كل يوم تكشف لنا هذه الحرب حقائق جديدة عن جرائم النظام بحق الشعب العراقي، ابتداءً من السجون تحت الأرض وغرف التعذيب والإعدام والمقابر الجماعية المنتشرة في طول البلاد وعرضها. ولكن الحقيقة الأخرى التي كشفتها لنا الحرب، هي المواقف المنافقة لتلك الدول التي استماتت في سعيها لدى الأمم المتحدة مطالبة برفع الحصار عن العراق بحجة أنه يقتل أطفال العراق وشيوخه ويلحق أشد الأضرار بالشعب العراقي. وكان أكثر الناس من أصحاب النوايا الحميدة يصدقونهم بطبيعة الحال. وفي مقدمة هذه الدول هي فرنسا وروسيا اللتان بقيتا تدافعان عن بقاء صدام في الحكم إلى آخر لحظة.
وقد ذكرنا مراراً وتكراراً حتى بحت أصواتنا إن موقف فرنسا وروسيا من الحرب ورفع الحصار هي ليست ناتجة عن حرصهما على شعبنا وإنما لمصالحهما النفطية وغيرها المرتبطة باستمرار صديقهما صدام حسين في الحكم. طبعاً لم يصدقنا أحد واتهمنا بأننا لم نهتم بمعاناة أبناء جلدتنا. وقد استقبل جاك شيراك في الجزائر إثناء زيارته لها قبل شهرين، استقبال الأبطال المدافعين عن العرب وكمدافع فذ عن العروبة!! وذلك بسبب مواقفه المدافعة عن النظام الصدامي البائد.
ولكن لا يمكن إخفاء شمس الحقيقة بالغربال، كما يقول المثل.
إذ كشفت هذه الحرب زيف المواقف ودموع التماسيح التي كانت فرنسا وروسيا تذرفانها على أطفال العراق أيام حكم صدام حسين المخلوع. وكان الرئيس الاميركي جورج بوش قد حث مجلس الأمن يوم 16/4 /2003 على رفع العقوبات التي استمرت 12 عاما على العراق، وقال «أما وقد تحرر العراق، فان على الأمم المتحدة أن ترفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على ذلك البلد». لكن أفادت وكالات الأنباء أن فرنسا وروسيا وغيرهما من أعضاء مجلس الأمن تخشى أن تقوم حكومة تنصبها الولايات المتحدة بحرمانها من الصفقات المستقبلية. ولهذا فإنها تدافع عن إبقاء العقوبات.
لقد أسقطت الحرب أقنعة الزيف وفضحت دموع التماسيح التي ذرفتها هذه الدول على أطفال العراق. فالدموع والدفاع المحموم عن بقاء صدام ومطالبته برفع الحصار أيام صدام كانت من أجل مصالحهم النفطية وليست حرصاً على مصلحة الشعب العراقي.
لقد فرضت الأمم المتحدة عقوبات الحصار على حكومة صدام حسين عقاباً له على غزوه للكويت في 2 آب 1990 وليست على الشعب العراقي كما هو معروف. وبعد سقوط النظام الفاشي يوم 9 نيسان 2003، فقد سقط معه المبرر لهذا الحصار. إلا إن فرنسا وروسيا تسعيان الآن وبعد سقوط النظام الجائر معاقبة الشعب العراقي بسبب إعلانه عن أفراحه بسقوط الجلاد وذلك بفرض الحصار على الشعب بعد أن كان على النظام. فأين حقوق الإنسان التي يتحدث عنها الفرنسيون والروس وغيرهم؟ إن هذا الموقف غير المشرف قد كشف عدم اهتمام شيراك وبوتين بالشعب العراقي بدليل أنهما يريدان معاقبة هذا الشعب بإستمرار الحصار عليه رغم سقوط مبرراته ما لم يضمنان حصتهما من الصفقات.
لا شك إن المستقبل سوف يكشف لنا الكثير من السياسيات المنافقة لهذه الدول وسيسقط القناع عن الكثير من الوجوه الكالحة وزيف الادعاءات الباطلة.