أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - منهل السراج - حقيبة فاتح جاموس














المزيد.....

حقيبة فاتح جاموس


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1584 - 2006 / 6 / 17 - 11:14
المحور: حقوق الانسان
    


آخر قطعة وضعها في حقيبة السفر كانت أفرولاً من المخمل الأبيض لحفيده المنتظر. قال: أراهنكم.. سأكون أكثر طفولة منه. انبعث صوت خشخيشة الطفل من حقيبة سفره المتواضعة، فيما راح يضع بعناية فائقة غرسة صنوبرة صغيرة لابنه مهندس الزراعة.
هواتف ابنته لم تتوقف: سيعتقلونك في المطار، بابا جاءتنا أخبار تؤكد أنهم سيفعلون.
نظرت في عينيه متسائلة عن قراره. ابتسم. ثم قال: الآن أعذر كل من يلجأ خارج البلد.
تناول بضع حبات من الزيتون كي يسكت إلحاحي على أن يأكل جيداً. كأني كنت أرى قبضاتهم وهي تزج به خلف القضبان.
حين سمعت بخبر اختطافهم له من المطار.. كتبت له رسالة. أبقيتها بعضاً من الوقت في علبة الصادر لأني لا أعرف عنوانه، مثل كل المخطوفين هو.
أفترض أن مايا ابنته ستوصلها إليه، أرسلها إليها إذاً. وغرقت في وحدة خرساء.

صديقنا الغالي فاتح:
أعرف أنك لن تقرأ رسالتي الان. لكن لن أؤجل إرسالها إلى أن يكون بمقدورك ذلك. إن ماخلقته بيننا، وما تركته فينا لا يمكن تأجيل الحديث عنه. طفلنا "عاصي" مايزال مبتهجاً بقدومك، رائقاً وهادئاً.. ابتساماتك ومداعباتك له ملأته طاقة وزادته إشراقاً.
لم يؤجلوا قرارهم حتى تغرس الصنوبرة وتقبل يد حفيدك، وتقدم لمايا وأمها لوح الشوكولا الغامق الذي تفضلانه.
ولم يمهلوا أم مايا كي تعدّ الإفطار لك بعد غياب.. أم مايا التي عشقتها في السنة الثانية هندسة، فنسيت دروسك، وأضعت عاما ما فتئت تذكره كأن طعم العشق بعد كل هذه السنين مازال طازجاً ويملأ القلب.
وأنا كعادتي دائماً أقول كلمتي بعد أوانها. لم أعرف حين أبلغت خبر المطار إلا أن أقول: لكنه لم يتناول الفاكهة ولم يأكل جيداً، أخشى أنه سيمرض في أجواء غرفهم القبيحة.. وزرعته ستتلف، وأشياء الحفيد وشوكولا ابنته..
أعلم أن صمودك بديهة وأعرف أن ممارساتهم بديهة، ولكن كيف ستربح رهانك معنا؟. لابد أن تكون أول من يقبِّل جبين الطفل الجديد، وتثبت أنك أكثر طفولة منه. الخير بداخلك يفيض ويعلم القاضي كيف يكون ثوب العدل نظيفاً.
هذا نص رسالتي التي أرسلت. والآن علي أن أضيف:
لكن لم تشهد ولادة الطفل. بل ضاقت صدور الطغاة عن احتمال حقيقة الطفولة في عنادك الحقّ.
و ها هي اللغة أضيق من أن تشرح ما حدث.
يوماً ما علمت أنهم اعتدوا بالضرب على عارف دليلة في سجنه. لم أصدق.. غير معقول. كنت قد حضرت بعض محاضراته وأخِذتُ بهدوء لغته الواثقة وصدقها وقوتها. فقلت: لا.. مستحيل، هي مبالغات صحفية. لا يمكن أن يُضرب ويُهان رجل بهذه الهيبة وهذا الحضور. لكنهم فعلاً مارسوا هذا. وها هم يرتكبون الفعل نفسه مع رجل سبق أن قال كلمته فسلبوه ثماني عشرة سنة من عمره في ظلمات معتقلاتهم.
و لا أدري ماذا هم بعدُ فاعلين.
لِمَ رفضت البقاء في أوروبا يا فاتح؟
هل كان عليك أن تخجل من اللجوء خارج البلد؟.
ألا يكفيك نصف عمرٍ فقدته في السجون؟
وماذا إن قرأت في كلامي أن على الشعب السوري كله أن يهاجر خارج البلد؟ أظن أن الكل لديه أسباب مقنعة جداً لنيل اللجوء.
لا بأس، تخيّل حصول ذلك.
ترى ما الذي سيفعله المستبدون ببلد فرغت من أهلها؟
وعلى من سيستبدون؟



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وصفة لشهرة. وصفة للسترة
- جمعيات سقط عتب
- ترى... من هو عريس الليلة!
- أما أنا فأفهمك يانجيب
- بترحلك مشوار؟
- بأي حق يغتالون الصداقة


المزيد.....




- ترسيم حدود سوريا ولبنان وعودة اللاجئين يتصدران مناقشات الشرع ...
- ’الأونروا’ تصف أوضاع غزة بـ-الجحيم- وتحذّر من كارثة إنسانية ...
- الأمم المتحدة: الوضع الإنساني في غزة الأسوأ منذ بدء الحرب
- إسرائيل توظّف النفايات كسلاح لإبادة الفلسطينيين، وتهندس واقع ...
- 3500 أكاديمي إسرائيلي يطالبون بوقف الحرب على غزة مقابل استعا ...
- برنامج الأغذية العالمي وتحدي الجوع بغزة
- السعودية.. وزارة الداخلية تعلن إعدام سوداني وتكشف عن جريمته ...
- 1600 جندي إسرائيلي سابق يطالبون بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى
- حماس تعلن عن شروطها لإطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين
- حصيلة صادمة.. ووتش تدعو أوروبا إلى إنقاذ المهاجرين بتفعيل ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - منهل السراج - حقيبة فاتح جاموس