|
مناورة في موعدها المناسب… أم بعد فوات الأوان ؟
سيف صادق
الحوار المتمدن-العدد: 29 - 2002 / 1 / 7 - 20:26
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بمناسبة حلول الذكرى الـ 81 لتأسيس الجيش العراقي ألقى صدام حسن خطابا بهذه المناسبة. وباستثناء المديح الذي كالته وكالة الأنباء العراقية لهذا الخطاب، والذي وصفته بأنه كان " خطابا قوميا وتاريخيا " فإنه يمكن القول أن السمة المميزة له هو ديماغوجيته المعتادة إضافة الى لغة الدروشة. والى جانب هذه " الميزة " التي يتمتع بها الرئيس العراقي في خطبه وممارساته، التي يحاول فيها أن يعلو على الواقع ويتطاول عليه، فإن قراءة سريعة لخطابه بهذه المناسبة تسمح بصياغة القضايا التالية :
· إشادة غير معهودة بدور الجيش، ولكن الخطاب خلا من أية إشارة لـ " الجيش العقائدي " وهو المصطلح المحبب للرئيس العراقي والإعلام العراقي خلال العقود السابقة. نقول إشادة غير معهودة حيث يضفي الرئيس العراقي على الجيش في خطابه هذا نعوتا كثيرة، ففي المقطع الأول فقط من خطابه هناك 15 نعتا من قبيل " الأبي، المؤمن، المجاهد، المبتلى، جيش القادسية،……. الخ ". ويبدو أن المديح غير العادي الذي أضفاه الرئيس العراقي على الجيش بهذه المناسبة له دلالة يجب قراءتها بشكل صحيح. فالمعروف أن المؤسسة العسكرية، باستثناء بعض قطعات الحرس الجمهوري وليس كلها، تعاني مثلها مثل قطاعات شعبنا الأخرى من الإهمال والإذلال المتواصل من طرف النظام ورأسه ومؤسساته الإستخباراتية والأمنية. وارتباطا بتطور الأوضاع السياسية العالمية وتداعياتها وانعكاساتها على المنطقة، والضربة المحتملة التي تهدد الولايات المتحدة تجاه العراق، يسعى الرئيس العراقي لإعادة هيكلة هذه المؤسسة والتودد لها والتقرب منها، وعقد مصالحة معها بالتأكيد على طابعها الوطني العام – وليس العقائدي – والرهان عليها في حماية النظام من أية ضربة محتملة. ومن المفيد الإشارة الى أن النظام وفي ممارسته الإعلامية يعول على خلق نوع من التطابق بين النظام الديكتاتوري والوطن وكأنهما ملتحمان عضويا، وبأن رحيل النظام معناه تفكك الوطن وتقسيمه وتفتته الى شراذم ! والحال أن النظام الراهن هو أول من فرط بالوحدة الترابية عبر حروبه ومعاركه العديدة مع الجيران.
· وفي الوقت الذي يشيد في الرئيس العراقي بشكل لافت للنظر بدور الجيش العراقي، نلاحظ أن الخطاب تضمن الإشارة الى أن هذا الجيش هو " جيش تموز …… جيش القادسية ….. جيش أم المعارك "، وإذا فهمنا أن المقصود بتموز هو تاريخ صعود البعث للسلطة في 17 تموز 1968 وربطناه بـ " جيش القادسية " و " أم المعارك " فإنه يمكن قراءة هذه النقطة في الخطاب على أن الرئيس العراقي يسعى هنا لأن يقدم تحقيبا جديدا لتاريخ هذه المؤسسة يبدأ من مجيء البعث الى السلطة في عام 1968 ، وبالتالي فإن الاحتفال بمرور 81 عاما يصبح لا معنى له، وهو عبارة عن ذر الرماد في العيون فقط. إن تحقيب تاريخ الجيش العراقي بهذه الصيغة الصداّمية تعني شطب أدوار وطنية عديدة قام بها الجيش العراقي، وعلى وجه الخصوص دوره في ثورة 14 تموز عام 1958، دون أن يلغي ذلك من حقيقة طبيعة المؤسسة العسكرية بالمعنى السياسي العام باعتبارها – كمؤسسة – واحدة من أدوات لطبقة المسيطرة أو الائتلاف الطبقي المهيمن في لإعادة إنتاج النظام المعين دون عوائق.
