|
مع كاظم حبيب في جولته بين الأيزيدية
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 1586 - 2006 / 6 / 19 - 07:11
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
عن دار الحكمة في لندن صدرت للكاتب والشخصيه الوطنيه المعروفة في ميدان السياسه وحقوق الإنسان كتاب ( الأيزيديه ديانة تقاوم نوائب الزمان) عام 2003 والكتاب من ( 178) صفحه من القطع المتوسط يحوي أربعة فصول مع مقدمه وتقديم من الدكتور خليل جندي ومدعوم بالصور وقد اهداه لعشاق الحريه والديمقراطيه وحقوق الإنسان والى المناضلين ضد الأستبداد والجور والأستغلال والفقر والحرب في العالم . وفي كلمة الشكر التي وجهها للذين ساعدوه في انجاز العمل يقول حبيب : ( برز اهتمامي بالجماعه الدينيه الكرديه الأيزيديه عندما كنت في كردستان العراق وقضيت فيها ما يقرب خمس سنوات من سني العقد التاسع من القرن العشرين حيث شاركت في حركة الأنصار المناهضة للحكم الدكتاتوري في العراق. وخلال هذه الفترة التقيت بعدد غير قليل من الأكراد الأيزيديين الأنصار المناضلين في صفوف الحركة . وتسنى لي أن استفسر عن واحاور حول بعض جوانب هذا الدين محاولا فهم حقيقته ومقارنا ً ما اسمعه منهم بما قرأته عنهم من كتابات لمحررين مسلمين بالدرجة الأساسيه. وزاد اهتمامي بهم عندما قررت أن ابدأ بمحاولة إنجاز كتاب تحت عنوان ( لمحات من عراق القرن العشرين ) . وفي معرض حديثه عن اصل الأكراد الأيزيديه يتطرق إلى مطالعته لكتاب ( دليل الجمهوريه العراقية لسنة 1960 ) الذي اعد من مجموعة خبراء ومتخصصين لها اعتبارها في الثقافه العراقية والمجتع العراقي وفي مقدمتهم الأستاذ الفاضل والراحل العلامة الدكتور مصطفى جواد حيث ورد فيه بشأن اصل الأكراد الأيزيدية مايلي :
( اصلهم وتسميتهم – لا يعلم عن اصل اليزيديين شيىء، ويقول البارزن مكس فون اوبنهيم الألماني { أنهم امرادا ً اشداء البنية سكنوا جبل سنجار منذ أكثر من قرنين} ويجوز أنهم هاجروا إلى العراق مع الأكراد من الشمال وانفردوا عن بني جلدتهم بالجبال خوفا ً ممن يجاورهم فاحتفظوا بدينهم القديم وشيدوا أكثر معابدهم في قضائي الشيخان وسنجار( لواء الموصل ) وهم إنما يسمون أنفسهم باليزيديه نسبة إلى يزيد بن معاوية ثاني الخلفاء الأمويين . ويقول المستر لوك ( إن هذه القبائل كانت تدعى بالأصل- داسناي - أما اليزيديه فهو اسم اطلقه عليهم جيرانهم ) ..الخ . ويعرب حبيب عن استغرابه من هذا الأمر ويؤكد ( إذ إن الغريب في هذا الأمر هو ان الأستاذ الدكتور مصطفى جواد ، المتخصص باللغة والتاريخ ، يشارك كاتبا ً أخر بالقول بأن اليزيديه سكنوا هذه المنطقه منذ قرنين لا أكثر . وهي مغالطة كبيرة ، إذ إن كتب التاريخ العربية والكتب الأخرى التي تتحدث عن الأيزيديه تشير وجودهم في هذه المنطقة التي أصبحت جزء من العراق الحديث منذ فترة الأمويين والعباسيين) ص9. ويسعى حبيب حسبما ورد في تأكيده لمسعاه من تأليف الكتاب إلى ( أرجو أن يشارك هذا الكتاب في توضيح بعض الأمور عن الأكراد الأيزيديين الذين ينتمون إلى هذه المنطقة منذ قرون طويلة وانهم يشكلون جزء من الشعب أو الأمة الكرديه الموزعة على دول عديدة منها العراق وتركيا وايران وسوريا) . ولست ادري لماذا لم يذكر الدكتور حبيب أو اغفل في الحد الأدنى من الملاحظه إلى التاريخ السحيق والقديم للعراق منذ العهد السومري ومعبد ايزيدا الذي اكتشف في بابل وغيرها من معطيات التاريخ العريق لسكان وادي الرافدين، الذي يسبق التواجد العربي والكتابة العربيه في هذه المنطقه ، أما تواجدهم فيمتد إلى ابعد من الدول الأربعة التي ذكرها حيث يتواجد الكرد الأيزيديين في جمهوريات الأتحاد السوفييتي السابقة وبالذات في جمهوريات ارمينيا وجورجيا واذربيجان وكذلك يسطر التاريخ تواجدهم في لبنان وفي بعلبك مدينة الشمس التي ينسب بعض المؤرخين (آدي ) اليها . إن التسمية الداسنيه للأيزيديه بحد ذاتها تعكس عراقة هذا التواجد لأنها كلمة سريانيه تعني عبدة الأله سن الذي هو اله القمر، والسريان لا يطلقون تسمية (ايزيديه) على معتنقي هذا اليوم بل يستخدمون مفردة (دسناي ) كتسمية للأيزيديين وللكرد تسمية (قرذايا) والتواجد السرياني ورديفه الكلداني هو امتداد للحقبة البابليه الآشوريه التي سبقت العرب في التواجد والتدوين كان من الضروري الرجوع اليها من الكاتب حبيب في محاولته لتأريخ التواجد الأيزيدي في هذه المنطقه ، ويمكنه أن يستفيد وهو الباحث المتمرس والضليع في أكثر من مجال وبحكم معرفته للعديد من اللغات في استقصاء المزيد من المعطيات عن التسميه والأصل من خلال الرجوع إلى تاريخ القفقاس وحركة انتشار الأجناس البشريه من حوض بحر قزوين نحو الشرق والغرب وامتداد تلك الثقافة الأم على المرادفات المشتركه في العربيه والكرديه والفارسيه والروسيه والالمانيه والأنكليزيه التي يتقنها الدكتور حبيب ويستطيع أن يتوصل إلى معلومات ادق عن اصل الأيزيديه من خلال استقرائه لبعض المرادفات منها على سبيل المثال في اللغة الروسيه حيث يطلق على دين الأجداد اوالدين القديم كلمة ( يزدجي) وهي امتداد لأيزيد عند الأيزيديه وايسيس أو ايزيس أو ايزيريس الفرعونيه وزيوس عند الأغريق واليونانيين والآزتيك في المكسيك ويزد عند الفرس و والعزة اوالعزيز عند العرب قبل الأسلام وفي الألمانيه تطلق على اسم الأله الأم في التاريخ الألماني تسمية توتسن أو طوتسن وهي مرادفة للفظ التاؤوس وتيئوس وتموز