|
السحر والدين
عثمان عبدالله مرزوك
ناقد و باحث و اكاديمي
(Othman A. Marzoog)
الحوار المتمدن-العدد: 6570 - 2020 / 5 / 21 - 13:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما هو السحر وما هو الدين ؟ السحر هو الافعال التي يقوم بها ساحر باستخدام تراتب منطقي لإحداث حدث غير منطقي ويقترب من العلم باستخدام التراتب المنطقي. الساحر هو من يمتلك تلك القدرات ويسخرها في الشر والخير وقد كان الساحر احد اهم العاملين عند الملوك كما كانوا عند الفراعنة. في النهاية هو نظام زائف لقوانين الطبيعة ومرشد خداع للسلوك فهو علم زائف. الدين هو فعل استمالة الالهة بالتضرع والكلام الطيب والاتيان بحدث غير منطقي بتراتب غير منطقي. في نهاية المطاف هو تطور السحر من حالة ارغام الالهة الى خنوع لهم. وكلاهما يشتركان في محاولة الحصول على منفعة لكن بطريقين مختلفين. مبادئ السحر: المبدأ الاول: هو التشابه يعني ان الشيء يأتي بمثله. وفق هذا المبدأ فان الساحر يصنع الاثر الذي ينويه بمجرد تقليده، مثلا اذا اراد الساحر ان يؤذي احدهم فيأخذ صورة له ليضرب المكان الذي يريد ان يؤذيه من جسد المعني فاذا ضرب العين في الصورة ستتأذى عين الشخص واذ قطع قدم الشخص في الصورة ستقطع قدم الشخص المعني. المبدأ الثاني: هو قانون الانتشار او الاتصال، بهذه الطريقة فان الاشياء التي كانت متحدة يوما تبقى متصلة بعد انفصالها المادي. وبناء على هذا المبدأ فان الساحر يستطيع ان ينزل بالشخص كل ما ينزله بشيء مادي كان يوما على صله به. المناطق المشتركة بين السحر والدين 1-يشترك كل من السحر والدين في محاولة كسب ود قوة عظمى بطرق مختلفة بين اجبار وخنوع. 2-ويشترك السحر والدين في محاولة الحصول على منفعة الدين بالخضوع والسحر بالتجبر والقوة. الفرق بين الساحر ورجل الدين هو ان الساحر لا يشك في عمل سحر ما بنفس الطريقة يؤدي الى نتيجة مختلفة و الساحر لا يتزلف الى قوة عليا ولا يهن امام الوهية مرعبة، لكن بنفس الوقت يؤمن ان قوته مهما عظمت فهي عشوائية.الواقع عند الساحر محكوم بقوانين ثابته تتغير بقوته ان لم يكن هناك ساحر اقوى منه ابطل مفعول. السحر اقرب الى العلم من الدين الذي ظهر لاحقا، لان في كليهما نرى نظام تتابع الاحداث كونها محكومة بقوانين ثابتة يمكن حسابها والتنبؤ بها بكل دقة. خطأ السحر يكمن في فهمه الخاطئ لطبيعة القوانين الخاصة التي تحكم تسلسل الاحداث وليس في افتراضه تسلسل الاحداث، افتراض تسلسل الاحداث سليم. ربط الافكار بالتشابه والاستمرار بالزمان والمكان ادى الى الربط الخاطئ للأفكار المتماثلة الذي ادى الى السحر التعاطفي التجانسي او سحر المحاكاة، اما الربط الخاطئ لأفكار الاستمرار ادى الى سحر العدوى. تعتبر مبادئ الربط ممتازة بالنسبة للعلم لتؤدي الى النقد والتركيب والتحليل واذا استخدمت بشكل غير منطقي فإنها تؤدي للسحر، في نهاية المطاف جميع السحر هو مزيف وعقيم، واذا ما اصبح حقيقيا ومثمرا اصبح علم. احد تعاريف الدين هو عبارة عن محاولة استرضاء او استمالة قوى تفوق قوى الانسان يعتقد انها توجه وتتحكم بأمور بسير الطبيعة الحياة البشرية، ويتشكل الدين من عنصرين هما: العنصر النظري وهو الايمان بالقوى العليا والعنصر العملي وهو محاولة ارضاء تلك القوى. ومن الواضح اولا وجوب الايمان بوجود الكائن الالهي قبل محاولة استرضائه. عندما يقتضي الدين اولا الايمان بقوى تفوق قوى الانسان وتحكم العالم وثانيا محاولة كسب رضا تلك القوى، فانه يفترض ان مسار