· تتلاطم مشاعر الرئيس العراقي في هذا الخطاب. وهو يسعى هنا لتقديم خطاب " جديد " في لغته لا يتطابق مع ما عرف عنه بالعناد والمكابرة وتضخيم الذات. تبين قراءة الخطاب الأخير وجود قضايا عديدة، على بساطتها، تعكس واقع الحال الذي يعيشه الرئيس، وشعوره بضغط الأحداث وحجم التحديات وخطورتها، والتهديدات الفعلية التي تواجه نظامه. فعدا عن تأكيده، ولأكثر من مرة، على شعوره بالحرج وعجزه عن قول أشياء عديدة، فإنه يكشف عن مسعاه " للفوز بإحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة، بل النصر بالشهادة " وهو الذي تعود على إعطاء الانطباع بقدرته على تحدي الصعاب، ومعاندة منطق الأشياء. إن العديد من عبارات خطاب الرئيس العراقي تبين للقارئ أنه أمام درويش في جامع شعبي وليس رئيس دولة يقول كلماته بمسؤولية. وإضافة لذلك يبدو صدام حسين هنا مسلوب الإرادة حين يتناول القضية الفلسطينية وليس كما عود الجمهور بعباراته الرنانة وتهديداته الزائفة، إذ يبدو في خطابه هذا عاجزا عن تقديم شئ أي سوى " قبلة على جبين كل الشيوخ والصبية والصبايا الذين يواجهون شر الصهيونية وحليفتها أمريكا "، وهو الذي تعود في مناسبات عديدة على الإدعاء بإحراق نصف إسرائيل. واللافت للنظر أنه أنهى خطابه هذا هاتفا " عاشت فلسطين حرة عربية، من النهر الى البحر " !! وفي هذه المرة أكد الرئيس العراقي أنه مع الفسلطينيين، ولكن وجدانيا فقط، و " من غير أن تكون سيوفنا معهم الآن "، وهو يتحجج هنا بـ " حواجز السياسة والجغرافية "، وهو الذي تعود، طيلة حكمة، معاندة حواجز السياسة والجغرافية، وتطاول عليها في مواقع عدة سببت الخراب والدمار لشعبنا وطننا وأرجعته عشرات العقود من السنين الى الوراء.
· غابت في الخطاب روح التحدي التي تعود عليها الرئيس العراقي في خطبه السابقة، وخصوصا في ما يتعلق بالشؤون الدولية وملفاتها الساخنة، وهو الذي تعود أن " يفتي " فيها من خلال قول كلمات تتكون عادة متقاطعة مع السائد أو المألوف ليكون " متميزا "، وتحديدا الموقف من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وعالميا. لقد ورد أسم أمريكا، على سبيل المثال، مرة واحدة في خطابة حيث أتى بعد الإشارة الى " شر الصهيونية وحليفتها أمريكا "، أي أنه أقام ترتيبا جديدا لعناصر التناقض الرئيسي في هذه المرحلة : الصهيونية أولا– وليس إسرائيل طبعا – ثم الولايات المتحدة ثانيا . وقراءة سريعة للخطاب تطرح أسئلة عديدة حول المغزى الفعلي لهذا التحول، إذ تبين لنا أن الرئيس العراقي لم يشر ولا بكلمة واحدة عن الإرهاب، ولا عن حملة الولايات المتحدة على أفغانستان بل قدم " تحية الى كل فرسان الإنسانية، وهم يواجهون الظلم والعسف ". والأهم من كل ذلك خلا خطاب الرئيس العراقي من أية إشارة مباشرة الى الحملة الأمريكية المتوقعة على العراق، بل هناك إشارة واحدة عمومية تقول " ومثلما خسأ الخاسئون من قبل، فإن أي عاد……. سيخسأ " في إشارة الى قدرة الجيش العراقي على رد أي عدوان.
الخلاصة، إن خطاب الرئيس العراقي في الذكرى الـ 81 لتأسيس الجيش العراقي تضمن ملامح خطاب معتدل، على مستوى الشكل، وليس تعديلا في الجوهر. ويمثل هذا في جوهره إدراكا حقيقيا لحجم المخاطر التي تواجه النظام في المرحلة الحاضرة، والتي تتطلب انحناءة مقبولة لعبور الأزمة بأقل الخسائر. ولكن السؤال الذي يظل مائلا أمامنا هو : هل أتت مناورة رأس النظام في موعدها المناسب، أم بعد فوات الأوان ؟ يبدو أن الأيام أو الأسابيع القادمة هي التي ستقدم الجواب الشافي على هذا السؤال.
وفي مثل هذه اللحظات التاريخية التي تواجه شعبنا ووطننا لابد أن تكون الذكرى الـ 81 لتأسيس الجيش العراقي مناسبة لكل الخيرين من أبناء المؤسسة العسكرية للتفكير العميق بمصائر الوطن الكبرى، ونفض أيديهم عن النظام الديكتاتوري، والالتحام بقوى شعبنا المناهضة للديكتاتورية من أجل تقريب يوم الخلاص من الديكتاتورية والحصار الظالم والعدوان الخارجي.
#سيف_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين يدافع الصحفي عن الجلاد ويصمت صمت القبور تجاه الضحية !
-
ينبغي الرهان على شعبنا العظيم وليس على العدوان أوالديكتاتوري
...
-
هل للشعب الكردي مصلحة في - الحوار غير المقطوع ولكن غير النشي
...
المزيد.....
-
-أخبرتني والدتي أنها عاشت ما يكفي، والآن جاء دوري لأعيش-
-
لماذا اعتقلت السلطات الجزائرية بوعلام صنصال، وتلاحق كمال داو
...
-
كيم جونغ أون يعرض أقوى أسلحته ويهاجم واشنطن: -لا تزال مصرة ع
...
-
-دي جي سنيك- يرفض طلب ماكرون بحذف تغريدته عن غزة ويرد: -قضية
...
-
قضية توريد الأسلحة لإسرائيل أمام القضاء الهولندي: تطور قانون
...
-
حادث مروع في بولندا: تصادم 7 مركبات مع أول تساقط للثلوج
-
بعد ضربة -أوريشنيك-.. ردع صاروخي روسي يثير ذعر الغرب
-
ولي العهد المغربي يستقبل الرئيس الصيني لدى وصوله إلى الدار ا
...
-
مدفيديف: ترامب قادر على إنهاء الصراع الأوكراني
-
أوكرانيا: أي رد فعل غربي على رسائل بوتين؟
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|