|
مذكرات وتجارب جامعية (1)
أحمد سوكارنو عبد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 6573 - 2020 / 5 / 25 - 17:57
المحور:
سيرة ذاتية
لقد قضيت قرابة أربعة وعشرين عاما فى العمل الإدارى منذ توليت لأول مرة رئاسة قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب بقنا فى عام 1990م وانتهاء بعمادة كلية الآداب بأسوان. وخلال هذه الفترة تعاملت مع كثيرين من عمال وموظفين ومعيدين وأعضاء هيئة تدريس وعمداء كلية ونواب رئيس جامعة ورؤساء جامعة. الجدير بالذكر أن بعض هؤلاء قد قضى نحبه وأنتقل إلى رحمة الله والبعض الآخر مازال على قيد الحياة. لقد وددت أن استرجع ذكرياتى وبعض تجاربى إذ إن بعضها تجارب جيدة وبعضها تجارب مريرة. لعل تسليط الأضواء على هذه التجارب يفيدنا فى تحديد بعض الأسباب والعوامل التى أدت وتؤدى إلى انهيار منظومة التعليم الجامعى فى مصر وفى التعرف على المظاهر التى تعكس هذا الانهيار.
يعنى ايه بتاع انجليزى؟ لم تمض بضعة شهور على تعيينى معيدا بالجامعة (كلية الآداب بقنا) فى عام 1981م حتى وجدتنى أقوم بأعمال الملاحظة فى الامتحانات. بعد توزيع أوراق الأسئلة (امتحان مادة اللغة الانجليزية) على طلاب كلية العلوم بأقسامها المختلفة جاءنى مراقب الدور وهو دكتور بكلية العلوم بقنا والذى اعتقد أننا أخطأنا فى توزيع أوراق الأسئلة حيث توجه نحوى والغضب يتطاير من عينيه وملوحا بورقة الأسئلة فى وجهى قائلا: ما الذى فعلته؟ لماذا قمت بتوزيع أوراق الأسئلة على طلاب جميع الأقسام رغم أن ورقة الأسئلة مدون عليها قسم كذا فقط؟ قلت له إننى متخصص فى اللغة الانجليزية وأعلم أن الامتحان لجميع الطلاب. فوجئت به يصيح قائلا: يعنى ايه بتاع انجليزى؟ قلت له: عليك استدعاء أستاذ المادة للتأكد من صحة ما قمنا به. جاء أستاذ المادة وقرر أننا على صواب وأن الامتحان لكل الطلاب. لم يعتذر المراقب وأراد أن ينزوى بعيدا فقمت بسحبه من يده قائلا: كان يجب عليك أن تكون متأدبا ولا تتحدث بهذه الطريقة معى أمام الطلاب قبل التأكد من الواقعة. أحيلت الواقعة إلى الشئون القانونية حيث تلقيت خطابا مدونا عليه عبارة "سرى للغاية" وخضعت للتحقيق وتلقيت خصما من المرتب يوازى ثلث المرتب فى تلك الفترة حيث كان مرتبى لا يتجاوز 60 جنيها مصريا.
نجل العميد بعد عودتى من البعثة الخارجية فى الولايات المتحدة فى عام 1988م علمت أن مراقب اللجنة إياه أصبح أستاذا وبات يعمل عميدا لكلية التربية بقنا. ذات يوم جاءنى أحد الزملاء وكان مدرسا بكلية التربية ليخبرنى بأن نتيجة دفعة الفرقة الرابعة فى المادة التى قمت بتصحيحها متدنية وأن الكنترول فى حاجة إلى رفع بعض الحالات. توجهت بصحبة الزميل(من اشهر اساتذة علم النفس التربوى حاليا) إلى مكتب عميد الكلية فوجدت المكتب مفتوحا لكننى لم أجد العميد فتوجهت إلى مكتب رئيس الكنترول (الله يرحمه ويغفر له) الذى أكد أن النتيجة فى حاجة إلى تحسين فقلت له بأن السرية من أهم الشروط لإعادة النظر. وبالفعل استلمت كراسات الإجابة كلها وقررت رفع كل الحالات التى تحتاج إلى عشرة درجات ثم قمت بتسليم كراسات الإجابة للكنترول المختص. لم تمض بضعة أيام حتى تلقيت خبرا أن ما حدث أصبح يشكل مشكلة لأن أحد المستفيدين من الرفع هو نجل عميد الكلية ثم تلقيت اتصالا تليفونيا من رئيس فرع جامعة أسيوط بقنا الذى طلب منى أن لا أقوم بتسليم درجات أعمال السنة. تم تحويل الأمر إلى التحقيق حيث قام المحقق بتوجيه بعض الأسئلة منها: لماذا لم تقم بتسليم أعمال السنة الخاصة بالفرقة الرابعة؟ فقلت له إن رئيس الفرع طلب منى أن لا أفعل ذلك. وحينما تم توجيه نفس السؤال لرئيس الفرع أنكر سيادته ذلك. وبالفعل لم استطع إثبات الاتصال التليفونى. تم تحويل الأمر إلى مجلس تأديب استمر لمدة سنة كاملة وتفاوتت العقوبات بين تنبيه ولوم للأطراف المتورطة فى هذه الواقعة.
