|
من القمع السياسي إلى القمع الاقتصادي .. تحولات بالاتجاه المعاكس
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1584 - 2006 / 6 / 17 - 11:42
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
على خط مواز لحملات الاعتقالات والمحاكمات التعسفية والاستدعاءات الأمنية الارهابية ، التي طاولت وتطاول عدداً كبيراً من المثقفين ونشطاء الرأي ، تعبيراً عن التشدد في حفظ توازنات وأمن و " هيبة " الدولة .. !! . تتواصل عملية تطبيق سلسلة من الإجراءات الاقتصادية - الاجتماعية الخطيرة ، التي تطاول المجتمع السوري برمته عامة وقواه الشعبية الكادحة خاصة ، أهـمـهـا: متابعة تصفية القطاع العام ، وتعديل قانون العمل الذي يكرس ا ستمرار حرمان العمال من حق الاضراب وإخضاعهم لصيغة تعاقدية إذعانية تبيح لأصحاب العمل حق إنهاء عقد العمل تعسفياً ، وإلغاء المرسوم 49 / 1962 القاضي بمنع التسريح التعسفي ، وإنشاء مكاتب تشغيل خاصة تزيد ظروف وشروط العمل صعوبة وإذلالاً وتهدد حقوق العمال الأساسية . وأخطرهــا : ما صرح به نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية أول أمس لوكالة " رويترز " البريطانية " أن الحكومة ستعلن قريباً برنامجاً مدته عامان لخفض الدعم " لبعض السلع التموينية " والمحروقات .. وتقليص تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي .. إن الدعم لاسيما دعم الوقود يستهلك 12 في المئة من الناتج المحلي الانتاجي .. لتفادي عجز الميزانية في ضوء إرتفاع أسعار النفط .. لابد من إعادة النظر في الدعم وآليات تقديم الدعم .. وهو غير عادل اجتماعياً .. وأن الحكومة ستدعو رؤوس الأموال الخاصة للإستثمار في شركات تابعة للدولة مثل شركات الاسمنت
والخطان القمعيان لحراك النظام الأخير ، القمع السياسي والقمع الاقتصادي ، هما متوازيان .. منفصلان بالشكل وبالآليات .. إلاّ أنهما متضافران ومتكاملان بالمضمون والأهداف .. ويشكلان معاً تجلياً فاضحاً لوحدة الاستبداد السياسي والاستغلال الاجتماعي الطبقي
إن الترجمة الفعلية لمضمون البرنامج الحكومي الهادف إلى تخفيض الدعم للسلع الضرورية للقوى الشعبية - مقدمة تحايلية لإلغائه - لتفادي" العجز في الميزانية " ووضع شركات تابعة للدولة برسم البيع المتدرج ، تكشف مدى عدم مطابقة البرنامج للواقع الفعلي ، وعدم مصداقيته في البحث عن حلول للوضع المأزوم سياسياً واقتصادياً . ذلك أن الدعم الذي تقدمه الدولة لعدد من السلع البالغ ، كما جاء في التصريح المذكور ، هو 12 في المئة من الناتج المحلي الانتاجي ، الذي يزعم النظام أن إلغاءه يؤدي إلى تفادي العجز في الميزانية ، هو أولاً تعويض مستحق عن انخفاض الأجور والمداخيل الفعلية الذي يفاقم البؤس الاجتماعي مع كل هبة غلاء ، والذي هو ناتج أصلاً عن النهب الفاحش لفضل القيمة والنهب الداخلي للاقتصاد من خلال احتكار السياسة والدولة . وهو ثانياً ليس منة أو تكرمة تقدمها الدولة بل هي واجب أساسي من واجباتها ، ويتقدم سلم أولوياتها ، أي التدخل المشروع والمسؤول لإعادة توزيع الناتج المحلي الانتاجي لصالح المتضررين من سوء توزيع الثروة أو سوء التصرف بمقدرات البلاد .. ولتذكير من تنفعه الذكرى .. إن الدعم الحكومي لذوي الدخول الضعيفة ، هو أحد المقاييس الحضارية عبر التاريخ ، وليس هو " موضة اشتراكية " أو بدعة من بدع العصر . ففي معظم معظم دول العالم تقوم الدولة ببناء السكن الرخيص والخدمات المجانية الاجتماعية والصحية والانسانية وقسم منها يقدم الدعم لإيجارات السكن ، والدعم ، غير الضان الاجتماعي ، للذين بلاعمل ، وتخصص مبالغ كبيرة في ميزانياتها لدعم تربية الأطفال والعناية بالشيخوخة
وإذا ما عدنا إلى مقاربة الحلول التي يتضمنها برنامج الحكومة لتفادي العجز في الميزانية ، ندرك فداحة ما سيحدث من أزمات اجتماعية كبرى لاحقاً . ذلك أن إلغاء الدعم الحكومي للسلع المعاشية الأساسية ، يعني أن على كل عائلة أن تدفع ما يعادل أربعة آلاف ليرة شهرياً أي نصف راتب أو أجر شهري متوسط ، بمعنى أكثر وضوحاً ، أن المجتمع أمام موجة جديدة من الغلاء .. أمام أنحدار مأساوي آخر نحو أعماق البؤس . وهذا ما يشكل عقاباً بشعاً للإنسان الكادح والفقير على بؤسه المفروض عليه رغماً عنه بفعل التمايز الطبقي التارخي الظالم ، في وقت يتجاهل فيه البرنامج المصادر الحقيقية لعجز الميزانية ، ويتجاهل من يستحوز على ما يعادل مرتين ونصف المرة حجم الدعم المقدم