … ثم قتل أمراء بني أمية في البصرة وألقاهم فالتهمتهم الكلاب وأكلتهم ولم يفلت منه إلا عبد الرحمن الداخل الذي هرب إلى الأندلس”، كما أن السفاح و(بعدما أخضع فلسطين قبض على 92 من أمراء الأمويين بها و أجلسهم بمأدبة طعام وأمرهم أن يتناولوا جميعهم أمامه وما أن بدأوا يأكلون في خوف فأمر رجاله بدك رؤوسهم بالمطارق وقتلهم و تكسير جماجمهم ثم جمعهم ووضع فوق جثثهم الطعام وصعد فوقها وشرع يأكل وقال مقولته الشهيرة “بالله ما أشهى من هذا طعاماً”…). (نقلاً عن صفحة المؤرخون المصريون) وكذلك بحسب ما نقلته الكثير من المراجع التاريخية منهم ابن كثير مثالاً!
بل أن ثقافة تدمير القبور ونبشها أو محو آثار تلك القبور شملت حتى الرسول وعائلته حيث للآن هناك خلاف بين المذاهب والطوائف الإسلامية حول مكان قبر بنت الرسول فاطمة زوجة علي بن أبي طالب والتي ماتت إثر موت والدها نتيجة تعرضها لعنف جسدي من قبل عمر ابن الخطاب نتيجة الخلاف حول البيعة ومن يجب أن يخلف الرسول، كون عمر كان مؤيداً لترشيح أبي بكر يخالفه في ذلك علي وجماعته من أهل البيت الذين طالبوا بالخلافة كما كانت الرسالة في آل البيت وتقول الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) بخصوص قبر فاطمة ما يلي: إن “مكان دفن فاطمة الزهراء بنت رسول الله من المسائل الخلافية عند المسلمين فيعتقد بعضهم انّها دفنت في البقيع وبعضهم يقول أنّها دُفنت في بيتها وبعضهم يعتقد أنّها دُفنت بين قبر الرسول ومنبره”، بل إن الأمر في نبش القبور وإخراجهم وحرقهم أو تدمير مقابرهم لم تستثني حتى الرسول وأصحابه وفي ذلك يقول الكاتب جعفر البكلي في المقالة المشار إليها سابقاً ما يلي: “ومن عجيب التصاريف أن معاوية بن أبي سفيان الذي بدأ العباسيون بنبش قبره، كان هو نفسُه أول من أمر بنبش قبور الصحابة، حينما عهد إلى واليه في المدينة أن ينبش قبور شهداء معركة أحد، وأن يخرجهم من مثواهم، بتعلة أنه يريد إجراء عين ماء في ذلك المكان الذي دفنهم النبي فيه، قبل قرابة خمسين عاماً! (5). وفي زمن العباسيين عام 236 هجري، بعث الخليفة المتوكل بجنوده إلى قبر الإمام الحسين بن علي في كربلاء، ليهدموه وينبشوه. وأمرهم أن يحرثوا بالبقر موضعَ القبر، وأن يبذروه ويسقوه، وأن يُجرَى عليه الماءُ حتى يُطمَسَ كل أثر له، فيمتنع الناس عن إتيانه! (6). وفي سنة 443 هـ، نبش الحنابلة قبر الإمام موسى بن جعفر الكاظم في باب التبن (الكاظمية اليوم)، ونهبوا مقامه، ثمّ أحرقوه”.
