|
نظرية القدر المتيقن في القانون الجنائي العراقي
محمد سرحان الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 6567 - 2020 / 5 / 18 - 21:02
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
يعد تيار نظريه القدر المتيقن من الجريمة على عكس تيار مبدأ الشرعيه الجزائية ، ومما لاشك فيه أن الأخير يفرض سلطانه على القضاء الجنائي ولايدع له مجالا للاجتهاد أو التفسير أو القياس في نطاق التجريم والعقاب،فضلا عن أنه يمثل" بأن لاجريمة ولاعقوبه إلا بنص" كما يعد أحد المبادى الاساسيه التي ترتكز عليها التشريعات الجنائيه المعاصره ومنها التشريع العراقي،وفي ذات الوقت تبرز عقبه إجرائية تحول دون تحقق العدالة الجنائية ،وهي استحالة إسناد النتيجة الإجرامية عند تعدد الجناه في الإعتداء على المجني عليه ،ويتعذر الجزم بمعرفة دور كل منهم في إرتكاب الجريمة ،وأمام مثل هكذا وقائع جنائية اضحى القضاء الجنائي أمام فرضيتين تأبهما العداله الجنائيه ولايقرهما المنطق القانوني وهما:إما مساءلة جميع الجناه عن نتيجه الجريمة التي وقعت كما لو كان كل واحد منهم ارتكبها بمفرده، أوعدم تقرير مساءلتهم جميعًا نظرا لاستحاله إسناد النتيجه الاجراميه لإحد الجناة ،وأمام المسوغات القانونية هذه ،ابتكر الفقه نظرية اصطلح عليها "نظريه القدر المتيقن"، ولتوضيح أكثر نتناول موضوعنا من خلال استعراض ماهيه تلك النظرية وشروطها، وموقف الفقه والقضاء العراقي اتجاهها،من خلال المحاور الاتيه: المحور الاول: التعريف بنظريه القدر المتيقن وشروطها :تعددت التعريفات لتلك النظرية فمنهم من عرفها" بأنها الوقائع التي يصعب معها كشف محدث الضربة القاتله،مما ينبغي إعتبار جميع الجناه شركاء لفاعل مجهول بينهم،عند تحقق النتيجه الإجراميه جراء هذا الفعل، بينماعرفها البعض الاخر بانها" الواقعه التي ترتكب من عده جناة في الاعتداء على المجني عليه، ويتعذر الجزم بمعرفه دور كل واحد منهم في ارتكاب الجريمه"،فضلا عن تعريفات كثيره اغلبها تؤدي الى نتيجه واحده،إلا أن التعريف الذي نراه مناسبا لتلك النظريه هو"بانها الحادثه الأنية الواقعة من عدة أشخاص على شخص واحد دون وجود اتفاق مسبق،مع ثبوت اصابه هذا الشخص جراء هذه الواقعه مع استحاله اسناد النتيجه الاجراميه لاحد الجناه"،هذا من ناحيه،ومن ناحيه اخرى يتطلب لتحقق هذه النظريه توافر عده شروط نذكرها بالنقاط الاتيه: • تعدد الجناه عند ارتكاب الفعل المجرم • وقوع الفعل بشكل اني دون وجود اتفاق مسبق بين الجناه٠ • استحاله اسناد الواقعه الى احد الجناه،وتعذر معرفه السلوك الاجرامي المؤدي الى النتيجه الاجراميه • ثبوت اصابه المجني عليه جراء تلك الواقعه متعدده الجناه٠ المحور الثاني: موقف الفقه الجنائي من نظرية القدر المتيقن: تجاذبت اراء الفقه الجنائي في مشرعنا العراقي بشأن تطبيق تلك النظريه،فهناك من ذهب الى ضروره تطبيق تلك النظريه وقاموا بمناشده المشرع لتقنين هذه النظريه وايجاد اساس قانوني لها، بينما ذهب الاتجاه الاخر الى إ نكار تطبيق مثل هكذا نظريه،ولكل له اسانيده والتي سوف نبينها على النحو الاتي الاتجاه الاول:يذهب اصحاب هذا الرأي الى الاخذ بنظرية القدر المتيقن وتطبيقها عند توافر شروطها سالفه الذكر، مستندين في ذلك الى بهتان الدليل وجهالته، للوقوف على دور كل فاعل وعدم التمييز لمعرفه من القائم بتنفيذ الفعل الاجرامي عن فعل الغير، ولامكان انزال الوصف القانوني الصحيح على الجريمه المرتكبه،وتقدير العقوبه الواجب فرضها على كل فاعل طبقا لتلك النظريه،إذ أن عدم دراية الدور الاجرامي لكل فاعل عند ارتكاب الجريمه، ويترتب على ذلك نتيجة ضارة ، وهي دخول الشك في أذهان قضاة محكمة الموضوع بالنسبه للفعل الذي نجمت عنه النتيجه الاجراميه،الامر الذي يدفع المحكمه الى تفسير الشك لصالح المتهم طبقا لقواعد التفسير العامه،حيث تفرض عقوبه الشروع في القتل محل العقوبه المقرره للقتل العمد٠ الاتجاه الثاني: بينما ذهب اصحاب هذا الاتجاه الى إنكار العمل بنظرية القدر المتقين ،مستندين في ذلك الانكار الى أن تلك النظريه مخالفة لإحكام الدستور والقانون ولم تأتي بصيغه نص قانوني واجب التطبيق، وبهذا