في العديد من ثقافات العالم القديمة والعريقة ومنها الأيزيديه حيث للطاؤوس مكانة مقدسه في سلم الملائكه بل هو كبيرهم وقد تركت لنا الاثار في الجبال العديد من النقوش التي لم تدرس من قبل المعنيين ومن ضمن ذلك النقش المهم في جبل عفرين في حلب على بوابة كنيسه قديمه تعود لمعبد اقدم وهو عبارة عن رسمين متقابلين لطائر الطاووس في قرية كيمار . هذا بخصوص التسمية واصولها التي ترجع إلى عهد اقدم مما وضعه الأستاذ حبيب كسقف زمني يرجع إليه من خلال المصادر العربيه الأسلاميه . وهي مهمة المؤرخين الذين وجه لهم النقد من قبل الدكتور حبيب وسعى واجتهد والمجال مازال مفتوحا ً للمزيد من المساهمات في السعي للوصول إلى جذور الأيزيديه واصولها كدين وتسمية وهناك الجديد في هذا المجال وقد بدأت مع محاولات الراحل جورج حبيب في منتصف السبعينات حينما طبع كتابه المهم عن الأيزيديه وكان بعنوان ( اليزيديه بقايا دين عريق ) لكن وزارة الأعلام البعثيه التي كان يديرها آنذاك طارق عزيز اعترضت على العنوان فحوله إلى اليزيديه بقايا دين قديم وقد مُنع من التداول وكان أول محاولة علميه لربط الايزيديه بالعهد البابلي وبالأله نابو. وفي المقدمة يشير الدكتور حبيب إلى ( كانت المنطقتان اللتان تسميان اليوم بمنطقتي الشرق الأدنى والأوسط ثم صعودا ً باتجاه افغانستان وشبه القارة الهندية أو وادي حوض السند والصين تعتبران من اهم مراكز الحضارة البشرية القديمة ومن اغنى الثقافات ومهدا للكثير من التصورات والديانات والفلسفات والاساطير والحكايات والخرافات. وكانت تلك الثقافات والديانات كجزء اساسي منها، تتفاعل فيما بينها ،يتأثر بعضها بالبعض الاخر وتبدو في الكثير من قيمها وتقاليدها وعاداتها والطقوس التي تمارسها متقاربة جدا ً ومتوارثة أحيانا ً كثيرة مع وجود بعض الأختلافات، رغم بعد المسافات التي كانت تفصل بين تلك الجماعات البشريه والبلدان في تلك الأزمان) ص11 ويضيف ( والدراسات الحديثة تشير إلى أن بعض تلك الديانات القديمة قد انقرض وحلت محلها ديانات أو معتقدات أخرى ، وبعضها الآخر ما زال قائما ً أو طرأت عليه تغييرات وتطورات وتحويرات غير قليلة، ولكنه حافظ على قاعدته الأساسية،بغض النظر عن حجم المجموعات البشرية المؤمنة بتلك الديانات.) ص12 وفي الصفحة التالية يؤكد ( ولم تكن تلك الديانات متقاطعة، بل كانت متقاربة جدا ً وأحيانا ً منسلخ بعضها عن البعض الآخر أو منشق عليه.... ومن يعود إلى حوض وادي السند أو الصين أو إلى بلاد فارس أو إلى بلاد الرافدين(مابين النهرين )، سيجد أمامه تشابكا ً وتفاعلا ً واقعيا ً مقبولا ً من سكان تلك الحقب الزمنية بين الديانة السومرية والديانات الأكدية والبابلية والآشورية والكلدانية ودخول أسماء الآلهة المشتركة بلغات تلك الشعوب والحضارات ، كما هو الحال بالنسبة لآلهة السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين.)ص13 وإذ يشير الدكتور حبيب لهذه الحقيقة الميثولوجيه - التاريخيه اراه قد اكتشف نصف الحقيقة فنفس المفهوم ينطبق على العلاقة بين هذه المكونات والأسماء التي ذكرها وبين مكونات وثقافات تجمعات بشريه سكنت الغرب في مناطق الأغريق واليونان والرومان والمناطق الأسكندافيه والبلقان وقد بينت الدراسات الأحدث في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ومع التقدم الحاصل في مجال علم الآثار ومكتشفاته وكذلك ما انتجه علم فقه اللغات من معطيات مذهلة تؤكد وجود صلات وروابط مشتركه لتاريخ الأجناس والقبائل البشريه في الشرق الأدنى والأقصى والمجموعات التي استقرت في الغرب والمراجع العلميه تؤكد وجود صلة مشتركه للغات العالم تجمع بين اللغات الشرقيه القديمة والحديثة من جهة وهي{السومريه والكلدانيه والسريانيه والاشوريه والفارسيه والعبريه والعربيه والفرعونيه والفارسيه والكرديه والتركيه والمندائيه والأرامنيه} وبين اللغات الأوربيه { الأنكليزيه والالمانيه والفرنسيه والهولنديه} وكذلك بين ثقافات هذه الأجناس ودياناتها القديمه منذ عبادة ضواهر الطبيعه والقمر والشمس والتسميات المتقاربه بينها، وعلى سبيل المثال لو طبقنا قوانين الفونوطيقيا وتحولات الأحرف التي تدخل في قوام هذا العلم الحديث لوصلنا إلى استنتاج مذهل يعطي نتيجة مشتركه ومتطابقة لأسم الله من خلال مفردة (خدا) والكوت ( gott ) فالخاء تتحول إلى كا والدال تتحول إلى تاء أو طاء فينتج المفردات التاليه حسب الأقوام وتلفضها للحروف وتقلباتها ، خودا ، خودي،خداي، خوتي،كودي،كوديا،كوت،كود،كوط، كت، وفي اللغة الهولنديه التي هي ام اللغات الألمانيه والأنكليزيه يقال لله خود.