|
المهدوية في خدمة الوباء
سفيان الهبطي الادريسي
الحوار المتمدن-العدد: 6567 - 2020 / 5 / 18 - 10:42
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
بعد ظهور فيروس كورونا في الصين وانتشاره في العالم مخلفا خسائر بشرية مهولة لازالت في تصاعد الى حد الآن انتشر الخوف والرعب في العالم قاطبة واختلف الناس في تفسير الوباء الى قسمين قسم يرى أن الوباء ظهر لأسباب علمية ويجب التصدي له بالطرق العلمية وقسم يرى بأن الوباء عقاب من الله للبشر لقبح وسوء أفعالهم فيما بينهم وبين أخوتهم في الإنسانية وبالتالي يجب الاكثار من الاستغفار والدعاء لله لرفع البلاء عن الامة الإسلامية والإنسانية جمعاء مع الأخد بالأسباب العلمية، الى جانب هذا الأمر واجهت الحكومات تحديات من أهمها السيطرة على الجموع واقناعهم بفكرة الحجر الصحي التي كان لها في البداية وقع بمثابة الصدمة على الشعوب خاصة الشعوب التي تؤمن بحقوق اللإنسان اذ تنطوي الفكرة على مسألة التضييق في الحريات الفردية، وردا على هذه النازلة انتشر في العالم الإسلامي والعالم أجمع ما يمكن أن نطلق عليه بالحلول الشعبية في توجيه وضبط شعوب وتسهيل التزامهم بقرارات الحكومات.
لاريب أن معتقد المهدي المنتظر[1] فكرة يؤمن بها جميع المسلمين شيعة وسنة وتتلخص الفكرة بأنه عند اشتداد الأزمات يظهر شخص بصفات معينة وعلامات تدل على آختيار وآصطفاء الله له بل ويمتلك قدرات وإمكانيات تؤهله لكي يقود الأمة أو الشعب الى الخلاص من الأزمة التي يمر بها، وقد تم استثمار هذه الفكرة في الحضارة الإسلامية بشكل واضح ومن أهم النماذج في التاريخ الإسلامي عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية[2] في شمال أفريقيا والذي ادعى المهدوية من خلال الإعلان بأن نسله ينحدر من سلالة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله (ص)، المهدي بن تومرت[3] الذي ادعى المهدوية وأسس دولة مترامية الأطراف في المغرب عرفت بدولة الموحدين [4]، وقد ذكرت هذه الأسماء لما لها من تأثير كبير في تغيير مسار التاريخ، اذا أردنا أن نربط بين المهدوية كحركة وفكرة وبين الجائحة التي ضربت العالم بأسره فسنجد في الأدبيات الإسلامية والشعبية أننا نعيش في أخر الزمان حيث الفساد بمختلف تجلياته مستشر بالعالم من حروب واضطهاد للأقليات وفقر وظلم وغيرهم إضافة الى اضطهاد أغلب الشعوب الإسلامية وهذا مايزيد من ترسيخ هذا المعتقد بالبحث عن رجل يخلص الأمة الإسلامية من مآسيها ويجعلها تربة خصبة لقبول مثل هذه الأفكار وهذا كله ينطبق على مواصفات الأزمة التي نعيشها اللآن فهي أيضا من أزمات اخر الزمان أو من علامات الساعة بحسب تعبيرهم وأنها عالمية حيث أن العالم كله يعاني من سطوة الوباء وبطشه.
ولكن ما علاقة الامام المهدي بتوجيه الشعوب وتدجينها خلال الأزمات؟ بداية يجب القول أن الاعتقاد بالمهدوية راسخ عند كل من النخب الدينية ونقصد بهم العلماء والفقهاء والمتصوفة والدعاة وعند الطبقة الشعبية ونقصد بهم السواد الأعظم من الشعوب وهذه الجماهرية تساعد في استقبال الفكرة والتفاعل معها، بعد ذلك تأتي مرحلة استثمار التشابه الواضح بين الظروف التي نعيشها خلال الوباء وبين شروط ظهور المهدي أو النبي في آخر الزمان من أجل مصالح قد تكون إما سلبية وإما إيجابية وفي هذه الظرفية تستثمر من أجل ترويض الشعوب وضبطهم بإخضاعهم لتعليمات السلطات والحكومات.
وفكرة ادعاء المهدوية ( Le mahdisme) وادعاء النبوة في العالم الإسلامي ليست بالجديدة وكما أنها حاضرة في التاريخ بقوة موجودة أيضا في وقتنا هذا بقوة وتناقش في فضائيات المشرق والمغرب والى وقت قريب ادعى جهينام العتيبي المهدوية وتمت مبايعته واحتل الحرم المكي الى اخر القصة، الا أنه كما قلت سابقا تنبعث الفكرة وتنتعش في وقت الأزمات والشدة.