طبعاً قضية نبش القبور وتدميرها لا تقف على المسلمين وحدهم، لكنهم الأكثر شناعةً في هذا الفعل المشين والغير أخلاقي ومن الأمثلة التي يمكن التذكير بها ممن قاموا بها من غير المسلمين ومثلما يوردها الكاتب البكلي عن الصفويين الفرس حيث يقول في مقالته المشار إليها ما يلي: “وليس أمرُ نبش القبور وانتهاكها، وقفاً على فئة من المسلمين دون أخرى؛ فالصفويون (ملوك بلاد فارس في القرن السادس عشر ميلادي) قد أدلوا أيضاً بدلوهم، في هذا الخزي. عام 1508، كان من أول ما قام به الشاه إسماعيل الصفوي، بعد احتلاله لبغداد، هو أمره بنبش قبر الامام أبي حنيفة النعمان، في الأعظمية. وكذلك فإنهم قد أخرجوا من القبر ما وجدوه من عظام الفقيه، وهي رميم. ولزيادة النكاية والتشفي، فإنهم وضعوا أشلاء كلب أسود مكان الرجل في مدفنه! وفي عهد الشاه عباس الأول حفيد اسماعيل الصفوي، جُعِل من مقام أبي حنيفة في الأعظمية مرحاضاً للعامة! ولم يقف أذى الصفويين عند أبي حنيفة، فلقد تجاوزوه إلى غيره، مثل صاحب الطريقة عبد القادر الكيلاني الذي هدموا قبره، وطاردوا ذريته حتى اضطرت إلى الارتحال من العراق إلى الشام”.
وللأسف فإن عصرنا الحالي هو الآخر شهد الكثير من هذه الأمثلة الشنيعة وعلى يد مجاميع إسلامية متشددة إرهابية مثل داعش وأخواتها، بل حتى ممن سموا أنفسهم بالثوار و”الجيش الحر” وفي أماكن مختلفة حيث يقول الكاتب جعفر البكلي بهذا الصدد ما يلي: “في ذلك الصيف السوري الحارق سنة 2012، شاع نبأ يزعم أنّ موتورين في ريف دمشق، قد دنسوا حرمة ضريح السيدة زينب حفيدة النبي محمّد، وأنهم قد خطُّوا على السور الخارجي لمقامها، عبارات مسيئة لها. سرت الأنباء حينها متواترة، بأنهم كتبوا لزينب: «قريباً، سترحلين مع النظام»! أنكر المعارضون حصول هذا الفعل، واحتجوا بأنهم ما كانوا قطّ طائفيين… وأنهم، وهم أهل السُنة والجماعة، طالما حفظوا للصحابة الكرام ولأهل البيت، مقاماتهم… وأنهم استبقوا تلك القبور في ديارهم قروناً، وما مسّوها بأذى؛ فكيف يُتهمون اليوم بمثل هذه الأباطيل؟! ولكنّ مقام زينب «المزعوم» – كما يسميه كثير من المسلحين – بقي يتعرض طيلة عام كامل لمحاولات قصفه بقذائف الهاون. أمّا مقام السيدة سكينة بنت الحسين، في داريا، فكان أسوأ حالاً. إذ سقط بالفعل في أيدي الجماعات المسلحة، فاتخذه هؤلاء ثكنة يتحصّنون بها، من بعد أن نهبوا كل ما فيه. وصاروا يكدّسون في المقام السلاح، متترّسين بقداسته عند خصومهم. فلما أوشك أن يؤخذ منهم، لم يتركوه إلاّ بعد أن صيّروه خراباً! في أثناء كل ذلك، نُبش قبر الصحابي حُجْر بن عدي، واُخرِجَ صاحب القبر من مكانه، من بعد أن هدموا عليه مقامه بالجرافات… وفُجِّر مقام الصحابي عمار بن ياسر في الرقة!”