وقد اكد احد الباحثين الأنكليز مؤخرا ً حسبما اوردت الخبر عنه قناة الفيحاء من خلال الدكتور هاشم العقابي إن اطروحة دكتوراة جدية لطالب بريطاني قد اثبتت إن 80% من مفردات المصطلحات الثقافيه الأنكيزيه المعاصرة تعود إلى اللغة السومريه . وهناك كتاب مهم للجنابي، مقدم برامج حاليا ً في قناة المستقلة ، عن جذور اللغة الأنكليزيه وعلاقتها بالعربيه وكذلك هناك كتاب في الهولنديه حول الكلمات المشتركه بين العربيه والهولنديه وايظا كتاب جديد عن المشتركات بين اللغه الفرنسيه والعربيه وهي مقدمه لدراسات اشمل واهم لاحقا ً في مجال فقه اللغة الذي ما زال متخلفا ً في بلدان الشرق. ويذهب الدكتور حبيب إلى أن (ورغم الأختلافات التي ظهرت في النظريات التي قامت بتفسير الأديان ودورها واهميتها ومحاولة معرفة تطورها التاريخي منذ بدايات بروزهذه الظاهرة الأنسانية،فأن الأديان كانت وما تزال تجسد في حقيقة الأمر صورة محرفة للوعي وللواقع في آن،إذ كان الأنسان القديم يحتاجها في حياته اليومية وفي مواجهة المشكلات والمصاعب التي كان يعجز عن السيطرة عليها بمفرده..... كما أنها تعتبر صورة محرفة ومقاربة لتاريخ تطور المجتمعات البشريه نفسها، إذ ان الاديان لا تجسد الواقع القائم بحذافيره وليست انعكاسا دقيقا له.... فالدين كما يرى انجلز يحتفظ دائما باحتياط معين من التخيلات الموروثة عن الأزمنة السابقة ) ص15-16 ويستنتج ( فعند دراسة الديانات القديمة في هذه المنطقة من العالم يجد الإنسان أمامه بعض الأسس المشتركه كما يجد بعض الفوارق المهمة . فالديانه الفرعونية في مصر ، التي استندت إلى ما اوجدته حياة وظروف عمل ومحيط وخصوبة خيال وتصورات الإنسان الفرعوني والمجتمع، حيث لم تعرف مصر حينذال تلك الموجات البشريه العديدة التي عرفها وادي الرافدين أو ميسوبوتاميا، وبالتالي كانت للفراعنة ديانة واحدة متميزة بذاتها ولها خصائص معينه،كانت تختلف عن الديانات العديدة في وادي الرافدين، تلك الديانات الميسوبوتامية المتداخلة والمتفاعلة فيما بينها بحيث كان يصعب التمييز بينها،إذكان ما هو مشترك بينها أكثر بكثير مما مختلف فيها ، اضافة إلى اعتماد الأكديين والبابليين على ذات الآلهة الأساسيه للسومريين مع منحهم أسماء إضافية أو أسماء مزدوجة}18 ويمضي إلى{ والتشابك بين الديانة السومرية -غير الساميه،أو الهندو- آريه ، كما يراها البعض من الباحثين دون أن تكون هناك ادلة كافية تثبت ذلك، وبين الديانات - الساميه كالأكديه أو البابلية والاشورية والكلدانية.... والفارق الآخر الذي جرى تشخيصه من قبل الباحثين في هذه الديانات يبرز في ان آلهة الفراعنة كانت ذات نمط ايجابي. فهي آلهة الشمس المشرقة دوما ً.... وفي ضوء ذلك فأن القرابين أو الضحايا التي كانت تقدم للآلهة كان يراد بها الحصول على المزيد من ذلك الخصب والنماء والخير... في حين كانت آلهة منطقة وادي الرافدين تمثل القوى المتنوعة والمتضاربه والمتصارعه للطبيعة، تمثل القوى الخيرة والقوى الشريرة في آن واحد، بسبب خصائص الطبيعة والمناخ والفيضانات التي كانت تواجهها شعوب منطقة ميسوبوتاميا وما جاورها، وكانت القرابين أو الضحايا التي تقدم للآلهة في هذه المنطقة ذات اتجاهين، احدهما يستهدف الحصول على مزيد من الخير والنماء والصحة والسعادة، والآخر يطمح إلى ايقاف الشر أو الجدب والبؤس أو الأمراض أو مختلف الافات. فالرؤية للآلهة كانت متباينة والعبادة كانت للقوتين، لقوة الخير من اجل المزيد من العطاء والخصب والنماء، ولقوة الشر من اجل ايقاف أو تخفيف وتقليل افعال الطبيعة وعواقبها المدمرة والمهلكة للبشر .) ص19. ويضيف ( إي إن الألهة القديمة لدى السومريين والأكديين والبابليين وكذلك الآشوريين والكلديين لم تكن آلهة خير فقط، بل آلهة شر أيضا، وبالتالي فقد كان على الرعية تقديم آيات التقديس والاحترام والقرابين لا إلى آلهة الخير فحسب، بل والىآلهة شر أيضا ً)ص20. وهنا يسعى للتاكيد على ارتباط الأيزيديه بالماضي حيث يقول : ( واستنادا إلى واقع التفاعل بين الشعوب (الساميه) والهندو- اوربيه في الجانب الحضاري العام وفي الديانة بشكل خاص يمكن مسك بعض خيوط التماثل والتقارب الواقعي بين الديانة الأيزيديه من جهة ، والديانات السومرية والبابلية والأكديه والآشوريه والكلدانيه من جهة أخرى ، أو بين الأيزيديه والزرفانيه، أو فيما بعد بين الزرادشتيه والمانيه أو بين ألمانية المثرائية القديمة ، أو بين الأيزيديه والمثرائية، أو بين الأيزيديه والمانية أو غيرها من الديانات القديمة التي كانت قائمة في المجتمعات الزراعية . إذ إن هذه الديانات كانت تمتلك من حيث المبدأ نفس الأساس المادي الذي اعتمد ظواهر الطبيعة مشفوعة بجملة كبيرة من نتائج وعواقب وآثار فعل الطبيعة التي كانت تخدم الإنسان أو تسبب في هلاكه وفي تدمير ما حوله) ص22 ويحدد قناعته من خلال تأكيده ( والديانة الأيزيدية،كما تبدو لي ، واحدة من تلك الديانات العريقة في القدم، كما هو حال بعض الديانات ذات النكهة الميسوبوتامية أو العراقية، مثل الامانية أو المندائية ، والتي يمكن من خلال التعرف عليها الحصول على صورة واقعية عن الأقلية الأيزيدية، إلى جانب الجماعات الدينية الأخرى في المجتمع الكردي ) ص25. وفي الفصل الأول المخصص للبحث عن اصل الديانة الأيزيديه يقول الدكتور حبيب :( تواجه الباحث العلمي في اصل وطقوس وتقاليد الديانة الأيزيديه مصاعب جمة ناجمه عن عدة عوامل رئيسية هي : - أن هذه الديانه اعتمدت ولقرون طويلة على توارث الطقوس والتقاليد من جيل إلى جيل دون أن يتم تسجيل تلك الطقوس واصل الديانه والسبل والتغييرات التي طرأت عليها عبر السنين. - قلة التحريات الأرخيولوجية في مناطق توطن وعيش الأيزيديين،أو المناطق التي اضطروا للهجرة اليها... ويؤكد ولا شك إن باب البحث في هذا الصدد سيبقى مفتوحا ً. - ولا شك في إن عدم وجود كتب دينية قديمة، سواء عدم وجودها فعلا، أي عدم تسجيلها، أو ضياعها أو عدم الرغبة في تسجيلها اصلا ً خشية وقوعها بايدي الآخرين. - ولا شك إن غياب الاعتراف المتبادل بالأديان وضعف التسامح الديني.... ساهم بقسط كبير في تشويه سمعة الأديان المختلفةاو المخالفة لدين الأكثرية أو الدين الرسمي في الدولة أو المنطقة المعينة .