فهي لاسند لها من القانون بل هي نوع من متبنيات الفقه ، وأن عدم تطبيق العقوبه العادله بحق الجناه يعد مخالفه صريحه لمبدأ الشرعيه الجزائية ،وهذا مايحتكم اليه المنطق القانوني وينسجم مع الوقائع التي تتوافر فيها شروط هذه النظريه، فقد ذهب أصحاب هذا الرأي أيضًا الى أن الفاعلين في الجريمه التي تنطبق عليهم هذا النظريه، يؤخذون جميعهم عقوبه القتل العمد،مستندين على أن وفاه المجني عليه نتيجه محتملة للفعل الذي قام به الفاعلين، وهم على قناعه تامه بما يترتب عليه من نتائج خطره ، فضلا عن أن الشريك للفاعل الاصلي والذي يكون متواجد في مسرح الجريمه،تتحول صفته بالواقعه من شريك الى فاعل اصلي،ويعاقب عقوبه الاخير٠ المحور الثالث:موقف القضاء الجنائي من نظريه القدر المتيقن: انعكس الخلاف الفقهي على النحو الذي بينا اعلاه ،على موقف القضاء العراقي ولم يأت موقف الاخير على وتيرة واحدة ، فتارة نجد أن القضاء العراقي قد انكر العمل بتلك النظريه في الوقائع التي يصعب التمييز فيها بين الفاعل والشريك،لان مشرعنا العراقي قد ساوى في العقوبه بينهما وهذا ما افصحت عنه الماده(١/٥٠ من قانون العقوبات العراقي النافذ)،وفي الوقت ذاته اهتدى القضاء لدينا بالاتجاه الاول القائل بضروره الاخذ بتلك النظريه، في حال انطباق شروطها على الواقعه الاجراميه والتي تتميز بتعدد الجناه"الفاعلين" والغير متضامنين مع تعدد الاسباب،وارتكاب هذه الواقعة بشكل آني فضلا عن استحالة إسناد الفعل الى أحدهم ، وفي ذات الوقت ثبوت الإصابة جراء هذه الواقعة ،وتحمل قضاءنا العراقي الآثر المترتب على تبني القدر المتيقن،وهو أنه تغير التكييف القانوني لأفعال الجناة بالنسبه لجميع المتهمين،فمثلا في جريمه القتل العمد وعند تحقق شروط تلك النظريه يتغير الوصف من المادة (٤٠٥ عقوبات) إلى جريمة الشروع بالقتل، وفي جريمة الضرب المفضي الى الموت وفق الماده(٤١٠)،والضرب المفضي الى عاهة مستديمه وفق الماده(٤١٢ من ذات القانون )، يتغير الوصف القانوني لهما، الى جريمة الايذاء المنصوص عليه وفق الماده(٤١٣ من ذات القانون )، وأن الأساس في إطلاق الوصف هذا هو جهالة المتسبب الحقيقي للنتيجه الإجرامية ،وأن القدر المعلوم هو السلوك الاجرامي لكل واحد منهم في فعل إطلاق النار أو الضرب المتعمد، وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمه التمييز بموجب الحكم المرقم ٧٤٣/جنايات/١٩٦٦ في ١٩٦٦/٧/٢١،في الواقعة التي تتلخص في أن شخصان (ض، م) قد اطلقا النار على مجموعة أشخاص دون اتفاق مسبق أو اشتراك يذكر ،حيث خلصت محكمه التمييز في حكمها هذا الى توافر شروط القدر المتيقن بحقهما (ض،م) ،وتمت معاقبتهم عن جريمه الشروع بالقتل،وفي حكم آ خر لمحكمة تمييز كردستان المرقم ١٠٤، سنه ١٩٩٨،على أنه "في حاله قيام أكثر من شخص بالاعتداء المميت على شخص دون اتفاق او اشتراك بينهم ودون ثبوت فعل أي منهم أدى الى النتيجة الاجراميه وموت المجني عليه،فانه لا يجوز في هذه الحاله إدانة كل منهم عن جريمه القتل بل يتعين ادانتهم عن جريمه الشروع بالقتل٠ يتضح مما تقدم أن قضاءنا العراقي في العقدين الماضين قد استقر على تطبيق نظريه القدر المتيقن في حال توافر شروط الاخيرة ،من دون سند قانوني ولفتره طويلة فهي تعد شذوذآ عن القواعد القانونية المقننة ،ولم يسعى مشرعنا الى سد هذا النقص التشريعي بنص قانوني لتكييف الوقائع التي ترتكب بأحد صور القدر المتيقن ،لذلك طالبنا المشرع سد هذا النقص التشريعي ، ذلك لكثره وقوع جرائم من هذا النوع لاسيما الأفراح والمناسبات التي تشهد غلواء في الاحتفاء والاحتفال ، والذي يترتب عليه إصابات بالغة بالمجني عليهم، لمجرد تواجدهم في تلك الإماكن .
#محمد_سرحان_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحماية الجنائية لحق الانسان بصحته وفق التشريع البحريني في ظ
...
-
فيروس كورونا بين القوة القاهرة ونظرية الظروف الطارئة وتأثيره
...
-
المسئولية الجنائية عن نقل فيروس كورونا في القانون العراقي -د
...
المزيد.....
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
-
سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|