الطبيعة مرن ومتقلب. وانه يمكن ان نقنع ونستميل تلك القوى القادرة على ان تعطف وتتحكم بتيار الاحداث لمصلحتنا وتحرفه عن مساره الطبيعي. وهنا تتعارض مرونة وتقلب الطبيعة مع المبادئ السحرية والمبادئ العلمية واللذان يعتبران عمل الطبيعة صلبا لا يتبدل لا بالإقناع ولا بالتضرع او الترهيب. ومن تناقض النظريتين يأتي السؤال المثير للجدل: هل القوى التي تحكم الطبيعة شخصية واعية وان سلوكه غير جازم يمكن التغلب عليه كي تحول بالاتجاه المرغوب فيه خلال مناشدة حكيمة لاهتماماته ورغباته وعواطفه. ولا يمكن توجيه استماله او استرضاء نحو شيء يعتبر فاقد الحياة ولا نحو اشخاص من المعروف تصرفاتهم تحت ظروف معينة محسومة بشكل مطلق. وبما ان الدين يفترض ان العالم يدار بقوى واعية يمكن ان تغير هدفها بالإقناع يقف على الطرف النقيض مع السحر والعلم اللذين يسلمان جدلا ان مسار الطبيعة محكوم بقوانين ثابتة وليس برغبات واهواء شخصية بل بعملية ثابتة وقوانين تعمل بشكل ميكانيكي. بالحقيقة ، يكون هذا الافتراض ضمني عند السحر ، وصريح عند العلم. صحيح ان السحر غالبا ما يتعامل مع الارواح التي يعتبرها قوى شخصية من ذات النوعية التي يتعامل معها الدين ولكنه عندما يتعامل معها بالشكل الصحيح انما يعاملها كقوى غير عاقلة فيكرهها ويتحكم بها بدلا من استرضائها واستمالتها كما يفعل الدين. اذن يفترض السحر انها جميعا قوى شخصية، انسانية كانت ام الهية، ولكنها في النهاية عرضة لتلك القوى غير الشخصية التي تحكم كل الاشياء ويمكن التحكم بها اذا عرف اي انسان كيف يتعامل معها ويديرها بالطقوس والسحر المناسب، ففي مصر القديمة كان السحرة يدعون قدرتهم على اجبار اعلى الالهة على طاعة اوامرهم ويهددونهم بالدمار غي حالة العصيان. واحيانا يدعي الساحر انه سيحطم عظام اوسيريس ويبدد اسطورته اذا تبين له عصيان الالهة. وهناك قول شائع في الهند" العالم كله بأمر الالهة والالهة بأمر السحر، والسحر بأمر البراهمان لذلك فالبراهمان هم الهتنا" ربما بذلك نفسر الصراع الراديكالي بين السحر والدين والكراهية الشديدة التي يكنها رجال الدين للسحرة عبر التاريخ. وما يثير حفيظة رجال الدين هو كبرياء السحرة الواثقين بقوتهم وسلوكهم العدواني نحو القوى العليا وممارستهم سلطة كالتي يمارسونها. اما رجال الدين، بإحساسهم المريع بالجلال الالهي وبسجودهم المتواضع في حضرته، يعتبرونهم كافرين مجدفين مغتصبين لصلاحيات ينفرد بها الاله وحده. وبعض الاحيان يمكن ان تشك بدوافع عميقة تجتمع لتشحذ نصل الكراهية عند رجال الدين، حيث يدعي الساحر انه الطريق الامثل للشفاعة بين الانسان والاله لكن مشاعره تجرح، وتتضرر مصالحة من قبل ممارس سحر ند له يقدم طريقا اقرب واسهل للحصول على الحظ بالمقارنة مع طريق ارضاء الاله الممهدة لكنها انزلاقية.. العداء بين رجال الدين والسحرة ليس بقديم في التاريخ، ففي مرحلة سابقة كانت وظائف الكاهن والساحر مقترنة ببعضها بعضا او لنقل لم تكن منفصلة او مختلفة عن بعضها بعضا لجأ الانسان كي يتوصل الى هدفه للتودد للآلهة او الارواح عن طريق الصلوات والاضاحي والطقوس وصياغة الكلمات التي عول عليها في الحصول على النتيجة المرجوة دون مساعدة الله او الشيطان. يقول بروفسور ماسبيرو "يجب ان لا نلحق بكلمة السحر فكرة الانتقاص الذي يقفز الى ذهن الانسان المعاصر، لقد كان السحر هو اساس الدين. لم يكن امام المؤمن الذي يرغب بالحصول على خير من اله معين فرصة نجاح سوى ان ياسر ذلك الاله عن طريق عدة