وهنا يشير الدكتور كاظم إلى حقيقة تاريخيه مهمة من خلال عودته للماضي حيث يؤكد ( ويفترض أن لا ينسى الإنسان من الأشارة إلى إن الديانات القديمة في بلاد ما بين النهرين أو في اعالي الفرات كانت أكثر اعترافا ً ببعضها وأكثر تسامحا ً فيما بينها أو حتى أكثر قربا ً لبعضها، في حين تغيرت هذه الحالة فيما بعد واصبحت في القرون الأخيرة ، وبشكل خاص بعد سقوط الدولة الكلدانية(539ق.م) واحتلال بابل من قبل الفرس الأخمينيين في عهد كورش، حيث برزت محاولات تريد فرض ديانة علىجماعات من ديانات أخرى، ومنها مثلا محاولة فرض الديانة الفارسية على سكان هذه المناطق والتي قوبلت بالمقاومة والرفض....) ص29-30 ولا يغفل ( الدور الذي لعبته الاقلية الدينية الأيزيديه ذاتها في هذا المجال من خلال عدم كشفها عن اسرار الديانة الأيزيديه واتجاهها العام ومواقفها المختلفة وطقوسها...)ص30 ويضيف... إن استمرار وجود الديانة الأيزيديه لمئات السنين بالرغم من كل المحن والمصائب والأرهاب التي تعرض لها اتباعها يعبر عن حقيقتين مهمتين، لولاهما لمات هذا الدين أيضا كما ماتت اديان كثيرة قديمة أخرى.. وهما : 1- امتلاك الديانة الأيزيدية قدرة فعلية، أو ديناميكيه ذاتيه، ساعدتها على البقاء والتواصل...والأستعداد النسبي للتكيف وإجراء التعديلات... 2- ويدلل على وجود ادعية وطقوس ليست قديمه... إن هذا التشوش الكبير حول اصل الديانة الأيزيديه وطقوسها وتقاليدها وعادات الناس المؤمنين بها ساهم في بروز وتبلور ثلاث نظريات أو فرضيات متباينة حول اصل هذه الديانة ومبادئها الأساسية وطقوسها . ويستعرض الدكتور حبيب الفرضيات المهمة عن اصل الأيزيدين ويبدأ بالتي تذهب إلى مقارنتهم بالديانات العراقية القديمه في العهود السومريه والأكدية والبابليه والآشورية والكلدانية ويقارن بينها وبين الأيزيديه ( باعتبار إن الديانة الأيزيديه واحدة من اقدم الديانات في هذه المنطقة الخصبة والمتميزة جدا ً في انتاج الديانات . ويتطرق إلى رمز الطاووس و يوم الأربعاء المقدس ورأس السنة الذي يختلف عن 21آذار الذي يعتبر رأس السنة عند الكرد والفرس والى تقديس الثور والأسد والأله سن والأفعى وثنائية الخير والشر التي تنبعث من مصدر واحد موحد وتحريم لحم الخنزير ويقارن هذه الأحتفالات مع اعياد ننجرسو وآنو وأنليل ونابو يشير إلى وجود تقارب مع الديانة الأيزيدية ومشتركات معها بحكم التقارب الجغرافي والمعايشة المشتركه. وهنا لا بد من أن انوه إلى أن الأستاذ حبيب قد اعتبر تحريم لحم الخنزير لدى الأيزيديه عادة جديدة أو مكتسبة من غيرهم حيث يقول :( وفي الوقت الحاضر لا يأكل الأيزيديون لحم الخنزير، ولكن لحم الخنزير غير محرم في ديانتهم، بل جاء الأمتناع عن أكله بسبب معايشتهم الطويلة والمتداخلة مع الأكراد المسلمين في كردستان العراق أو في المناطق الأخرى ) ص36 إن موضوع المحرمات عند اليزيديه هو موضوع معقد للغاية وترجع اصول التحريم لغالبية المأكولات النباتيه والحيوانيه إلى المرحلة الطوطميه حيث يعتبر اكل الخس من المحرمات الكبيرة وكذلك لحم الخنزير ولبس اللون الأزرق ويدخل في باب المحرمات العامة أي يحرم على جميع الأيزيديين اكلها وحسب المعلومات المؤكدة إن العراقيين الأوائل في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد قد حرموا اكل وزراعة الخس وقد نوه الى هذه الحقيقة الباحث والمؤرخ سامي سعيد الأحمد مؤكدا ً على اهمية تحريم الخس لدى الأيزيديه في الأستدال على عراقتهم وقدمهم ، وكذلك يذكر الباحث نبيل فياض في كتابه رسالة عبدة الأوثان وهو احد اجزاء التلمود البابلي الذي سعى نبيل لترجمته ضمن مشروع مقارنة الأديان الذي بدأه منذ أكثر من عشر سنوات في الصفحة78 على ما اضن لأني افتقدت الكتاب للأسف يحرم اكل وزراعة الخس عند العراقيين منذ الألف الرابعة قبل الميلاد.... وكذلك الحال بالنسبةالى لحم الخنزير الذي حرم في بعض مناطق العراق القديم منذ الألف الرابعة قبل الميلاد ، ويعود سبب التحريم إلى قناعات ميثولوجيه تجسد الصراع بين اله الخير والشر وقد جعلت الأساطير الشرقيه اله الشر على هيئة خنزير. في مصر الفرعونية ( الصراع بين حورس وست الذي تجَسدَ واخفى نَفسَه في هيئة خنزير) . وعند الكنعانيين تتشابه الأسطورة حيث يقتل كبير الالهه- آدون- من قبل خنزير وحشي. وعند الأغريق يلاقي ادونيس مقتله من قبل خنزيرمتوحش. وفي فرجينيا يصل الاله - آتيس- إلى نفس المصيرويُصرع من قبل خنزير. لذلك نستطيع أن نؤكد إن الكراهية والأحتقار للخنزير في منطقة الشرق عموما ً من اقصاه إلى ادناه وكذلك عند الشعوب المجاوره لهم تعود لأسباب ميثولوجية جعلت من الخنزير رمزا ً للشر واتهمته بقتل