منع المعيدين من التدريس فى تربية قنا بعد مرور أقل من سنة على تولى مسئولية القسم تلقيت خطابا من أ.د. عميد كلية التربية بقنا مفاده أن قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب والمنوط به تدريس المواد الأكاديمية لطلاب كلية التربية شعبة اللغة الانجليزية ليس به سوى عضو هيئة تدريس واحد وهذا العضو لن يستطيع تغطية كل المقررات فى كليتى الآداب والتربية ومن ثم فهو يرى أنه من الضرورى أن نستعين بمدرسى طرق تدريس اللغة الانجليزية لتدريس المواد الأكاديمية بكلية التربية. توجهت إلى مكتب عميد كلية التربية حيث التقيت اثنين من مدرسى طرق التدريس واتفقت معهما على تدريس المواد الأكاديمية. فعلت ذلك لأن القسم لم يكن به أعضاء هيئة تدريس ومن ثم فإن الإصرار لن يجدى بل ربما يأتى بنتائج عكسية. فى العام التالى انضم للقسم عضوان جديدان فقررت سحب المواد الأكاديمية من مدرسى طرق التدريس وإسنادها إلى العضوين الجديدين. لم ينته الأمر عند هذا الحد حيث قام مجلس كلية التربية بالموافقة على إسناد المواد الأكاديمية إلى مدرسى اللغة بكلية التربية وسحب هذا الاختصاص من قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب. وفور تلقى هذا القرار فقد قمت بكتابة مذكرة حيث أوضحت أن قرار مجلس الكلية الموقر يأتى مخالفا للمادة 128 من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972م التى تشير إلى أن أقسام اللغات بكلية الآداب هى المنوط بها الإشراف على مدرسى اللغة بسائر كليات الجامعة. وبالفعل نجحنا فى إلغاء القرار.
أنت متعرفيش أنا مين؟! كنت جالسا فى مكتبى بقسم اللغة الانجليزية بقنا فإذا بدكتورة منتدبة تدخل باكية وشاكية من تصرفات طالبة بكلية الآداب بقنا. طالبتها بالتماسك والهدوء حتى نفهم ما حدث. لقد تبين أن الطالبة كانت تتحدث فى تليفون ميناتل (قبل ظهور المحمول) فطلبت الدكتورة من الطالبة سرعة إنهاء مكالمتها حتى تستطيع أن تجرى مكالمة مهمة. ثارت الطالبة وتحدثت إلى الدكتورة بطريقة غير لائقة حيث تجاوزت كل حدود اللياقة والأدب. لم تمر لحظة بسيطة حتى حضر أمين الكلية مستفسرا عما حدث فطلبت منه أن يستدعى الطالبة فورا وإذا لم تحضر فسوف نتجه لمقابلة رئيس الجامعة. وبالفعل حضرت الطالبة بصحبة والدها وأمين الكلية حيث تبين أن والدها يعمل فى جهة سيادية محترمة. وفور أن روت الدكتورة تفاصيل الواقعة بادر والدها بالاعتذار وأبدى أسفه وحزنه على تصرفات ابنته. شكرت والدها على مبادرته لكن أوضحت أن اعتذاره ليس كافيا لأنه لم يرتكب خطأ مباشرا فى حق الدكتورة لكن ابنته الطالبة هى التى أخطأت ومن ثم يجب أن تعتذر. وبالفعل قامت الطالبة وتقدمت بالاعتذار لأستاذتها.