ولقد رأينا مؤخرا وقبيل صدور القرارات المتخذة للحد من انتشار جائحة كورونا خروج بعض الأفراد من المساجد أو في أماكن عامة وإدعاء المهدوية كقولهم بأن الرسول أخبرهم في المنام بأنهم مختارون ومهديون من الله والرسل ويجب على الناس مبايعتهم وطاعتهم اذن الهدف من كل هذا الحصول على طاعة الجمهور في هذه الظرفية الدقيقة والصعبة وهي ظرفية يمكن للدولة فيها أن تخسر في جميع الجوانب وعلى رأسها الجانب الديموغرافي وذلك بتحقيق نسبة مرتفعة من المصابين والوفيات وأيضا في الجانب الاقتصادي وذلك بأن تخسر الدولة خزينتها من العملة الأجنبية نظرا لارتفاع الفواتير المخصصة لمعالجة المصابين بالفايروس.
ومن هذه النماذج التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي وعرفت رواجا كبيرا في وقتنا هذا ثلاث نماذج سنتطرق لها بالشرح والتوضيح النموذج الأول رجل من مصر[5] خرج من المسجد وادعى بأنه المهدي المنتظر الذي بشر به النبي محمد (ص) وقال أيضا بأنه رسول من الله الى العالم أجمع وأنه لا نبي بعده والنمودج الثاني أستاذ[6] في أحد المدن المغربية يدعي بأن الله أكرمه بالنبوة وأن النبي محمد (ص) ليس آخر الأنبياء ويأتي بأدلة من القران على ذلك وأنه تنبأ ببعض الأحداث مثل زلزال إيمينتانوت لكن السلطات لا تعيره أي اهتمام وتتهمه بالحمق وقال بأنه كلما كثر الفساد بعث الله نبيا ليحكم بما أنزل الله وأنه اذا لم يلتزموا وينضبطوا ويقصد الشعب فسيعاقبهم الله بعقابه والنموذج الثالث رجل من الصويرة يدعي بأنه نبي الله الخليل وأنه لديه قدرات بأن يشفي الناس من الأمراض ويدخلهم الجنة ولغته قريبة الى الدارجة والعامية ويخلط في قراءة آيات القران بحيث يظهر لك أنه غير متمكن وحافظ وقال بأنه ستأتي أزمة كبيرة للبلد ويجب على السكان اتباعه كونه نبي مرسل من الله
ولكي نفهم هذا الخطاب سنحاول الوقوف على بعض المقولات التي تعرضوا لها في كلامهم، بالنسبة للرجل من مصر فانه يكتفي فقط بادعاء النبوة والمهدوية معا وينبه الناس الى قرب الساعة بينما الرجلان من المغرب فانهما يدعيان النبوة ويؤكدان على ذلك بأدلة من القران وبأن الله سير على أيديهم المعجزات كالتنبؤ بالمستقبل وإبراء المرضى وإدخالهم الجنة وكل هذا من أجل إضفاء الشرعية على ادعائهم وبعدها ينذران الناس بوقوع أمر جلل وفتنة كبرى في القريب العاجل ويطلبون لمن أراد النجاة والخلاص اتباعهم وطاعة أوامرهم وهذا زبدة مقالهم ومحور كلامهم، وأخيرا يدعون الناس الى الاستغفار والدعاء والعودة الى الله طلبا لرفع البلاء وقد تزامنت هذه الدعاوى قبيل قرار الحجر الصحي بالمغرب وبالتالي أيا من كان صاحب الرسالة فهو يريد من الشعوب الالتزام بقرارت الحكومة والسلطات في هذه الظرفية الصعبة من أجل الخروج من هذه الأزمة العالمية بأقل الخسائر البشرية والاقتصادية، وهذا ما حدث بالضبط فبمجرد الدخول في الحجر الصحي كانت أغلب التآويل التي تروج في مواقع التواصل الاجتماعي بأن ما يحصل الان هو عقاب من الله للبشر على الفساد والظلم المستشري بينهم وأنه من أهم الطرق لرفع البلاء هو اللجوء الى الله والتقرب اليه بكثرة الاستغفار والدعاء.
[1] ثامر هاشم العميدي، المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، مركز الرسالة، ط (1425)، ص: 12.
[2] أحمد أمين، المهدي والمهدوية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، مصر، ص: 13.
[3] المهدي والمهدوية، أحمد أمين، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، مصر، ص: 25.
[4] لا نقصد بكلمة دولة هنا الدولة بمعناها الحديث وإنما بمعناها التاريخي.
[5] https://www.youtube.com/watch?v=QY_TlXDbIjM
[6] https://www.youtube.com/watch?v=Ov570vkvcoE
#سفيان_الهبطي_الادريسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوة الطقس الشعبي (رقصة التابوت)
-
صمود البقال في زمن الجائحة
-
صدمة الجائحة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|