اله الخير ، وقد تكرست هذه الكراهية لدى مختلف الديانات القديمة بمن فيها الصابئة والايزيديين وغيرهم من الديانات التي حرمت اكل الخنزير قبل ظهور الديانات الكتابية التي استمرت في تحريمه مع وجود اعذار أو اسباب جديدة تتوافق مع مفاهيم دياناتها ، وهكذا حرمته اليهوديه ايظا ً وعمرها 2700سنه للآن، ومن بعدها الأسلام وقد اردت من هذا التوضيح عن تحريم لحم الخنزير الرجوع للاصل لأن البعض من الكتاب يستند عليها في ارجاع اصل الأيزيدية إلى الأسلام وهذا ما يرفضه الدكتور حبيب ونفس الشيء ينطبق على الختان الذي هو عادة سومرية ومصرية قديمة مارسها الفراعنة وسكان العراق الأوائل قبل اليهودية والأسلام ، ويوجد من يستند في كتاباته لربط الايزيدية بالأسلام عليها كعادة اسلامية متناسيا ً او غير مدركا ً لعمقها وامتدادها التاريخي السابق للأسلام ، أما بقية المحرمات فهي عادات طوطميه حيث يحرم اكل الأرنب لدى بعض القبائل الأيزيديه ومحلل لدى أخرى ،كذلك بالنسبة للحم الديك وبعض النباتات الأخرى أي أنها محرمه جزئيا ً وعند قبائل محددة ، ولا يفوتني أن انوه إلى أن هذه المحرمات تسري لدى بقية الأيزيديه في ارمينيا واذربيجان وجيورجيا وتركيا وبنفس المواصفات ولا تقتصر على الأيزيديين في العراق.
ويستعرض الفرضية الثانيه التي تحاول ارجاع اصولهم إلى مدينة يزد الأيرانيه وتبعا لذلك يرى وجود لصلة لها مع المثرائية التي انتشرت في مناطق عراقيه ومنها الحضر التي كانت موطنا للزرادشتيه مؤكداً ( بما لا يقبل الشك بان الأكراد قبل دخولهم الأسلام كانوا من اتباع الزرادشتية أو الميثرائية أو أنها كانت قريبة منها ) ص39 وهذا الرأي غير دقيق لأن الديانات الفارسيه قد انتشرت بين سكان العراق القدامى بشكل طبيعي ضمن سياق التسامح الديني التي تحدث عنها حبيب في فقرات سابقة وقد انتشرت الزرادشتيه بين العرب قبل الأسلام وهناك قصائد شعر عربية تتحدث عن احتفالات النوروز عند العرب قبل الأسلام وهذه من الحقائق البديهيه الان ، لكن الموضوع الأهم عندي هو التداخل اللغوي بين ما نسميها العربيه ووجودها كمفردات في تكوين اللغات الفارسيه والتركيه والشركسيه والهنديه والكرديه والأرمنيه والاشوريه والكلدانيه والعبريه والسريانيه والعديد من اللهجات في شمال تركيا وكردستان ، منها لغة زاوة ولهجة الزازائيين ولغة بعشيقة المختلطة من الكردي والعربية الأ تلفتُ النظر لدى الأستاذ حبيب الذي يجيد أكثر من لغة يمكنه من خلالها المساهمة في الأجابة على بعض اشكاليات التسمية والأصل لدى الأيزيديه ، الا تبعث مفردة لالش الذي يوصف بالنوراني لدى الاستاذ حبيب إلى المقارنة مع مفردة ليشت الألمانية التي تعني الضياء هذا على سبيل المثال لا الحصر وأستطيع أن اعدد المئات من المرادفات المشتركه بين الأنكليزيه والألمانيه والهولنديه والعربيه والكرديه والهنديه والسومرية ..الخ. هنا في جذور هذه اللغات ينبغي أن نبحث عن الأصول المشتركه للغة الأم التي وزعت مفرداتها بين هذه الأقوام والأجناس التي كانت تعيش في حوض بحر قزوين والتي نزحت منه إلى الغرب والى الشرق وهنا بالذات نرى وجه التشابه والتقارب بين لغات وثقافات الشعوب وما يوحدها ويفرقها فيما بعد مع تطور الديانات وتحديد مفاهيمها تبعا لتطور التشكيلات الأقتصاديه من مرحلة الصيد والرعي مرورا بالزراعة ، ومن خلال ذلك فقط نستطيع أن نرى المشتركات بين الأيزيديه وبقية الديانات من العهد السومري وانتهاء بالاسلام مع تتبع عبادة القمر والشمس والثور التي مازالت الأيزيديه متمسكه بها وهي ذات الديانات وان اختلفت تسمياتها لدى الآشوريين والبابليين والفرس والعرب وغيرهم في تلك الأزمان الغابرة والتي تواصلت مضاهرها في أوربا من خلال عيد تلوين البيض وغيرها من المناسبات رغم انتشار اليهوديه والمسيحية والاسلام فقد بقيت هذه العادات تؤكد الأصل والجذر المشترك لهذه القبائل والأجناس ويمكن اعتبار الأيزيديه النموذج الأبرز ، من هذا القديم الذي مازال حيا ً ومتواصلا ً رغم نوائب الزمان كما يقول في عنوان كتابه حبيب وهو على حق. ويستعرض الفرضية الثالثة التي ترجعهم إلى اصول اسلاميه ويخطؤها ويرفضها ويعتبر الدراسات قد تجاوزتها بحكم المعطيات الجديدة عن الأيزيديه ، ويسهب في تعداد المظالم التي لحقت بالأيزيديه والقهر الذي لحق بهم في العهود الأسلاميه من جزاء هذه المفاهيم الخاطئة . ويحسم رأيه بالتاكيد على ( أن مراجعة ما كتب حتى الآن حول الديانة الأيزيدية تسمح لي بتأكيد الأفتراض الأول والقسم الأول من الأفتراض الثاني باعتبارها اقرب إلى الحقيقة والوقائع التاريخية والتحليل العلمي والمنطقي لبنية الديانة الأيزيدية)ص46. ويضيف ( وكما يبدو لي فأن الفرضيتين الأولى والثانية تستندان إلى أرضية أكثر صلابة وواقعية في تشخيص اصل الأيزيديه)ص47. ويواصل توضيح قناعاته من خلال (إن البحث في اصل اليزيديه يرشدنا إلى إن الأكراد بشكل عام كانوا على احتكاك مستمر بشعوب المنطقة، سواء كانت تلك الشعوب سومرية واكدية وبابلية وآشورية ام كانت من الشعوب الأيرانية والهندية بحضاراتها وثقافاتها واديانها المختلفه)ص52. ولست ادري إن كان الدكتور حبيب قد إطلع على راي الدكتور لويس عوض في الأصل المشترك لهذه الشعوب من خلال كتابه المعنون : مقدمة في فقه اللغة العربية الذي كتبه عام 1982 ومنعه الأزهر وهو يحمل رأي ونظرية جديدة عن اصل الشعوب والحضارات والأديان واصولها ومنبعها المشترك الذي يعطي اجابة منطقية لكل هذا التداخل الثقافي بين هذه الأجناس والأماكن وتفسيرا ً للترابط بينها رغم البعد الزماني والمكاني وهو رأي ينطبق أول ما ينطبق على الأيزيديه واصولها واماكن انتشارها ولغتها وعاداتها التي تجمع بين طياتها تطبيقات حية لنظرية عوض وتستحق أن تؤخذ كمثل تطبيقي في الدراسات القادمة وهو أمر لم تنتبه له الجامعات الشرقية للأسف الشديد . وفي الفصل الثاني يواصل الدكتور حبيب مسعاه ل (تقديم بعض الحقائق التي يركن إليها نسبيا ً عن هذه المجموعة البشرية الدينية التي تعتبر من بين اقدم سكان هذه المنطقة)ص68. رغم قناعته ( يصعب على المرء القطع برأي معين بصدد الديانة الأيزيدية. فالبحث في الديانة الأيزيدية حديث العهد ، خاصة بين ابنائه العارفين بأصوله وطقوسه وتقاليده)ص67. و( البحث في الديانة الأيزيديه يفترض أن يستند إلى معرفة واسعة بنظريات نشوء الأديان والعوامل الكامنة وراء ظهورها واتجاهات تطور الأديان القديمة )ص67. لذلك يعفي نفسه من ( الخوض في عملية بحث متكاملة وتفصيلية عن الديانة الأيزيديه وعن الأيزيديين )ص 68. لكنه يوضح ( من الثابت والمعروف بان الديانات عند الشعوب لم تتكون دفعة واحدة بل مرت بمراحل تاريخيه عديدة وشهدت عمليات كثيرة من الحذف والأضافات أو التغيير) ص69 وبمرور الزمن ( اتخذ هذا الدين أو ذاك، بهذا القدر أو ذاك ، خصائص وسمات تعبر عن هذا الشعب أو هذه الطائفةالدينية أو تلك )ص70. و(هذه الحقيقة لا تنفي بطبيعة الحال حقيقة إن الأديان والثقافات وبالتالي الحضارات غير منفصلة عن بعضها وتشكل مجتمعة الحضارة البشرية )ص70. و (في مقدور متتبع الديانة الأيزيدية، كما يبدو لي، أن يحدد تطورها بثلاث مراحل اساسيه ) ص71 هي حسب ماورد في الكتاب المرحلة التي سبقت الشيخ عدي بن مسافر والشيخ حسن ويصفها بالفترة التي كانت الأيزيدية قائمة على أساس طقوس وتقاليد وعادات أو ميثولوجيا غير مسجلة أو غير مكتوبة بل محفوظة بالصدر ومتوارثة والمرحلة الثانية مع بدء نشاط الشيخ عدي بن مسافر والشيخ حسن الذي يرمز للقمر والشيخ شمس الدين الذي يرمز للشمس، ويعزو لهم بوضع وسجيل القواعد وتثبيت الطقوس الدينية وتكريس نظام الطبقات أو المراتبية الأجتماعيه السارية بينهم في الوقت الحاضر في كتب تعتبر مقدسة ، والمرحلة الثالثة وهي الجديدة ويحددها مع منتصف القرن العشرين التي اتسمت بكسر القيود التي كانت تفرض على الأيزيديه التي رافقها بروز مجموعة من الشباب الذي قرر البحث في الديانة الأيزيديه والتحري عن تطورها التاريخي واسسها ونشر ما توصل إليه لتوسيع رقعة المعلومات والمتطلعين على هذه الديانة بتفاصيل غير قليلة ومهمة. وارى إن لجوء الدكتور حبيب إلى هذا التقسيم الذي حدده وفق ما جاء في الكتاب غير دقيق وكان بالأمكان للدكتور حبيب أن يعود لنظرية نشوء الأديان وتطور المعبودات التي بدأت بظواهر الطبيعة ومنها القمر كأساس متفق عليه في علم الأديان المقارن وكذلك بالنسبة إلى تاريخ الأديان أيظا ً وبعدها تأتي المرحلة المزدوجه بين القمر والشمس التي تلتها مرحلة انتصار الشمس على القمر ، وهي تثبت في ذات الوقت عبادة العجل المرادفة لطبيعة الدين في مرحلة تاليه القمر وقيادة الأنثى ضمن مرحلة ديانات الأمومة التي تعود لمرحلة القنص والرعي . أما الشمس التي ارتبط بها الاسد كمرادف فهي تعكس مرحلة انتصار الشمس على القمر وهي في ذات الوقت تشكل بداية استلام واستحواذ الرجل وقيادته لدفة الدين والمجتمع مع انتقال الإنسان للمرحلة الزراعية واستقراه في الأرض ، وتفترض هذه التطورات الميثولوجية متغيرات وصفية ودلالات رمزية تتجسد بالصراع غير المتكافىء بين الثور والأسد والذي صور في المنحوتات التي تبين مصرع الثور من قبل الأسد ، أي انتصار إله الشمس على القمر. ومن هنا بدأت فكرة التضحية بالثور بعد أن كان مقدسا ً في المرحلة التي سبقتها ، أي في مرحلة عبادة القمر، ومع وجود