وهكذا فإن قضية تدمير المقابر ونبش وحرق الجثامين والعظام المتبقية في تلك القبور ومحو الآثار هي ليست بثقافة جديدة على المنطقة وبالأخص للجماعات الإسلامية المتطرفة ضد من سبقوهم حتى وإن كانوا هم أيضاً مسلمين، فما يكون حال من هم في عرف هؤلاء المتشددين ليسوا بمسلمين، بل كفار وزنادقة وملحدين حيث سيكون التدمير أشمل وأكثر فظاعةً ولذلك لا غرابة أو استغراب حينما نرى بأن تلك الجماعات قامت بتدمير مقابر قرابين شعبنا إن كان في “شيخ محمد” أو قرية متينا مؤخراً حيث إنها جزء من ثقافة موروثة كما قلنا، ناهيكم عن قناعة هؤلاء بأن من دفن في هذه المقابر هم كفار وملحدين وعلى خلاف عرقي أقوامي وليس فقط ديني عقائدي ولذلك سيكون الانتقام أشد وأكثر فظاعةً ولا ننسى البروباغندا التركية التي سبقت حملاتهم وغزواتهم في تكفير شعبنا حيث خرج الكثير من الفيديوهات التي تدعي أصحابها بأنهم ذاهبون لنصرة الإسلام ضد الكفر في المناطق الكردية وبالتالي فمن الطبيعي وذلك وفقاً لمسارات وسياقات التاريخ الإسلامي في الانتقام من الخصوم بنبش وتدمير حتى القبور أن نجد اليوم مثل هذه الفظائع ضد حتى من رحلوا عنا وذلك على الرغم من كل ادعاءات المسلمين بأن “تكريم الميت في دفنه” ولكن هؤلاء لا يريدون أي تكريم وكرامة للآخر المختلف عنهم ولذلك يجب نبش القبر وإخراج صاحبه في فعل معاكس لفعل الدفن والذي يعني التكريم حيث هنا تعكس المعنى ليكون إخراجه بهدف التشنيع والإذلال ليس له فقط، بل لما يمثله من قيم أخلاقية عقائدية سياسية وطنية ونأمل أن تصل الرسالة لبعض مدعي الأخلاق والوطنية.
المراجع والمصادر: 1- مقالة للكاتب جعفر البكلي بعنوان؛ (تراث العار: عن الذين نبشوا قبور آل النبيّ وصحبه) منشورة في موقع الأخبار اللبناني. 2- شهاب الدين النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، طبعة بيروت، الجزء 22، باب أخبار الدولة العباسية، فصل ذكر خلافة أبي العباس السفاح .. 3- ابن كثير، البداية والنهاية، طبعة بيروت، الجزء العاشر، باب أخبار سنة 132 ه ، فصل خلافة عبد الله السفاح.. 4- ويكيبيديا – موضوع بعنوان: “قبر فاطمة الزهراء”. 5- ابن المبارك، كتاب الجهاد، حديث جابر بن عبد الله، الجزء 1، صفحة 84 6- الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، حوادث سنة 236هـ، الجزء 9، صفحة 185
#بير_رستم (هاشتاغ)
Pir_Rustem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طلعنا غجر أو ما لنا خبر!
-
ما مصلحة الأمريكان في توحيد الصف الكردي؟
-
لا معجزات وإنما مصالح وسياسات
-
النفخ بالذات لا يجعلك عملاقاً / بعض كردنا يحتاج لمن يعرفه بح
...
-
تركيا والموقف من الحوار الكردي
-
عفرين بوابة الدولة الكردية القادمة إلى العالم!
-
جيفري والكانتونات السورية الثلاث!
-
كرد روجآفا والولادة السياسية الجديدة
-
هل نصبح نحن الكرد الطفل الأمريكي الجديد -المدلل-؟!
-
مفاوضات السلام بين تركيا والكردستاني .. مراجعة نقدية للمرحلة
...
-
أيها المتذاكي .. قنديل كانت دائماً مسكناً لنسور كردستان!
-
دور فرنسا في -شيطنة- كرد سوريا!
-
كورونا وذكريات فرع فلسطين
-
لا تحملوا الرئيس بارزاني أكثر من طاقته!
-
كوباني وصور أوجلان هل ستكون ذرائع لهجوم تركي آخر
-
أردوغان والخذلان المزدوج
-
ما سبب انقلاب الأوربيين والأمريكيين على أردوغان؟!
-
قراءة في موقف المجلس لفتح مكاتبه بمناطق الإدارة الذاتية
-
المجلس الكردي و-بازارات- قضية المختطفين!
-
“مسرحية” مقتل سليماني بين الجدية الأمريكية والقشمريتارية الإ
...
المزيد.....
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|