للقوى الشعبية أي 30% من الناتج المحلي الانتاجي من خلال الفساد .. ومن يستحوز على ما يعادل حجم الدعم من خلال التهرب الضريبي .. ومن ساهم بخراب الاقتصاد بما يعادل ضعف مبلغ الدعم من خلال النهب من المال العام وتهريب أكثر من مائة مليار دولار إلى خارج البلاد الذين هربوا مع المنهوبات كما فعل خدام ومنهم مازال داخل الوطن يتمتع بما سطا عليه ونهب .. طبعاً مع تجاهل حجم الانفاق الأمني والبذخ الحكومي والإداري . والأهم .. الأهم تجاهل أهمية فتح المجال لمعرفة الذمة المالية لأهل الحكم وتوابعهم وحلفائهم ، الذي سيقدم دون أدنى ريب معطيات أخرى عن المزاريب التي تدفق منها المال العام إلى صناديق وحسابات هذه الذمم في الداخل والخارج .. مع تجاهل لافت لعائدات البترول السوري وخاصة بعد الارتفاع الصاروخي لأسعاره في المدة الأخيرة .. كم يبلغ حجمها .. وما هو الحيز الذي تشغله في حجم الناتج المحلي الانتاجي .. وطمس متعمد لكونها قادرة بامتياز على تغطية الدعم " المكروه " لدى مهند سي الاقتصاد السوري الكرماء
إن تواصل تطبيق الإجراءات الاقتصادية - الاجتماعية الآنفة الذكر وتنفيذ تخفيض الدعم الحكومي للسلع الشعبية , وفتح المجال للرأسمال الخاص باستثمار شركات تابعة للدولة مع ما يرافقه من حملات اعتقالات ومحلكمات وا ستدعاءات أمنية للمثقفين ونشطاء الرأي ، يفتح المجال لإحتمالات أكثر سوءاً .. أكثر مما يمكن تصوره الآن .. على الصعد كافة . ذلك أنه يدفع الحالة المعيشية للقوى الشعبية إلى مزيد من البؤس والتدهور لصالح الرأسمالية السلطوية وشركائها المحليين والخليجيين ، ويخلق شروطاً سياسية واجتماعية مشحونة بحساسية بالغة قابلة للتفجر الكارثي
وفي هذا المشهد المأزوم المركب يفتقد للأسف الشديد الفعل النقابي الكفاحي والفعل السياسي الثوري إن سبباً واحداً من أسباب أزمات سوريا المركبة يخلق في بلدان أخرى إنتفاضة كما حصل مؤخراً في فرنسا .. وربما يسقط عهد .. أما في سوريا ... فالمسألة ذات شجون
إن ما يجري الآن في سوريا من انتهاكات ظالمة لحقوق العمال النقابية والسياسية والمعاشية ، ومن تهديد جدي للقمة ومستقبل كل القوى الاجتماعية الشعبية والمجتمعية الديمقراطية ، يؤكد أكثر من أي وقت مضى على أهمية وجود حزب عمالي .. وجود تحالف يساري ديمقراطي قادر على أن يشكل محور فعل ديمقراطي اجتماعي معارض وعلى وجودحركة نقابية كفاحية مستقلة قادرة على قيادة ملايين العمال دفاعاً عن حقوقهم المشروعة
حقاً بؤساء نحن العمال .. نحن الذين نعيش من بيع قوة عملنا الجسدية والذهنية .. نحن الفقراء جميعاً .. وسنكون أكثر بؤساً إذا لم نأخذ قضيتنا بأيدينا
صحيح القول .. أن الصراع مع الاستبداد ديمقراطي الطابع .. لكن القول الأكثر صحة .. هو : أنه اجتماعي المضمون أيضاً .. إن الحرية لاتنفصل عن الرغيف
وهذا ما ينبغي أن تبنى عليه الرؤى .. والسياسات .. والتحالفات .. والنضالات
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكواكبي يصارع الأفعى مرتين
-
من هو قاتل الطفلة حنان المحمد ؟
-
الطبقة العاملة تدق أبواب دمشق
-
احتفاء ب - حفيد امريْ القيس
-
إعادة إنتاج الاستبداد .. من قمع عرفي إلى قمع - قانوني
-
المعارضة السورية ومفترق الطرق
-
أول أيار .. نضالات ورؤى وأمنيات
-
رحل كمال دون وداع ..
-
انتصار اليسار الفرنسي .. تجربة وآفاق
-
جنرالات الأرصفة
-
من أجل الحرية .. والرغيف معاً
-
النصر لجماهير فرنسا الشجاعة
-
أما آن لليسار أن يتوحد .. ؟
-
ضد حالة العار السياسي .. حالة الطوارئ
-
مع المرأة .. الأم .. والحبيبة .. في عيدها العالمي
-
أزمة الأزمة في الاقتصاد السوري
-
حول قانون الأحزاب في سوريا
-
في ذكرى الزعيم عبد الكريم قاسم
-
الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 3
-
الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 2
المزيد.....
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
-
Greece: Great Strike Action all Over Greece November 20
-
25 November, International Day for the Elimination of Violen
...
-
25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
-
استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين
...
-
هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ
...
-
-فولكسفاغن-.. العاملون يتخلون عن جزء من الراتب لتجنب الإغلاق
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|