حالات بقاء القمر معبودا في الكثير من المدن السومريه والبابلية بعد تفوق اله الشمس ظهرت الرموز التي تجمع بين الألاهين جنبا ً إلى جنب في العديد من المدن المهمة ، ومن هنا يمكن تفسير التسامح الذي يبديه الأيزيديون مع غيرهم من الأديان ووجود رموز لبعض الشخصيات غير الأيزيديه في دينهم الذي تقبل وجودها لأسباب شتى من بينها التخلص من القمع الذي تعرضوا له أو تخفيفه والذي جرى تفسيره بشكل خاطىء من لدن بعض الكتاب في العصر الحديث . اما التسمية بخصوص لالش وما اورده من جهد للباحث عبدالرحمن المزوري فأنه يستحق الأشادة بما كتبه عن الأيزيديه ولا ينفي اهمية أن نبحث في العلاقة بين كلمة لالش التي ترمز للنوروالضوء وكلمة ليشت الألمانيه licht-leuchtenفهي ليست مصادفة بل لها ابعاد ميثولوجية مهمه نظرا ً لأهمية تسمية معبد لالش كركن من اركان الأيزيديه. وفي الفصل الثالث المعنون ب: الأيزيديون في العهود الأسلامية يتابع الكاتب اوضاع الأيزيديه ومعاناتهم ابتداءً من طريقة انتشار ووصول الأسلام( لمناطق الفرس والأكراد قد تميز بالعنف والمعارك الدموية والمقاومة العنيفة وبسقوط ضحايا كثيرة جدا من الفرس والأكراد، وكذلك من الفاتحين العرب. إذأن العمليات العسكرية حينذاك لم تكن فتحا ً للأرض واحتلالاً لها وحسب، بل اقترنت بعمليات واسعة ومتنوعة استهدفت بإصرار تحقيق التحويل القسري للسكان للفرس والأكراد والأنباط أو العرب في المنطقة من الديانات المختلفة،بما فيها الزرادشتية أو المانوية أو المثنوية أو الأيزيدية أو المسيحية أو غيرها من ديانات المنطقة إلى الإسلام أيضا ً)ص105. ولست ادري كيف وفق الدكتور حبيب بين هذا النقد الصريح للأسلام وبين استخدامه لمصطلح الفتوحات الأسلامية وهو استخدام غير دقيق في وصف الحالة وهناك من المسلمين من يسميها غزو وهي بلا شك في التعبير العام للعلم السياسي والجغرافي والتاريخي الذي لا يعرف المجاملة ليست فتوحات بل حروب توسعية و احتلال تسبب في تغييرات هائلة في البنية واوضاع الناس وتركيبة المجتمعات وقد قال عنها ابن خلدون في مقدمته وبعباراته الجريئة (والعرب كما يقول ابن خلدون-إذا تغلبواعلى اوطان أسرع اليها الخراب، والسبب في ذلك أنهم امة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم، فصار لهم خلقا وجلبة ، وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له، فغاية الأحوال العادية عندهم الرحلة والغلبة )*. وفي نفس السياق يمكن أن نتساءل ومن نفس المنطلق هل يمكن وصف حالة الخسائر بين الطرفين المعتدي والمعتدى عليه بنفس العبارة التي استخدمها الدكتور حبيب( ضحايا ) وهل ينطبق وصف الضحايا على معسكر المهاجمين المسلمين في مثل هكذا أعمال حربية تسببت في الكثير من الخراب والدمار التي اسهب حبيب في تفاصيلها على امتداد ذلك الفصل الدامي من كتابه والتي ( استمرت طوال ثلاثة قرون تقريبا ً، حيث استخدمت فيها شتى الأساليب التي ترفضها حتىالأديان السماوية، بما فيها الدين الإسلامي)ص106. ويستطرد( رغم أن بعض قادة قوات الأسلام استخدمت مختلف الأساليب بعد الفتح لكسب الناس إلى دين الأسلام، فأن توطيد الأحتلال وفرض الهيمنة السياسية والدينية على أبناء المنطقة لم يكن سهلا ً وشهد الكثير من الانتقاضات والثورات والتمردات.كما إن جزءً من أبناء المنطقة، سواء كانوا من الكرد أم من أبناء الشعوب الأخرى، رفض الدين الإسلامي وحافظ على ديانته القديمة. وكان الأيزيديون من هذا الجزء الرافض)ص107. ويواصل تتبع تاثيرات هذا الرفض الطبيعي والمنطقي الذي جرّ عليهم الويلات والمآسي التي اقترنت بصدور فتاوى ضدهم وتكفيرهم واعتبارهم من عبدة ابليس أو اعتبارهم فرقة اسلامية خارجة عن الأسلام ومرتدةعنه في الفترة العباسية وفي العهد العثماني ويسرد الكثير من الحوادث التي توضح استمرار المآساة الدامية و العديد من المجازر البشرية التي طالتهم مع الأرمن والآشوريين ويوصفها بالبشعة . وفي الفصل الرابع يتطرق بصيغة مكثفة لأوضاع الأيزيديين في العراق الحديث مع تشكيل الدولة العراقية في عام 1921 التي وضعت دستورها في آذار 1925 الذي اعتبر الدين الرسمي للدولة العراقية هو الأسلام ، لكنة يضع في الوقت نفسه على الدولة مسؤلية احترام بقية الأديان وضمان ممارسة شعائرها بحرية تامة. فقد نصت المادة الثالثةعشرعلى: ( الأسلام دين الدولة الرسمي ، وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق على اختلاف مذاهبه محترمة لا تمس، وتضمن لجميع ساكني البلاد حرية الأعتقاد التامة، وحرية القيام بشعائر العبادة وفقا ً لعاداتهم ما لم تكن مخلة بالأمن والنظام، وما لم تناف الاداب العامة ). ويعلق على هذا بتأكيده