طقوس واضاحي وصلوات وتراتيل كشف عنها ذلك الاله بالذات والتي تجبره على تنفيذ ما يطلبه منه." وحتى وقت قريب كان فلاحون في فرنسا وربما ما زالوا مقتنعين بطقوس معينة تسمى "قداس الروح المقدسة" يبلغ اعجازها الى درجة لا تستطيع الروح الالهية معارضتها، ان يجبروا الله على تنفيذ ما يطلب منه مهما كان الطلب مغالياً ومتهورا. ولا ينتاب اولئك الفلاحين اي شعور بالكفر او العقوق فيلجؤون لهذه الطريقة الوحيدة ليمتلكوا مملكة السماء بهجوم ساحق. يرفض الكهنة العالميون اطلاق هذه التسمية" قداس الروح المقدسة" على هذه الطقوس وينفرد الرهبان وخاصة الكبوشيون منهم بشهرتهم بممارسة تضرعات المعوزين التعساء، في هذه الحالة هم يشبهون بقدراتهم السحرة المصريين القدامى. والى زمن قريب ايضا اهالي بروفينس يرون في عدد محدود من الكهنة القدرة على تحويل مسار العاصفة. وعند تعيين القس تسعى الابرشية بشغف الى معرفة اذا ما كان القس الجديد يمتلك تلك القدرة ام لا، فيضعونه تحت الاختبار عند اول اشارة لعاصفة قوية ويطلبون كنه ان يفرق الغيوم المنذرة بالهطول واذا كانت نتيجة الاختبار جيدة فهذا سيجل ويحترم ويوقر اكثر، وقد يحصل مساعد القس على شهرة اكبر من القس لتحدث المشاحنات، فيلجأ المطران لنقل القس الى ابرشية اخرى. وهذا ايضا معروف قراءة القران بالمقلوب لتأدية دور سحري او رميه في مكان غير نضيف. .وفي كاسكون وعندما يريدون الانتقام من عدو ما، يلجأ الرجال الى جعل قس يقوم بقداس يدعى "بقداس القديس سيكير" الذي يقام على انقاض كنيسة مدمرة او مهجورة حيث يرتع البوم وينعب وترفرف الخفافيش من الفسق ويستأجر الغجر لينامو الليل وتجثم الضفادع تحت المذبح المنتهك، في هذه الاثناء يأتي القس ليلا ومعه ضوء الحب وعند اول تكة في الساعة الحادية عشر يبدأ يغمغم القداس بالمقلوب لينهي قداسه عند منتصف الليل تماما. تقوم محبوبته بدور الموظف المساعد، ويبارك المضيف الاسود بثلاث نقاط: لا يقدس الحمر بل يشرب من ماء بئر رميت فيه جثة طفل غير معمد، ثم يضع اشارة الصليب لكن هذه المرة يضعها على الارض بقدمه اليسرى. ويقوم بأشياء اخرى لا يقوم المسيحي بها الا ويصاب بالعمى، اما الرجل الذي اقيم القداس لإيذائه فيذوي شيئا فشيئا، لا يعرف احد ما خطبه ويعجز الاطباء عن مساعدته ولا يعرفون انه يموت جراء قداس القديس سيكير. هذا النوع من السحر ينتشر في العالم العربي حتى الان ومن يبحث عن سحر يستطيع ان يشتريه من ساحة الميدان الذي تعرض به الكثير من الاسحار ايام الجمع. وفي العراق لا يزال ما لا يقل عن نصف المجتمع مؤمن بالسحر فلا يؤكل او يشرب خصوصا الحليب في بيوت معروفه سابقا في ادائها طقوس سحرية او القدرة على الشفاء ما بين مجبوسه او لا تستطيع ان تلد وبكاء الطفل لفترات طويلة والكثير من المشاكل الزوجية والحب.
#عثمان_عبدالله_مرزوك (هاشتاغ)
Othman_A._Marzoog#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اصنعوا سلاما
-
لماذا نتزوج
-
العقل الغربي في الفلسفة
-
العقلانية والاعجاز في العقل العربي الاسلامي
-
كيف تطبخ كونا
-
الاكتأب
-
رحلة الجهل
-
انا ظل لظلِ
-
الجهل المركب
-
شيكسبير يكتب السونيتة الثامنة عشر من جديد
-
اشكالية النهضة العربية
-
اشكالية العقل العربي
-
رجال الدين والتقدم
-
التخلف بنية اجتماعية
-
الى حبيبتي
-
احتلال فلسطين وفتح العراق
-
اقالة العقل العربي
-
استقالة العقل العربي
-
عشق بغداد لبابل
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|