البنات دول ميدخلوش الكلية فى عام 2003م حيث كنت أتولى عمادة كلية الآداب بأسوان علمت أن أمين الكلية ارتكب بعض الأخطاء فقررت استبداله بآخر وتقدمت بطلب بهذا الشأن إلى نائب رئيس الجامعة بأسوان. لقد أعتقد أمين الكلية أن الفتاتين اللتين تعملان فى السكرتارية مسئولتان عن فضح ممارساته فأوغر صدر النائب تجاههما. ذات صباح وبينما أقاوم أعراض الأنفلونزا (الموسمية) فى منزلى اتصلت بى السكرتيرة قائلة إن خطابا مغلقا قد ورد من مكتب نائب رئيس الجامعة. طلبت منها أن تقوم بفتح الخطاب وقراءته ثم إغلاقه مرة أخرى بعد تصويره. لقد تبين أن النائب المحترم يبلغنى أنه قرر منع دخول الفتاتين إلى الكلية. جلست إلى مكتبى بالمنزل وكتبت مذكرة لرئيس الجامعة الذى كان فى زيارة للقاهرة. فور الانتهاء من الكتابة قمت بالاتصال بسكرتارية الرئيس لكى أحصل على رقم الفاكس الخاص بسيادته فى القاهرة. وبالفعل أرسلت فاكسا لرئيس الجامعة وفى نفس الوقت اعتذرت عن عدم حضور مجلس الجامعة فى الغردقة. توجه النائب إلى الغردقة حيث شارك فى المجلس ثم عاد إلى أسوان. وفى نفس اليوم تلقيت مكالمة تليفونية من السكرتارية مفادها أن مدير مكتب النائب حضر إلى مكتبى طالبا استرداد ذلك الخطاب الذى سطره النائب.
بذور الفتن الطائفية فى عام 2004م دخلت مكتبى طالبتان مسيحيتان وأولياء أمورهما، فدعوتهم للجلوس حيث بادر أحد أولياء الأمور قائلا إنه فضل اللجوء إلى بدلا من أية جهات أخرى.. وواصل حديثه مشيرا إلى أن هاتين الطالبتين تتعرضان للتحرش من قبل إحدى الطالبات المنتقبات. طلبت منهم كتابة مذكرة تفصيلية بكل ما بدر منها مع ضرورة إدراج بيانات الطالبة المشكو فى حقها. وعلى الفور طلبت مقابلة الطالبة التى حضرت إلى مكتبى فى وجود عضو الشئون القانونية. سألت الطالبة سؤالا بسيطا: هل حدث منك كذا وكذا مذكرا إياها أنها متدينة ولا يمكن أن يصدر عنها أقوال كاذبة. اعترفت الطالبة بكل الأخطاء التى ارتكبتها فى حق الطالبتين حينئذ طلبت منها التوجه مع عضو الشئون القانونية لاستكمال التحقيقات فى هذا الشأن. انتهى الأمر بفصل الطالبة لمدة شهر.
#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليه لابس كمامة؟ سؤال ينم عن الغباء؟
-
الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية
-
د. عبد الموجود درديرى والإخوان فى أمريكا
-
زواج الكرة والسياسة: نهاية مأسوية
-
مذبحة باريس: من المستفيد؟
-
أسبوع الأندلس
-
المرأة الغامضة
-
تعديل القوانين الجامعية فى مصر: أزمة من غير لزمة
-
صناعة الأزمات فى مصر: الرياضة دليلا
-
المصريون يتحدون التهديدات
-
دروس من التجربة الأمريكية
-
كلنا ممثلون
-
الاعلام المصرى وتغطية الأزمة فى أسوان
-
قصة النوبيين مع السلام والعنف والمؤامرة
-
من يوقف نزيف الدماء فى شوارع أسوان؟
-
هل سنحترم الدستور الجديد؟
-
حقوق الإنسان-الطالب فى الجامعة
-
عمداء الكليات فى مصر بين التعيين والاختيار
-
المسئول فى مصر بين مطرقة النفاق أو النقد وسندان النسيان
-
تجارب ربع قرن فى إدارات الجامعة
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|