إن الربط بين الدولة والدين لا يضع الدولة في موقع الحياد بين الأديان إذ انه من الناحية العملية يفسح في انحياز الدولة إلى جانب الأسلام والمسلمين وبالضد من الأديان والجماعات الدينية الأخرى .. وقد دلل بما لا يقبل الشك بأن عدم فصل الدين عن الدولة كان من ابرز العوامل في ما تعرضت له الأديان والطوائف المختلفة من تمييز في التعامل اليومي وفي حرية ممارسة اتباع تلك الديانات طقوسها الدينية وشعائرها وتقاليدها المختلفة . ويفسر هذا الموقف في عدم تبوء أي مواطن من معتنقي هذا الدين لموقع وزير أو مسؤلية عامة خلال العقود التي تلته وطرح بديلا ً عنه حق ممارسة بعض الشؤون الأدارية أو الخاصة بالجماعة وبالشؤون الدينية استنادا ً إلى قانون العشائر في مناطقهم الذي استندت عليه إدارة الموصل في تكوين المجلس الروحاني للجماعة الدينية الأيزيدية ابتداءً من عام 1928الذي جاء تجسيدا ً لمحاولة عكس صورة عن احترام الحكومة للأديان ولتدارك المطابة بضم الموصل من قبل سوريا اليها بدعم من الفرنسيين ، واعتبر تشكيلة في حينها تلبية لمطالب شعبية كانت تسعى للدفاع عن مصالحها من خلاله وقد استفادت من ذلك العائلة الأميرية حيث ربطت مقاليد الأيزيديين الدينية والدنيوية بين يدها وسعت للأستفادة من ذلك في الحصول على مكاسب ذاتية لها من لدن السلطات واحتكار تمثيلهم أمام الدولة ومؤسساتها. ويؤكد الدكتور حبيب ( إذ كان المسؤولون يقفون باستمرار ضد مصالح الأيزيدية وإلى جانب مصالح المسلمين العرب أو الأكراد)ص140 ويتطرق إلى حوادث عام 1933 والضربات الشرسة التي وجهت للحركة الآشورية التي اندلعت حينها التي أطلق عليها ثورة التياريين ورفض الأيزيديه للأنخراط في صفوف الجيش بحجة قانون الدفاع الوطني الذي خالف ما صدر حينها من قبول الدولة العثمانية بأعفائهم من الخدمة العسكرية مقابل البدل النقدي . وما أعقبها من تطورات ينقلها حبيب من تاريخ الوزارات العراقية للسيد عبد الرزاق الحسني( فجردت بعثة قوامها 150 شرطيا ًخيالا ًو400شرطي من المشاة مع سبع سيارات مسلحة... تحركت من الموصل في أول تشرين1930...وهكذا تألفت قوة سنجار بإمرةاللواء حسين فوزي وتم تحشيدها يوم 5/10/1935 في قرية كري عرب.. وكان يعزز هذه القوة رف من الطائرات العراقية ... وانتهت إلى قتل عدد كبير من الأيزيديين وأسر عدد آخر،إضافة إلى استسلام 224منهم للقوات الحكومية... واحكام اعدام التي نفذت بحق تسعة منهم ، واحكام أخرى صدرت بحق آخرين من قبل محاكم عسكرية). وفي ذات الوقت كانت قبيلة شمر قد استعدت للقيام بغزو مناطق الأيزيدية من اجل النهب والسلب حسب تصريح عمر نظمي متصرف لواء الموصل آنذاك . وقد كان للحملة العسكرية ضد الأيزيديين آثارها السلبية على المجتمع الكردي وعلى السكان الأيزيديين على نحو خاص. ويؤكد حبيب( وكان الأضطهاد الذي تتعرض له الجماعة الأيزيدية ناجم عن كونها اقلية دينية ذات ديانة قديمة تعود إلى ماض إنساني وكردي عراقي قديم جدا ً)ص145. ويتطرق إلى مساهمة الأيزيديين في النضال الذي خاضه الشعب العراقي في سبيل الحرية والأستقلال ومساهمتهم في ثورة14 تموز 1958 والدفاع عنها إلى مقاومتهم للأستبداد والقمع والمساهمة في حركة الأنصار وفي صفوف البيشمركة والتضحيات الكبيرة التي قدموها والخراب الذي حصل في مناطقهم والقرى التي هدمت ، بشكل مكثف وسريع وكان من الأجدى والأفضل لو فصل الكاتب في هذا الفصل بحكم تواجد الوثائق بما فيها ضحايا الأنفال الأيزيديين وغالبيتهم من الأطفال والنساء والمعلومات وتفاصيلها متداوله وسهلة الحصول ومنظمة في قوائم لدى منظمات حقوق الإنسان. وبهذا الجهد الكبير والمهم من الكتاب القيم في محتواه ومادته يمكن اضافة كتاب الدكتوركاظم حبيب كمصدر مهم من المصادر العلمية عن الأيزيدية وديانتهم ، وهو في ذات الوقت شهادة انسانية بحقهم من لدن كاتب عربي كرس حياته لخدمة الحقيقة والناس فكان هذا الكتاب - الأيزيدية ديانة تقاوم نوائب الزمان . كتاب اقترب من الأيزيدية وتتبع نزيف معتنقيها المسالمين وانصفهم بلغة لا تقبل المساومة على حقوق البشر.
صباح كنجي منتصف حزيران 2006 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نقلا ً عن فاطمة المحسن.. العنف العراقي طبيعة أم تطبع ولا ابتغي من اقتباسها إلا التدليل على حجم الخراب الذي حل بالأيزيديه ، وارفض المفهوم العنصري لجوهرها.(ص.ك)
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسون والكباب
-
قصة اغرب من ا لخيال
-
البراءة تتحدث
-
اسئلة الأرهاب
-
الماغوط في قصيدته الخالدة الوشم
-
الأنحطاط السياسي.. في العراق الجديد !
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|